الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الركون إلى الظالمين

فيقولون: كيف تنتخبون "السيسي"؟ هذا من الركون للذين ظلموا! كما قالوا مِن قبل كيف تشاركون في

الركون إلى الظالمين
عصام حسنين
الأحد ١٨ مايو ٢٠١٤ - ١٩:٠٤ م
7320

الركون إلى الظالمين

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فليس من العدل والإنصاف، ولا من سمات أهل الحق أنهم يرفضون أمرًا إلا بعد الإحاطة به من جميع جوانبه، لا أن يحيطوه بهالة من الشبهات بالباطل؛ خاصة إذا كانت تتعلق بالدين، ويترتب عليها عمل يظن صاحبه أنه يتقرب به إلى الله، فيسفِك دمًا أو يُسفك دمه أو يُسجن... أو النظر تحت الأقدام دون الرجوع لأهل العلم لاستطلاع الموقف الواجب شرعًا اتخاذه.

ومن أمثلة ذلك: ما يثار حول الدستور من شبهات والتي أغلبها كذب، وجلي جدًّا أن مروجها أحد رجلين: إما مفترٍ أو لم يقرأ الدستور، وإن قرأه لم يتبع القواعد المتبعة للنقد، ومِن ثَمَّ الحكم العادل.

ومِن قواعد العدل: ذكر محاسنه ومساوئه، والموازنة بينهما؛ فإن كان خيره أكثر مِن شره أو عند المقارنة مآلاً بين شره وشر غيره من إعلانات دستورية قد لا نشارك فيها أو العودة إلى دستور "71" الذي فيه الشريعة من مصادر التشريع - كان الواجب اختياره وتقديمه على غيره، وإن كان العكس كان الحكم بالرفض!

وهذه قواعد شرعية يجب مراعاتها لتحصيل المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها.

ومن أخطر هذه الشبهات التي رددها الكثير أن:

"المشاركة في الاستفتاء... ركون إلى الظالمين!"، وقد نُهينا عن ذلك بقوله -تعالى-: (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) (هود:113).

والجواب عن هذه الشبهة يكون بالرجوع إلى أقوال المفسرين فيها، ثم نرجع إلى الواقع وننظر: هل تحقق الركون أو لا؟

"الركون هو: الإسناد والاعتماد، والسكون إلى الشيء والرضا به. قال قتادة -رحمه الله-: لا تودوهم ولا تطيعوهم. وقال أبو العالية: ولا ترضوا أعمالهم. وكله متقارب. وقال ابن زيد: الادهان -المصانعة- وذلك ألا ينكر عليهم كفرهم. (الَّذِينَ ظَلَمُوا): قيل: أهل الشرك، وقيل: عامة فيهم وفي العصاة. قال القرطبي: وهو الصحيح. فإن كانت عن ضرورة وتقية فهو مستثنى. والله أعلم" (اهـ من مختصر تفسير القرطبي 2/ 414).

وقال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: "عن ابن عباس: لا تداهنوا، وعنه أيضًا: هو الركون إلى الشرك... وقال أبو العالية: لا ترضوا بأعمالهم، وقال ابن جرير: وعن ابن عباس: ولا تميلوا إلى الذين ظلموا، وهذا القول  حسن؛ أي لا تستعينوا بالظلمة فتكونوا كأنكم قد رضيتم بأعمالهم".

نخلص مِن ذلك إلى أن الركون هو الاستعانة بالظلمة والطاعة لهم في ظلمهم والرضا بأعمالهم وعدم الإنكار عليهم، وإذا ما نظرنا إلى الواقع وتعاملنا مع المشهد السياسي إلى يومنا هذا نجد أننا أنكرنا الظلم من أي أحد كائنًا مَن كان، وحاولنا بشتى الطرق منعه سواء أيام حكم الإخوان أو لما تأزمت الأمور قبل "30-6" وما بعدها، ووقع القتل والاعتقالات وغيره.

وظهورنا في خريطة الطريق: لدرء المفاسد وجلب المصالح، مثل منع العودة لدستور "71"، والحفاظ على مواد الهوية في الإعلان الدستوري، ومنع استهداف الملتحين والمنقبات في الشوارع وأماكن العمل وغيرها، وحدوث التمييز بين الخطاب العنيف التكفيري والخطاب الدعوي السلمي الذي غرضه تحبيب الناس في الدين ورب العالمين؛ لا تنفيرهم من دينهم.

وللسعي في المصالحة وحقن الدماء، وإخراج المعتقلين "خاصة النساء"، ومنع الاحتراب الداخلي وهدم الدولة! والنصح الدائم لمن بيده القرار، والتعاون على البر والتقوى حتى إن كانوا ظلمة فقد قال -صلى الله عليه وسلم- يوم صلح الحديبية عن مشركي قريش -وهم مَن آذوه وأخرجوه وأصحابه من مكة وقتلوا أصحابه وعمه حمزة وصدوه عن بيت الله الحرام-: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا) (رواه البخاري).

ومِن هذا الباب: المشاركة في "لجنة الخمسين"؛ لتحقيق المصالح الشرعية مِن جعل أحكام الشريعة المرجعية العليا للقوانين في البلاد التي تحفظ النظام العام للبلاد وتحكمه بما لا يخالف الشريعة، وقد وفق الله -وله الحمد والمنة- في ذلك مما يبشر بالخير، ونؤمِّل مِن ورائه خيرًا -إن شاء الله-.

ولا علاقة للآية -والحمد لله- بهذه المشاركة؛ فنحن لم نرضَ بظلم وقع، ولا استعنا بظالم لنعينه على ظلمه، ولا رضينا، ولا داهنا، وبيانات الدعوة خير دليل، ومجهودات الحزب في "لجنة الخمسين" أيضًا خير دليل، واسمعوا لتصريحات د."أبو الغار"؛ لتعلموا ذلك!

هذا ما كنتُ كتبتُه بعد قرار الدعوة والحزب بالموافقة علي الدستور، ودعوة الناس للتصويت عليه بالموافقة! واليوم بعد موافقة الدعوة والحزب على دعم المشير "السيسي" في انتخابات الرئاسة بأغلبية كبيرة؛ خرج علينا المخالف للخلاف، ومِن أحسن الظن بنفسه وأساء الظن بإخوانه أو مَن في صدره إحن من شيخ أو داعية بالشبهات نفسها ظنًّا منه أنه بذلك يستطيع أن يهدم الدعوة بشماعة الحزب! وما الحزب إلا ابن للدعوة السلفية.

وهيهات... فالله -تعالى- لا يصلح عمل المفسدين، ولا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه، موافقًا لسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-!

وغرض هذه الشبهات الواهية التي تُلقَى هنا وهناك، والحرب التشويهية الدائرة هو: المنع من استكمال خريطة الطريق لصالح جهات متعددة كلها تصب في خراب البلد، وتضييع مصالح العباد، فهناك مَن يسعى للخراب وهو يعلم، وهناك مَن يظن أنه يحسن صنعًا تقليدًا لغيره دون بصيرة، وفي الوقت نفسه يرمينا نحن بدائه! نعوذ بالله!

فيقولون: كيف تنتخبون "السيسي"؟ هذا من الركون للذين ظلموا! كما قالوا مِن قبل كيف تشاركون في "لجنة الخمسين"؟ وكيف توافقون على الدستور؟ هذا من الركون للذين ظلموا... وهم بذلك يرتكبون إثمين: الأول أنهم يقولون في تفسير آيات الله بآرائهم دون اتباع منهج أهل السنة في التفسير، قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: "أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله ما لم أعلم"، وعن مسلم بن يسار قال: "إذا حدثت عن الله فقف حتى تنظر ما قبله وما بعده".

والإثم الآخر -وهو من البهتان-: أن ترمي بهذا الباطل بريئًا؛ فضلاً عمن يسعى لتحقيق مصالح الدين والدنيا، ويدرأ مفاسدهما، فالله المستعان.

وجوابنا عن ذلك هو جوابنا آنفًا، ونزيد: أننا طالبناه برفع المظالم ومنع التجاوزات الأمنية، فهل يسمي النصح وتقليل الشر ركونًا للظالمين؟!

هل يسمى إعمالنا لمقاصد الشريعة في تحصيل مصالح البلاد والعباد، ودرء المفاسد عنهم ركونًا للظالمين؟!

هل يسمى إعمال القواعد الذي ذكرها أهل العلم في ترتيب تولي الولايات ركونًا للظالمين؟!

أما القواعد الشرعية التي اعتمد عليها الأغلبية الكبيرة من هيئة الحزب العليا، وكذا مجلس إدارة الدعوة ومجلس الشورى العام في دعم المشير "السيسي"، فهي:

- مراعاة موازين المصالح والمفاسد.

- مراعاة موازين القدرة والعجز.

- فقه المآل.

- الضرر يزال.                                                             

- دفع الضرر العام بتحمل الضرر الخاص.

- تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.

- احتمال الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى.

- تحصيل أكمل المصلحتين وإن فات أدناهما.

- مراعاة الأولويات بين المصالح.

- التأني والرفق، وترك العجلة والشدة في غير موضعها.

- الحرص على التوافق بما لا يخالف الثوابت.

- تكثير الخير والصلاح وتقليل الشر والفساد.

- ترتيب المصالح والمفاسد.

- الترتيب الذي ذكره أهل العلم في تولي الولايات.

وهذه قواعد السياسة الشرعية التي في اتباعها الخير والبركة.

وأما تولي الولايات: فلابد مِن رئيس للدولة؛ وإلا صارت أمور الناس فوضى، تُسفَك الدماء وتنهب الأموال، وتُهتك الأعراض، ويأكل القوي الضعيف؛ هذا داخليًّا، وأمّا خارجيًّا: تهون الدولة على الدول الاستعمارية المتربصة "بمصر" قلب العالم العربي والإسلامي النابض، أي ضاعت مصالح الناس الضرورية والحاجية والتحسينية التي جاءت الشريعة في جميع أحكامها لتحصيلها والحفاظ عليها وزيادتها، ودفع المفاسد عنها أو تقليلها إن ُوجدت.

قال علي -رضي الله عنه-: "لابد للناس من إمارة برة أو فاجرة. فقيل: يا أمير المؤمنين، هذه البرة قد عرفناها، فما بال الفاجرة؟ قال: تقام بها الحدود، وتأمن السبل، ويجاهد العدو، ويقسم بها الفيء".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "يجب أن يُعرَف أن ولاية أمر الناس مِن أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولابد لهم عند الاجتماع من رأس حتى قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (إِذَا خَرَجَ ثَلاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني). وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يَحِلُّ لِثَلاثَةِ نَفَرٍ يَكُونُونَ بِأَرْضِ فَلاةٍ إِلا أَمَّرُوا عَلَيْهِمْ أَحَدَهُمْ) (رواه أحمد، وصححه الشيخ أحمد شاكر).

وأوجب -صلى الله عليه وسلم- تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيهًا بذلك على سائر أنواع الاجتماع، ولأن الله -تعالى- أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل، وإقامة الحج، والجمع والأعياد، ونصر المظلوم، وإقامة الحدود - لا تتم إلا بالقوة والإمارة؛ ولهذا روي: أن السلطان ظل الله في الأرض، ويقال: ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان، والتجربة تبين ذلك، ولهذا كان السلف -كالفضيل بن عياض، وأحمد بن حنبل، وغيرهما- يقولون: لو كان لنا دعوة مجابة لدعونا بها للسلطان" (مجموع الفتاوى "السياسة الشرعية" 28/ 390).

وأما مَن يقدَّم في الولايات، فيقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: "ولهذا يجب على كل ولي أمر أن يستعين في ولايته بأهل الصدق والعدل، والأمثل فالأمثل، وإن كان فيه كذب وفجور، فإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر، وبأقوام لا خلاق لهم، قال عمر -رضي الله عنه-: مًن قلد رجلاً على عصابة، وهو يجد في تلك العصابة مَن هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله وجماعة المؤمنين، والغالب أنه لا يوجد الكامل في ذلك، فيجب تحري خير الخيرين، ودفع شر الشرين، وقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- يفرحون بانتصار الروم والنصارى على المجوس عباد النار؛ لأن النصارى أقرب إليهم من أولئك، وكان يوسف الصديق -عليه السلام- نائبًا لفرعون مصر، وهو وقومه مشركون، وفعل مِن الخير والعدل ما قدر عليه، ودعا إلى الإيمان بحسب الإمكان" (مجموع الفتاوى "الحسبة" 28/ 67).

وقال أيضًا: "اختيار الأمثل فالأمثل إذا عرف هذا، فليس له -أي: ولي الأمر- أن يستعمل إلا أصلح الموجود، وقد لا يكون في موجوده مَن هو صالح لتلك الولاية، فيختار الأمثل فالأمثل في كل منصب يحسبه، وإذا فعل ذلك بعد الاجتهاد التام، وأخذه للولاية بحقها؛ فقد أدى الأمانة، وقام بالواجب في هذا، وصار في هذا الموضع من أئمة العدل والمقسطين عند الله، وإن اختل بعض الأمور بسبب من غيره إذا لم يمكن إلا ذلك، فإن الله يقول: فاتقوا الله ما استطعتم، ويقول: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" (السياسة الشرعية).

وقال أيضًا: "وَلا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ عَوْنًا عَلَى ظُلْمٍ; فَإِنَّ التَّعَاوُنَ نَوْعَانِ: الأَوَّلُ: تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى مِنْ الْجِهَادِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَاسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ وَإِعْطَاءِ الْمُسْتَحَقِّينَ: فَهَذَا مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ.

وَالثَّانِي: تَعَاوُنٌ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، كَالإِعَانَةِ عَلَى دَمٍ مَعْصُومٍ، أَوْ أَخْذِ مَالٍ مَعْصُومٍ أَوْ ضَرْبِ مَنْ لا يَسْتَحِقُّ الضَّرْبَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَهَذَا الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ... ومَدَارَ الشَّرِيعَةِ عَلَى قَوْلِهِ -تَعَالَى-: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن:16); وَعَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: (إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (متفق عليه). وَعَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ تَحْصِيلُ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلُهَا؛ وَتَعْطِيلُ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلُهَا، فَإِذَا تَعَارَضَتْ كَانَ تَحْصِيل أَعْظَمِ الْمَصْلَحَتَيْنِ بِتَفْوِيتِ أَدْنَاهُمَا، وَدَفْعُ أَعْظَمِ الْمَفْسَدَتَيْنِ مَعَ احْتِمَالِ أَدْنَاهَا: هُوَ الْمَشْرُوع.

وَالْمُعِينُ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ مَنْ أَعَانَ الظَّالِمَ عَلَى ظُلْمِهِ، أَمَّا مَنْ أَعَانَ الْمَظْلُومَ عَلَى تَخْفِيفِ الظُّلْمِ عَنْهُ أَوْ عَلَى أَدَاءِ الْمَظْلِمَةِ: فَهُوَ وَكِيلُ الْمَظْلُومِ; لا وَكِيلُ الظَّالِمِ; بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يُقْرِضُهُ، أَوْ الَّذِي يَتَوَكَّلُ فِي حَمْلِ الْمَالِ لَهُ إلَى الظَّالِمِ.

مِثَالُ ذَلِكَ: وَلِيُّ الْيَتِيمِ وَالْوَقْفِ إذَا طَلَبَ ظَالِمٌ مِنْهُ مَالا فَاجْتَهَدَ فِي دَفْعِ ذَلِكَ بِمَالِ أَقَلَّ مِنْهُ إلَيْهِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ بَعْدَ الاجْتِهَادِ التَّامِّ فِي الدَّفْعِ ؛ فَهُوَ مُحْسِنٌ، وَمَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ... كَذَلِكَ لَوْ وُضِعَتْ مَظْلِمَةٌ عَلَى أَهْلِ قَرْيَةٍ أَوْ دَرْبٍ أَوْ سُوقٍ أَوْ مَدِينَةٍ فَتَوَسَّطَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مُحْسِنٌ فِي الدَّفْعِ عَنْهُمْ بِغَايَةِ الإِمْكَانِ، وَقَسَّطَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ مُحَابَاةٍ لِنَفْسِهِ، وَلا لِغَيْرِهِ، وَلا ارْتِشَاءٍ،بَلْ تَوَكَّلَ لَهُمْ فِي الدَّفْعِ عَنْهُمْ وَالإِعْطَاءِ: كَانَ مُحْسِنًا; لَكِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَنْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ يَكُونُ وَكِيلُ الظَّالِمِينَ مُحَابِيًا مُرْتَشِيًا مَخْفَرًا لِمَنْ يُرِيدُ -أي يدافع عنه- وَآخِذًا مِمَّنْ يُرِيدُ. وَهَذَا مِنْ أَكْبَر ِالظَّلَمَةِ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ فِي تَوَابِيتَ مِنْ نَارٍ هُمْ وَأَعْوَانُهُمْ وَأَشْبَاهُهُمْ ثُمَّ يُقْذَفُونَ فِي النَّارِ" (المصدر السابق).

قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- معلقًا على قول شيخ الإسلام: "وَالْمُعِينُ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ مَنْ أَعَانَ الظَّالِمَ عَلَى ظُلْمِهِ، أَمَّا مَنْ أَعَانَ الْمَظْلُومَ عَلَى تَخْفِيفِ الظُّلْمِ عَنْهُ أَوْ عَلَى أَدَاءِ الْمَظْلِمَةِ: فَهُوَ وَكِيلُ الْمَظْلُومِ; لا وَكِيلُ الظَّالِمِ؛ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يُقْرِضُهُ، أَوْ الَّذِي يَتَوَكَّلُ فِي حَمْلِ الْمَالِ لَهُ إلَى الظَّالِمِ...": "هذا كلام يكتب بماء الذهب! ونحن نرجو أن نكون كذلك، بل نسعى في ذلك، والحمد لله".

وقال العز بن عبد السلام -رحمه الله-: "فائدة: في تقديم غير العدل في الولاية: إذا لم نجد عدلاً يقوم بالولايات العامة والخاصة قدِّم الفاجر على الأفجر، والخائن على الأخون؛ لأن حفظ البعض أولى من تضييع الكل، وفي مثله في الشهادات نظر" (القواعد الصغرى 107).

وهذا من الفقه العظيم لا هوى أو جهالة، وهذا ولا شك من التأكيد على وجوب تولية الأنسب وعدم ترك الناس هملاً بلا سلطان؛ لأن حفظ بعض مصالح الناس أولى من تضييعها!

وبناءً على ما سبق نقول: نحن لا نختار أمير المؤمنين، وإنما نختار رئيس جمهورية مصر العربية الدستورية الحديثة، وهذا ما قلناه عند انتخاب الدكتور "محمد مرسي"، ونقوله اليوم أيضًا حتى لا تقع المفاسد التي ما زالت البلاد تصطلي بنارها إلى يومنا هذا، والاختيار هو لأمثل الموجودين الذي تتحقق به مصلحة البلاد والعباد، وتدرأ به المفاسد عنهم قدر الإمكان، وهذا ما وجدناه في المشير "عبد الفتاح السيسي" الذي نسأل الله أن يوفقه لذلك، وهذا بعد بذل الجهد واستفراغ الوسع في معرفة الأمثل، وبركة الشورى، و(لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا) (البقرة:286).

ثم تفعيل الدستور الذي تحكمه الشريعة يحتاج إلى تكاتف القوى الصادقة المخلصة التي تجتمع وتأتلف على تنفيذ الواجب رويدًا رويدًا.

والله المسئول أن يحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين مِن مكر الماكرين، وكيد الفاجرين.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً