الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

ضوابط التكفير في ضوء منهج أهل السنة والجماعة (5)

فلا يشهد على معين من أهل القبلة بأنة من أهل النار لجواز أن لا يلحقه الوعيد لفوات شرط أو لثبوت مانع

ضوابط التكفير في ضوء منهج أهل السنة والجماعة (5)
عادل نصر
الأحد ٠٧ سبتمبر ٢٠١٤ - ١٩:٥٤ م
2428

ضوابط التكفير في ضوء منهج أهل السنة والجماعة (5)

كتبه/ عادل نصر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ـ وبعد؛

ولازال الحديث موصولاً عن المعالم المنهجية لأهل السنة والجماعة في قضية التكفير وكلامنا هذا الأسبوع عن :

5- أهل السنة والجماعة يفرقون بين كفر العموم، وكفر التعيين : من أهم خصائص أهل السنة والجماعة في باب التكفير بل والوعيد عموماً أنهم يفرقون بين العموم والتعيين فيطلقون الكفر على العموم فيقولون مثلاً بأن من أنكر معلوماً من الدين بالضرورة كفر أو من دعا غير الله ـ عز و جل ـ فقد أشرك ونحو ذلك ولكن الأمر في المعين عندهم على خلاف هذا فلا يكفرونه مع وقوع الكفر منه حتى تثبت في حقه الشروط وتنتفي الموانع فيفرقون بين الفعل والفاعل فالفعل يكون كفراً لكن لا يكفر صاحبه حتى تقام عليه الحجة الرسالية .

ولقد جاءت عبارات أهل العلم من أهل السنة والجماعة يؤيد بعضها بعضاً في هذا الباب ـ نعنى التفريق بين الإطلاق والتعيين ـ وسننقل بعضاً منها حتى يتجلى الحق لكل ذي عينين .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : قد يكون الفعل أو المقالة كفراً ويطلق القول بتكفير من قال تلك المقالة أو فعل ذلك الفعل ويقال : من قال كذا فهو كافر أو من فعل ذلك فهو كافر ، لكن الشخص المعين الذي قال ذلك القول أو فعل ذلك الفعل لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها وهذا مطرد في نصوص الوعيد عند أهل السنة والجماعة، فلا يشهد على معين من أهل القبلة بأنة من أهل النار لجواز أن لا يلحقه الوعيد لفوات شرط أو لثبوت مانع . "مجموع الفتاوى25165" .

ويقول أيضاً ـ رحمه الله ـ : إذا عرف هذا فتكفير المعين من هؤلاء الجهال وأمثالهم ـ بحيث يحكم عليه بأنه من الكفار ـ لا يجوز الإقدام عليه إلا بعد إن تقوم على أحدهم الحجة الرسالية التي يتبين بها أنهم مخالفون للرسل وإن كانت هذه المقالة لا ريب أنها كفر .

وهكذا الكلام في تكفير جميع المعينين مع أن بعض هذه البدعة أشد من بعض وبعض المبتدعة يكون فيه من الإيمان ما ليس في بعض فليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام الحجة وتبين له المحجة ، ومن ثبت إيمانه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة . "مجموع الفتاوى 12500" .

وقال رحمه الله : أنى من أعظم الناس نهيا عن أن ينسب معين إلى تكفير أو تبديع أو تفسق أو معصية إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة وفاسقاً أخرى وعاصياً أخرى . "المصدر السابق 3299" .

ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ : وهذا كلامه في المسألة ـ أي كلام ابن تيمية ـ في كل موضع وقفنا عليه من كلامه لا يذكر عدم تكفير المعين إلا ويصله بما يزيل الإشكال أن المراد بالتوقف عن تكفيره قبل أن تبلغه الحجة وأما إذا بلغته حكم عليه بما تقتضيه تلك المسألة من تكفير أو تفسيق أو معصية . "مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد 1516" .

 ولقد التزم سلفنا الصالح بهذه الأصول والضوابط العظيمة حيث فرقوا بين كفر العموم وكفر المعين . وأسوق إليك هذين النموذجيين من التطبيق العملي لتعلم مدى احتياط الأئمة الأكابر في تكفير المعين :

النموذج الأول : وهو موقف الإمام أحمد بن حنبل ـ إمام أهل السنة والجماعة ـ من أعيان الجهمية الذين أذوه وحبسوه ودعوا الناس إلى بدعتهم بل حملوهم عليها حملاً حتى عاقبوا كل من يخالف قولهم وكفروه ومع هذا فالذين كانوا من ولاة الأمور يقولون بقول الجهمية إن القرآن مخلوق وأن الله لا يرى في الآخرة وغير ذلك ويدعون الناس إلى ذلك ويمتحنوهم ويعاقبونهم وإذا لم يجيبوهم ويكفرون من لم يجبهم حتى أنهم كانوا إذا امسكوا الأسير لم يطلقوه حتى يقر بقول الجهمية وأن القران مخلوق وغير ذلك وليولون متولياً ولا يعطون رزقاً من بيت المال إلا لمن يقول ذلك ، ومع هذا فالإمام أحمد ترحم عليهم وأستغفر لهم لعلمه بأنهم لم يبين لهم أنهم مكذبون للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا جاحدون لما جاء به ولكن تأولوا فأخطئوا وقلدوا من قال لهم ذلك . "مجموع الفتاوى 23349" .

أما النموذج الثاني : وهو موقف شيخ الإسلام مع مخالفيه من الجهمية فيقول : ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاة الذين نفوا أن الله تعالى فوق العرش ـ لما وقعت محنتهم ـ : "إني لو وافقتكم كنت كافراً لأني أعلم أن قولكم كفر ، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال"... وكان هذا خطاباً لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم . "الرد على البكرى46" .

فما نقلناه من نصوص أهل العلم ومواقفهم العملية كافٍ لمن نوَّر الله بصيرته وأوضح الدلالة على أن أهل السنة والجماعة يفرقون بين كفر العموم وكفر المعين وأن المعين لا يكفر حتى تثبت في حقه الشروط وتنتفي الموانع ، وإذا تبين لك الحق علمت مدى زيغ أهل البدع والأهواء حيث خلطوا بين كفر العموم والتعيين لاسيما في النقل عن الأئمة ، ولله در القائل :

وكم غائب قولاً صحيحاً ... وأفته من الفهم السقيم

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة