الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل (17) ثورة "حائط البراق" 1929م

وهذا الجزء من السور الغربي للمسجد الأقصى يطلق عليه اليهود اسم "حائط المبكى"، ويزعمون -دون أي دليل تاريخي

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل (17) ثورة "حائط البراق" 1929م
علاء بكر
الخميس ٢٣ أكتوبر ٢٠١٤ - ٠٩:١٣ ص
1452

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل (17)

ثورة "حائط البراق" 1929م

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فحائط البراق هو ذلك الجزء الواقع في الجهة الغربية من سور المسجد الأقصى بطول 47م، وارتفاع 18م، وعرض 330سم، وكان أمام هذا الحائط رصيف أو ممر عرضه نحو 4 أمتار، ولكن هذا الرصيف هدمه اليهود عام 1967م بعد احتلالهم للقدس الشرقية.

- وهذا الجزء من السور الغربي للمسجد الأقصى يطلق عليه اليهود اسم "حائط المبكى"، ويزعمون -دون أي دليل تاريخي رغم كل الحفريات التي قام بها اليهود حول وتحت المسجد الأقصى- أنه مِن بقايا هيكل سليمان الثاني، ويقومون بزيارته للبكاء عنده والنواح، وأضافوا إلى ذلك دعاءً خاصًّا، ثم راحوا يصلون عنده كما لو كان كنيسًا لهم، مع أن هيكل سليمان "في اعتقادهم" لم يكن إلا بيتًا لتقديم القرابين في المناسبات، ولم يكن تقام فيه الصلوات.

- أما عند المسلمين فهو المسجد الأقصى الذي بني على التوحيد واتباع الرسل، ولا دليل على أنه كان في نفس البقعة التي بني فيها المسجد أيام عمر -رضي الله عنه- إلى الآن.

- وقد حوَّل اليهود هذا الحائط إلى رمز وطني لدولة إسرائيل تقام عنده الاحتفالات في المناسبات الوطنية في العصر الحديث إمعانًا في جذب يهود العالم لفلسطين.

- ويحرص اليهود على جعل كبار الزوار لدولة إسرائيل يقومون بالتوجه إلى الحائط ليشاركوا اليهود في مشاعرهم، وليضفوا على المكان الصبغة اليهودية بذلك، مع أن هذا الحائط جزء لا يتجزأ من سور المسجد الأقصى، ويتبع الأوقاف الإسلامية طوال القرون الطويلة السابقة، وأقرت بذلك عصبة الأمم عام 1930م كما سنبينه -إن شاء الله-.

- في عام 1800م زاد عدد اليهود في فلسطين فأصبحوا قرابة الألفين، ومِن باب التسامح الديني سُمِح لليهود بالمرور والوقوف للتباكي عند زقاق حائط البراق، وفي عهد إبراهيم باشا سمح لليهود بالاقتراب من الحائط والبكاء عنده.

- ومع الوقت تمادى اليهود في تعاملهم مع الحائط فجلبوا معهم ستائر ومقاعد للجلوس عليها؛ مما اضطر معه ناظر الأوقاف الإسلامية بالقدس الجهة المسئولة عن المكان إلى الشكوى لإدارة لواء القدس "عام 1327هـ الموافق 1911م" التي منعت اليهود من جلب أي أدوات معهم عند الحائط، ولكن اليهود عادوا لمحاولاتهم مِن جديد خاصة بعد "وعد بلفور" وبدء الانتداب البريطاني، بجلب المقاعد والستائر، والحصر، والمصابيح لممر الحائط الضيق.

- في سبتمبر 1929م أعطت بريطانيا اليهود حق المرور للحائط وإقامة شعائرهم عنده في جميع الأوقات، وحددت أدوات العبادة التي لهم جلبها إلى الحائط مع التأكيد على ملكية المسلمين للمكان.

- في توصيات المؤتمر الصهيوني العالمي السادس عشر في زيورخ في يوليو 1929م وصَّى زعماءُ اليهود السياسيين والدينيين بالسعي لإعادة بناء هيكل سليمان، ورفضوا الاعتراف بكون حائط البراق من الوقف الإسلامي، وقد ترتب على ذلك قيام يهود فلسطين -وبموافقة الحكومة البريطانية- بمظاهرات عنيفة في 14 أغسطس 1929م عند حائط البراق، وهم يحملون العلم اليهودي ويهتفون "الحائط حائطنا"، ويخطبون الخطب المحرضة للجماهير اليهودية على السيطرة على الحائط.

- وفي يوم الجمعة 16 أغسطس 1929م اندلعت المناوشات بين المسلمين واليهود بسبب تعنت اليهود، وتحولت إلى ثورة استمرت مدة أسبوعين عمت جميع المدن الفلسطينية، وعرفت باسم "ثورة البراق"، وأسفرت الهجمات العربية عن قتل الكثيرين من اليهود والعرب والإنجليز؛ حيث قتل مِن اليهود 133 قتيل وأصيب 329, واستشهد من الفلسطينيين 116 شهيد وأصيب 232.

ولوقف الاشتباكات دفعت بريطانيا جيشًا قوامه 30 ألف جندي إنجليزي، منهم قوات إنجليزية جاءوا بها من مصر، حيث تم محاصرة العرب وقمعهم، واعتقال الآلاف من الشباب الفلسطيني والتحقيق معهم، وفرضت الغرامات على الفلسطينيين الذين شاركوا في الاشتباكات، وحددت إقامة زعماء العرب الذين قادوا الثورة.

وقامت القوات البريطانية بمحاكمات مجحفة ضد الفلسطينيين، ولم تصدر أي عقوبة على أي يهودي! فحكموا بإعدام 27 فلسطينيًّا، ثم خفف عن 24 منهم، ونُفذ الحكم في ثلاثة منهم صباح يوم الثلاثاء 17 يونيو 1930م في سجن مدينة عكا بالقلعة.

وقد أرسلت الحكومة البريطانية على إثر هذه الاضطرابات لجنة عُرفت باسم "لجنة شو" -نسبة إلى رئيسها "والتر شو"-؛ للتحقيق والتوصية بما يجب أن يتخذ من تدابير لمنع تكرار المشكلة، حيث قدَّمت تقريرها في أول مارس 1930م، وأوصت بإصدار بيان يحد مِن الهجرة اليهودية، وأكدت على مطالب الفلسطينيين بإقامة حكومة نيابية، وتشكيل لجان فنية للنظر في توصيات اللجنة.

- وكان من توصيات اللجنة: إرسال لجنة دولية للنظر في موضوع حق العرب واليهود في حائط البراق، وقد وصلت لجنة التحقيق الدولية المنبثقة عن عصبة الأمم في 19 يونيو 1930م، واستمعت لمدة شهر للشهود المسلمين من فلسطين وأقطار إسلامية أخرى، وللشهود من اليهود، واطلعت على الوثائق المقدمة مِن الطرفين.

- وقد أنصفت عصبة الأمم المسلمين في تقريرها باسم "مرسوم الحائط الغربي"، وأقرت بحقهم في حائط البراق، حيث جاء في التقرير: "للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي، ولهم وحدهم الحق العيني فيه، لكونه يؤلف جزءًا لا يتجزأ مِن ساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف، ولهم أيضًا تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط، وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة لكونه موقوفًا حسب أحكام الشرع الإسلامي لجهات البر والخير" (راجع في ذلك: "حائط البراق" لجهاد جميل العايش، ط. مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية - قبرص ط. الأولى 1427 هـ - 2007م).

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي