الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

وقفات مع حادثة تحويل القبلة (خطبة مقترحة)

كانت الجاهلية تغالي في تعظيم رجب وتهمل شهر شعبان، فجعل الله له مِن الخصائص ما زاده مكانة في نفوس المسلمين.

وقفات مع حادثة تحويل القبلة (خطبة مقترحة)
سعيد محمود
الثلاثاء ١٠ يونيو ٢٠١٤ - ٠٦:١٣ ص
26365

وقفات مع حادثة تحويل القبلة (خطبة مقترحة)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الغرض من الخطبة:

الوقوف على الفوائد والعبر في حادثة تحويل القبلة.

1- المقدمة: نبذة عن فضل شهر شعبان:

- كانت الجاهلية تغالي في تعظيم رجب وتهمل شهر شعبان، فجعل الله له مِن الخصائص ما زاده مكانة في نفوس المسلمين.

- جعله الله شهر ختام لأعمال السنة: عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: (ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).

- خصه الله بليلة كريمة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ينزل ربنا -تبار وَتَعَالَى- إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لأَهْلِ الأَرْضِ إِلا مُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ) (رواه أحمد وابن أبي عاصم في السنة، وصححه الألباني).

- خصه النبي -صلى الله عليه وسلم- بزيادة صيام: ففي حديث أسامة -رضي الله عنه- المتقدم قال: (فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ).

- خصه الله بحادثة تعلن للعالم تميز المسلمين عن غيرهم، وبراءتهم مِن كل ملة مخالفة، وهي: "حادثة تحويل القبلة".

2- ملخص الحادثة:

- يذكر الخطيب الحادثة بإجمال ثم يروى الحديث: عن البراء بن عازب -رضي الله عنه-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى صَلاَةَ العَصْرِ وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ صَلَّى مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ المَسْجِدِ وَهُمْ رَاكِعُونَ، قَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ، لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ البَيْتِ، وَكَانَ الَّذِي مَاتَ عَلَى القِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ قِبَلَ البَيْتِ رِجَالٌ قُتِلُوا، لَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) (البقرة:143)" (متفق عليه).

- القرآن ينزل بما سيكون من حال أهل الكفر والنفاق والشك: قال الله -تعالى-: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة:142).

السفهاء يقولون...

أما اليهود فقالوا: "خالف قبلة الأنبياء". وأما المشركون فقالوا: "رجع إلى قبلتنا يوشك أن يرجع إلى ديننا". وأما المنافقون فقالوا: "ما يدري أين يتوجه؟ إذا كانت القبلة الأولى حقًّا فقد تركها، وإن كانت الثانية هي الحق فقد كان على باطل!". ولنا مع ذلك وقفات...

الوقفة الأولى: عظيم مكانة النبي -صلى الله عليه وسلم- عند الله:

- استجاب الله دعاءه وحقق الله رجاءه: قال الله -تعالى-: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا) (البقرة:144).

- من مظاهر الإكرام للنبي -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا والآخرة: قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ) فذكره بمقام النبوة، وقال: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ... ) (الإسراء:1)، فمدحه بمقام العبودية، وقال: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) (الإسراء:79)، فاختصه بالشفاعة العظمى.

- وعلى قدر الهمة في الدين يغير الله لك الموازين: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ... فَأَدْنَى لِلْقَرْيَةِ حِينَ صَلاةِ الْعَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِلشَّمْسِ: أَنْتِ مَأْمُورَةٌ، وَأَنَا مَأْمُورٌ، اللهُمَّ، احْبِسْهَا عَلَيَّ شَيْئًا، فَحُبِسَتْ عَلَيْهِ حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ) (متفق عليه).

الوقفة الثانية: مكانة الأمة الإسلامية:

- زوال قيادة بني إسرائيل وقيام راية الدين عالميًّا بالأمة الإسلامية: قال الله -تعالى-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة:143)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَجِيءُ نُوحٌ وَأُمَّتُهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ -تَعَالَى-: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ، فَيَقُولُ لأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: لاَ، مَا جَاءَنَا مِنْ نَبِيٍّ، فَيَقُولُ لِنُوحٍ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُمَّتُهُ، فَنَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ، وَهُوَ قَوْلُهُ -جَلَّ ذِكْرُهُ-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَالوَسَطُ العَدْلُ) (رواه البخاري).

- أعظم الأمم وأسبقها فضلاً: قال الله -تعالى-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران:110)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أَنْتُمْ تُتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ) (رواه أحمد والترمذي، وحسنه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (نَحْنُ الآخِرُونَ الأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ) (متفق عليه).

- التحذير مِن الإعجاب بالأمم الكافرة: تنكُّر كثير ممن ينتسبون للإسلام مِن الانتساب للأمة الإسلامية، ومِن صور ذلك: "تقليدهم في نظم الحياة والقوانين، والسلوك، والأزياء، والكلام، و... !". قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ)، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، اليَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: (فَمَنْ) (متفق عليه).

الوقفة الثالثة: عظيم انقياد الصحابة -رضي الله عنهم-:

- سرعة استجابتهم واستسلامهم: قال البراء -رضي الله عنه-: "فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ صَلَّى مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ المَسْجِدِ وَهُمْ رَاكِعُونَ، قَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ، لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ البَيْتِ".

- مِن مواقف الانقياد والتسليم عند الصحابة -رضي الله عنهم-: "إراقة الخمور بمجرد التحريم - ارتداء الحجاب في بيت عائشة - والأعجب: خلع النعال أثناء الصلاة متابعة للنبي -صلى الله عليه وسلم- الذي خلعه لنجاسة فيه!".

- أين هذا مِن حال مَن يجادلون في آيات الله الشرعية؟! "أحكام المواريث - الحدود - الحجاب - ... ".

الوقفة الرابعة: النسخ منحة ومحنة:

- تحويل القبلة منحة ومحنة: قال الله -تعالى-: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ) (البقرة:143).

- منحة للمؤمنين: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا)، وقال: (الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال:66).

- محنة للمرتابين: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ . وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ) (التوبة:124-125).

- التحذير من طريقة العبادة المبنية على المصالح الدنيوية: قال الله -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) (الحج:11)، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- في الآية: "كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ المَدِينَةَ، فَإِنْ وَلَدَتِ امْرَأَتُهُ غُلاَمًا، وَنُتِجَتْ خَيْلُهُ، قَالَ: هَذَا دِينٌ صَالِحٌ، وَإِنْ لَمْ تَلِدِ امْرَأَتُهُ وَلَمْ تُنْتَجْ خَيْلُهُ، قَالَ: هَذَا دِينُ سُوءٍ" (رواه البخاري).

الوقفة الخامسة: عظيم أخوة الصحابة -رضي الله عنهم-:

- اهتمام الأحياء بمعرفة حال إخوانهم الأموات قبل التحويل: قال البراء -رضي الله عنه-: "وَكَانَ الَّذِي مَاتَ عَلَى القِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ قِبَلَ البَيْتِ رِجَالٌ قُتِلُوا، لَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)".

- وهكذا الأخوة الصادقة: روي في الخبر أن أهل الجنة يقولون: يا رب لنا إخوان كانوا يصلون معنا ويصومون معنا لم نرهم، فيقول: اذهبوا إلى النار وأخرجوا مَن كان في قلبه ذرة من إيمان، قال ابن الجوزي -رحمه الله- بعد ذكره هذا الخبر: "إن لم تجدوني في الجنة؛ فاسألوا عني فقولوا يا ربنا عبدك فلان كان يذكرنا بك، ثم بكى رحمه الله"، وقال الحسن -رحمه الله-: "استكثِروا مِن صحبة الصالحين فإن لهم شفاعة يوم القيامة".

- عظموا أخوة الدين على أخوة النسب: قول مصعب بن عمير -رضي الله عنه- لأخيه المشرك يوم بدر: "إن هذا الأنصاري هو أخي دونك!".

- يفرحون بفرح إخوانهم ويحزنون لحزنهم: دخول عمر -رضي الله عنه- على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وهما يبكيان، فقال: (يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ؟ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا) (رواه مسلم).

خاتمة: التغيير وعظيم مكانة المسجد الحرام:

- ازدياد قبلة المسجد الحرام شرفًا بتغيير القبلة إليها في شعبان قبل فرض الصيام، ليجتمع لها مع وجهة الصلاة والحج وتعلق القلوب بها، إقبالها على الصيام.

- تغيرت القبلة قبل رمضان؛ فهل نتغير حين يقبل علينا رمضان، وقد ازددنا تعظيما لحرمات الله -تعالى-؟!

فاللهم بلغنا رمضان، ووفقنا فيه إلى حسن العمل.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

 

تصنيفات المادة