الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

وسطية أهل السنة والجماعة وأثرها على الأمة

مواقف الدعوة السلفية بمصر قائمة على منهج أهل السنة والجماعة فهماً وعلماً وعملاً ودعوة

وسطية أهل السنة والجماعة وأثرها على الأمة
وائل سمير عبد القوي
الأحد ٢٣ نوفمبر ٢٠١٤ - ٠٨:٤٦ ص
2525

وسطية أهل السنة والجماعة وأثرها على الأمة

كتبه/ وائل سمير عبد القوي

الحمد لله ، والصلا والسلام على رسوله ، صلى الله عليه وسلم .. وبعد ..

فقد وصف الله عز وجل هذه الأمة بأنها أمة وسط  { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}.

- والوسط هم الخيار، قال الطبري في تفسيره: "الوسط في كلام العرب الخيار"، كما قال تعالى: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} فهذه الأمة هي خيار الأمم وأفضلها عند الله، فكما اختار الله لها أفضل رسول صلى الله عليه وسلم، واختار لها أفضل قبلة، وخصها بأفضل الشرائع وأقوم المناهج وأوضح المذاهب قال تعالى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}

- والوسط هم العدول، كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُجَاءُ بِنُوحٍ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، يَا رَبِّ، فَتُسْأَلُ أُمَّتُهُ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِيرٍ، فَيَقُولُ: مَنْ شُهُودُكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، فَيُجَاءُ بِكُمْ، فَتَشْهَدُونَ "، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} - قَالَ: عَدْلًا{ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } [البقرة: 143] رواه البخاري (7349)

قال الطبري في تفسيره: "وهذا معنى الخيار، لأن الخيار من الناس عدولهم"

وقال الشنقيطي في أضواء البيان: وسطا أي خياراً عدولاً، وذلك معروف في كلام العرب ومنه قول زهير:

هُم وسَطٌ يَرضَى الأنامُ بحكمهم      إذا نَزلَت إحدى الليالي بمُعْظَمِ

هذه العدالة التي إتسمت بها الأمة هي شرط قبول الشهادة كما قال تعالى: { لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} أي شهداء لأنبيائي ورسلي على أممهم في الآخرة، ويشهد بعضكم على بعض بعد في الدنيا. 

قال ابن القيم -رحمه الله-: "أخْبَرَ –تعالى- أَنَّهُ جَعَلَهُمْ أُمَّةً خِيَارًا عُدُولًا، هَذَا حَقِيقَةُ الْوَسَطِ، فَهُمْ خَيْرُ الْأُمَمِ، وَأَعْدَلُهَا فِي أَقْوَالِهِمْ، وَأَعْمَالِهِمْ، وَإِرَادَتِهِمْ وَنِيَّاتِهِمْ، وَبِهَذَا اسْتَحَقُّوا أَنْ يَكُونُوا شُهَدَاءَ لِلرُّسُلِ عَلَى أُمَمِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقْبَلُ شَهَادَتَهُمْ عَلَيْهِمْ، فَهُمْ شُهَدَاؤُهُ، وَلِهَذَا نَوَّهَ بِهِمْ وَرَفَعَ ذِكْرَهُمْ، وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ، وَالشَّاهِدُ الْمَقْبُولُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ الَّذِي يَشْهَدُ بِعِلْمٍ وَصِدْقٍ فَيُخْبِرُ بِالْحَقِّ مُسْتَنِدًا إلَى عِلْمِهِ بِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: { إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }  فَقَدْ يُخْبِرُ الْإِنْسَانُ بِالْحَقِّ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ بِهِ، وَقَدْ يَعْلَمُهُ وَلَا يُخْبِرُ بِهِ؛ فَالشَّاهِدُ الْمَقْبُولُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ الَّذِي يُخْبِرُ بِهِ عَنْ عِلْمٍ" (إعلام الموقعين)

وقال أيضاً: "قال صلى الله عليه وسلم:" يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله"، وهؤلاء شهداء الله على الناس يوم القيامة كما قال تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } فإنهم قاموا بشروط الشهادة وهي العلم والعدل فإن الشاهد لا يكون مقبولا حتى يكون عالماً بما يشهد له عدلا في نفسه". (الصواعق المرسلة)

وقال أيضاُ: "فَمَنْ لَمْ يَقُمْ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ - عِلْمًا وَعَمَلًا، وَمَعْرِفَةً وَإِقْرَارًا، وَدَعْوَةً وَتَعْلِيمًا، وَإِرْشَادًا - فَلَيْسَ مِنْ شُهَدَاءِ اللَّهِ". (مدارج السالكين)

- والوسط: هو الاعتدال المجانب للغلو والتقصير، قال الطبري في تفسيره: "وأنا أرى أن"الوسط" في هذا الموضع، هو"الوسط" الذي بمعنى: الجزءُ الذي هو بين الطرفين، وأرى أن الله تعالى ذكره إنما وصفهم بأنهم "وسَط"، لتوسطهم في الدين، فلا هُم أهل غُلوٍّ فيه، غلوَّ النصارى الذين غلوا بالترهب، وقولهم في عيسى ما قالوا فيه، ولا هُم أهلُ تقصير فيه، تقصيرَ اليهود الذين بدَّلوا كتابَ الله، وقتلوا أنبياءَهم، وكذبوا على ربهم، وكفروا به؛ ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه. فوصفهم الله بذلك، إذ كان أحبَّ الأمور إلى الله أوْسطُها".

فجعل سبحانه هذه الأمة وسطاً، لتوسطها بين الطرفين المذمومين، والعدل هو الوسط بين طرفى الجور، بين إفراط وتفريط أو بين غلو وجفاء، وهنا يظهر فضل هذه الأمة وكمالها بين الأمم، ويظهر فضل أهل السنة والجماعة بين الفرق المخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.

يقول شيخ الاسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية: "وسطية أهل السنة والجماعة بين فرق الأمة":

"بَلْ هُمُ الْوَسَطُ فِي فِرَقِ الْأُمَّةِ؛ كَمَا أَنَّ الْأُمَّةَ هِيَ الْوَسَطُ فِي الْأُمَمِ، فَهُمْ وَسَطٌ فِي بَابِ صِفَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيْنَ أَهْلِ التَّعْطِيلِ «الْجَهْمِيَّةِ»، وَبَيْنَ أَهْلِ التَّمْثِيلِ «الْمُشَبِّهَةِ»، وَهُمْ وَسَطٌ فِي بَابِ أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى بَيْنَ «الْقَدَرِيَّةِ»، «وَالْجَبْرِيَّةِ»، وَفِي بَابِ وَعِيدِ اللَّهِ بَيْنَ «الْمُرْجِئَةِ»، وَبَيْنَ «الْوَعِيدِيَّةِ» مِنَ «الْقَدَرِيَّةِ» وَغَيْرِهِمْ، وَفِي بَابِ -أسماء- الْإِيمَانِ وَالدِّينِ بَيْنَ «الْحَرُورِيَّةِ» «وَالْمُعْتَزِلَةِ»، وَبَيْنَ «الْمُرْجِئَةِ» «وَالْجَهْمِيَّةِ»، وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ «الرَّوَافِضِ»، وَبَيْنَ «الْخَوَارِجِ»".

كذلك أهل السنة والجماعة وسط في أبواب الفقه والأحكام والتشريعات، كما قال تعالى: چ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا چ، وقال تعالى: چ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا  چ.

فأحل الله لهَذِهِ الْأمة الْوسط فِي المطاعم والمشارب بَين الْيَهُود الَّذين حرمت عَلَيْهِم الطَّيِّبَات عُقُوبَة لَهُم، وَبَين النَّصَارَى الَّذين يسْتَحلُّونَ الْخَبَائِث، فأحل لنا الطَّيِّبَات وَحرم عَلَيْنا الْخَبَائِث.

كذلك أهل السنة والجماعة وسط في تزكية النفوس والأخلاق والمعاملات، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: "إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين" (رواه النسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم)، ولما أرسل صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهما إلى اليمن قال لهما: "تطاوعا ولا تختلفا، ويسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا"، وروي عن علي رضي الله عنه: "خير الناس النمط الأوسط، الذين يَرجع إليهم الغالي، ويَلحق بهم الجافي"، وقال بعض السلف: "دين الله بين الغالي فيه والجافي عنه"

من سمات الوسطية المطلوبة: قيامها على العلم الراسخ الصحيح، والعلم الصحيح يكون نصاً من كتاب أو سنة أو قولاً لصحابي فيما لم يرد فيه النص أو يكون من إجتهادات أهل العلم الراسخين في ذلك، لذا بوب البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه: "باب قوله تعالى:  { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} وما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة، وهم أهل العلم " – ثم ذكر حديث أبي سعيد الخدري السابق-، يقول الحافظ ابن حجر: "قوله (وما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة، وهم أهل العلم) من الصفة المذكورة –أي في الحديث- وهي العدالة، لأن أهل الجهل ليسوا عدولاً وكذلك أهل البدع، فعرف أن المراد بالوصف المذكور أهل السنة والجماعة، وهم أهل العلم الشرعي".

ولم يُؤت الناس في بُعدهم عن الاعتدال والوسطية إلّا لقصورهم في العلم به وغلبة الجهل، وعدم الالتفاف حول أهل العلم من أهل السنة والجماعة، ولذلك كلما كنا حريصين على نشر العلم الصحيح النافع من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفهم السلف كان ذلك مدعاة للثبات على الوسطية، وبالمقابل فالجهل وترك العلم والذهاب إلى عقليات وأفكار مخالفة للفهم الصحيح فإنه يُبعد عن المنهج الوسطي.

ومن سمات الوسطية المطلوبة: العدل في الأحكام والتصرفات، والبراءة من الهوى – الذي يكون غالباً هو المحرك لطرفي الأمر إما الغلو والإفراط أو الجفاء والتفريط، أمّا الوسط المبني على العدل والحق فإنه يبرأ من الهوى- ولا سبيل لذلك إلا بالعلم الصحيح وإخلاص النية لله تعالى والصدق معه.

ومن سمات الوسطية المطلوبة: مراعاة القدرات والإمكانات، ومراعاة الزمن والناس، لأن الوسطية تؤثر في حياة الناس واقعاً ملموساً فليست مطالب وآمال مُعجّزة للناس أو تنظيرات وتخيلات بعيدة، فلا بد أن تراعي القدرات والإمكانات سواء كانت قدرات الأفراد أو قدرات المجتمع أو قدرات الدولة أو القدرات المتعلقة بالأوضاع العالمية، قال صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى"، ومن ذلك مراعاة اختلاف الأزمنة والأمكنة واختلاف الناس، ولهذا نص العلماء على أن الفتوى تختلف باختلاف الزمان والمكان والوقائع والأحوال والناس.

ومن سمات الوسطية المطلوبة: تحقيق مقاصد الشريعة في الدين وفي الدنيا، فتحقيق الشريعة يكون بتحقيق مقاصدها في الناس تكثيراً للمصالح وتقليلاً للمفاسد المعتبرة بميزان الشريعة، فالشريعة جاءت لتحكم في الناس ولتكون حياة الناس على ضوئها، ولم تأت الشريعة لتجلب للناس الحرج والعنت قال تعالى: { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وقال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} ، أو تكون نظريات يُباهى بها وخيالات يحلم بها الناس فقط دون أن تكون تطبيقاً في الواقع بأحكامها ومُثلها وعقائدها، أو يقبل الناس بظاهرها ورسمها دون حقيقتها ومضمونها.

فالوسطية المطلوبة تتحقق في هذه الأمة على أيد أهل السنة والجماعة بقيامهم بهذا المنهج علماً وعملاً ودعوة، وعلى قدر قيامهم بهذا الأمر وتعاونهم فيه يتحقق العدل والاعتدال في الأمة.

والوسطية منحة لهذه الأمة كي تبقى وتستمر، فلا بقاء للغلاة، ولا بقاء للجفاة، وإنما الذي يبقى من كان على المنهج القويم متعلماً، عاملاً، معلماً، داعياً ناصحاً مخلصاً لهذه الأمة.

لذا فلنحذر من أسباب الانحراف عن الوسطية: وهي الجهل، والهوى، والابتداع في الدين، وغلبة العاطفة على العقل، واستعجال النتائج فيما هو مشروع، فضلاً عن طلب نتائج مرفوضة أو غير مشروعة.

ختاماً: فمواقف الدعوة السلفية بمصر قائمة على منهج أهل السنة والجماعة فهماً وعلماً وعملاً ودعوة، وكانت ولا زالت –بفضل الله تعالى- هي صمام الأمان للمجتمع وللبلاد بل للأمة الإسلامية، فأوصي نفسي وإخواني بالحفاظ على هذه الدعوة منهجاً وكيانناً، والأمر يحتاج إلى تعلم، وتربية، ودعوة، وتعاون، وصبر.

نسأل الله أن يحفظنا على هذا المنهج، وأن يستعملنا في دعوته، وأن يحسن خاتمتنا.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com