مسئولية
المسلم في إصلاح المجتمع (خطبة مقترحة)
كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
الغرض من الخطبة:
بيان عظيم مسئولية المسلم في إصلاح المجتمع، وذلك من خلال الوصية الخامسة
من وصايا لقمان -عليه السلام- لولده.
المقدمة:
- لقمان -عليه السلام- يواصل بناء بنيانه على أعظم أسس؛
فبعد التوحيد، وبر الوالدين، وإصلاح النفس بالصلاة، انتقل إلى مسئولية المسلم في
إصلاح الغير: قال الله -تعالى- عنه: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)
(لقمان:17).
- فرق كبير بين مَن يغرس في ولده مسئولية إصلاح المجتمع،
ومَن يغرس عكسه مِن حب المنكرات وإشاعتها و.. : قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا
مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا
يُؤْمَرُونَ) (التحريم:6)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، حَفِظَ
ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ) (رواه ابن حبان، وصححه الألباني).
1- وجوب إصلاح المجتمع على المسلمين:
- الإسلام يُلزِم المسلم بالتعاون مع غيره لإصلاح
المجتمع بقدر طاقته: قال الله -تعالى-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا
عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة:2).
تنبيه هام:
ميزان الإصلاح والإفساد هو ميزان الشرع، وليس كما يتوهمه
دعاة التحرر من الدين: قال الله -تعالى-: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ
إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) (البقرة:11).
- يحسن بالخطيب أن يعرِّف الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر شرعًا، وملخصه: الأمر بالمعروف: اسم جامع لكل ما طلبه
الشرع واستحسنه، والنهي عن المنكر: اسم جامع لكل ما نهى عنه الشرع واستقبحه.
- الإسلام يمنع المسلم من الإفساد في المجتمع والإعانة
عليه: قال الله -تعالى-: (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض بَعْدَ إِصْلاَحِهَا) (الأعراف:56)، وعن جابر -رضي الله عنه- قال: "لَعَنَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَكَلَ الرِّبَا، وَمُوَكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ،
وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: (هُمْ سَوَاءٌ) (رواه مسلم).
2- الأدلة على مسئولية
المسلم في إصلاح المجتمع:
- مِن صفات المؤمنين اللازمة لهم، وسبب رحمتهم: قال الله -تعالى-: (وَالْمُؤْمِنُونَ
وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:71).
- سبب فلاح المجتمع الإسلامي: قال الله -تعالى-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ
أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ
وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران:110).
- أمر الله به المؤمنين، ونوَّع لهم طرقه على حسب قدرتهم
واستطاعتهم: قال الله -تعالى-: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ
وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) (آل عمران:104)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ
مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ
لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ) (رواه مسلم).
- تركه سبب الهلاك في الأمم السابقة: قال الله -تعالى-: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا
مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ
بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ . كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ
فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (المائدة:78-79).
3- تعليل مسئولية المسلم عن
إصلاح المجتمع:
أولاً: الإنسان يتأثر
بالمجتمع صلاحًا وفسادًا:
- الإنسان يتأثر بالبيئة التي يعيش فيها "السلوك -
النظام - الكلام - النظافة - ... ": قال الله -تعالى-: (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا
وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ)
(التوبة:97)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الْفَخْرُ وَالْخُيَلاءُ
فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ)
(متفق
عليه).
- البيئة تؤثر على دين الإنسان: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ
مَوْلُودٍ إِلا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ
وَيُمَجِّسَانِهِ) (متفق عليه).
- المنافقون يعلنون الكفر ويفجرون إذا ضعف المسلمون،
والعكس: قال الله -تعالى-: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ
اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ
لَكَاذِبُونَ) (المنافقون:1)، وقال عنهم لما أصيب المسلمون: (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ
الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ) (المنافقون:8).
- الطاعة تزيد في المجتمع بكثرة الفاعلين وتقل بقلتهم: "سهولة صيام شهر رمضان - صعوبة صيام النوافل".
ثانيًا: وجوب إقامة المجتمع
الصالح:
- الواجب على المسلم تحقيق الغرض الذي من أجله خُلق: قال الله -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ
وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56).
- المجتمع الإسلامي المطلوب هو الذي تقام فيه هذه المهمة
العظيمة: قال -تعالى-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ... )
(آل
عمران:110).
- المسلمون مأمورون بهجرة بلاد الكفر والفجور حفاظًا على
دينهم: قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ
قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ... ) (النساء:97)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ
كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ) (رواه أبو داود والترمذي، وحسنه
الألباني). (وهذا ما لم يكن هناك غرض شرعي صحيح: كالدعوة
إلى الله، وإنقاذ مسلم).
- ولذا وجب على المسلم أن يتعاهد المجتمع بالإصلاح: قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ
فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا
عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) (الحج:41).
ثالثًا: النجاة من العقاب
الجماعي:
- سنة الله في المجتمع الذي يشيع فيه المنكر، ويَترك
أفراده الإصلاح مع قدرتهم عليه أن الله يعمهم بالعقاب الجماعي: قال الله -تعالى-: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ
عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا
وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا) (الطلاق:8)، وقال -تعالى-: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ
الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
(الأنفال:25)، وعن زينب بنت جحش -رضي الله عنها- قالت: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا فَزِعًا مُحْمَرًّا وَجْهُهُ، يَقُولُ: (لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ
اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ)
وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ، وَالَّتِي تَلِيهَا، قَالَتْ فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: (نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ) (متفق عليه).
- ترك الإصلاح سبب في هلاك الجميع "ولو كان العصاة
لا يدركون قدر المخاطر المترتبة على المعاصي": قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ
القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا
عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا،
فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى
مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ
نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا،
وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا) (رواه البخاري).
- أصحاب السبت عبرة لغيرهم على اختلاف أحوالهم "عصاة
- دعاة - ساكتون": قال الله -تعالى-: (فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا
خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة:66)، وقال -تعالى-: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ
أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ
بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) (الأعراف:165).
4- فضل العمل على إصلاح
المجتمع والدلالة على الخير:
- أشرف وظيفة؛ لأنها وظيفة الرسل: قال -تعالى-: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ
دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)
(فصلت:33)، وقال -تعالى-: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو
إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ
وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لأَنْ يَهْدِيَ
اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ
النَّعَمِ) (متفق عليه).
- حاجتنا إلى الاقتداء بلقمان -عليه السلام- في تربية
الأبناء على تحمل مسئولية إقامة دين الله في الناس، والعمل على إصلاح المجتمع: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ
وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ
الأُمُورِ) (لقمان:17).
- ماذا لو أخرجت البيوت الأبناء على هذا النحو؟ (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا
الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ
وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) (الحج:41).
نسأل الله أن يجعلنا مِن العاملين لنصرة دينه، وأن يصلح بنا، وأن يجعلنا
هداة مهديين.
www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي