الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

طيب الكلام في الرد على أهل العنف والصدام

لقد عانت الأمة بعامة والعمل الإسلامي بخاصة كثيرًا من جراء أفكار العنف والصدام المسلح. فكم من دماء أريقت بغير حق ودعوات عطلت ومفاسد جلبت؟ كل هذا باسم الجهاد...

طيب الكلام في الرد على أهل العنف والصدام
عادل نصر
السبت ٢٠ ديسمبر ٢٠١٤ - ١٢:٣٢ م
1732

طيب الكلام في الرد على أهل العنف والصدام

كتبه/ عادل نصر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

لقد عانت الأمة بعامة والعمل الإسلامي بخاصة كثيرًا من جراء أفكار العنف والصدام المسلح. فكم من دماء أريقت بغير حق ودعوات عطلت ومفاسد جلبت؟ كل هذا باسم الجهاد. والجهاد الشرعي كفريضة عظيمة بريء من كل هذه الأعمال التي لم ينضبط أصحابها بأحكام الشريعة الغراء.

وأصحاب هذا المسلك نوعان:

أحدهما من يتصور أن التمكين للإسلام لم يتم إلا بالمواجهة المسلحة مع الحكام والثاني من لا يرى ذلك ولكنه يرى القتال من باب الردع والرد والنتيجة في النهاية واحدة.

وأنا لا أعلم عالمًا معتبرًا رسخت في العلوم الشرعية قدمُه قال بصحة هذا المسلك. وإنما خاض فيه أحد صنفين؛

الصنف الأول: بعض الدعاة والمفكرين الذي غلب عليهم الحس العاري عن الحكمة، والخطابة الخالية من التأصيل العلمي والشرعي،

وأما الصنف الثاني: فشباب غلب عليهم طيش الشباب وبضاعتهم في العلم الشرعي مزجاة لم يتأهل بالطلب ولم تحنكه التجارب. ولذا فالقول بأن هذا المسلك كان اجتهادًا أو كان قائمًا على اجتهاد الخطأ فيه بأجر والصواب فيه بأجرين كلام لا محل له من الصواب. ذلك لأن الأجر للمجتهد المخطئ مشروط بأن يكون قد استكمل أدوات الاجتهاد أما من لم يستكمل أدوات الاجتهاد فليس له إلا أن يتبع أهل العلم لا سيما في هذه الأمور الخطيرة .نعني أمور الدماء.

يقول الإمام الخطابي: "إنما يؤجر المخطئ على اجتهاده في طلب الحق لا اجتهاده عبادة، ولا يؤجر على الخطأ بل يوضع عنه الإثم فقط، وهذا فيما كان جامعًا لأدلة الاجتهاد عارفًا بالأصول عالمًا بوجوه القياس، فأما من لم يكن محلا للاجتهاد فهو متكلف ولا يعذر بالخطأ بل يخاف عليه الوزر. ويدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام، "القضاة ثلاث واحد في الجنة واثنان في النار" وهذا إنما هو في الفروع المحتملة للوجوه المختلفة دون الأصول التي هي أركان الشريعة وأمهات الأحكام والتي لا تحتمل الوجوه ولا مدخل فيها للتأويل، فإن مَن أخطأ فيها كان غير معذور في الخطأ وكان حكمه في ذلك مردودًا".

إذا: لم تكن الفتاوى التي صدرت في هذا الباب والبحوث التي صنفت لتبيح الدماء المعصومة وتدفع الشباب المتحمس إلى  المواجهة غير المحسوبة لم يكن ذلك اجتهادًا بل كان قفوا على الله بغير علم وجرأة مذمومة على الفتوى. على أصحابها أن يتوبوا إلى الله عز وجل من ذلك، فلقد رأينا من يتجرأ على الكلام في مسائل لو عرضت على عمر لجمع لها أهل بدر، ورأينا من يصنف في أحكام الجهاد فيأتي بالعجائب، فقلة علمه وتفهمه الأدلة على غير وجهها، وينزل الأحكام على غير واقعها، فيترتب على صنيعه من المفاسد ما الله به عليم، فليت هؤلاء تعلموا من سلف الأمة والذين كانوا مع رسوخ أقدامهم وعمق علمهم يتحرجون من الفتيا تحرجًا كبيرًا، لاسيما في أمر الدماء والفروج لخطورة أمرهما.

يقول سحنون "إنا لله ما أشقى المفتي والحاكم! ها أنا ذا يُتعلم مني ما تُضرب به الرقاب وتوطأ به الفروج وتؤخذ به الحقوق أما كنت عن هذا غنيًا"

وقال ابن سيرين قال حذيفة: "إنما يفتي الناس أحد ثلاث من يعلم ما نسخ من القرآن أو أمير لا يجد بدًا أو أحمق متكلف" قال ابن سيرين فلست بواحد من هذين ولا أحب أن أكون الثالث.

وقال يحيي بن سعيد "أجرأ الناس على الفتيا أقلهم علمًا، يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم يظن أنه الحق كله"

وعن عبد الرحمن بن أبى ليلي"أدركت عشرين ومئة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منهم من رجل يسأل عن شيء إلا ودَّ أن أخاه كفاه، ولا يتحدث حديثا إلا ودَّ أن أخاه كفاه". فانظر رحمك الله كيف كان هؤلاء الأكابر يكرهون التسرع في الفتوى وهم مَن هم في العلم والورع وقارن بينهم وبين بعض الشباب في زماننا الذين لم يحصلوا شيئًا يذكر من العلم الشرعي ولم يتأهلوا، فضلا عن حداثة سنهم وقلة خبرتهم، ومع ذلك يتجرءون ويفتون في أمور الدماء والجهاد وكان الأحرى بهم أن يجلسوا عند أقدام أهل العلم ليتعلموا قبل أن يتكلموا حتى لا يقعوا في هذه الجريمة النكراء. نعني بها جريمة القول على الله بغير علم. قال تعالى {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}.. يقول الإمام ابن القيم رحمه الله "وقد حرَّم الله سبحانه القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء وجعله من أعظم المحرمات، بل جعله في المرتبة العليا منها فقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}.. فرتب المحرمات أربع مراتب؛ وبدأ بأسهلها وهو الفواحش ثم ثنى بما هو أشد تحريمًا منه وهو الإثم والظلم ثم ثلث بما هو أعظم تحريمًا منهما وهو الشرك به سبحانه ، ثم ربع بما هو أشد من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم". أشهد الله أننا قد رأينا من أصحاب هذا المسلك عجبًا، فرأينا من يخوض في مسائل الدماء وهو لا يحسن بضع مسائل في دين الله بزعم الجهاد لإقامة شريعة الله ولا يظن المسكين أنه من أول المضيعين لحكم الله وشريعته حينما سمح لنفسه وأمثاله بالكلام في دين والفتيا بغير علم.

شبهة وجوابها:

يقول البعض من أصحاب هذا المسلك إنه لا ينبغي أن يفتي في مسائل الجهاد إلا شيوخ الجهاد الذين خاضوا غماره، أما من ليس كذلك فلا ينبغي لهم أن يتكلموا في مسائله.

وهذه شبهة داحضة لا تنطلي إلا على الأغرار والأحداث الذين لا حظ لهم من العلم الشرعي ولذا وقع كثير منهم في شراك هذه الشبهة.

وهذه شبهة مردودة من وجوه:

أولها: أن الجهاد من جملة الأحكام الشرعية التي يرد الأمر فيها إلى العلماء والفقهاء لأنهم أهل التخصص والذكر.

ثانيا: أنه حتى في حالة الجهاد والنفير أمر الله طائفة أن تتفقه في الدين ليعلموا المسلمين أمر دينهم ومنه الجهاد {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}.

ثالثا: أنه قول محدث لم تعرفه الأمة طوال تاريخها بل كان يرد القول في الجهاد وغيره إلى العلماء كالأئمة الأربعة وغيرهم لا إلى المجاهدين.

