الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

(أطروحة علمية مختصرة حول الانتخابات البرلمانية القادمة (1

وأبناء الدعوة السلفية وحزب النور دائما لا يتحركون إلا وفق الدليل الشرعي ثم النظر المنطقي والعقلي...

(أطروحة علمية مختصرة حول الانتخابات البرلمانية القادمة (1
أحمد الشحات
الأربعاء ١٤ يناير ٢٠١٥ - ١٢:٢٢ م
2635

أطروحة علمية مختصرة حول الانتخابات البرلمانية القادمة

كتبه/ أحمد الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

عناصر الموضوع :-

1)               مقدمة وتمهيد.

2)               الموقف من المشاركة السياسية قبل الثورة.

1.               هل كانت الدعوة بمعزل عن المشاركة السياسية بمعناها العام؟

2.                لماذا لم تُصنف الدعوة كفصيل مناهض للنظام ، ولم يكن يظهر عليها سلوك المعارضة كالاحتجاجات والمظاهرات وغيرها؟

3.                لماذا لم يقم شباب الدعوة السلفية بالحراك الثوري الذي قام به غيرهم ممن هم أضعف خبرة وأقل في العدد؟

4.                ما هي أسباب احجام الدعوة السلفية عن المشاركة في الانتخابات قبل الثورة؟

3)               الموقف من المشاركة السياسية بعد الثورة.

1.                السياق الزمني للمشاركة السياسية لحزب النور بعد الثورة.

2.                متغيرات ما بعد الثورة ودورها في تغير اجتهاد الدعوة.

3.                ثوابت دعوية قبل المشاركة السياسية.

4)               منهج الدعوة السلفية في التغيير والاصلاح مقارنة بباقي المناهج.

1.                الاتجاه الأول : من يري الإصلاح والتغيير من خلال القاعدة.

2.                الاتجاه الثاني : من يري الإصلاح والتغيير من خلال القمة.

5)               أهمية العمل السياسي وموقعه علي الخريطة الدعوية.

6)               ماذا جنت الدعوة السلفية وحزب النور من المشاركة السياسية وماذا ننتظر أن تحقق؟

7)               حزب النور ومنهجية إدارة الضغوط.

8)               لماذا فشلت التجربة السياسية لجماعة الاخوان؟

9)               سياسات خاطئة يجب البعد عنها.

10)          نصيحة أخيرة لأبناء حزب النور.

1)              مقدمة :-

كلما اقتربنا من موسم الانتخابات كلما اتسعت مساحة الجدل بين أبناء الصحوة حول طبيعة مشاركة الدعوة والحزب في الاستحقاق الثالث والأخير من خارطة الطريق ، فالبعض مقدم ، والبعض محجم ، والكل ينتابه نوع من القلق والحذر ، خصوصاً وأن الانتخابات هذه المرة تعد جديدة من نوعها سواء في فرصها أو في مخاطرها أو في تحدياتها ، وأبناء الدعوة السلفية وحزب النور دائما لا يتحركون إلا وفق الدليل الشرعي ثم النظر المنطقي والعقلي ، ولعل هذا الحرص علي الفهم – مع حسن السمع وأدب الطاعة - مما يطمئننا علي مستقبل هذه المؤسسة بإذن الله ، ومن خلال الدراسة التالية سوف نعرج باختصار على قضية الموقف من المشاركة السياسية بشكل عام مع التركيز علي المحاور الأساسية والمفصلية في هذه القضية ، نسأل الله عز وجل في عليائه أن تكون سبباً في هداية الحائر، وأن تكون معيناً للمتشكك ، وتثبيتاً للمتيقن.

2)              الموقف من المشاركة السياسية قبل الثورة :-

شاع لدي كثير من الناس اعتقاد أن الدعوة السلفية لم يكن لها دور سياسي قبل الثورة ، ولم تشارك سياسياً بشكل عملي إلا بعد اندلاع الثورة ، وهذا خطأ محض لأن الدعوة كانت حاضرة بقوة في المشهد السياسي بدائرتيه الداخلية والخارجية ، ولم تكن قط مترهبنة في صومعة أو معتزلة للواقع الذي تعيش فيه ، فعلي سبيل المثال ؛ كان للدعوة موقف واضح من الثورة الايرانية الخومينية ، وكان لها رأي في أحداث الخليج بكل تفاصيلها ، وكانت تتابع ما يجري في العراق ، وتتفاعل ما يجري في فلسطين ، وتراقب حرب لبنان وتحركات حزب الله ، وتحذر مما يجري في السودان ، وتنصح لأهل أفغانستان والشيشان ، هذا علي الصعيد الخارجي ، أما علي الصعيد الداخلي فالدعوة السلفية تقع علي رأس الحركات الشبابية التي كان لها دور محوري في المجتمع من خلال الجامعات والمدارس ، وقد كان أبناءها يتعرضون للاعتقال والايذاء قبل أن تتواجد الكيانات الشبابية أو التجمعات الثورية والتي كان لعدم بروز الصبغة الاسلامية لهم دور أساسي في نجاح تحركاتهم علي الأرض.

أما عن أسباب نشأة هذا التوهم لدي البعض فيمكن تلخيصها فيما يلي :-

1.               أن الدعوة لم تكن تشارك في الانتخابات ، وهي أظهر نشاط سياسي وقتها ؟

والجواب علي ذلك أن هناك خلط لدي البعض بين المشاركة السياسية بمعناها العام ، وبين الانتخابات كإحدى صور المشاركة السياسية ، وما كانت تتبناه الدعوة قبل الثورة هو عدم المشاركة في الانتخابات ، وقد كان ذلك بهدف تعرية النظام وكشف فساده ، وليس من أجل الامتناع عن المشاركة ككل ، والدليل علي ذلك أن بعض الفصائل التي كانت تشارك في الانتخابات قبل الثورة ، كانت تمتنع عن المشاركة في بعض الدورات بحجة عدم وجود ضمانات كافية لضمان المشاركة ، وهذا هو عين ما كنا نقوله طوال تلك الفترة ، بالإضافة إلي أن من يطلع علي حجم المشاركة العالية ، والشعبية الكبيرة ، والأداء المتميز لرموز حزب النور الذي أنشأته الدعوة ، يتأكد تماماً أن هذا الانجاز لم يكن يتحقق من يوم وليلة ، بل كان من وراءه جهد جهيد ، وعمل دؤوب طوال هذه الفترة.

2.               أن الدعوة لم يكن يظهر عليها سلوك المعارضة كالاحتجاجات والمظاهرات وغيرها ، ولم تصنف كفصيل مناهض للنظام ؟

في الواقع هذا لا يعد دليلاً علي عدم مناهضة فساد النظام السابق أو ظلمه ، إنما الخلاف هنا حول طريقة المعارضة ، فالدعوة السلفية بما أنها في الأصل جماعة دعوية هدفها إقامة الدين ثم سياسة الدنيا بالدين ، فبالتالي فإن سلوكها يختلف عن أي فصيل سياسي آخر ليست له وظيفة إلا المعارضة السياسية ، مع استحضار أن فاعليات الاحتجاج كانت دائما ما يتم مواجهتها بعنف بالغ مع عدم تحقيق شيء من أهدافها ، وقد كان هذا كفيلاً بأن يجعلنا لا نقوم بتكرار هذه التجارب مرة أخري ، حتي نستطيع ادخار مجهوداتنا في أعمال أكثر نفعاً وأعمق تأثيراً.

3.               لماذا لم يقم شباب الدعوة السلفية بالحراك الثوري المطلوب طالما كان لهم هذا العمق ، ولديهم هذه الشعبية ، بينما قام به غيرهم ممن هم أضعف خبرة وأقل في العدد؟

الحقيقة المؤكدة أن عدم إظهار الشباب الثائر لهويتهم الاسلامية وقف سداً منيعاً أمام إبادتهم أو الفتك بهم ،  وإلا فقد كان من السهل علي النظام البائد أن يسحق كل هؤلاء بدعوي أنها محاولة لقلب نظام الحكم ، وسط تصفيق ومباركة من الشامتين في الداخل والخارج ، وبالتالي يضيع دماء هذا الشباب هدراً بلا ثمن وبلا نتيجة ، وهذا ما جعل الدعوة السلفية توجه النصائح والتحذيرات لهؤلاء الشباب خوفاً من أن يتهور الطرف الآخر ولا يقدر الأمور حق قدرها ، لذلك اختارت الدعوة – ككيان – أن تحمي الجبهة الداخلية للمجتمع ، وأن تحمي ظهور هؤلاء الشباب الذين اعتصموا في الميادين وتركوا بيوتهم وأهليهم ، ونشط أبناء الدعوة في مواجهة المخربين والمفسدين وقطاع الطريق وسراق الأموال ، وأخذت علي عاتقها توفير المواد الغذائية والخضروات وغيرها مما يحتاجه الناس في ظل تعطل الأسواق وتوقف الطرق ، ووقفت أيضاً سداً منيعاً أمام محاولات إشعال الفتنة الطائفية فقامت بحماية الكنائس وبيوت النصارى حتي لا يستغل بعض المغرضين تدهور الأمن فيقوم بإشعال حرب أهلية في المجتمع ، وغير هذا كثير مما لا يمكن حصره كاملاً في هذا المقام ، ولكنها مجرد إشارات للدلالة فقط.

4.               ما هي أسباب احجام الدعوة عن المشاركة في الانتخابات قبل الثورة؟

يمكن تلخيص أهم الأسباب التي دفعت الدعوة لاتخاذ قرار بعدم المشاركة فيما يلي :-

 

1.                لم يكن يُسمح للإسلاميين بالمشاركة إلا بعد أن يقدموا تنازلات عقدية خطيرة علي الجانب النظري والعملي ، ولم تكن هذه التنازلات لتتوقف عند حد معين بل كانت تتزايد حدتها مع الوقت ، حتي صار عنوان قبول الاسلاميين في اللعبة الديمقراطية هي مدي قدرتهم علي تقديم أكبر قدر من التنازل.

2.                كانت المساومة التي تُعرض علي الاسلاميين وقتها هي الاختيار بين الدعوة والسياسة ، ولم يكن يسمح لأي كيان في الأغلب الأعم أن يجمع بين الوظيفتين ، لذا فلم تستطع الدعوة السلفية أن تضحي بالدعوة وأن تترك هذا الثغر الذي لا يقوم عليه – بهذه الكيفية - غيرها.

3.                حقيقة المشاركة في الانتخابات وقت الثورة أنها كانت تقوم علي السماح بمعارضة صورية ، بحيث تعمل كديكور بارز في نظام يدعي أنه نزيه وشفاف ، وبالتالي كانت الدعوة تترفع أن تؤدي هذا الدور الوضيع الذي يخدم النظام أكثر مما يساهم في الاصلاح.

4.                من يطلع علي جلسات مجلس الشعب في الدورات التي كان للإخوان فيها ثقلاً كبيراً (88 مقعد) يدرك الدور الحقيقي لهذا المجلس الذي أصبح أداة طيعة في يد الحزب الحاكم ، والذي لم يكن يسمح للمجلس أن يمارس أدواره الحقيقة.

5.                كل من عاش في هذه الفترة يجزم تماماً أنها لم تكن ثمة انتخابات حقيقية ، وإنما كان التزوير هو اللاعب الأساسي في هذه العملية ، وبالتالي كانت المقاعد مجرد حصص يتم الاتفاق عليها بشكل أو بآخر ، أضف إلي ذلك عدم وجود أي إجراءات وقائية تمنع التزوير والفساد بل علي العكس من ذلك كانت المنظومة بكل مراحلها تؤدي لذلك.

3)              الموقف من المشاركة السياسية بعد الثورة :-

قامت الثورة ، وهبت معها رياح التغيير في كثير من الأصعدة السياسية والمجتمعية ، وكان للدعوة دورها الحيوي في الحفاظ علي الوحدة الداخلية للمجتمع ، وساهمت في حمايته من كثير من المخاطر التي كانت تتهدد أمنه واستقراره ، ومنذ هذا التوقيت والأحداث فرضت علي الدعوة نوع من التواجد والحضور لم يكن مسموحاً لها أن تتواجد فيه من قبل ، وقد تمددت الدعوة في المساحات التي كانت محرومة من الدخول فيها ، فأقامت المؤتمرات الدعوية الكبرى في أنحاء الجمهورية ، وخرج كثير من رموزها وشبابها إلي وسائل الاعلام المقروءة والمرئية متحدثين في أحيان ومناظرين في أحيان أخري ، وشاركت أيضاً في المظاهرات والوقفات الاحتجاجية بالشروط والضوابط المعروفة لديها.

ولعل هذا النشاط المكثف والمفاجئ هو الذي دفع البعض للظن بأن الدعوة لم يكن لها تواجد قبل الثورة ، ولكن الحقيقة أن الدعوة كانت موجودة وفاعلة بدرجة جيدة ، ولكنها كانت تنوع بين الوسائل المتاحة لديها لضمان وصول الدعوة لأكبر كم ممكن من الناس مع الحفاظ علي سلامة وأمن الدعاة ، ففي أوقات التضييق تزداد جرعة الأعمال التربوية والبنائية ، ومع فترات الانفتاح تتسع مساحة الأعمال الدعوية ، وهذه وتلك مجرد وسائل خاضعة للانكماش والتمدد حسب الحاجة والظرف.

1.               السياق الزمني للمشاركة السياسية لحزب النور بعد الثورة :-

من أهم الأمور التي لابد من التأمل فيها عند دراسة مسألة الدخول في البرلمان من عدمه هي النظر في التسلسل الزمني للأحداث ودور الدعوة والحزب في كل منها ، إذ أن كثير من هذه المواقف كانت محل اتفاق من الجميع وإنما ظهر الاختلاف في وجهات النظر في الأحداث الأخيرة فقط ، وتحديداً من يوم 3/7/2013 وما تلاها من أحداث ، وأستطيع الآن بكل سهولة وبدون عناء أن أحصر مواقف العقلاء من هذه الأحداث في موقفين فقط لا ثالث لهما ، الأول يري ضرورة المشاركة مهما كانت الظروف ، والآخر يري الانسحاب ، إذ أصبحت فرص تغيير المشهد والتأثير فيه محدودة أو شبه منعدمة من وجهة نظره ، أما من أصر علي المواجهة والصدام فأظن أن الزمن كان كفيلاً وحده لبيان خطأ وخطر مسلكه ، والنتائج خير شاهد علي ذلك.

أقول أن استحضار المشهد العام بتتابع أحداثه يعطي لنا عدداً من الفوائد الهامة : منها ، أنه يوضح القاعدة العامة التي انطلق منها الاسلاميون جميعاً في ممارسة العمل السياسي وهي قوله تعالي " إن أريد إلا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله " وأظن أن شرط الاستطاعة هذا كان واضحاً تمام الوضوح في تحركات معظم الاسلاميين وفي مفاوضاتهم وفي تصريحاتهم وغيرها ، أما أن يحاول البعض الآن الانقلاب علي هذا المبدأ فهو تغير جوهري في فلسفة المشاركة ككل لم يكن ينادي به أحد طوال هذه الفترة.

ومنها أنه يوضح الخط السياسي والفكري الذي التزمه حزب النور منذ بداية الأحداث وحتي الآن ، وأي منصف وإن اختلف مع الحزب في كثير أو قليل من المواقف إلا أنه لابد أن يشهد بأن هذا الحزب لم يغير لونه ولا جلده ، إنما يُعمل نفس القواعد والمنطلقات في قراءة المشهد ذو الفصول المتعددة ليخرج الموقف في النهاية متوافقاً مع الزمان والظروف والامكانيات.

ومنها أنه يوفر فرصة لكل لبيب أريب أن يجري أنواع من المقارنات والموازنات بين عدد من المواقف السابقة ليكتشف أن ما أقدمنا عليه من مواقف لم يكن جديداً في الحقيقة ولكن عند التأمل سيجد له نظائر وأشباه سبق أن أقدم التيار الاسلامي علي الدخول فيها أو على الأقل فعل ذلك بعض فصائله بلا نكير من أحد.

وحتي أوفر علي إخواني سرد الفترة الزمنية السابقة مع طولها وتشعب تفاصيلها ، فإني أحيل إلي قراءة كتاب " جامع بيانات الدعوة السلفية " الصادر عن أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم ، فقد قامت بجمع بيانات الدعوة كاملة ومرتبة زمنياً وفق الأحداث مع بعض التعليقات اليسيرة لتوضيح ما قد يغمض فهمه علي القارئ ، والكتاب بفضل الله سوف يعطي عرضاً جيداً ووافياً لمواقف الدعوة خلال هذه الفترة ، ويحقق الهدف الذي أشرت إليه آنفاً ، وسوف أذكر الآن أهم المواقف المحورية التي شاركت فيها الدعوة بقوة ووضوح :-

1.                كانت أولي فعاليات الدعوة السلفية في أثناء الثورة ذلك المؤتمر الذي عقدته الدعوة في الاسكندرية بمنطقة سيدي بشر لينقل توجهات الدعوة إلي أبناءها ومحبيها في هذه الفترة الحرجة ، ثم كانت الفاعلية الضخمة التي أقيمت في الاسكندرية بأرض سموحه والتي حضرها قادة الدعوة السلفية ليبينوا فيها حقيقة موقف الدعوة من الأحداث وليعلنوها قوية أنه " لا مساس بالمادة الثانية من الدستور" ، وقد انطلقت بعدها حملة الدفاع عن هوية مصر الاسلامية التي انتشرت في شتي ربوع مصر ، وقد كان التحرش بالمادة الثانية علي أشده وكان طموح الدعوة وقتها هو محاولة تحصنيها ليس إلا.

2.                الحدث الثاني هو الموقف من التعديلات الدستورية ، وقد كان من أهم مميزاتها أنها حافظت علي المادة الثانية ، وبالتالي جاءت موافقة الدعوة علي هذه التعديلات من ناحية شرعية حيث أنها انتصرت للشريعة في وقت كان التربص بها علي أشدة ، ومن ناحية سياسية أنها كانت تمثل بوابة العبور إلي الحياة السياسية الجديدة وعودة الشرعية الدستورية إلي حين استكمال بناء هياكل الدولة الرسمية.

3.                الحدث الثالث هو المشاركة في الانتخابات البرلمانية تحت إشراف المجلس العسكري ، وتعد هذه المشاركة هي الأولي من نوعها في تاريخ الدعوة التي لم يسبق لها المشاركة في الانتخابات قط ، وقد كانت الروح الدافعة للمشاركة وقتها هي ضرورة تواجد الحزب في الحياة السياسية الجديدة وعدم ترك الساحة لغير الاسلاميين مع الاتفاق علي خطورة ذلك ، وللحيلولة من الدخول في عزلة اختيارية علي الحزب والدعوة والتي من الوارد أن تؤدي إلي رجوع النمط الماضي كما هو.

4.                الحدث الرابع هو المشاركة في الانتخابات الرئاسية بمرحلتيها الأولي والثانية ، والتي انتهت باختيار الدكتور مرسي علي غير رغبة كاملة منا ، ولكن كان هناك اتفاق علي خطورة رجوع النظام السابق ممثلاً في شخص أحد رموزه ، وهذا أيضاً من المواقف التي اجتهد فيها أبناء الدعوة والحزب في العمل الجاد علي الأرض رغم عدم تفضيلهم لهذا الاختيار.

5.                الحدث الخامس هو المشاركة في لجنة المائة لكتابة الدستور ، وقد كانت تمثل بطبيعة الحال كل ألوان وفصائل المجتمع بما فيها الكنيسة والأحزاب الليبرالية ، والممثلين ، والفنانين وغيرهم ، وقد قامت الدعوة بجهد جهيد في سبيل إنجاح هذه المحاولة ، وانتهت لنتيجة مرضية بفضل الله.

6.                الحدث السادس هو التواجد في مشهد 3/7 ، والذي يحلو للبعض أن يسميه مشهد عزل الرئيس المسلم ، وهو في الحقيقة مشاركة لإنقاذ التيار الاسلامي من المقصلة التي كانت تنتظره ، أما الرئيس فقد تم عزله في يوم 2/7 كما صرح بذلك المستشار محمود مكي علي قناة الجزيرة ، وبالتالي فقد كانت مشاركة الحزب في هذا المشهد هو من باب التواجد في مسرح الأحداث مع السلطة الجديدة التي آلت إليها مقاليد الحكم ، وقد حاولنا الحفاظ علي ما سبق من مكتسبات بقدر المستطاع مع صعوبة الظرف وخطورة المرحلة.

7.                الحدث السابع هو المشاركة في لجنة الخمسين لتعديل الدستور ، وقد كانت المشاركة ضرورية للغاية للحفاظ علي الدستور من التعديل العبثي الذي كان سيتم علي يد كثير من المغرضين والمفسدين ، ورغم منطقية المشاركة إلا أن البعض رآها خيانة للشهداء وإماتة للقضية ، وقد خرج الدستور بفضل الله في النهاية في شكل ألجم كثيراً من هذه الأصوات خصوصاً مع الشبه الكبير بين مواد الدستورين ، وقد تناولت ذلك في دراسة مطولة بعنوان دراسة مقارنة بين دستوريي 2012- 2013منشورة علي موقع أنا السلفي.

8.                الحدث الثامن هو المشاركة في الانتخابات الرئاسية ، والتي كانت الاختيارات فيها محصورة بين شخصين ، قامت الدعوة بدراسة ومقابلة كل شخصية علي حدة لتحدد أيهما أصلح لقيادة البلاد في هذا الوقت ، وقامت علي إثر ذلك باختيار الفريق عبد الفتاح السيسي.

أظن أننا الآن لو قمنا بمد الخط علي استقامته لوصلنا إلي نتيجة طبيعية للغاية وهي أننا منتظرون للحدث التاسع وهو الانتخابات البرلمانية ، إذ أن القاعدة التي تحكمنا هي أننا باقون في المشهد السياسي إلي أن يتغير تغيراً كلياً يستحيل معه تحقيق أي نوع من أنواع النفع.

2.               متغيرات ما بعد الثورة ودورها في تغير اجتهاد الدعوة :-

يحاول البعض أن يُعمي نظره عن أي تغير تم في المجتمع ، ويصر علي بث روح من التثبيط والتشاؤم بما لا يؤدي إلا القعود وترك الساحة تعج بما لا يخفي علي أحد من أنواع الفساد والظلم والبعد عن الشرع ، ورغم أننا ندرك حجم المخالفات إلا أننا – كدعاة – نسعي دائما لبث روح التفاؤل والعمل متسلحين بالإيمان بالله والثقة فيه ، ثم العمل الدؤوب الجاد حتي تنفرج الكربة بإذن الله تعالي.

ومن خلال عرض التسلسل الزمني للأحداث بعد الثورة وحتي يومنا هذا ، يدرك أي عاقل أن هناك تغييرات في البنية السياسية العامة ، قد تكون دون مستوي الطموح ولكن يوجد فروق بين بيئة الممارسة السياسية قبل الثورة وما بعدها تتجلي فيما يلي :-

أولاً : علي مستوي الدستور :-

قدمنا أننا شاركنا في كتابة دستور الثورة ثم شاركنا أيضاً في كتابة تعديلاته ، وفي كل من الدستورين حرصنا – بفضل الله – علي تنقيته من أي شركيات أو معتقدات كفرية ، وكذلك منعنا أي مواد من الممكن أن تؤدي إلي انحلال المجتمع أو فساده ، وفي المقابل كانت معركتنا الكبرى حول الشريعة وتوضيح معناها بشكل لا يقبل اللبس أو الجدل وقد تم بحمد الله ، وكذلك ساهمنا في وضع متميز للأزهر بما يحفظ مكانته ومكانة علمائه ، كل هذه المستجدات لم يكن لها ذكر في دستور 71 ، لذا جاءت مشاركتنا السياسية بعد ذلك مبنية في الأساس علي هذه الخطوة.

ثانياً : علي مستوي الدولة :-

كان من النجاحات القليلة للثورة هو رحيل مبارك وشريحة كبيرة من رجال حكمه ورموز نظامه الذين ساهموا في إفساد الحياة السياسية برمتها ، والأهم من ذلك هو تفكك الحزب الحاكم الذي كان يرأسه ، والذي لم يترك أي متنفس لأي نوع من أنواع الممارسة السياسية لأي فصيل آخر، وقد تغول هذا الحزب بدرجة جعلته يتدنى لمستوي الأحزاب الديكتاتورية القمعية ، وبالتالي مع تفكك الحزب الوطني كقوة تنظيمية ترعاها الدولة أصبح مجال الممارسة مفتوح بدرجة جيدة تسمح ببذل الجهد والوقت لإتمام نجاح هذا المشروع ، ودورنا في المشاركة الحالية هو منع تكرار هذا النموذج مرة أخري وهذا لن يأتي إلا من خلال المشاركة الفعالة.

ثالثاً : علي مستوي المجتمع :-

كانت مقاطعة الانتخابات والعزوف عن المشاركة فيها هي عنوان الحياة السياسية في عهد النظام السابق ، وما إن سقط حتي أقبل الناس علي مشاركة غير مسبوقة في التعديلات الدستورية لعام 2011 وما تلاها من استحقاقات ، وقد كان هذه وحده كفيلاً لكي تدفع الدعوة بأبنائها ومحبيها لكي يشاركوا في صناعة هذا المستقبل الجديد ، ومعلوم أن عموم الجماهير ليس لديها صبر علي الاستمرارية خصوصاً عندما تري أن أصواتها ذهبت هدراً ، أو لم تؤثر بشكل واضح في إصلاح وتحسين الأمور ، لكن بالقطع ما يتوفر لدي أبناء الحزب السياسي من الوعي والادراك يختلف تماما عن التصورات البسيطة لرجل الشارع العادي ، وإن كانت رسائلنا التي نوجهها إلي عموم الناس أن المشاركة الفعالة القوية خير ضمان لعدم عودة التزوير.

رابعاً : علي مستوي الآليات والضمانات :-

لم تكن هناك أي ضمانات تحفظ الصوت الانتخابي للمواطن ، بل كان النظام الانتخابي مصمم خصيصاً لكي يتيح أكبر قدر ممكن من التلاعب وشراء الذمم وتسويد البطاقات في اللجان ، والتصويت نيابة عن الميتين ، وغير ذلك من الأساليب الغير شريفة ، ويكفي أن التصويت لم يكن ببطاقة الرقم القومي بل كان ببطاقة انتخابية يتم استخراجها من قسم الشرطة ، وهذه وحده كان كفيلاً بفساد العملية ككل.

ولا ننسي أننا قطعنا شوطاً كبيراً في وضع آليات وقواعد لكي تخنق عملية التزوير الفج ، فبدءاً من التصويت بالرقم القومي وانتهاء بالفرز في اللجان الفرعية كلها ضمانات جيدة ، والضمان الأول والأخير هو النزول بقوة ومراقبة سير العملية الانتخابية وحماية الصوت الانتخابي حتي إعلان النتيجة ، فالانتخابات هي " صوت في صندوق " ثم " رقم علي ورقة " ، وحماية الورقة لا تقل أهمية عن حماية الصوت.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

 

تصنيفات المادة