الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الدفاع عن السنة ورموزها (6)

طعونات أعداء الاسلام في أحاديث أهل السنة لا تنتهي ، لكننا في هذا المقال أمام حديث كثر الكلام فيه وتهويله حتى كثر التشنيع به

الدفاع عن السنة ورموزها (6)
إيهاب شاهين
السبت ٠١ نوفمبر ٢٠١٤ - ١٩:٥٦ م
2658

الدفاع عن السنة ورموزها (6)

رضاع الكبير

كتبه / إيهاب شاهين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد ؛

طعونات أعداء الاسلام في أحاديث أهل السنة لا تنتهي ، لكننا في هذا المقال أمام حديث كثر الكلام فيه وتهويله حتى كثر التشنيع به على أهل السنة.‏ والحديث عن سالم مولي أبي حذيفة رضي الله عنه , الذي كان ولداً صغيراً نشأ عند آل أبي حذيفة كابن لهم. لكن عندما كبر الولد بدأت المشكلة تحدث، إذ صار حذيفة رضي الله عنه يغار من دخول سالم رضي الله عنه على بيته وفيه زوجه سهلة رضي الله عنها. فهذا سبب سؤالها للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث أن سالما مضطر للدخول عليهم لأنه يعيش معهم.

نص الحديث برواياته وتوجيهها :‏ عن عائشة - رضي الله عنها - أن أبا حذيفة بن عتبة ابن ربيعة بن عبد شمس - وكان ممن شهد بدرا مع النبي -صلى الله عليه وسلم تَبَنَّى سالما. وأنكحه بنت أخيه الوليد بن عتبة بن ربيعة. وهو مولى لامرأة من الأنصار ، كما تَبَنَّى النبي صلى الله عليه وسلم- زيدا. وكان مَنْ تَبَنَّى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إِليه ، ووَرَّثه من ميراثه ، حتى أنزل الله : ادعوهم لآبائهم  إِلى قوله  ومواليكم . فرُدُّوا إِلى آبائهم. فمن لم يُعلَم له أب كان مولى وأخا في الدين. فجاءت سَهْلة بنت سهيل بن عمرو القرشي ، ثم العامري، وهي امرأة أبي حذيفة : النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله ، إنا كنا نرى سالما ولدا. وقد أنزل الله - عز وجل - فيه ما قد علمتَ - وذكر الحديث » هكذا هو عند البخاري ، ولم يُخرج تمامه.

قال الحميدي : وقد أخرجه أبو بكر البَرْقاني في كتابه بطوله من حديث أبي اليمان ، الذي أخرج البخاري عنه ما أخرجه عنه. وفيه بعد قولها : وكنا نرى سالما ولدا  : وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد ، ويراني فُضلَى. وقد أنزل الله - عز وجل - ما قد علمت ، فكيف ترى يا رسول الله ؟ فقال لها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-:أرضعيه. فأرضعته خمس رضعات. فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة. فبذلك كانت عائشة تأمر بنات إِخوتها وبنات أخواتها أن يرضِعن من أحبَّتْ عائشة أن يراها ويدخل عليها - وإن كان كبيرًا - خمس رضعات ، ثم يدخل عليها.

وفي رواية مسلم عن عائشة قالت : « جاءت سهلة بنت سهيل إِلى النبي -صلى الله عليه وسلم-. فقالت: يا رسول الله، إِني أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم - وهو حليفه - فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : أرضعيه. قالت: كيف أرضعه وهو رجل كبير ؟ فتبسَّم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ، وقال : قد علمتُ أنه رجل كبير ، وقد كان شهد بدرًا.

وفي أخرى له : أن سالما مولى أبي حذيفة كان مع أبي حذيفة وأهلِهِ في بيتهم. فأتَتْ - تعني سهلة بنت سهيل - النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فقالت: إِن سالما قد بلغ ما يبلغ ، وعَقَلَ ما عقلوا. وإنه ليدخل علينا. وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا. فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم- : أرضعيه ، تَحْرُمي عليه ، ويذهبَ الذي في نفس أبي حذيفة. فرجعتْ ، فقالت: إِني قد أرضَعْته ، وقد ذهب الذي في نفس أبي حذيفة.
موضع الشبهة:‏

يقال: كيف أرضعت سهلة بنت سهيل ذلك الرجل؟ وهل يجوز لها أن تكشف عورتها أو ترضعه؟

الجواب : ‏نقول: الحديث ذَكَرَ الرّضاعة، ولم يَذكر مباشرتها الرجل بالرضاعة أو مصّ الثدي أصلاً! بل قامت سهلة بنت سهيل بوضع اللبن في الإناء وسقيه له. قال الإمام ‏ابن عبد البر في التمهيد (8257): «هكذا إرضاع الكبير كما ذكر: يحلب له اللبن ويسقاه. وأما أن تلقمه المرأة ثديها –كما تصنع بالطفل– فلا. لأن ذلك لا ‏يَحِلُّ عند جماعة العلماء. وقد أجمع فقهاء الأمصار على التحريم بما يشربه الغلام الرضيع من لبن المرأة، وإن لم يمصه من ثديها. وإنما اختلفوا في السعوط به وفي ‏الحقنة والوجور وفي حين يصنع له منه، بما لا حاجة بنا إلى ذكره هاهنا.‏ وقال ابن حجر في الفتح (9148): «التغذية بلبن المرضعة يحرِّم، سواء كان بشرب أم بأكل، بأيِّ صفةٍ كان، حتى الوجور والسعوط والثرد والطبخ، وغير ذلك إذا ما وقع ذلك بالشرط المذكور من العدد، لأن ذلك يطرد الجوع». الوجور هو صب اللبن في الفم، والثرد هو خلط اللبن بالخبز.

فمن الواضح أن العلماء مجمعون على أنه لا يجوز بحال أن يرى ويمس ثدي المرأة من الرجال غير زوجها. ذلك أن حذيفة يغار من دخوله على زوجه. فكيف يأمرها النبي بأمرٍ يغار منه المرء أشد من غيرته من الدخول، ألا وهو الرضاعة؟! هذا إذا افترضنا أن ‏الرضاعة لا بد أن تكون من الثدي مباشرة.‏

وإلى هذا تشير روايةٌ ابن سعد في الطبقات الكبرى (8/271): «أخبرنا محمد بن عمر حدثنا محمد بن عبد الله بن أخي الزهري عن أبيه قال: كانت ‏سهلة تحلب في مسعط أو إناءٍ قدر رضعة، فيشربه سالمٌ في كل يومٍ حتى مضت خمسة أيام. فكان بعد ذلك يدخل عليها وهي حاسِرٌ رأسها، رُخصة من رسول ‏اللّه   لسهلة بنت سهيل».  ورغم ضعف هذه الرواية ولكن النص القرآني يؤيدها وكلام العلماء والغيـرة, وعدم وجود حتى رواية ضعيفة واحدة بمباشرة ثدي المرضعة من سالم ولا رواية واحده فقط تصف الرضاعة , إذا نأخذ بالأصل وهو حرمة النظر إلى الأجنبيـة فما بالك بملامستها.

 وعلي ذلك انقسمت الآراء في مسألة رضاع الكبير إلى ثلاث أقوال :

1- منهم من رأي أن الأمر كان خاص بسهلة فقط (أم سالم من الرضاعة) وهذا رأي سائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا القول جمهور العلماء . يقول الإمام النووي رحمه الله تعالي: "واختلف العلماء في هذه المسألة، فقالت عائشة وداود: تثبت حرمة الرضاع برضاع البالغ، كما تثبت برضاع الطفل لهذا الحديث، وقال سائر العلماء من الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار إلى الآن: لا تثبت إلا بإرضاع من له دون سنتين إلا أبا حنيفة، فقال: سنتين ونصف، وقال زفر: ثلاث سنين، وعن مالك رواية سنتين وأيام، واحتج الجمهور بقوله تعالى: )والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة( وبالحديث الذي ذكره مسلم بعد هذا “إنما الرضاعة من المجاعة" وبأحاديث مشهورة، وحملوا حديث سهلة على أنه مختص بها وبسالم، وقد روى مسلم عن أم سلمة وسائر أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أنهن خالفن عائشة في هذا".                      

2- ومنهم من رأي أن الأمر كان لمن كان له مثل حالها وبهذا القول يقول بعض العلماء .

3- ومنهم من رأي أن الأمر مطلق وإلى هذا ذهبت ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها .

والنصوص التي ناقشت المسألة دائرة بين التخصيص والتعميم، والقول الأحسن في الجمع بينهما هو كلام شيخ الإسلام ابن تيمية: " فإنه يعتبر الصغر في الرضاعة إلا إذا دعت إليه الحاجة كرضاع الكبير الذي لا يُستغنى عن دخوله على المرأة، وشق احتجابها عنه كحال سالم مع امرأة أبي حذيفة، فمِثْلِ هذا الكبير إذا أرضعته للحاجة أثَّر رضاعه، وأما من عداه فلا بد من الصغر؛ فإنه جمعٌ بين الأحاديث حسن وإعمالٌ لها من غير مخالفة لظاهرها باختصاص ولا نسخ، ولا إلغاء لما اعتبرته اللغة ودلت له الأحاديث ".
ومن هنا يكون الحكم عامًّا لعدم تقيده بشخص سالم.. ويكون في نفس الوقت خاصًّا بمثل الضرورة التي كانت في حالته الشرعية.

ومن هنا لا يكون رضاع الكبير حكم مجرد، ولكنها مسألة فتوى..
ويدخل في ضرورة الفتوى أمور :

 تقدير الضرورة في الواقع على أساس معنى الخصوص والعموم المذكورين آنفا.
النظر في حال المستفتي للاطمئنان إلى تقواه.

والحمد لله رب العالمين .

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

 



.