الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

فتوى تكفير مَن شارك في حصار غزة أو رضي به!

السؤال: نُشر مقطع صوتي للشيخ "نبيل العوضي" على الإنترنت تكلم فيه عن فتوى ذكر أنها صدرت عن أكثر مِن مائة عالِم من الدول الإسلامية في أيام "حسنى مبارك" تقضي بتكفير مَن شارك في حصار أهل "غزة"، وكذلك سمعتُ أن بعض المشايخ الذين يظهرون على الجزيرة يرددون نفس الكلام مِن أن مَن ساهم في حصار "غزة" ورضي به يكون كافرًا مرتدًا عن الإسلام، وأن هذا مِن موالاه اليهود وارتكاب ناقض من نواقض الإسلام، وهم بذلك كما أظن يرمون إلى تكفير الحكام وعلى رأسهم: الرئيس "السيسي" والله أعلم، فما حكم هذا الكلام ومدى موافقته للشرع الشريف؟ وهل كل مَن لم يساعد أهل "غزة" يكون مواليًا لليهود؟ وجزاكم الله خيرًا.

فتوى تكفير مَن شارك في حصار غزة أو رضي به!
الأربعاء ١٣ أغسطس ٢٠١٤ - ٢١:١٦ م
9454

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالجرأة على التكفير خطر عظيم، وإن وقـَّع على ما يسمونه فتوى مائة أو أكثر، وإنما تكلم العلماء في تكفير مَن خرج محاربًا للمسلمين في صف الكفار كما نقله "ابن حزم" -رحمه الله- في كتابه المحلى: "مَنْ لَحِقَ بِدَارِ الْكُفْرِ وَالْحَرْبِ مُخْتَارًا مُحَارِبًا لِمَنْ يَلِيهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ بِهَذَا الْفِعْلِ مُرْتَدٌّ لَهُ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّ كُلُّهَا: مِنْ وُجُوبِ الْقَتْلِ عَلَيْهِ، مَتَى قُدِرَ عَلَيْهِ، وَمِنْ إبَاحَةِ مَالِهِ، وَانْفِسَاخِ نِكَاحِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ... وَكَذَلِكَ: مَنْ سَكَنَ بِأَرْضِ الْهِنْدِ، وَالسِّنْدِ، وَالصِّينِ، وَالتُّرْكِ، وَالسُّودَانِ وَالرُّومِ، مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ لا يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ هُنَالِكَ لِثِقَلِ ظَهْرٍ، أَوْ لِقِلَّةِ مَالٍ، أَوْ لِضَعْفِ جِسْمٍ، أَوْ لامْتِنَاعِ طَرِيقٍ، فَهُوَ مَعْذُورٌ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مُحَارِبًا لِلْمُسْلِمِينَ مُعِينًا لِلْكُفَّارِ بِخِدْمَةٍ، أَوْ كِتَابَةٍ: فَهُوَ كَافِرٌ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يُقِيمُ هُنَالِكَ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا، وَهُوَ كَالذِّمِّيِّ لَهُمْ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى اللِّحَاقِ بِجَمْهَرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَأَرْضِهِمْ، فَمَا يَبْعُدُ عَنْ الْكُفْرِ، وَمَا نَرَى لَهُ عُذْرًا، وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ.

وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَنْ سَكَنَ فِي طَاعَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ مِنْ الْغَالِيَةِ، وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ؛ لأَنَّ أَرْضَ مِصْرَ وَالْقَيْرَوَانِ، وَغَيْرَهُمَا، فَالإِسْلامُ هُوَ الظَّاهِرُ، وَوُلاتُهُمْ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ، لا يُجَاهِرُونَ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الإِسْلامِ، بَلْ إلَى الإِسْلامِ يَنْتَمُونَ، وَإِنْ كَانُوا فِي حَقِيقَةِ أَمْرِهِمْ كُفَّارًا، وَأَمَّا مَنْ سَكَنَ فِي أَرْضِ الْقَرَامِطَةِ مُخْتَارًا فَكَافِرٌ بِلا شَكٍّ، لأَنَّهُمْ مُعْلِنُونَ بِالْكُفْرِ وَتَرْكِ الإِسْلامِ -وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ-. وَأَمَّا مَنْ سَكَنَ فِي بَلَدٍ تَظْهَرُ فِيهِ بَعْضُ الأَهْوَاءِ الْمُخْرِجَةِ إلَى الْكُفْرِ، فَهُوَ لَيْسَ بِكَافِرٍ، لأَنَّ اسْمَ الإِسْلامِ هُوَ الظَّاهِرُ هُنَالِكَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، مِنْ التَّوْحِيدِ، وَالإِقْرَارِ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ دِينٍ غَيْرِ الإِسْلامِ وَإِقَامَةِ الصَّلاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَسَائِرِ الشَّرَائِعِ الَّتِي هِيَ الإِسْلامُ وَالإِيمَانُ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" (المحلى 12/ 125-126).

ولابد أن نفرِّق بيْن الموالاة المكفِّرة والموالاة المحرمة، وبين ما يجوز مِن المعاملات مع الكفار، ومِن ضمن ذلك: الوفاء بالمعاهدات ولو كان فيها جور على بعض المسلمين لمصلحة عامة لباقي المسلمين كما كان في الحديبية حيث ردَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا جندل بن سهيل وأبا بصير -رضي الله عنهما- إلى المشركين رغم ما يتعرضون له مِن فتنة؛ وذلك لمنع قتل المستضعفين مِن المسلمين بمكة (وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (الفتح:25)، ولتحقيق الفتح المبين بالدعوة إلى الله -تعالى-.

وأما مسألة إغلاق الحدود والسماح بمرور الجرحى والمرضى والمساعدات فقط، فإنها مسألة فيها موازنات متعددة؛ فلربما كان مِن مصلحة غزة وفلسطين ألا يسمح لكل مَن أراد الخروج منها بالخروج تحت ضغط الحرب فإنه ربما تفرغ مِن معظم سكانها، ولكن يجب السعي لرفع الظلم والعدوان عنهم، وإعطائهم حقوقهم في الحياة الكريمة وإمدادهم بكافة احتياجاتهم، مع التزام الطرف الآخر بعدم إدخال السلاح والمقاتلين إلى مصر لعمل أي عدوان على الجيش أو الشرطة أو منشآت الدولة.