السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

هل فقدنا التعاطف مع القضية الفلسطينية ؟

ولأن هذه ظاهرة خطيرة ربما تصيب الإيمان في مقتل دون أن نشعر فلابد من تدقيق النظر فيها ودراستها

هل فقدنا التعاطف مع القضية الفلسطينية ؟
أحمد الشحات
الأربعاء ٠٦ أغسطس ٢٠١٤ - ١٤:٥١ م
3046

هل فقدنا التعاطف مع القضية الفلسطينية ؟

كتبه / أحمد الشحات

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :-

فالدفاع عن المقدسات والخوف على حرمات المسلمين إحدى أهم مؤشرات الإيمان في القلب وليس بصادق من يدعي الإيمان ولا يتألم لآلام المسلمين ولا يتوجع لمآسيهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمي والسهر" فإذا تألم لك عضو ولم تشعر به فتأكد أن مركز الاحساس لديك قد مات وهي أول البداية للموت الكامل والعياذ بالله.

إذن نحن نتكلم هنا عن أصل من أصول الإيمان ومبدأ من مبادئ العقيدة فمن المفترض ألا يتجزأ ولا يتأثر بالمواقف السياسية ولا يخضع لأي عوامل أخرى ، سواء كانت جنس أو لون أو لغة أو نطاق جغرافي أو غير ذلك.

وبالتالي إذا كنا في موسم الدعاء الأعظم – شهر رمضان – وفي وقت سهام الليل الموجعة وغفل كثير منا عن الدعاء لإخوانه في فلسطين وسط ما يتعرضون  له من إجرام وحشي وحرب همجية من اليهود الملاعين الذين لم يراعوا عهداً ولم يصونوا اتفاقاً وراحوا يعملون القتل في نساء وشيوخ  وأطفال عزل ، ومع هذا العدوان والضنك الذي يعيشه هؤلاء الضعفاء في هذه البقعة الصغيرة من الأرض انخفض مستوى التعاطف لدى عموم الناس على درجات متفاوتة بداية من نسيان الدعاء وهو السلاح الوحيد الذي نملكه ، وصولاً إلى من يشمت فيهم أو يرضي بمصابهم جهلاً أو عمداً.

ولأن هذه ظاهرة خطيرة ربما تصيب الإيمان في مقتل  دون أن نشعر فلابد من تدقيق النظر فيها ودراستها جيداً ؛ لأن فلسطين تمثل القضية العادلة التي تبعث روح الجهاد في جسد الأمة الضعيف وهي الأمل التي ينتظره المسلمون كل يوم ، بل حتى الأماكن التي يكون فيها الجهاد غير منضبط بالضوابط الشرعية الكاملة لا يجعلنا نعرض عن قضيتهم العادلة بل ننصرهم على ما عندهم من الحق وننصحهم فيما ابتعدوا فيه عن الصواب.

فما هي أهم الأسباب التي أدت إلى فقدان هذا التعاطف ؟

أولاً : الدور الخبيث الذي تقوم به بعض وسائل الإعلام :

بعض وسائل الاعلام لا ندري أين ذهب ضميرها ولا إنسانيتها ، لا أسأل هنا عن الدين وعن حقوق الأخوة التي تربط المسلمين بعضهم البعض حتى لا أبدوا حالماً أو أظهر كما لو أنني أعيش  في كوكب آخر ، لأن من يعلم طبيعة كثير من هؤلاء يدرك أن هذه المعاني لا تدخل في قاموسهم ولا يقيمون لها وزناً في حياتهم ، ولكني أتكلم عن مرهفي الحس ورقيقي المشاعر ، عمن يعتبرون تطبيق الحدود الشرعية ظلماً ووحشية لأن فيها قطع يد أو جلد ظهر  ، عمن ينبحون ليل نهار للمطالبة بالحقوق والحريات أليسوا هؤلاء بشراً تسلب منهم أرواحهم عنوة وقهراً ، أتكلم عن الذين تقشعر أبدانهم وتدمع عيونهم على حقوق الكلاب المهدرة وحرياتها المنقوصة.

إن بعض هؤلاء ظهروا كمصاصي دماء أو كآكلي لحوم البشر الذين تحدثت عنهم الروايات البوليسية إذ اُنتزعت الرحمة من قلوبهم وصاروا حرباً على بني دينهم وأمتهم  ، يفرحون بالموت والتدمير لشعب أعزل محتل لا يملك من أمر نفسه شيئا.

ولأن الإعلام موجه ومؤثر فإن كثير من الناس قد تأثروا بهذه الدعاوى الكاذبة وبالتالي فقدوا جزءاً كبيراً كان أو صغيراً من تعاطفهم مع إخوانهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ثانياً : الأحداث المضطربة في المنطقة :-

يحسن اليهود دائما استغلال المواقف ، وهم رغم ما جُبلوا عليه من الجبن الشديد إلا أن مع هذا الجبن لديهم دهاء ومكر شديدين ، ولا يخفى على أحد أن المنطقة العربية الآن على صفيح ساخن والاضطرابات والحروب تحاصرها من كل جانب بالدرجة التي تجعل المتابعة والاهتمام لكل ما يجري من أحداث يكتنفه  شيء من الصعوبة ، فها هي سوريا تتمزق والعراق تحترق وليبيا تتقاتل وباقي دول المنطقة حالها كما لا يخفي علي أحد واليهود يمكرون ويدبرون ويستغلون الفرصة ليحققوا ما يريدونه من أهداف.

وهنا يتوقف المرء كثيراً عن التغطية المريبة التي تقوم بها قناة الجزيرة المشبوهة مع القضية والحدث ، فالمتابع لها يشعر وكأن القوات المسلحة المصرية هي التي تقتل أهل غزه وأن الحكومة المصرية هي التي تفرض عليهم حصاراً خانقاً بغلق المعابر ثم مزيداً من الكذب والإجرام أشاعت أن الحكومة  المصرية أرسلت شحنات طعام فاسدة لقتل الشعب الفلسطيني ، وهذا في سلسلة لا تنتهي من الأكاذيب والأراجيف دون أي ذكر للعدو الحقيقي والمجرم الأصلي.

ثالثًا : الاستغلال السياسي لقضية فلسطين من جانب جماعة الإخوان :

في خلال الفترة التي حكمت فيها جماعة الإخوان مصر فقدت رصيداً هائلاً من محبيها وأنصارها ، ولم يكن الفشل الإداري والسياسي فقط هما من أوغروا صدور الناس تجاههم ولكن كان الكذب والخداع والمتاجرة بالدين هم الأسباب الرئيسية والمباشرة التي أفقدتهم مصداقيتهم تماماً ، ومن ذلك أنهم كانوا  دائما ما يشعلون الدنيا من أجل القضية الفلسطينية ويتهمون الحكام العرب بالخيانة والعمالة لأنهم لم يزحفوا على القدس شهداء بالملايين كما كان يهتف أحد رموزهم (على القدس رايحين شهداء بالملايين) وقد كان يمنينا أن مرسي هو معتصم هذا الزمان لدرجه أن لو امرأة قالت "وامرساه" لاستجاب لها في الحين وأن في عهده سيصبح كل شيء إسلامي حتى الصرف الصحي سيكون إسلاميًّا ثم بعدما صاروا هم في الحكم لم يقدموا للقضية شيئاً يذكر ، لا شهداء بالملايين ولا حتى بالعشرات واكتفوا بتحرك سياسي محدود كان عرفاً لدى الدولة المصرية من قبل مجيء الإخوان.

والعجب العجاب أن جماعه الإخوان المسلمين بمصر لم تهتم ولم تتفاعل على مدار تاريخها الطويل مع أي قضية من قضايا المسلمين حول العالم اللهم إلا قضية فلسطين بالإضافة إلى تأييدهم المشبوه لثوره الخوميني ونعيهم له عند وفاته - وهي إحدى العورات الكبرى في تاريخهم - ثم أضافوا إليها واحده من نفس جنسها عندما أيدوا حزب الله في لبنان وعلقوا صور زعيمه حسن نصرالله في الشوارع وهتفوا باسمه علي المنابر.

 ولنسرد شيئًا من أزمات المسلمين حول العالم قديماً وحديثاً لنرى حجم تفاعلهم معها مقارناً بالتحرك في قضية فلسطين:-

•  الحرب الصربية على المسلمين في البوسنه ثم من بعدها كوسوفا وكانت المذابح هناك على أشدها ولم يتحركوا!

•  الإبادة الجماعية للمسلمين في الشيشان بكل ما حملت من محن وإحن ولم يهتموا!

•  الغزو السوفيتي علي أفغانستان والذي دام عشر سنوات كاملة ثم الغزو الامريكي مؤخرا ولم يحركوا ساكنا بل جاء التعليق علي اغتيال أسامه بن لادن صادماً ومفجعاً حيث قالوا "أن بموته أزيل أحد أسباب العنف في العالم" وهذه أيضا إحدى السقطات الكبرى!

•  الاجتياح الامريكي للعراق وتدميرها على من فيها وما تلا ذلك من جرائم الشيعة التي وصلت الي تقطيع أعضاء الأحياء وبقر بطون الحوامل واغتصاب الحرائر ثم كانت الكارثة الأخيرة بالتقارب مع نظام المالكي العميل الخائن الذي يعمل كوكيل عن أمريكا في العراق!

•  الهجوم الأمريكي على الصومال في المرتين!

•  القتل المنظم للمسلمين في بورما على يد البوذيين وحتي الآن في عدد من الدول الافريقية!

•  المجازر الإيرانية لأهل السنة في الأحواز بل وفي داخل إيران نفسها!

•  الإبادة الوحشية للشعب السوري على يد الحرس الثوري الإيراني وميليشيات حزب الله مع كتائب الأسد المجرمة ثم كان ماذا؟ جاء التحالف مع الثلاثي الأصيل في الأزمة (إيران – الصين – روسيا) وقد تفهم د/ مرسي وقت أن كان في الرئاسة موقف الصين وسكت عن إيران وأيد روسيا وقال أن موقفنا تجاه الأزمة متشابه تماما مع موقفها !!

هل من حقنا أن نسأل لماذا لم يتحرك الإخوان ويحشدوا المظاهرات لكل هذه الجرائم الحالية والماضية ؟ أليسوا هؤلاء بمسلمين؟ هل الولاء للإسلام فعلا أم أنها حسابات سياسية رخيصة لا تمت للدين بصله إنما فقط تستغل العواطف الجياشة عند عموم المسلمين ثم توظفها لما تريد؟!

هل التواصل (الإخواني – الحمساوي) هو الذي يحرك الحشود ويتحكم في الأزمات ؟ وهل المقاربة الفكرية مع حماس تعطي لهم كل هذه الأولوية في الدعم والتأييد مقارنة بلا شيء مع غيرهم ؟ وهل إذا كانت قيادة الجهاد هناك لفصيل آخر غير الإخوان هل كانوا سينالون كل هذا الدعم؟ وهل أصبح معيار الولاء هو المنهج وليس الدين؟

يبدو أن تعامل الإخوان في مصر مع قضيه القدس تعامل سياسي انتهازي بامتياز ولا أنسي يوم قتل الشيخ أحمد ياسين عليه رحمه الله ، فلم تمضي سويعات قليلة حتي ضجت ساحات الجامعات في الصباح بالهتاف والمظاهرات مع أن أعلام الأمة قد ماتوا ولم يصدر منهم بيان نعي لهم أو موقف وفاء تجاههم  وقادة المجاهدين أيضا قتلوا في ساحات الجهاد المختلفة ولم نري منهم أي تعليق.

أقول ذلك وأنا أستحضر صورة القيادي الإخواني الذي كان على مشارف الموت وبدلا من أن يتذكر دينه الذي سيسأل عنه في قبره إذ به يقول (الحمد لله علي نعمة الإخوان!! واللهم أمتني على الإخوان!!) وماذا كان يقول في حياته إذا أصبح عليه الصباح أو جن عليه الليل؟ هل كان يقول (أصبحنا علي نعمه الإخوان وأمسينا علي نعمه الإخوان) والأمر حال الصحة والعافية أيسر وأهون منه عند الاحتضار.

 إذن فالقاعدة مطردة أن الولاء للتنظيم أعلى وأقوى من الولاء للدين!!

رابعًا : السلوك البراجماتي الذي تعاملت به حماس مع الأزمة :-

حماس هي إحدى الجماعات الجهادية على أرض فلسطين ولها دور محمود في الدفاع عن القضية والجهاد ضد المحتل ولكن ماذا حدث عندما وصلوا لحكم "مدينة غزه" ولا أقول " دولة فلسطين" ؟ لأنهم مهما حكموا أو تحكموا فما زالوا تحت نير الاحتلال وبين رحي الحصار؟! الذي حدث هو أن خطيب مسجد ابن تيميه قال علي المنبر أن حماس لم تطبق الشريعة ولم تفي بوعودها وبالتالي فحكومتهم باطلة وولايتهم منحلة. ولم يكمل الرجل خطبته وكما يقولون (انطبقت السماء علي الأرض) - وبغض النظر عن صحة الموقف من عدمه - إلا أن الحكومة الإسلامية المباركة قامت بقصف المسجد علي من فيه وقتل بضعة عشر رجلا من المصليين في يوم الجمعة وفي نهار رمضان!!

وبالتالي فحماس التي سارعت بشكر الرئيس المصري والحكومة المصرية علي لسان مسئول مكتبها السياسي – خالد مشعل – في العدوان الذي تم علي غزه العام الماضي وقالت شعراً في المبادرة التي تقدم بها الدكتور مرسي وقتها ، وحينما تقدمت الحكومة المصرية الحالية بمبادرة شبيهة بالمبادرة السابقة رفضتها بلا مبرر مع أنها هي التي بدأت الأزمة هذه المرة.

حماس تخوض حرباً بصواريخ محدودة المدي والتأثير – لا تملك غيرها نعم – ولكن يترتب علي استعمال هذه الصواريخ غارات جوية مسعورة تقتل مئات الأفراد وتهدم عشرات المنازل والمساجد فكيف ترفض مبادرة لوقف العدوان وهي لا تملك من وسائل القوة ما تدفع به عن نفسها ، فهل نصدق أن حماس تقوم بذلك من أجل إحراج الحكومة المصرية أم ماذا ؟

وأخيرًا :

أننا الآن أمام جريمة كبرى وهي محاولة إسكات صوت الحمية والنصرة داخل الشعوب العربية تجاه فلسطين وتجاه معاناتهم بعدما ماتت هذه القضية لدى حكامهم فلابد أن نكون شديدي الحرص والحذر من ذلك لأن هذه الجريمة سوف نكون نحن أول من يكتوي بنارها ، لأن المقاومة الفلسطينية بغض النظر عن اختلافك أو اتفاقك معها هي في الحقيقة صمام الأمان لبلادنا ووطننا وأن هذا العدو المتوحش ريثما ينتهي من هذه المقاومة فسوف ينتقل مباشرة لتحقيق حلمه المزعوم " أرضك يا إسرائيل من الفرات إلي النيل " ، وبالتالي فحسابات العقل والمنطق تحتم علينا نصرتهم ومعونتهم بدلًا من خذلانهم أو التشفي فيهم.

 

إننا نريد خطاباً وسطياً عاجلاً لا يسلك مسلك الاعلام المضلل الذي يريد أن ينزع من قلوبنا حبنا لإخواننا وتألمنا لمصابهم  ، ولا نريد الخطاب الإخواني المنغلق والمتعصب  الذي يختزل القضية الفلسطينية في حماس وفقط ، القضية باختصار أنه في فلسطين شعب مسلم مستضعف  ومحتل من أشباه القردة والخنازير وهم يقومون نيابة عن الأمة بقتال هذا العدو إلي أن يمن الله علي هذه الأمة بصحوة مباركة ويقظة تامة تسترد مقدساتنا وتحرر أراضينا  وتطبق دين الله في الأرض.

فيأهل النيل انتبهوا : المعركة معكم قادمة.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

 

 

 

تصنيفات المادة