رابعا: أننا إذا أردنا أن نعرف فقه الجهاد وأحكامه رجعنا إلى كتب الفقه والتي خطها العلماء بأيديهم لا المجاهدون.

وتعريف الجهاد إذا أطلق فالمراد به قتال الكفار لإعلاء كلمة الله، ولا ينصرف إلى غير قتال الكفار إلا بقرينة تدل على ذلك، وعرفه الحافظ ابن حجر بقوله "بذل الجهد في قتال الكفار"، وقال ابن رشد "وجهاد السيف قتال المشركين عن دين، فكل من أتعب نفسه في ذات الله فقد جاهد في سبيله، إلا أن الجهاد في سبيل الله إذا أطلق فلا يقع بإطلاقه إلا على مجاهدة الكفار بالسيف حتى يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" وعرفه صاحب الدر المختار "بأنه الدعاء إلى الدين الحق وقتال من لم يقبله".

أقسام الجهاد:

اعلم أن الجهاد نوعان، جهاد الطلب وجهاد الدفع؛

أما جهاد الطلب: فهو تطلب الكفار في عقر دارهم ودعوتهم للإسلام وقتالهم إذا لم يقبلوا الخضوع لحكم الإسلام، وهو فرض كفاية كما ذهب لذلك جمهور العلماء، وأدلتهم على ذلك قوله تعالى{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً}. يقول القرطبي "فيه ست مسائل؛ الأولى قوله تعالى{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ} وهي أن الجهاد ليس على الأعيان وأنه فرض كفاية كما تقدم، إذ لو نفر الكل لضاع مَن وراءهم من العيال، فليخرج منهم للجهاد وليقم فريق يتفقهون في الدين ويحفظون الحريم، حتى إذا عاد النافرون أعلمهم المقيمون ما تعلموه من أحكام الشرع، وما تجدد نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم"

وقوله تعالى{لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "بعث إلى بني لحيان ليخرج من كل رجلين رجل. ثم قال للقاعد أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج ".

ـ ولا يصير فرض عين إلا لمن عيَّنه الإمام، أو كان النفير عامًا، أو كان للمسلمين أسرى عند الكفار، أو لمن حضر بين الصفين حال القتال. واشترط العلماء لوجوب الجهاد خمسة شروط؛ التكليف، السلامة من الضرر، والحرية، والذكورية، والاستطاعة إذ لا تكليف إلا بمقدور، فإذا لم تكن هناك قدرة سقط الوجوب من الجهاد إلى الإعداد كما هو معلوم.

أما النوع الثاني من الجهاد وهو جهاد الدفع وهو إذا داهم العدو بلاد المسلمين تعين عليهم أن يهبوا لقتاله، وهو فرض عين، قال القرطبي" وقد تكون حالة يجب فيها نفير الكل، وذلك إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار، أو بحلوله بالعقر، فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافا وثقالا، شبابا وشيوخا، كل على قدر طاقته، من كان له أب بغير إذنه ومن لا أب له، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج، من مقل أو مكثر، فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة، حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم كذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضا الخروج إليهم، فالمسلمون كلهم يد على من سواهم. حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل العدو عليها واحتل بها سقط الفرض عن الآخرين.

ولو قارب العدو دار الإسلام ولم يدخلوها لزمهم أيضا الخروج إليه حتى يظهر دين الله وتحمى البيضة وتحفظ الحوزة ويخذى العدو ولا خلاف في هذا".

هذا وإن للجهاد معنى أوسع من هذا عند العلماء، فليس قاصرًا على القتال أو الحرب، يقول الشيخ ابن باز رحمه الله "الجهاد جهادان: جهاد طلب وجهاد دفاع، والمقصود منهما جميعا هو تبليغ دين الله ودعوة الناس إليه وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وإعلاء دين الله في أرضه، وأن يكون الدين كله لله وحده"

يظهر من ذلك أن الجهاد كما يكون بالسيف والسنان يكون بالحجة واللسان وأن الدعوة إلى الله جهاد في سبيله.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة