الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

القول بطهارة دم الآدمي والتشكيك في الإجماع على نجاسته!

السؤال: سمعتُ أكثر مِن شخص يقول بطهارة الدم، ويذكر أن دم الإنسان طاهر وليس بنجس، رغم أني سمعتُ مِن قبْل أن الدم نجس بالإجماع، ومما يستدل به هؤلاء: 1- لا يثبت الإجماع على نجاسة الدم، بل هو مشكوك فيه، ولا يوجد نص من الكتاب أو السنة يدل على نجاسة الدم؟ 2- من الأدلة التي يستدلون بها على طهارة دم الإنسان حديث جابر -رضي الله عنه- قال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْنِي فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، فَأَصَابَ رَجُلٌ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَحَلَفَ أَنْ لا أَنْتَهِيَ حَتَّى أُهَرِيقَ دَمًا فِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، فَخَرَجَ يَتْبَعُ أَثَرَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَنَزَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْزِلاً، فَقَالَ: (مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا؟) فَانْتَدَبَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: (كُونَا بِفَمِ الشِّعْبِ)، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلانِ إِلَى فَمِ الشِّعْبِ اضْطَجَعَ الْمُهَاجِرِيُّ، وَقَامَ الأَنْصَارِيُّ يُصَلِّي، وَأَتَى الرَّجُلُ فَلَمَّا رَأَى شَخْصَهُ عَرَفَ أَنَّهُ رَبِيئَةٌ لِلْقَوْمِ، فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِيهِ فَنَزَعَهُ، حَتَّى رَمَاهُ بِثَلاثَةِ أَسْهُمٍ، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ، ثُمَّ انْتَبَهَ صَاحِبُهُ، فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُمْ قَدْ نَذِرُوا بِهِ هَرَبَ، وَلَمَّا رَأَى الْمُهَاجِرِيُّ مَا بِالأَنْصَارِيِّ مِنَ الدَّمِ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، أَلا أَنْبَهْتَنِي أَوَّلَ مَا رَمَى، قَالَ: كُنْتَ فِي سُورَةٍ أَقْرَؤُهَا فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا! (رواه أحمد وأبو داود، وحسنه الألباني). فقالوا: لو كان الدم نجسًا لكان الواجب هو خروج هذا الأنصاري -رضي الله عنه- من صلاة قيام الليل، وإيقاظ صاحبه ليحرس مكانه، ثم يتطهر هو ويصلي كما يريد بعد ذلك، فلما أتم صلاته بالدم الذي عليه دل ذلك على طهارة الدم، ولو كان الدم نجسًا لبطلت الصلاة بتلبسه بالنجاسة التي على ثيابه وبدنه، وهذا لا يخفى على النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم ينكره، والأنصاري قد صلى ودمه يجري؛ مما يبطل قول مَن قال إن الدم كان يسيرًا. 3- ولا يقال: إن الدم كان معجوزًا عن إزالته؛ لأنه كان يلزمه الخروج من الصلاة لتخفيف النجاسة على الأقل، ولأن الدم لو كان لا ينقطع بحال لأفضى به إلى الموت بلا شك، فلما لم يخرج ولو لتخفيف النجاسة من بدنه وثوبه وهما بلا شك غمرتهما الدماء دل ذلك على طهارة دم الآدمي. ثم كيف تباح له الصلاة إن كان الدم نجسًا لمجرد أنه يريد الصلاة، ولا يريد قطع السورة التي كان يقرأ بها، بل هو أشبه إذا كان الدم نجسًا بالحائض والنفساء التي يلزمها ترك الصلاة فورًا إذا نزل عليها الحيض، وإن كانت تشتاق للصلاة وتريدها؟ فما الجواب على هذه الإشكالات يا فضيلة الشيخ.

القول بطهارة دم الآدمي والتشكيك في الإجماع على نجاسته!
السبت ٠٨ نوفمبر ٢٠١٤ - ٠٧:٢٠ ص
1593

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

1- فالقول بطهارة الدم شاذ ضعيف جدًّا، بل هو خلاف الإجماع الصحيح الذي نقله أكثر مِن ثمانية مِن أهل العلم الخبراء بمواطن الإجماع والخلاف، منهم: "أحمد بن حنبل - وابن عبد البر - وابن حزم - وابن العربي - والقرطبي - والنووي - والقرافي - وشيخ الإسلام ابن تيمية - وابن حجر -  ... ".

والدليل الواضح هو الآية الكريمة: (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) (الأنعام:145)، والضمير يعود على جميع المذكورات.

ثم الأمر بغسل الدم الثابت في السنة، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- للمستحاضة -فاطمة بنت أبي حبيش-: (فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي) (متفق عليه)، وقد بوَّب عليه البخاري: "باب غسل الدم"، وأخرجه مسلم في باب "نجاسة الدم وكيفية غسله". وهو في دم الاستحاضة الذي هو دم عرق، لكن لفظة الدم جاءت معرفة بالألف واللام، فتفيد العموم.

قال ابن حزم -رحمه الله-: "وَهَذَا عُمُومٌ مِنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِنَوْعِ الدَّمِ، وَلا نُبَالِي بِالسُّؤَالِ إذَا كَانَ جَوَابُهُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- قَائِمًا بِنَفْسِهِ غَيْرَ مَرْدُودٍ بِضَمِيرٍ إلَى السُّؤَالِ" (المحلى بالآثار).

2- وأما واقعة الأنصاري فهي فيمن عجز عن إزالة الدم ككل جريح، والجرح لا يزال يخرج منه الدم؛ فلا يلزم الخروج من الصلاة، وهي اقتراحات عجيبة، وإلزامات باطلة مخالفة لكلام أهل العلم.

ثم هذه واقعة عين لا عموم لها؛ فكيف تُعارَض بها النصوص العامة الواضحة في نجاسة الدم؟!

3- وما ذكره هذا القائل مِن أن الدم لو كان لا يتوقف لمات مع كونه ينكر احتمال كونه يسيرًا معفوًا عنه - هو كلام متناقض، والإلزامات الباطلة بقطع الصلاة بالتلبس بالنجاسة لا تقبل؛ لأنه لا دليل عليها، فالقول بأن إزالة النجاسة واجبة أو مستحبة وليست شرطًا تبطل هذا الإلزام، ومَن يجعلها شرطًا فهو مع العلم والقدرة، وهنا يعجز عنها إلا بقطع الصلاة، ولا يلزمه ذلك إلا بدليل، ولا دليل.

أما القياسات التي ذكرها فهي قياسات ممن لا يحسن القياس -بلا شك-، ولا طريقة الاستدلال، ويكفي أن تُطالِب هؤلاء بعالِم مِن السلف قبْل المعاصرين "والشوكاني" قال هذا الكلام وأفتى بطهارة الدم!