الثلاثاء، ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٣ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

قواعد وضوابط الجهاد في سبيل الله

كغيره من أبواب الفقه، حصَل فيه إفراطٌ وتفريط، وغلوٌّ وتساهل. ولذا وضع أهل العلم قواعد وضوابط للجهاد

قواعد وضوابط الجهاد في سبيل الله
شحاتة صقر
الأحد ٢١ ديسمبر ٢٠١٤ - ١٢:٠٢ م
3311

قواعد وضوابط الجهاد في سبيل الله

كتبه/ شحاتة صقر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

* لماذا لا نكثر سواد المجاهدين؟

* مسألة التترس

إن الجهاد فريضةٌ مُحْكَمةٌ غيرُ منسوخةٍ، وهو مِن أجلِّ العبادات، ولكنَّه كغيره من العبادات؛ له أركانه، وواجباته، وسُننه، كما أنَّ له ضوابطَه وأدلَّتَه من الكتاب والسُّنَّة، ومرجع أحكامه كتُب الفقه، والعلماء الرَّاسخون في العِلم، وهو كغيره من أبواب الفقه، حصَل فيه إفراطٌ وتفريط، وغلوٌّ وتساهل. ولذا وضع أهل العلم قواعد وضوابط للجهاد منها:

1-  لزوم غرز العلماء: فإن مما لا شك فيه أن الجهاد من أعظم الأمور الدقيقة التي يرجع لأهل العلم فيها. فالبحث في هذه الدقائق من وظيفة خواص أهل العلم. والمرجعية في الخوف والأزمات والفتن، إلى أهل العلم الشرعي فيما يتعلق باستنباطهم من النص وما يتعلق بإيضاحهم للشرع.

2- مراعاة حال القوة وحال الضعف: فيشترط في الجهاد أن يكون عند المسلمين قدرة وقوة يستطيعون بها القتال، فان لم يكن لديهم قدرة فإن إقحام أنفسهم في القتال هو إلقاء بأنفسهم إلى التهلكة، ولهذا لم يوجب الله - سبحانه وتعالى - على المسلمين القتال وهم في مكة؛ لأنهم عاجزون ضعفاء، فلما هاجروا إلى المدينة وكوّنوا الدولة الإسلامية، وصار لهم شوكة؛ أُمِروا بالقتال.

3- لا يجب الجهاد إذا ترجحت مفسدة القتال على المصلحة المتوخاة منه لأن الشريعة جاءت بجلب المصالح وتكثيرها ودفع المفاسد وتقليلها، فإذا ترتب على الجهاد حدوث مفسدة أكبر من المصلحة المتوقعة حَرُمَ الجهاد حينئذ. وعلى ذلك إذا لم يحقق الجهاد المصالح المرجوة منه بل حقق مفاسد، أو رجحت كفة مفاسد القتال على مصالحه: كان القتال ممنوعًا محظورًا.

4-  معرفة الفرق بين الجهاد والإفساد: فقد شُرع الجهاد في سبيل الله {حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة: 193] فإذا أصبح الجهاد نفسه مُحْدِثًا للفتنة في الدين ومانعًا من تعبيد الناس لربهم وصدًا للناس عن دعوة الحق؛ صار حرامًا لأنه لم يحقق مقصوده.

فقد يتحول الجهاد عند البعض إلى فساد وإفساد، فيصبح أفعالًا تشوه صورة الإسلام، وتنفر الناس من الدين، وتعطي الذريعة لأعداء المسلمين للتدخل في شؤونهم واحتلال أراضيهم، فضلًا عن إزهاق الأرواح البريئة وزعزعة استقرار الناس وترويعهم.

وتعجب أشد العجب مما يحكيه الثقات أن بعض الناس في المناطق التي تحت سيطرة (داعش) في سوريا قالوا إنه لو عُرِضَ عليهم بَشّار في انتخابات حرة لاختاروه! هروبًا من جحيم داعش، بسبب الجهل والتكفير واستحلال الدماء والأموال والأعراض.

وهناك من يقول: يجب على المسلمين أن يجاهدوا دون النظر إلى النتائج، وحتى لو كان المسلم بمفرده لوجب عليه الجهاد، لأنه فريضة لا تسقط عن المسلم بأي حال من الأحوال، وأن من أراد الجنة فعليه بالجهاد، وكيف يدخل الجنة من لم يقاتل أو يجاهد في سبيل الله؟

5- من مسائل الجهاد التي يُثيرها البعض: مسألة تكثير سواد المجاهدين، فيقولون: إنَّ ذهاب الشَّباب لساحات الجهاد فيه تكثيرٌ لسواد المجاهدين، حتى لو لم يكونوا بحاجةٍ إلى رِجال.. وهذا كلامٌ لاستدرار العواطف، وإلَّا فهل من المنطق أن نحثَّ أصحابَ العِلل والعاهات على الاستنفار لساحات الجِهاد؛ لتكثير السَّواد؟ أو يُستنفرَ من الشباب من لا غناءَ له في المعارك والحرب؛ والمجاهدون أنفسهم يعانون من نقْص في الطَّعام والشَّراب والكِساء والدواء، ولا يَزيدهم مثلُ هؤلاء إلَّا أعباءً وثقلًا؟!

6- إن الجهاد فريضة تكتنفها الرحمة والشفقة، فلا يجوز قتل نساء وأطفال وشيوخ الكفار ما لم يشاركوا في القتال، فما بالنا بما نشاهده من أشلاء أطفال ونساء وشيوخ المسلمين في عمليات يزعم القائمون بها أنها من الجهاد في سبيل الله؟

7- مسألة التترس:

 التترس معناه: التستر بالتُرس، والمراد هنا أن يتستر الكفار في الحرب بمن لا يحل قتلهم أصلًا كصبيانهم ونسائهم، وكذلك ما لو تستروا بالمسلمين الأسرى عندهم، وذلك هو التترس في الحرب، وللعلماء في حكمه تفصيل.. فإن تترس الكفار بصبيانهم ونسائهم، فإنه ينظر، إن كانت هناك ضرورة لرمْيِ الكفار وقتلهم ومن معهم من النساء والصغار فقد جاز رميهم، أما إذا لم تكن هناك ضرورة لرمي الكفار المتترسين بالصبيان والنساء فلا يجوز قَتْلُهم وذلك لتجنب قَتْل مَن لا يحل قتله أصلا، وهم الصبيان والنساء. وهذا القول عليه بعض أهل العلم، وأجاز غيرهم رميهم سواء كانوا مضطرين لذلك أو غير مضطرين.

أما لو تترس الكفار بمسلمين أسرى أو تجار، فإنه يُنظر، إذا لم تدع الحاجة إلى رميهم لكون الحرب غير قائمة، أو لإمكان القدرة على الكفار من غير رميهم متترسين أو كان المسلمون آمنين من شر الكافرين، فإنه لا يجوز رميهم.

أما إن دعت الحاجة إلى رميهم، كما لو خاف المسلمون من الكفار، فإنه يجوز لهم أن يرموهم وهم متترسون بالمسلمين الأسرى أو التجار، لأن هذه حال ضرورة، وهم إنما يقصدون قتل الكفار وليس المسلمين، ولو لم يرموهم لكان ذلك مدعاة لهجوم الكفار عليهم واستئصالهم؛ فرميهم دفع للضرر العام بالذب عن بيضة الإسلام، أما قتل المسلمين فهو ضرر خاص، ولو امتنع المسلمون عن رمي الكفار المتترسين لانسد باب الجهاد.

قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية: "وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ جَيْشَ الْكُفَّارِ إذَا تَتَرَّسُوا بِمَنْ عِنْدَهُمْ مِنْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ وَخِيفَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الضَّرَرَ إذَا لَمْ يُقَاتِلُوا فَإِنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ؛ وَإِنْ أَفْضَى ذَلِكَ إلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ تَتَرَّسُوا بِهِمْ. وَإِنْ لَمْ يُخَفْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَفِي جَوَازِ الْقِتَالِ الْمُفْضِي إلَى قَتْلِ هَؤُلَاءِ الْمُسْلِمِينَ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ لِلْعُلَمَاءِ. وَهَؤُلَاءِ الْمُسْلِمُونَ إذَا قُتِلُوا كَانُوا شُهَدَاءَ وَلَا يُتْرَكُ الْجِهَادُ الْوَاجِبُ لِأَجْلِ مَنْ يُقْتَلُ شَهِيدًا". [مجموع الفتاوى (28/ 546-547)].

أما ما يحدث من استهداف غير شرعي للمدنيين؛ حيث يُقتَل بسببه الرجال والنساء والأطفال المسلمين، فهو أمر يرفضه الإسلام، ولا يجوز شرعًا، ولا يقع تحت قاعدة "التترس"؛ لأن الغالبية العظمى من القتلى هم مدنيون مسلمون، كما أن التترس لا يكون إلا في حالة احتماء العدو بالمدنيين، وتيَقُّن المسلمين مِن أن هذا العدو سيهاجِم الجميع من أجل القضاء عليهم في المعركة؛ ففي هذه الحالة يجوز الهجوم على العدو، واعتبار مَن يُقتل من المسلمين الذين يحتمي بهم العدو متترسين، وكذلك إذا لم يُعرف أثناء الهجوم على العدو بأنه لا يوجد يقينًا مدنيون في محل الهجوم على العدو.

والواقع في كثير من تلك العمليات أن الذين يُقتَلون من المسلمين لم يتترس بهم الأمريكان ولا البريطانيون ولا غيرُهم، وإنما هم أناس عاديون يُزاولون أعمالهم العادية، ويفاجَئون بقتلهم بالمتفجرات والسيارات الملغومة. وهذا تبرير ضال للجرائم التي ترتكب ضد هؤلاء الأبرياء من المسلمين.

وهذا الكلام يكون صحيحًا إذا كانت أعمال المقاومة متوجهة إلى معسكرات الجنود الكفار المحتلين لبلاد المسلمين ولن يتيسر ضرْب هذه المعسكرات إلا بضرب بعض المسلمين الذين يجعلهم الأعداء تروسًا لهم، وبشرط أن يكون ضرْب هذه المعسكرات مؤديًا إلى نصر المسلمين عليهم. أما إذا كان ضرب المسلمين الذين تترس بهم الأعداء لن يؤدي إلى نصر المسلمين عليهم وهزيمة المحتلين؛ فأين المصلحة الشرعية في ذلك وما الضرر الأكبر الذي سيدفعه هؤلاء بقتل المسلمين الأبرياء؟

إن الجهاد يتميز بوضوح هدفه، ووضوح وسائله، والتزامه بأحكام الشرع، ومكارم الأخلاق التي جاء بها الإسلام قبل القتال، وأثناء القتال، وبعد القتال. أما أفعال الجهلة وإفسادهم فينقصه الوضوح في الرؤية، وتتسم بالعشوائية في التصرفات والغموض في الأهداف وتؤدي إلى الشر والفتنة. فالجهاد يستخدم القوة في موضعها، وفي أوانها، وبقدر ما توجبه ضرورة الجهاد، ومع الأعداء الذين احتلوا الأرض، وانتهكوا الحرمات والمقدسات لا ضد المسلمين الأبرياء.

اللهم جنِّبِ شباب هذه الأمة والمجاهدين في سبيلك الشَّططَ واللَّغطَ والغلوَّ، وجنِّبهم شرورَ أنفسهم، وكيدَ الشيطانِ ومكْرَه، ووحِّدْ صفوفهم، واجمع قلوبهم وكلمتَهم على كلمةٍ سواء، يتمُّ بها صلاحُهم في الدُّنيا، وفلاحُهم في الآخِرة.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com