الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

توقف عن البحث خارج نفسك (2-2)

مطلوب ليس البداية من القلب فقط ولكن خشوع القلب هو الهدف

توقف عن البحث خارج نفسك (2-2)
أحمد خليل خير الله
الأحد ٠٧ ديسمبر ٢٠١٤ - ١٧:٤٩ م
3264

توقف عن البحث خارج نفسك (2-2)

كتبه/ أحمد خليل خير الله

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ما هزني في آية الحديد، أو دعني أكون أكثر وضوحًا، ما أيقظني في آية الحديد هو التخطي الصريح لكل هذه المظاهر المادية، تخطي هذه التفاصيل الكثيرة، تخطي الكلام المنمق والتبريرات المتعددة، تخطي التحليل ثم تحليل التحليل ثم الخلاصة من تحليل التحليل، تخطي كل هذا.

والذهاب مباشرةً وبوضوح إلى هذه المضغة، نعم ... القلب هو البداية الدائمة، إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله.

وآية الحديد كانت أكثر تفصيلًا وتحديدًا، فالمطلوب ليس البداية من القلب فقط ولكن خشوع القلب هو الهدف. .

فكانت هذه الخطوات من هذه الآية المباركة، وذكرنا ثلاث خطوات وهي

فقه التساؤل.

التذكير بالإنجاز.

البداية من الداخل.

رابعًا: مادة التغيير المشتركة بين كل الطاعات هي  "الذكر"

ذكر الله نجاة وحياة .. أعظم المشكلات تواجه بأيسر العبادات وهي الذكر، "أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق"، وعطف القرآن على الذكر من باب التأكيد وإبراز الأهمية.

فالقرآن ذكر والذكر منه القرآن.

إن لم يحيَ القلب بالذكر والقرآن فما الذي يحيه؟!

إن لم يخشع القلب بالذكر وللذكر، وبالقرآن وللقرآن فما الذي سيجدي معه ؟!

قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "أما آن للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله، والموعظة، وسماع القرآن، فتفهم وتنقاد له، وتسمع له وتطيعه" أ.هـ

وقال الألوسي "رحمه الله": "ألم يأن لهم أن ترق قلوبهم لأجل ذكر الله تعالى، وكتابه الحق النازل، فيسارعوا إلى الطاعة على أكمل وجه" أ.هـ

الذكر والقرآن سبيل رباني للخروج من الرتابة والروتينية إلى الحركة والفاعلية، آية الحديد دعوة لمراجعة أثر الذكر والقرآن، ليس مجرد الأداء الطقوسي، الذي يهتم بأداء الطاعة دون ملاحظة أثر هذه الطاعة على واقع الطائع.

الآية تقول نعم تذكر وتتلوا القرآن ولكن؛ أين خشوع القلوب ؟!

القرآن والذكر هما السبيل المعتمد المستدام ، لذا من جميل السياق القرآني أن تأتي الآية التي تليها بقول الرب جل وعلا "اعلموا أن الله يحي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون"

قال ابن كثير رحمه الله معلقًا على هذا السياق الموحى: "فيه إشارة إلى أن الله تعالى يلين القلوب بعد قسوتها ويهدي الحيارى بعد ضلالتها، ويفرج الكروب بعد شدتها وكما يحيى الأرض الميتة المجدبة الهامدة بالغيث الهتّان الوابل، كذلك يهدي القلوب القاسية ببراهين القرآن والدلائل ويولج إليها النور بعد أن كانت مقفلة لا يصل إليها واصل فسبحان الهادي" أ.هـ

فمع الذكر والقرآن دائمًا باب الأمل مفتوح للعودة والصلاح والتغيير وكأن معادلة التغيير حتى الآن (تساؤل + قلب + خشوع + ذكر + قرآن)

والجميل في هذه المعادلة أنها لا تحتاج إلى وساطة أحد ولا تدخل أحد ولا هي تحت سيطرة أحد، وكأن هذه المعادلة صفعة على وجه التبرير الكثير، نقلة نوعية تضع المرء أمام نفسه تقول له قلبك وقرآنك وذكرك، لا جيوش خارجية ولا  فتن مجتمعية ولا مضايقات عائلية ولا تضييقات بشرية، القضية كل القضية في هذه المضغة؛ قلبك، ومادة التغيير والخشوع فيه الذكر والقرآن.

