الأربعاء، ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٤ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

(أهم تيارات العنف والتكفير .. خامسًا : السرورية (2

السرورية في السعودية وعلاقتها بالقطبية- أزمة الخليج ودورها في تفكك السرورية- هل ساهمت السرورية في تشكيل فكر التيارات الجهادية- هل كانت السرورية مؤامرة إخوانية لاختراق البيئة السلفية

(أهم تيارات العنف والتكفير .. خامسًا : السرورية (2
أحمد الشحات
الأحد ٠٤ يناير ٢٠١٥ - ١٠:٥٢ ص
2618

أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها  (5)

خامساًالسرورية (2)

كتبه / أحمد الشحات

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:-

        السرورية في السعودية  وعلاقتها بالقطبية:-

كما ذكرنا في المقال السابق فإن محمد قطب عندما جاء إلي المملكة استقبله المسئولون هناك استقبال الفاتحين  ، ومكنوه من أهم المناصب  ليصبح  مسئول عن أهم منصب ديني في جامعة  من أكبر جامعات السعودية ، ورفعت عنه بالطبع قيود الحركة والتنقل والتأليف ، وحضور الندوات والملتقيات العلمية.

ومن خلال هذه التسهيلات استطاع  قطب توجيه عدد كبير من الطلاب ، وتكوين مجموعات من خواص تلاميذه ، يعطي لهم وقته ويشرف علي رسائلهم وبحوثهم ، وأصبح قطب مع الوقت رمزاً لامعاً يأمه الطلاب والدارسون ، خصوصاً وأن الموضوعات التي كان يتكلم فيها قطب لم تكن مطروقة من قبل في المملكة ، وكان طرح قطب لها قوياً وجذاباً ، فساهمت هذه العوامل في جذب عدد من الشبابوقتها - علي رأسهم (سفر الحوالي وسلمان العودة وناصر العمر).

وعلى المحور الآخر ، كان تركيز سرور منصباً علي المدارس  والجامعات  والتجمعات الشبابية والجمعيات الخيرية ، فقام بالتقاط هذه المجموعات وعمل علي تأهيلها ودمجها في إطار تنظيمي حركي عبارة عن خليط من " السلفية والقطبية والإخوانية ".

        أزمة الخليج ودورها في تفكك السرورية:-

أزمة الخليج باختصار تتمثل في فتوي للشيخ ابن باز رحمه اللهرأس السلفية العلميةوفقاً لتصنيف السرورية ، تجيز الاستعانة بالقوات الأمريكيةلفترة مؤقتةمن أجل حماية الأراضي السعودية من غزو محتمل من جانب صدام ، وقد استفتي المسئولون هناك الشيخ  رحمه الله وذكروا له ما يستشعرونه من جدية تهديدات صدام مع عدم قدرتهم علي صد العدوان إذا وقع ، وأن القوات الأجنبية المكلفة بالحماية  سوف ترحل بمجرد انتهاء مهمتها ، فأفتي الشيخ بالجواز وفقاً لهذا التوصيف ، وهذا على خلاف فتوى له سابقة بتحريم الاستعانة بالكافر في حرب المسلم.

استثمر السروريون هذا الحدث جيداً ، حيث مثل من وجهة نظرهم  فرصة تاريخية لا تعوض لهدم الرمزية العلمية لمشايخ  وعلماء المملكة ، الذين شكلوا حجر عثرة أمام انطلاق تنظيمهم الجديد ، خصوصاً بعدما انتهت الحرب بدون أن يغزو صدام السعودية ، وبدون أن ترحل القاعدة الأمريكية أيضاً.

وانبرى سفهاء الأحلام وحدثاء الأسنان يطعنون في العلماء ويسبونهم  وينعتونهم بأوصاف ذميمة ، منهم من لم يجد الحرج في اتهام العلماء بالخيانة والعمالة وخداع الأمة ، ومنهم من قام بفلسفة القضية وقال أن المشكلة تكمن في أن هؤلاء الشيوخ علماء شريعة فقط وليس لهم كبير علم بما يدور في الواقع وما يستجد من أحداث وما يحاك من دسائس ومؤامرات ، وهذا هو فقه الواقع الذي يفتقده هؤلاء المشايخ ، لذا فالواجب عليهم ألا يفتوا في نوازل الأمة ومستجدات العصر ، وغاية الاستفادة منهم تكون في النواحي العلمية البحتة ، أما قيادة الشباب والاشتباك مع الواقع فتترك للدعاة وليس للعلماء ، ومن هنا برزت إلي السطح مشكلة العلماء والدعاة ، أو فقه الشريعة وفقه الواقع.

ورغم الضجة الكبيرة التي أحدثتها السرورية في بلاد السعودية في هذا الوقت ، إلا أن هذا الضجيج لم يسفر عن أي نجاح ظاهر ، بل كان سبباً قوياًفي رأييأن يتفكك هذا التنظيم الوليد وتتبعثر أوراقه وتتشتت  جهوده - على الأقل في السعودية  - وذلك بناء على سببين :-

الأول : أن هذا المستوي المتدني الذي ظهرت به السرورية ، وهذه الطريقة المنكرة في الهجوم على العلماء وطعنهم وتخوينهم ، لم تجد لها أنصاراً كثراً بفضل اللهعكس الحال في مصر الآن مثلاًفقد كانت البلاد تعرف قدر العلماء وتبجلهم ، وحتى إن لم يكن لهؤلاء العلماء تنظيم قوي يتحرك علي الأرض ، إلا أن لهم أرضية جيدة بين عوام الناس وخاصتهم ، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا الحدث ساهم بشدة في استنفار عدد كبير من العلماء لكي يرد علي هذا التجمع الجديد ، وقد أوسعوهم نقداً وذماً وتحذيراً ، بالإضافة لجهود التيار الربيعيالتي عليها مآخذ عديدةالذي انبرى هو الآخر ليفضح السرورية وليستكتب العلماء والرموز عنهم ، فأدي الأمر في النهاية إلى إيجاد حالة مؤداها أن الانتساب للسرورية تهمة وسبة ، فإما أن يتخلى عنها صاحبها أو يتخفى بها ، وهذا هو ما آلت إليه السرورية في السعودية.

الثاني : هو تصدي قوات الأمن السعودية لهذا التنظيم ، سواء عن طريق تحجيم نشاطه أو اعتقال رموزه ، فقد جمع في رأيهم بين محذورين :

 الأول : يتعلق بمهاجمة الملك والقصر بشكل يثير الناس ويهيجهم في بلد لا تحتمل قيام ثورة أو اضطراب في الداخل.

والثاني : يتعلق بتكوين كيان تنظيمي ديني في بلد لا تعرف التنظيمات  ولا تقبل بوجود الكيانات ، فكان من توابع ذلك خروج سرور من المملكة ، وسكوت محمد قطب واعتزاله المشهد العام ، والباقي من هذا التجمع ، منهم من رجع عن الفكر ، ومنهم من تحول ، ومنهم من سجن لفترة ، والبعض الآخر أخفى حقيقة فكره وظل متواجداً حتى يومنا هذا.

        هل ساهمت السرورية في تشكيل فكر التيارات الجهادية:-

ذكرنا قبل ذلك أن القطبية قد ساهمت بشكل ما في تكوين العقلية الفكرية  لدي جماعات الجهاد بشكل عام ، وفي تيار الجهاد بمصر علي وجه الخصوص ، حيث مثلت كتابات  القطبين سيد ومحمد وجبة دسمة لأبناء هذا التيار تمدهم بالروح العالية  والعاطفة الجياشة ، وفي نفس الوقت تهاجم الحكام وتكفرهم ، وتتكلم عن مخططات الأعداء وتوجهاتهم  ، وهذا هو القدر المشترك بين كل هذه التيارات ، ثم قد يحتاج الجهاديون لمواجهة الحكام فيفتوا بردتهم ، أو يواجهوا المجتمع فيكفروه ، وهنا يبرز أهمية التنظير العقدي الذي قد يؤخذ من كتابات القطبية أو من غيرها.

نفس الدور تقريباً قامت به السرورية ، فهي لم تسع لتشكيل تجمعات جهادية ولكنها وفرت البيئة الخصبة لنمو هذه التيارات الجهادية ، خصوصاً عندما تتكلم عن مجتمع كانت تطبق فيه الشريعة بشكل أو بآخر مع شيوع لمظاهر الالتزام في المجتمع ، أعني بذلك أن الظروف التي ساعدت القطبية في بناء تصوراتها في مصر لم تكن متواجدة بالسعودية ، لذا كانت السرورية هي المسئولة عن هذا التمهيد ، وقد كان أحد زعماء التيار الجهادي تلميذا لسرور في وقت من الأوقات ، وقد انتبهت السعودية لهذا الربط بين التيار السروري الجهادي بعد أحداث تفجير برجي التجارة العالمي عام 2001 ، ثم بشكل أوضح وأظهر بعد تفجيرات الرياض 2003.

        هل كانت السرورية مؤامرة إخوانية لاختراق البيئة السلفية:-

يذهب البعض إلي اعتقاد أن السرورية  جاءت إلي البلاد السعودية من أجل تفتيت الكتلة السلفية ، ولزعزعة حالة الإجماع على المشايخ والعلماء ، ولأن الإخوان ليس لهم قبول واسع في هذه البيئة السلفية فكان لابد من إيجاد وجوه جديدة تقوم بذلك بشكل هادئ وبطريقة متدرجة فكان هذا هو الدور الذي قام به سرور.

وغالب ظني أن الإخوان أتقنوا استثمار الحدث ليس أنهم قاموا بصناعته من البداية ، خصوصاً وأن هذه تجربة مبتكرة لم يكن لها مثال سابق قبل ذلك ، وأن الظروف هي التي ساهمت في إنجاح النموذج بدرجة كبيرة  ، ربما استفاد الإخوان من هذه التجربة بعد ذلك واستخدموا السرورية لغزو المجتمعات السلفية ، وهذا ينطبق علي ما حدث في مصر بعد الثورة وتحديداً بعد تولي الإخوان للحكم ، حيث قامت بعض الرموز المشتهر عنها أنها سلفية بإنشاء كيانات جديدة بهدف تذويب التجمعات السلفية الموجودة وصهرها فيما يعرف بالتيار السلفي العام.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة