السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

"وسقطت الصخرة"

من أحب أن يفتح الله قلبه أو ينوره فعليه بترك الكلام فيما لا يعنيه واجتناب المعاصي ويكون له خبيئة

"وسقطت الصخرة"
مصطفى دياب
الثلاثاء ٠٩ سبتمبر ٢٠١٤ - ١٥:١٠ م
1823

"وسقطت الصخرة"

كتبه/ مصطفى دياب

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛

إنهم ثلاثة كأي ثلاثة مثلنا خرجوا لحاجتهم وحياتهم بها ما بها من الأعمال والأوزار ، وعلى غير ترتيب ولا إعداد ولا تنسيق أصابتهم السماء فدخلوا الغار ليحموا أنفسهم من المطر فكانت المفاجأة وسقطت الصخرة على فوهة الغار وأصبح الثلاثة في مقبرة جماعية وهم أحياء ينتظرون الموت فلا وسيلة اتصال بالعالم الخارجي ولا موبايلات ولا فيس ولا تويتر ولا سكايب ولا واتس ولا قوة لتحريك الصخرة ولا صوت يرتفع بالاستغاثات ، فكل وسائل التواصل أو الاتصال منعدمة تماماً لكن للتربية آثارها فمن تربى على اللجوء إلى الله ـ عز وجل ـ وعرف الله في الرخاء وعاش حياته لله تبارك وتعالى فهو ذلك الرجل الذي يدرك أن باباً واحداً ما زال مفتوحاً وأن صوتاً قد يصعد إلى هذا الباب ولكن ليس أي صوت (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) .

إن هذا الباب لا يدخل منه إلا العمل الصالح الموافق للشرع الخالص لله ـ عز وجل ـ فهل سيجد هؤلاء الشباب في أعمالهم السابقة ـ وهم شباب ـ أعمالاً يتقربون بها إلى الله ويدخلون بها من هذا الباب ليخرجوا من حبس الغار و ظلمة القبر ؟

لقد وجد هؤلاء الشباب أعمالاً تنطبق عليها المواصفات فهي موافقة للشرع و خالصة للرب لكنها أعمالاً لا يعلمها أحد ..

لقد كانت طاعات السر التي نفعت في وقت الحبس والأسر وللخروج من القبر ...

أما أحدهم فكان باراً بوالديه ولكن بطريقة غير مألوفة ، والثاني ترك الشهوة وهو يحبها لكنه تركها لله ، وأما الثالث فكان أميناً لدرجة لا يتخيلها أحد ...

وكلهم كانت أعمالهم في السر ... وكلهم كان يقصد بفعله مرضاة الله ووجه الله تبارك و تعالى ..

وشباب الصحوة اليوم يجب أن يتربى على طاعات السر وكيف لا وقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ خبئ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلْيَفْعَلْ" .

وقال أبو عثمان الزاهد : سَرَائِرَكُمْ سَرَائِرَكُمْ ، فَإِنَّ الْمُطَّلِعَ عَلَى السَّرَائِرِ يُرَاقِبُكُمْ .

وقال الربيع بن خُثيم : إذا تكلمت فاذكر سمع الله لك, وإذا هممت فاذكر علم الله بك, وإذا نظرت فاذكر نظره إليك, وإذا تفكرت فانظر إطلاعه عليك, فإن الله يقول : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُوُلَا) .

فإن أفضل الأعمال ترك المعاصي الباطنة فإن الباطنة إذا تُركت كان صاحبها للمعاصي الظاهرة أترك ...

وقال بعض أهل العلم : من كانت سريرته أفضل من علانيته فذلك الفضل ومن تساوت سريرته وعلانيته فذلك العدل ومن كانت علانيته أفضل من سريرته فذلك الجور ، وما أعظم أن ننبه الغافلين أمثالنا بقوله تعالى : ( أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) .

فمن علم أن ربه يراه استحي من ارتكاب الذنب ، وكان من هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يقول : "اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيك" و كان يقول : "وأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ" وما أجمل هذا الشاب صاحب الحظ الموفور الذي نشأ في عبادة الله ، وقد صدق بشر الحافي حين قال : لا تَجِدُ حَلاوَةَ الْعِبَادَةِ حَتَّى تَجْعَلَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الشَّهَوَاتِ حَائِطًا مِنْ حَدِيدٍ .

أخي الحبيب : لا تعامل الناس بالأمانة وتعامل الله بالخيانة (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَان) .

أخي الحبيب : السرائر السرائر ، فإنه لا يصلح مع فسادها صلاح ظاهر .

وكان الزبير بن العوام يقول : اجعلوا لكم خبيئة من العمل الصالح كما أن لكم خبيئة من العمل السيئ .

وعن سمره بن جندب قال : من سَرَّه أن يعلم ماله عند الله فلينظر ما لله عنده ومن سَرَّه أن يعلم مكان الشيطان منه فلينظره عند عمل السر .

وقال الشافعي : من أحب أن يفتح الله قلبه أو ينوره فعليه بترك الكلام فيما لا يعنيه واجتناب المعاصي ويكون له خبيئة فيما بينه وبين الله تعالى من عمل .

أخي الحبيب : هل أتاك نبأ علىّ بن الحسين الذي كان يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به ويقول إن صدقة السر تطفئ غضب الرب ! ، ولما مات وجدوه يُقَوَّت مائة أهل بيت بالمدينة .

وهل أتاك نبأ أيوب السختيانى الذي كان يقوم الليل كله ويخفى ذلك فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة .

وقال محمد بن واسع : إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَبْكِي عِشْرِينَ سَنَةً وَامْرَأَتُهُ مَعَهُ لَا تَعْلَمُ بِه .

وهل أتاك نبأ داود بن أبى هند الذي صام أربعين سنة لا يعلم به أهله وكان خرازاً يحمل معه غذاءه من عندهم فيتصدق به في الطريق ويرجع عشياً فيفطر معهم !

أخي الحبيب :

هل لك طاعة سر ؟ هل لك خبيئة من عملٍ صالح ؟

إذا لم يكن فأشرع في ذلك (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ( 87 ) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ( 88 ) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم) .

وصلِ اللهم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

                            

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً

ممنوع الاقتراب!
193 ١١ أكتوبر ٢٠٢٢
أحبك يا رب
128 ٢١ فبراير ٢٠٢٢
هل لك منارة؟
203 ١١ ديسمبر ٢٠٢١
اضبط البوصلة
252 ٣٠ نوفمبر ٢٠٢١
صناعة النموذج
214 ٠٦ نوفمبر ٢٠٢١
اترك أثرًا (4)
123 ٠٢ نوفمبر ٢٠٢١