وهذا لا يعني أبدا توقف الحياة حتى ينصلح القلب .. أو توقف بقية السبل حتى ينصلح القلب ولكن .. يعني وضع القلب كأولوية مرافقة لكل إصلاح وحركة

خامسًا: تفعيل الموجود أبرك من البحث عن المفقود؛ فالآية لم تأتِ بجديد، لم تعد اختراع العجلة، لم ترهقك في البحث خارج نفسك أو حتى سؤال غيرك، فقط قلبك

هو، هو، وقرآن وذكر ولكن أضف عليه مادة الخشوع والتركيز والتفعيل والانتباه.

سادسًا: العبرة والاعتبار بمن سبق، قال تعالى: "ولا تكونوا كالذين أتوا الكتاب من قبلكم فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون"

أهل الكتاب قتلهم طول الأمد، لذا كان التنبيه وبسرعة

نعم هي أربع سنوات على إسلام الصحابة ثم نزلت هذه الآية، ولكن أربع سنوات كانت كافية للمراجعة، كانت كافية للتنبيه لعدم تكرار الكارثة، لعدم تكرار كارثة الغرق في مستنقع طول الأمد  أنت لا تعرف كم تبقى من عمرك، فلا يهم أربع أو خمس المهم أن كل واحد منا لا يدري كم سيبقى بعدها لذا كانت الخطوة السادسة في هذه المنهجية هي الاعتبار وليس مجرد الاعتبار العام وإنما الاعتبار بالنموذج الجلي، اليهود والنصارى تحولوا إلى أهل فسق كما قست قلوبهم والسبب كان عدم التفاعل للحظة ثم للدقيقة ثم لساعة قم ليوم ثم لأسبوع ثم لشهر ثم طال عليهم الأمد، فطول الأمد فيروس الدمار لأصحاب كل قضية. ودائما ما يبدأ صغيرا .. ويسهل تداركه صغيرا

سابعًا: المراجعة والمراقبة المكثفة مبدأ قرآني أصيل، الرب جل وعلا وهو الذي يخلق العبد وخلق فعله، ورغم ذلك جاءت الآيات لتنبه الصحابة بعد أربع سنوات فقط ثم وضع لهم المنهج الواضح في آية الحديد للاستفاقة واليقظة. وبعض القيادات وكأنه يحلو له مشاهدة غرق من تبعه أو كلفه بحمل الرسالة

يراه يغرق ويضيع أمام عينه، ولا يكلف نفسه بمجرد الإشارة ناهيك عن التصريح والمكاشفة، البعض يحلوا له إطفاء الحرائق وكأنه يستمتع بذلك ولا يكلف نفسه في أن يمنع وقوعها رغم سهولة ذلك.

بعضنا احترف مهنة رجل المطافئ فقط واستقال من وظيفة المعلم الموجه، فهو يضيع وقته في إطفاء حرائق كان للأسف هو شريكًا أصيلًا ومراقبًا أساسيًا على بدايتها مذ أن كانت شرارة، القرآن بعد أربع سنوات من إسلام الصحابة يرسل صيحة نذير .. أفيقوا، قمة المراجعة والمراقبة والمكاشفة.

خلاصة منهجية، آية الحديد، تقول لنا.

توقف عن البحث خارج نفسك اقتل المادية، التي تحيط بنا في كل مكان وانتقل إلى الربانية والأعمال القلبية اقتل كل مبرر يضخم لك الخارج المهم ويبعدك عن تغيير الداخل الأهم خشوع القلب بالذكر والقرآن طوق نجاة في كل الأماكن والأزمان والله المستعان.

لن نخرق السفينة وسنغرس الفسيلة بإذن الله.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة