الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الإعلام وثوابت الإسلام (2) عقيدة فتنة القبر

وهكذا... نرى السنة النبوية الشريفة تبيِّن المبهم، وتفصِّل المجمل، وتخصص العام، وغير ذلك

الإعلام وثوابت الإسلام (2) عقيدة فتنة القبر
سعيد محمود
الخميس ١١ سبتمبر ٢٠١٤ - ١٤:١٠ م
1892

الإعلام وثوابت الإسلام (2)

عقيدة فتنة القبر

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فنستكمل الحديث حول موضوع "الإعلام وثوابت الإسلام"، ونتناول في هذا المقال قضية من الثوابت التي تعرض لها الإعلام في حملته المشبوهة، ألا وهي قضية "عقيدة فتنة القبر"، هذه القضية التي تبنى التكذيب بها قديمًا الخوارج وبعض المعتزلة، فالخوارج أنكروا فتنة القبر بحجة عدم ثبوت الدليل عليها في القرآن! وكذلك بعض المعتزلة بحجة مخالفته للعقول!

وها هو أحد الإعلاميين حديثًا يجلس على أريكته بين المكيفات، وهو يتناول بعض أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- في فتنة القبر بالنقد والتكذيب، والسخرية أحيانًا، حتى إنه يعلق على أحد الأحاديث قائلاً: "ولا في ثعبان أقرع ولا بشعر!".

ويزعم أنه بَحث في القرآن فلم يجد دليلاً على هذه القضية، معترفًا على نفسه برفضه وتكذيبه لما ورد من أدلة السنة، وبجهله وبدعته، فإن إنكار عذاب القبر ونعيمه بدعة ضلالة؛ لأنه ثابت بالقرآن والسنة المتواترة -معنويًّا- والإجماع.

- أما القرآن: فقد وردت آيات القرآن الكريم في أكثر من عشرة مواضع بإثباته، ومن ذلك:

إخبار الله -تعالى- بعرض الكفار على النار قبل يوم القيامة، فقال -تعالى- عن آل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) (غافر:46)، وهذا من أصرح الأدلة القرآنية على عذاب القبر، إذ دلت الآية الكريمة على أن العرض على النار قبل قيام الساعة، وهذا هو عذاب القبر.

- وقال الله -تعالى-: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ . فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) (النحل:28-29).

قال ابن كثير -رحمه الله-: "يُخْبِرُ -تَعَالَى- عَنْ حَالِ الْمُشْرِكِينَ الظَّالِمِي أَنْفُسِهِمْ عِنْدَ احْتِضَارِهِمْ وَمَجِيءِ الْمَلائِكَةِ إِلَيْهِمْ لِقَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ، (فَأَلْقَوُا السَّلَمَ) أَيْ: أَظْهَرُوا السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ وَالانْقِيَادَ قَائِلِينَ: (مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ)... قَالَ اللَّهُ مُكَذِّبًا لَهُمْ فِي قِيلِهِمْ ذَلِكَ: (بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) أَيْ: بِئْسَ الْمَقِيلُ وَالْمَقَامُ وَالْمَكَانُ مِنْ دَارِ هَوَانٍ لِمَنْ كَانَ مُتَكَبِّرًا عَنْ آيَاتِ اللَّهِ وَاتِّبَاعِ رُسُلِهِ، وَهُمْ يَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ مِنْ يَوْمِ مَمَاتِهِمْ بِأَرْوَاحِهِمْ، وَيَأْتِي أَجْسَادَهُمْ فِي قُبُورِهَا مِنْ حرِّها وَسَمُومِهَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ سَلَكَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ وَخَلَدَتْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ (لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا) كَمَا قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) (غَافِرٍ:46)" (تفسير ابن كثير).

- وقال -تعالى- عن قوم نوح -عليه السلام-: (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا) (نوح:25)، فأخبر القرآن أنهم أُدخِلوا بالفعل نارًا.

- وقال الله -تعالى-: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) (الأنعام:93). فمن ساعة احتضارهم يُعذَّبون. (وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ): أي بالضرب والعذاب. وقوله: (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ): نص قاطع أنهم يبَشَّرون بالعذاب مِن يوم احتضارهم، وليس كما ينكره الجاهل الضال!

- وقال الله -تعالى- متوعدًا المنافقين بثلاثة أنواع من العذاب "أحدها عذاب القبر": (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ) (التوبة:101). فالمرتين: مرة في الدنيا، ومرة في القبر، ثم يردون إلى عذاب يوم القيامة وهو العذاب العظيم.

- وقال الله -تعالى- متوعدًا الكفارَ به قبل عذاب الآخرة: (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (الطور:47). قال ابن جرير -رحمه الله- في تفسيره: "وعن البراء -رضي الله عنه-: (عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ) قال: عذاب القبر".

- وقال الله -تعالى- مبينًا أن أول مراتب تثبيت المؤمنين تكون في القبر: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) (إبراهيم:27)، عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) قَالَ: (نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ، فَيُقَالُ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللهُ، وَنَبِيِّي -مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَذَلِكَ قَوْلُهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ) (رواه مسلم). (وانظر تفسير ابن كثير لهذه الآيات الكريمة).

فهذه أدلة قرآنية صريحة في إثبات فتنة القبر.

- وأما الأحاديث: فهي متواترة عند أهل العلم؛ إذ الأحاديث الصحيحة المرفوعة فقط رويت عن أكثر مِن ثلاثين صحابيًّا مِن طرق مختلفة عنهم عدا الموقوف والضعيف الذي لا يشك عالم أنه قد بلغ مبلغ التواتر (راجع كتاب "عذاب القبر ونعيمه في الكتاب والسنة" لـ د.ياسر برهامي).

- ومِن هذه الأحاديث:

- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (العَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ، فَأَقْعَدَاهُ، فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الجَنَّةِ، فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا، وَأَمَّا الكَافِرُ -أَوِ المُنَافِقُ- فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقَالُ: لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلا الثَّقَلَيْنِ) (متفق عليه).

- وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ، يَقُولُ: (قُولُوا اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ) (رواه مسلم).

- وعنه -رضي الله عنه- قال: خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ بَعْضِ حِيطَانِ المَدِينَةِ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ: (يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ، كَانَ أَحَدُهُمَا لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ) (متفق عليه).

- وعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ، وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ فِي الأَرْضِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: (اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ) مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاثًا ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مَلائِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ -عَلَيْهِ السَّلامُ- حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ، فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا، فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ، وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلإٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِلا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلانُ بْنُ فُلانٍ بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا.

حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا، حَتَّى يُنْتَهَي بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الأَرْضِ، فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى، فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ، فَيَقُولانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الإِسْلامُ، فَيَقُولانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَيَقُولانِ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ، فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ، فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ: أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا، وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ، فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي، وَمَالِي.

وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ، مَعَهُمُ الْمُسُوحُ، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ، اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَغَضَبٍ، فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنَ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا، فَلا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلأٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ، إِلا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلانُ بْنُ فُلانٍ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يُنْتَهَي بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ، فَلا يُفْتَحُ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) (الأعراف:40)، فَيَقُولُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الأَرْضِ السُّفْلَى، فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا) ثُمَّ قَرَأَ: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) (الحج:31).

فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لا أَدْرِي، فَيَقُولانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لا أَدْرِي، فَيَقُولانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لا أَدْرِي، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ، فَافْرِشُوا لَهُ مِنَ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا، وَسَمُومِهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاعُهُ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ، قَبِيحُ الثِّيَابِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ، فَيَقُولُ: رَبِّ لا تُقِمِ السَّاعَةَ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).

- وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول في دعائه: (اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَعَذَابِ النَّارِ، وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَشَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ) (متفق عليه).

وغير ذلك مِن الأحاديث الصحيحة الثابتة.

- وأما الإجماع فنقله غير واحد مِن أئمة السنة.

ومِن الآثار المترتبة على التكذيب بفتنة القبر:

- أن المكذب يكذب بأول مشاهد اليوم الآخر: عن هانئ مولى عثمان -رضي الله عنه- قال: كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ يَبْكِي حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ. فَقِيلَ لَهُ: تَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَلا تَبْكِي، وَتَبْكِي مِنْ هَذَا! قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الآخِرَةِ، فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ) (رواه الترمذي وابن ماجه، وحسنه الألباني).

- أن المكذب شر من اليهود في هذا الباب: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دَخَلَتْ عَلَيَّ عَجُوزَانِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَتَا لِي: إِنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ فَكَذَّبْتُهُمَا وَلَمْ أُنْعِمْ أَنْ أُصَدِّقَهُمَا فَخَرَجَتَا وَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَجُوزَيْنِ وَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ: (صَدَقَتَا إِنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَذَابًا تَسْمَعُهُ الْبَهَائِمُ كُلُّهَا، فَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ فِي صَلاةٍ إِلا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ) (متفق عليه).

- أن المكذب بحجة عدم الإدراك يرد على النبي -صلى الله عليه وسلم- إدراكه ذلك: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَلَمْ أَشْهَدْهُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَكِنْ حَدَّثَنِيهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ، وَنَحْنُ مَعَهُ إِذْ حَادَتْ بِهِ، فَكَادَتْ تُلْقِيهِ وَإِذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ، فَقَالَ: (مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ الأَقْبُرِ؟)، فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، قَالَ: فَمَتَى مَاتَ هَؤُلاءِ؟، قَالَ: مَاتُوا فِي الإِشْرَاكِ؟، فَقَالَ: (إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَلَوْلا أَنْ لا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ) ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: (تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ)، قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، فَقَالَ: (تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ)، قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، قَالَ: (تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)، قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، قَالَ: (تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ)، قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ. (رواه مسلم).

ثانيًا: حجية السنة:

- مِن أخطر الآثار المترتبة على التكذيب بفتنة القبر: أن المكذب لفتنة القبر بحجة عدم ثبوتها في القرآن الكريم منكر للسنة، ومكذب بحجيتها.

وسبحان الله! فلقد أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن مثل ذلك منذ أربعة عشر قرنًا، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي، فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- مَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ) (رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَلا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).

- وهذه نصوص "القرآن العظيم" تأمر بطاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتبيِّن أن ما جاء عنه -صلى الله عليه وسلم- قد جاء من الله -تعالى-: قال الله -عز وجل-: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى) (النجم:3-4)، وقال -تعالى-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الحشر:7)، وقال -تعالى-: (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) (النساء:80)، وقال: (وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) (النساء:113).

- وقال الله -تعالى- محذرًا من مخالفة أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور:63).

- وجعل الله -تعالى- سنته -صلى الله عليه وسلم- مفصلة للقرآن في بيان العقائد والعبادات والأحكام: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل:44).

ومن الأمثلة على ذلك:

- الصلاة: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) (البقرة:43)، فسرتها السنة بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) (متفق عليه).

- الزكاة: (وَآتُوا الزَّكَاةَ) (البقرة:43)، فسرتها السنة بأحاديث أنصبة الزكاة ومقاديرها: "الذهب والفضة - الماشية - الثمار والزوع - المعادن والركاز".

- الحج: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) (البقرة:196)، فسرتها السنة بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ) (رواه مسلم).

- المآكل والمشارب: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) (الأعراف:157)، فسرتها السنة بنهيه -صلى الله عليه وسلم- عن كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، وتحريم أكل الحمر الأهلية.

وهكذا... نرى السنة النبوية الشريفة تبيِّن المبهم، وتفصِّل المجمل، وتخصص العام، وغير ذلك.

رابعًا: أثر الإيمان بفتنة القبر:

- صحة الإيمان بالتصديق بما أنزل على النبي -صلى الله عليه وسلم-: قال الله -تعالى-: (الم . ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ . وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ . أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (البقرة:1-5).

- الإيمان بعظيم قدرة الله في الخلق "ومِن أمثلته: المحتضر؛ فكيف في المقبور؟!": (فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ . وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ . وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ . فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ . تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ . فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ . وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ . فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ . وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ . فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ . وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ . إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ . فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (الواقعة:83-96).

الإيمان بـ"فتنة القبر" لا يعارض العقول السليمة:

قال شيح الإسلام "ابن تيمية" -رحمه الله- وهو يرد على المكذبين بفتنة القبر بحجة مخالفته للعقول!: "وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ النَّائِمَ يَكُونُ نَائِمًا، وَتَقْعُدُ رُوحُهُ وَتَقُومُ، وَتَمْشِي وَتَذْهَبُ، وَتَتَكَلَّمُ وَتَفْعَلُ أَفْعَالاً وَأُمُورًا بِبَاطِنِ بَدَنِهِ مَعَ رُوحِهِ، وَيَحْصُلُ لِبَدَنِهِ وَرُوحِهِ بِهَا نَعِيمٌ وَعَذَابٌ؛ مَعَ أَنَّ جَسَدَهُ مُضْطَجَعٌ؛ وَعَيْنَيْهِ مُغْمَضَةٌ وَفَمَهُ مُطْبَقٌ، وَأَعْضَاءَهُ سَاكِنَةٌ، وَقَدْ يَتَحَرَّكُ بَدَنُهُ لِقُوَّةِ الْحَرَكَةِ الدَّاخِلَةِ، وَقَدْ يَقُومُ وَيَمْشِي وَيَتَكَلَّمُ وَيَصِيحُ لِقُوَّةِ الأَمْرِ فِي بَاطِنِهِ - كَانَ هَذَا مِمَّا يُعْتَبَرُ بِهِ أَمْرُ الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ؛ فَإِنَّ رُوحَهُ تَقْعُدُ وَتَجْلِسُ وَتُسْأَلُ، وَتُنَعَّمُ وَتُعَذَّبُ وَتَصِيحُ، وَذَلِكَ مُتَّصِلٌ بِبَدَنِهِ مَعَ كَوْنِهِ مُضْطَجِعًا فِي قَبْرِهِ" (مجموع الفتاوى: 5/ 525-526).

ما يجب على المسلم

موقف المسلم من فتنة القبر "عذاب القبر ونعيمه":

- الإيمان المطلق والتصديق الذي لا شك فيه بكل ما أخبر الله -تعالى- به أو أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن ذلك: "فتنة القبر".

- اتقاء أسباب عذاب القبر، مِن: "الكذب - النميمة - الغلول - هجر القرآن - الزنا - الربا - الممطالة في رد الدين - ... ".

- الدفاع عن هذه العقيدة أمام هجمات المبتدعة والزنادقة بكل الوسائل المتاحة، مِن خلال: "التحذير منهم، والتشنيع عليهم - نشر القضية من خلال الوسائل الدعوية - مقاطعة المعتدين - ... ".

نسأل الله أن يثبت قلوبنا على دينه، وأن ينجينا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، ومن فتنة القبر، وعذاب القبر.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة