الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مناقشة هامة حول الغبن في البيع والشراء، وقوله -تعالى-: (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ)

السؤال: قد دل قول الله -تعالى-: (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ) (الأعراف:85)، على منع ظلم الناس في أموالهم وأشيائهم، وعلى المنع من غبنهم، ولكن هل هذا يسري على الأحوال الآتية: 1- علمتُ أن هامش الربح لابد أن يكون مقيدًا بسعر السوق حتى لا يحصل غبن للناس وظلم لهم، وأن ما زاد عن سعر السوق فلا يجوز، لكن ماذا بالنسبة للأسعار السياحية -كما يسمونها- والتي تباع فيها السلعة بأغلى مِن ثمنها بكثير -وربما بما يقارب ضعف ثمنها- فقط لأجل المنطقة أو المكان... فهل هذا جائز؟ وهل معنى ذلك أن السلعة -طعام أو غيره- في مكان "كالغردقة" أو "شرم" أو منطقة راقية في نفس المحافظة يجوز أن تباع بأغلى من ثمنها وتباع بنفس ثمنها في بيئة أو منطقة أخرى؟ 2- بناءً على ما سبق: ما حكم سائق الميكروباص الذي يستغل الزحام، ويقول للناس: الأجرة اليوم 2 جنيه، وهي في المعتاد 1.50 فقط مثلاً؟ 3- ما حكم سائق التاكسي الذي يركب معه أحد السياح -مسلم أو غير مسلم- فيطلب منه مبلغًا كبيرًا؛ لأنه من السياح، رغم أن نفس المسافة لو ركب فيه معه أحد آخر لم يدفع إلا أقل مما أخذه من السائح بكثير؟ 4- في حديث عروة البارقي -رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ شَاةً، فَاشْتَرَى لَهُ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْبَرَكَةِ، قَالَ: فَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ. (رواه البخاري). وقد استدل بعضهم بهذا الحديث على جواز الغبن، وعلى جواز التربح ولو بأضعاف كثيرة؛ لأن الصحابي لن يظلم أحدًا ويقره النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، فهو ربح مائة في المائة؛ فلو كان الغبن محرمًا لكان الصحابي غبن الرجل الأول حيث اشترى شاتين بدينار واحد، وغبن الرجل الثاني حيث باع له شاة بدينار كامل، وخصوصًا وأن في ختام الحديث: "فَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ". فما الحكم؟ وهل هذا مِن باب بخس الناس أشياءهم؟ 5- هل النصيحة للمشتري واجبة على البائع؟

مناقشة هامة حول الغبن في البيع والشراء، وقوله -تعالى-: (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ)
الجمعة ٠٦ يونيو ٢٠١٤ - ١١:٠٨ ص
4614

مناقشة هامة حول الغبن في البيع والشراء، وقوله -تعالى-: (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ)

السؤال: 

قد دل قول الله -تعالى-: (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ) (الأعراف:85)، على منع ظلم الناس في أموالهم وأشيائهم، وعلى المنع من غبنهم، ولكن هل هذا يسري على الأحوال الآتية:

1- علمتُ أن هامش الربح لابد أن يكون مقيدًا بسعر السوق حتى لا يحصل غبن للناس وظلم لهم، وأن ما زاد عن سعر السوق فلا يجوز، لكن ماذا بالنسبة للأسعار السياحية -كما يسمونها- والتي تباع فيها السلعة بأغلى مِن ثمنها بكثير -وربما بما يقارب ضعف ثمنها- فقط لأجل المنطقة أو المكان... فهل هذا جائز؟ وهل معنى ذلك أن السلعة -طعام أو غيره- في مكان "كالغردقة" أو "شرم" أو منطقة راقية في نفس المحافظة يجوز أن تباع بأغلى من ثمنها وتباع بنفس ثمنها في بيئة أو منطقة أخرى؟

2- بناءً على ما سبق: ما حكم سائق الميكروباص الذي يستغل الزحام، ويقول للناس: الأجرة اليوم 2 جنيه، وهي في المعتاد 1.50 فقط مثلاً؟

3- ما حكم سائق التاكسي الذي يركب معه أحد السياح -مسلم أو غير مسلم- فيطلب منه مبلغًا كبيرًا؛ لأنه من السياح، رغم أن نفس المسافة لو ركب فيه معه أحد آخر لم يدفع إلا أقل مما أخذه من السائح بكثير؟

4- في حديث عروة البارقي -رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ شَاةً، فَاشْتَرَى لَهُ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْبَرَكَةِ، قَالَ: فَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ. (رواه البخاري). وقد استدل بعضهم بهذا الحديث على جواز الغبن، وعلى جواز التربح ولو بأضعاف كثيرة؛ لأن الصحابي لن يظلم أحدًا ويقره النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، فهو ربح مائة في المائة؛ فلو كان الغبن محرمًا لكان الصحابي غبن الرجل الأول حيث اشترى شاتين بدينار واحد، وغبن الرجل الثاني حيث باع له شاة بدينار كامل، وخصوصًا وأن في ختام الحديث: "فَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ". فما الحكم؟ وهل هذا مِن باب بخس الناس أشياءهم؟

5- هل النصيحة للمشتري واجبة على البائع؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

1- فالزيادة عن سعر المثل بما يتسامح الناس في مثله يجوز البيع به بالتراضي، وأسعار كل بلد أو مكان أو حي بحسبه؛ فالأمر مردود للعرف، فما تعارف عليه الناس في "الغردقة" أو "شرم" ليس كالذي تعارفوا عليه في غيرها.

2- لا ينبغي للمسلم أن يستغل ضيق الأحوال على الناس ليزيدها ضيقًا مع أنه لا يوجد سبب يقتضي ذلك إلا ضرورة الناس، فما يصنعه ذلك السائق ونحوه هو مخالف للعرف في الزيادة.

3- لا يجوز له في البلد المعتاد فيه أجرة معينة أن يأخذ منه أكثر منها إلا اليسير الذي يتسامح الناس في مثله، ولو كان سائحًا مسلمًا أو غير مسلم.

4- فليس هذا غبنًا، بل هذا مما يتفاوت فيه سعر المثل داخل السوق، وهذا هو المعتبر.

5- النصح مشروع لكل مسلم، ولكن هناك قدر واجب وهو منع الغبن الفاحش، وهناك نصح مستحب مثل ما فعله جرير بن عبد الله -رضي الله عنه-؛ روى الحافظ أبو القاسم الطبراني بإسناده: "أن جريرًا أمر مولاه أن يشتري له فرسًا فاشترى بثلاث مائة درهم وجاء به وبصاحبه لينتقد الثمن، فقال جرير -رضي الله عنه- لصاحب الفرس: فرسك خير من ثلاثمائة درهم أتبيعه بأربع مائة درهم... ؟! ولم يزل به حتى بلغ ثمان مائة درهم فاشتراه بها! فقيل له في ذلك فقال: إني بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على النصح لكل مسلم".

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي