السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

معركة الوعي (1)

هذا هو النمو المثالي للأمة، وليس النمو العشوائي، أو المتقطع، أو المشوه، أو المتناثر .

معركة الوعي (1)
سعيد حماد
الجمعة ٠٥ سبتمبر ٢٠١٤ - ١٥:٤٦ م
1538

معركة الوعي (1)

كتبه/ سعيد حماد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وصحبة وسلم ـ وبعد؛

أعتقد أننا في حاجة ماسة إلى إنشاء إدارة للدراسات الإستراتيجية وخزائن الأفكار  Think Tanks، والقيام بمشروع للإدارة الشاملة للتغيير Integrated Management of Change ، وننطلق من خلال منطلقات التغيير [ وهذه المنطلقات نفرد لها مقالًا خاصًا بعنوان منطلقات التغيير العشرة ] والتعامل مع جميع الملفات ، والأنشطة كحزمة واحدة شاملة متكاملة ، وتبدأ بعلاج مواطن الخلل المتعددة ، والتي يعاني منها الأفراد والمجتمعات على اختلاف الدرجات ؛ ومنها : الخلل العقدي، والخلل العلمي، والخلل التربوي، والخلل السلوكي، والخلل الدعوي، والخلل الفكري، والخلل الإداري، والخلل النفسي، بالإضافة إلى الخلل الاجتماعي والسياسي والإعلامي والاقتصادي، بالإضافة إلى تحديد الأوليات والأولويات، ونهتم بالبناء والتركيز على الشرائح العمرية الآتية :

النشء من 4 سنوات ـ 12 سنة .

الطلائع من 12 سنة ـ 18 سنة .

شباب الجامعة من 18 سنة ـ 25 سنة .

والتركيز على النخبة من الأذكياء والمبدعين ، وإعطاء الأولوية القصوى لملف التعليم بكل جوانبه : العقدية، والعلمية، والتربوية، والأخلاقية، والسلوكية، والدعوية، والفكرية، والحركية، والنفسية، والفقهية، والعملية، والاهتمام بشحذ الهمم، وحشد الطاقات، واعتماد العمل المؤسسي، والاهتمام بالمراكز البحثية، والدراسات الإستراتيجية في التخصصات المختلفة .

إن من بين الأهداف الإستراتيجية كسر حاجز اللغة؛ بنشر اللغة العربية، وعلومها في العالم الإسلامي، وهذا يتطلب جهوداً جبارة، وأموالاً طائلة، وهمة عالية، وربط شباب العالم الإسلامي بمصادر قوته وإلهامه وتدفق حركته من خلال الوحيين ـ الكتاب والسنة ـ ، حيث تحيا الأمة، ويتحقق لها العز والقوة والتمكين .

كيف يمكن أن نحول هذا المشروع إلى مشروع أمَّة؟ وكيف تكون لنا الرؤية الثاقبة والرسالة الواعية؟ لو قلنا إن رؤيتنا هي بناء الأمة، وإن رسالتنا هي بناء الإنسان، فيمكن أن يكون هدفنا الأسمى هو هذا الشعار : بناء الأمة من خلال بناء الإنسان .

وماذا يعني بناء الإنسان؟

إنه بناء الإنسان عقدياً، وعلمياً، وعملياً، وتربوياً، وأخلاقياً، وسلوكياً، ودعوياً، وفكرياً، وثقافياً، وحركياً، ونفسياً، واجتماعياً، وقلبياً، وروحياً، وبدنياً، واقتصادياً .

وماذا يعني هذا أيضا؟

إنه يعني التكامل والشمول، والسعة والرحمة، والفكر والإبداع، والانطلاق والهمة، والرغبة والقوة، والأمانة والعلم، والمعرفة والذكاء، والحركة والإرادة، والتوجيه والتنظيم، والإدارة والقيادة، والتشجيع وشحذ الهمم، وحشد الطاقات والأخذ بأسباب القوة بكل ما تعني هذه الكلمة : {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال : 60]، أي قوة. وكل قوة. القوة بكل معانيها.

"الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ" [أخرجه مسلم: 2664] ، القوي في بدنه، في عقله، في فكره، في تصوره، في علمه، في عمله، في عبادته، في قلبه، في عقيدته، في حركته، في دعوته، في همته، في قيادته، في رغبته، في سلوكه وأخلاقه، في تخصصه، في إسهاماته وإبداعاته، في إيجابيته ومبادرته، في سبقه في جهاده، في عطائه وبذله، في إيثاره ورحمته .

في كل ما تتخيل قوة في نفسه وقوة لغيره، يؤمن بقضيته، ويعمل من أجلها، ويدافع عنها ويحشد لها ويدعو إليها .

يؤمن بالقضية والسبيل، الغاية والطريق، النور والحياة، الهداية والأمن، القيادة والإدارة، المعرفة والمهارة، لماذا وكيف في كل خطوة، المعرفة والإتباع والدعوة والصبر .

من خلال بناء الإنسان تُبنى الأمة، وهذا البناء يعني البناء الذي يشبه بناء الكائن الحي، انظر إلى الجنين، وتخيل هذه الخلايا التي يتكون منها هذا النظام المتكامل، الذي يخرج من بطن أمه كائناً حياً، طفلا له سمع وبصر وقلب وعقل وجسم، هذا هو النمو المثالي للأمة، وليس النمو العشوائي، أو المتقطع، أو المشوه، أو المتناثر .

إنها المنظومة المتكاملة، التي يتكون من خلالها هذا البناء العظيم .

الإنسان هو الخلية، والأمة هي هذا البناء العظيم، هل يمكن تمثّل هذا النموذج عندما نتفكر : كيف يتم إعادة بناء الأمة من جديد؟ {وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب} .

هل من عودة للوعي؛ لكسب معركة الوعي واليقين بأن الصراع بين الحق والباطل ماض إلى يوم القيامة، وهل من فهم ودعم لمشروع الطائفة المنصورة ؟

الطائفة المنصورة، التي بشر بها النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين صفاتها، وأوضح معالمها، وأنها الطائفة الظاهرة على الحق القاهرة لأعدائها، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم ولا ما جابههم، وأنهم لا يزالون كذلك حتى آخر الزمان، وهم الذين سيقهرون أعداء الإسلام، عندما يتواجدون بالشام عامة، وبأكناف بيت المقدس خاصة، والفرصة السانحة التي كانت عنوان كتاب الرئيس "نيكسون" رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وتحدث فيها في المقابل كيف تواجه أمريكا عدو المستقبل، بعد أن تنهار الشيوعية، وخصص فصلاً كاملاً من كتابه عن مواجهة الإسلام والعالم الإسلامي، وذكر من بين ما ذكر أنه لا ينبغي لأمريكا أن تواجه عشرات الدول، ولكن عليها أن تركز على مفاتيح العالم الإسلامي المتمثلة في هذه الدول الأربع : مصر، وتركيا، وباكستـان، واندونيسيـا، انظر إلى هؤلاء الخبراء الاستراتيجيين وإلى هذه الإدارة والتفكير الاستراتيجي، إذن هي مواجهة بين قوتين : الطائفة المنصورة " طائفة الحق "، والطائفة المقهورة " طائفة الباطل "، والعداوة ظاهرة، وأهل الخذلان والمخالفين موجودون في كل وقت، والمجابهة مستمرة وقائمة {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران : 126]، {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران: 160]، {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 173]، {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51] .

مصر : قلب العالم العربي وأفريقيا، تركيا : الأتراك ودول الاتحاد السوفيتي وأوروبا، باكستان : شبه الجزيرة الهندية وما حولها، اندونيسيا : جنوب شرق آسيـا، جاء في صحيح مسلم : عن ثوبان قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ" [أخرجه مسلم: 1920]، وعن عُمَيْرَ بْنِ هَانِئٍ، قَالَ : سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ : «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ» [أخرجه مسلم: 1037] .

هيا نبني إستراتيجيتنا المقابلة، هيا نؤسس لعمل يتصف بالإبداع والذكاء والمبادرة والمثابرة والإصرار، هيا لنحدد المحاور والمعالم والأهداف والسياسات والخطط، هيا إلى الانطلاقة الكبرى .

 www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً