الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

تحرير المصطلحات وأزمة الخطاب

من المصطلحات التي أحدثت لغطا كبيرا في الساحة أيضا مصطلح الديمقراطية ومصطلح تجديد الخطاب الديني

تحرير المصطلحات وأزمة الخطاب
إيهاب شاهين
الأربعاء ١٤ يناير ٢٠١٥ - ١٣:٠٩ م
2695

تحرير المصطلحات وأزمة الخطاب

كتبه/ إيهاب شاهين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

تحديد معنى المصطلح يعمل على تضييقِ مسافة الخلاف بين المتحاورين، كما يوفر كثيرًا من الوقت والجهد، ولعلَّ إهمال هذه النقطة في كثير من الأبحاث والدراسات والحوارات قد ساعد على اتساع دائرة الخلاف ، فيبدو في ظاهر الأمر الخلاف عميقًا، بيد أنك عندما تُمعن نظركَ في مسألةِ الخلاف المعينة، وتراجعْ معاني المصطلحات التي يدور حولها الخلاف، ستجد – في حقيقة الأمر - خلافهم لفظيًا في معظم أحواله .إذن تحرير المصطلحات من اللبس والغموض، واستخدامها بطريقة تقضي على الفوضى والاضطراب الفكري أضحي أمرا ضروريًّا .

يقول في كتاب معركة المصطلحات بين الغرب والإسلام: “إذا نظرنا إلى المصطلحات من زاوية “المضامين” التي توضع في أوعيتها ومن حيث الرسائل الفكرية التي حملتها “الأدوات: المصطلحات” فسنكون بحاجة ماسة وشديدة إلى ضبط المصطلح؛ لأننا سوف نجد أنفسنا أمام “أوعية” عامة وأدوات مشتركة بين الحضارات والأنساق الفكرية، وفى ذات الوقت أمام “مضامين” خاصة ورسائل متميزة تختلف فيها وتتميز بها هذه الأوعية العامة والأدوات المشتركة لدى أهل كل حضارة من الحضارات المتميزة”.

"والمشهد الثقافي اليوم يكاد يعشى عن إدراك الحاجة لتحرير المصطلحات وضبط مفاهيمها على وجه التحديد؛ مما أدّى إلى صراعات فكرية، وردود شخصية ملأت ميادين الصحافة والإعلام الفضائي، زاد من سعارها أنها أخذت الطابع المقدس في السجال، كما هي في أزمة الدولة الإسلامية هل هي دينية أم مدنية؟!فمصطلحات نحو ليبرالية، وسلفية، ويسارية، ويمينية، وإصلاح، وديمقراطية ،وحرية، وحداثة, وغيرها تُساس بصفتها أدواتٍ لتحريك اللغة السياسية لدينا، في شكلها غير المنضبط البتة، بل أزعم أننا لن نقف على حد نتصافح فيه متفقين على دلالة كل منها علاوة على ممارستنا السلوك الجدلي لا الإصلاحي في معطياتها. وكأني ببعض الشخوص التي تدعي احتكار الرؤية الإصلاحية تركن نفسها إلى زئبقية المصطلح، وعمومية دلالته، لئلا تُحاكم بواسطة ميزان مستو يكشف عن ضآلة معاولها، وبضاعتها المزجاة. فيتشدق باليسارية مثلا وهو لا يفقه في تشريعاتها من شيء غير مسمى هرع إليه، ليتخذ له موقعا من المشهد السياسي كيفما اتفق، وهؤلاء المتطفلون على المصطلح يحدثون جعجعة دون أن نرى طحينا نصلح به الواقع السياسي، فيتشاغلون بالصورة عن السلوك الفعلي الذي يروم كل واع إلى تحقيقه، فانتقلت الحال لدينا من فضاء الإصلاح إلى زنزانة المصطلح" انتهي .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: " تدبرت معظم مواطن الخلاف فوجدتها ترجع إلى الإجمال حيث يجب التفصيل" .وذهب يبين أن المصطلحات أو الألفاظ نوعان  يقول شيخ الإسلام ابن تيمية الألفاظ نوعان.

النوع الأول:

نوع مذكور في كتاب الله وسنة رسوله وكلام أهل الإجماع، فهذا يجب اعتبار معناه، وتعليق الحكم به، فإن كان المذكور به مدحاً استحق صاحبه المدح، ومن دخل في اسم مذموم في الشرع كان مذموماً، كاسم الكافر والمنافق والملحد ونحو ذلك، ومن دخل في اسم محمود في الشرع كان محموداً، كاسم المؤمن والتقي والصدق، ونحو ذلك.
النوع الثاني: الألفاظ التي ليس لها أصل في الشرع فتلك لا يجوز تعليق المدح والذم والإثبات والنفي على معناها، إلا أن يبين أنه يوافق الشرع، والألفاظ التي تعارض. بها النصوص هي من هذا الضرب، كلفظ الجسم والحيز والجهة والجوهر والعرض، فمن كانت معارضته بمثل هذه الألفاظ لم يجز له أن يكفر مخالفه، إن لم يكن قوله مما يبين الشرع أنه كفر، لأن الكفر حكم شرعي متلقي عن صاحب الشريعة، والعقل قد يعلم به صواب القول وخطؤه، وليس كل ما كان خطأ في العقل يكون كفرأ في الشرع، كما أنه ليس كل ما كان صواباً في العقل تجب في الشرع معرفته. الحق أنه لو قدر أن بعض الناس غلط في معان دقيقة لا تعلم إلا بنظر العقل، وليس فيها بيان في النصوص والإجماع، لم يجز لأحد أن يكفر مثل هذا، ولا يفسقه، بخلاف من نفى ما أثبتته النصوص الظاهرة المتواترة، فهذا أحق بالتكفير، إن كان المخطئ في هذا الباب كافراً.
وليس المقصود هنا بيان مسائل التكفير، فإن هذا مبسوط في موضع آخر، ولكن المقصود أن عمدة المعارضين للنصوص النبوية أقوال فيها اشتباه وإجمال، فإذا وقع الاستفسار والاستفصال تبين الهدى من الضلال.. وقد أورد شيخ الإسلام كثيرا من الألفاظ الحادثة التي استخدمها بعض الطوائف للدلالة علي معتقدهم وهذه الألفاظ تحتمل وجها قبيحا وآخر حسنا فلذلك كان يعمد إلي التفصيل حتي يستخرج مراد القائل . وهذا هو الواجب مع مثل المصطلحات الحادثة التي تحتمل وجهان بل إن أمكن حمل الكلام علي الوجه الحسن منه فهذا أمر حسن حتي نساعد الناس في الرجوع إلي الحق ونستحث الخير الذي داخلهم ونساعدهم علي استخراجه , وهذا الذي كان يقوله الإمام مالك رحمه الله تعالي "لو احتمل المرء الكفر من تسعة وتسعين وجهاً واحتمل الإيمان من وجه واحد لحملته على الإيمان" .

من المصطلحات التي بين شيخ الإسلام وجهيها لفظ (الجهة) في معرض رده علي المعتزلة الذين ينفون رؤية الله تعالي لأنه يلزم منه إثبات الجهة ومن لوازم إثبات الجهة أن يكون الله جسم وحيز وجوهر وعرض والعياذ بالله وهذا ليس بلازم كما بينه شيخ الإسلام فالحق فيها التفصيل ,يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (فلفظ الجهة قد يراد به شيء موجود غير الله؛ فيكون مخلوقاً، كما إذا أريد بالجهة نفس العرش أو نفس السماوات، وقد يراد به ما ليس بموجود غير الله تعالى؛ كما إذا أريد بالجهة ما فوق العالم.ومعلوم أنه ليس في النص إثبات لفظ الجهة ولا نفيه؛ كما فيه إثبات العلو، والاستواء، والفوقية، والعروج إليه... ونحو ذلك، وقد علم أنَّ ما ثم موجود إلا الخالق والمخلوق، والخالق سبحانه وتعالى مباين للمخلوق، ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته.فيقال لمن نفى الجهة: أتريد بالجهة أنها شيء موجود مخلوق؟ فالله ليس داخلاً في المخلوقات، أم تريد بالجهة ما وراء العالم؟ فلا ريب أنَّ الله فوق العالم مباين للمخلوقات. فإن أردت الأول؛ فهو باطل، وإن أردت الثاني؛ فهو حقٌّ.  كذلك مصطلح الفناء : لم يرد مصطلح الفناء في كتاب الله، ولا في سنة رسوله  صلى الله عليه وسلم ، كما لم يرد في كلام الصحابة والتابعين، مدح لفظ الفناء، ولا ذمه، ولا استعملوا لفظه في المعنى الذي يشير إليه الصوفية البتة،. فهذا اللفظ لا ينكر مطلقاً، ولا يقبل مطلقاً، بل لا بد فيه من التفصيل، وبيان صحيحه من معلوله ووسيلته من غايته.
الفناء مصطلح يحتمل عدة معان؛ منها ما هو صحيح، ومنها ما هو نقص، ومنها ما هو كفر.
يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: "والمعنى الذي يسمونه الفناء ينقسم ثلاثة أقسام:

فناء عن عبادة السوى وفناء عن شهود السوى وفناء عن وجود السوى.

فالأول: أن يفنى بعبادة الله عن عبادة ما سواه إلي أن قال وهذا هو حقيقة التوحيد.

والثاني: أن يفنى عن شهود ما سوى الله وهذا الذي يسميه كثير من الصوفية حال الاصطلام والفناء والجمع ونحو ذلك. وهذا فيه فضيلة من جهة إقبال القلب على الله وفيه نقص من جهة عدم شهوده للأمر على ما هو عليه .

والثالث: الفناء عن وجود السوى؛ وهو قول الملاحدة أهل الوحدة كصاحب الفصوص وأتباعه الذين يقولون: وجود الخالق هو وجود المخلوق وما ثم غير ولا سوى في نفس الأمر. فهؤلاء قولهم أعظم كفرا من قول اليهود والنصارى وعباد الأصنام .

من المصطلحات التي أحدثت لغطا كبيرا في الساحة أيضا مصطلح الديمقراطية ومصطلح تجديد الخطاب الديني.

أما مصطلح الديمقراطية: فالديمقراطية تنقسم إلى أمرين,

1ـــ المبادئ والفلسفة (التي بنيت عليها وظهرت من أجلها)

2 ـــ الآليات والوسائل (التي يتم عن طريقها تحقيق الديمقراطية في أرض الواقع).         أما (المبادئ والفلسفة): مثل مبدأ (سيادة الشعب) ، ومبدأ (حكم الأغلبية المطلق)
فقد اتفقوا على حكمها ألا وهو أنها مبادئ مخالفة للإسلام في أغلبها مخالفات صريحة وفي أصول الدين.

أما (الآليات والوسائل): مثل الانتخابات والاستفتاءات والدساتير فهي بين احتمالين ؛
الأول: إن كانت هذه الوسائل مخالفة للشريعة في ذاتها أصلا فلا تقبل بحال، لا في نظام إسلامي ولا في غيره.

الثاني:  إن كانت ليست مخالفة للإسلام في ذاتها ففي هذه الحالة يتوقف حكمها على طريقة استخدامها وللنظام التي ستستخدم في إقراره وعلى الضوابط التي ستحكمها
وذلك لأنه هذه الوسائل عبارة عن ابتكارات بشرية شأنها مثل سائر الاختراعات الحديثة
فإن تم استخدامها لتطبيق أي نظام غير إسلامي مثل استخدامها لتطبيق فلسفة (الديمقراطية)، فهي محرمة بل وربما تأخذ نفس حكم النظام التي وضعت لأجل تطبيقه 
ودرجة التحريم تتناسب مع طبيعة التعامل مع الوسيلة نفسها وطبقا لما يحيط بها من ضوابط مخالفة للشريعة أما إن استخدمت تلك الوسائل لتطبيق (نظام الشورى الإسلامي) والتزمت بضوابطه التي نصت عليها الشريعة فما الذي يمنع من ذلك؟ وذلك بشرط عرضها على الشريعة لنأخذ منها ما يوافق الشريعة ونترك منها ما يخالفها وهي هنا مثل الدواوين التي اقتبسها عمر (رضي الله عنه) من الفرس ومثل ؛ قوانين المرور التي أخذناها من الغرب ومثل ؛ الاختراعات الحديثة كالسيارات والطائرات والتلفاز فكل هذه الأشياء نستفيد منها إذا استخدمت لتحقيق مصالح الناس بما يتوافق مع الشريعة ونتركها إذا تسببت في إحداث مفاسد للناس أو كان فيها ما يخالف الشريعة .

أما مصطلح تجديد الخطاب الديني فمن المصطلحات المجملة التي تحتاج أيضا إلي تفصيل وايضاح.

 مصطلح (التجديد) :

إن أريد به: صياغة مسائل اﻷصول بلغة تقرب هذا العلم ،وتنقيته مما علق به من لوثات المتكلمين واطّراح خلاف من لا يعتد به والإعراض عن المسائل التي لا يبنى عليها ثمرة، والإكثار من اﻷمثلة التوضيحية لمسائلة غير الأمثلة السائدة التي يذكرها اﻷصوليون ورد النوازل المعاصرة إلى قواعد هذا العلم وبيان حكم الله فيها؛ فهذا أمر محمود ومطلوب.
وإن أريد به الطعن في قواعده التي استقرت بدلالة الشرع واللغة كإبطال بعض أدلته كاﻹجماع مثلا أو إضعاف دلالة بعضها أو تفريغها من دلالتها التي دلت عليه أو تفسيرها على خلاف مقتضى اللغة فهذا مذموم ومرفوض ﻷنه هدم ﻷصول الشريعة التي استقامت عليها:  وأيضا قد ورد لفظ التجديد في سنة النبي صلي الله عليه وسلم بالمعني الأول المحمود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد دينهارواه أبو داود . قالت اللجنة الدائمة :

" معني قوله صلى الله عليه وسلم : ( يجدد لها دينها ) أنه كلما انحرف الكثير من الناس عن جادة الدين الذي أكمله الله لعباده وأتم عليهم نعمته ورضيه لهم دينًا - بعث إليهم علماء أو عالمًا بصيرًا بالإسلام ، وداعيةً رشيدًا ، يبصر الناس بكتاب الله وسنة رسوله الثابتة ، ويجنبهم البدع ، ويحذرهم محدثات الأمور ، ويردهم عن انحرافهم إلى الصراط المستقيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فسمى ذلك : تجديدًا بالنسبة للأمة ، لا بالنسبة للدين الذي شرعه الله وأكمله ، فإن التغير والضعف والانحراف إنما يطرأ مرة بعد مرة على الأمة ، أما الإسلام نفسه فمحفوظ بحفظ كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المبينة له قال تعالى :( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ). والأمثلة علي ذلك كثيرة . هكذا نظر العلماء إلي المصطلحات من ناحية المضمون حتي يقفوا علي أرضية مشتركة مع المخالف . والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة