الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

(الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936م (4-4

جاء هذا التغير في السياسة البريطانية تجاه القضية الفلسطينية متأخرًا جدًّا، وبعد عقدين مِن الزمن حوَّلت فيه بريطانيا فلسطين العربية إلى وطن لليهود...

(الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936م (4-4
علاء بكر
السبت ٢٤ يناير ٢٠١٥ - ١٢:٢٨ م
1351

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل (22)

الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936م (4-4)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد أظهر الفلسطينيون بسالة نادرة، وصمدوا باستماتة أمام القوات البريطانية التي حاولت الدفاع عن اليهود وحمايتهم، كما تحملوا كل ما قام به اليهود الصهاينة من أعمال إرهابية ضدهم.

ولقمع الثورة العربية عيَّنت بريطانيا الجنرال "ويل" قائدًا للقوات البريطانية في فلسطين، وهو القائد الذي كان يقود الجيش البريطاني في الحرب العالمية الأولى، وزادت مِن التدفق العسكري والحربي البريطاني على فلسطين، وشجعت الإرهاب الصهيوني الناشئ عن طريق تزويد اليهود بالسلاح، والتغاضي عن العمليات الإرهابية التي تنفذ ضد الأهالي الفلسطينيين.

ودعت -ولأول مرة- إلى تقسيم فلسطين إلى دولة يهودية، وأخرى عربية تكون تحت الانتداب البريطاني، مع بقاء جزءٍ يُضم إلى شرق الأردن تحت حكم الأمير "عبد الله"، كما جاء في تقرير لجنة "بل".

وكان اقتراح ضم الضفة الغربية لشرق الأردن يهدف إلى إغراء الأمير عبد الله بقبول اقتراح اللجنة، كما يعطي تبريرًا لإعطاء اليهود جزءًا مِن فلسطين، فكان هذا أول ظهور لفكرة التقسيم؛ مما أكد للفلسطينيين صدق مخاوفهم، فأثار فيهم روح الرفض، والثورة العارمة مِن جديد.

وكان من نتائج هذه الثورة الفلسطينية ازدياد التعاطف العربي مع الشعب الفلسطيني بصورة لم تكن من قبل، وشارك متطوعون عرب في الثورة الفلسطينية، وقد دفع هذا الوضع المتدهور بريطانيا إلى إعادة حساباتها من جديد في فلسطين، وإن جاء هذا التطور متأخرًا جدًّا -كما سنرى-.

ومع بوادر الحرب العالمية الثانية رأت بريطانيا أن عليها تهدئة الأوضاع في فلسطين والمنطقة العربية؛ لحاجتها إلى قناة السويس ذات الأهمية الإستراتيجية، ولأهمية النفط العربي في الحروب العسكرية المتوقعة.

كما رأت بريطانيا أن تهدئة المشاعر العربية بإبداء التفهم لوجهة النظر العربية في فلسطين يقطع الطريق على دخول ألمانيا إلى المنطقة من الناحية السياسية، فأعلنت بريطانيا عن تخليها عن فكرة تقسيم فلسطين بناءً على توصية لجنة "وود هيد"، ودعت بريطانيا الأطراف المعنية للمشاركة في مؤتمر يعقد في لندن لمناقشة القضية الفلسطينية، ووضع السياسة المناسبة تجاهها.

وقد انعقد المؤتمر في فبراير ومارس 1939م، مع منع بريطانيا الزعيم الفلسطيني الحاج أمين الحسيني من حضوره، ومع رفض الفلسطينيين للدخول في حوار مباشر مع الوكالة اليهودية اتخذ المؤتمر شكل مجموعات فرعية: "بريطانية - عربية، وبريطانية - يهودية"، وانتهى المؤتمر بالفشل أمام إصرار العرب الفلسطينيين على استقلال فلسطين، مثلها مثل باقي الدول العربية الموضوعة تحت الانتداب، بينما تمسَّك اليهود بوعد "بلفور" وما تلاه.

وأعقب ذلك إصدار بريطانيا لكتاب أبيض جديد حول القضية الفلسطينية في مايو 1939م، تضمَّن السياسة البريطانية الجديدة التي تضمنت تفهمًا لوجهة النظر العربية لم تبده بريطانيا من قبل.

حيث أعلنت بريطانيا:

- أنه ليس واردًا في سياستها الجديدة تحويل فلسطين إلى دولة يهودية، أو تقسيمها إلى دولتين عربية ويهودية.

- أنها ستنهي انتدابها على فلسطين في عام 1949م.

- أن هدف الحكومة البريطانية في السنوات العشر القادمة -أي حتى انتهاء الانتداب- هو إقامة دولة فلسطين المستقلة التي تكون فيها السلطة مشاركة بيْن العرب واليهود بما يحفظ مصالح الجانبين الأساسية.

- الحد مِن الهجرة اليهودية إلى فلسطين لتكون 75 ألف يهودي كحد أقصى على امتداد خمس سنوات، تخضع بعدها الهجرة اليهودية للموافقة العربية.

- الحد من تملك اليهود في فلسطين وحصره في مناطق معينة، وتنظيمه بحيث لا يؤدي إلى اقتلاع الفلسطينيين من أراضيهم.

ولقد جاء هذا التغير في السياسة البريطانية تجاه القضية الفلسطينية متأخرًا جدًّا، وبعد عقدين مِن الزمن حوَّلت فيه بريطانيا فلسطين العربية إلى وطن لليهود:

- فبعد أن كان اليهود يمثـِّلون 8% من سكان فلسطين، وغالبيتهم من اليهود العرب؛ صار تعداد اليهود قرابة النصف مليون، أي نحو ثلث السكان!

- ورغم أن ملكيتهم كانت محدودة، لكنها تركزت في المدن؛ فصاروا دولة داخل دولة.

وقد تميز هذا الكيان الجديد بأمور، منها:

- أنه مجتمع أوروبي؛ إذ أكثره يهود مِن أوروبا.

- أنه متفوق تكنولوجيًّا وإداريًّا وتنظيميًّا بحكم انتمائه للحضارة الأوروبية الصناعية المتقدمة.

- له مؤسساته العسكرية.

- له علاقاته الدولية خاصة مع بريطانيا وأمريكا.

- له تفوقه المالي بما يصل إليه مِن دعم خارجي متواصل.

ولم يكن هذا التغير في السياسة البريطانية واضحًا: هل هو تغير حقيقي أم تغير تكتيكي تسترضي به بريطانيا المنطقة العربية طلبًا لاستقرار المنطقة على مشارف الحرب العالمية الثانية ومواجهة النازية؟

وبضغط مِن إنجلترا أشار حكام وقادة من العرب على زعماء الحركة الوطنية الفلسطينية بوقف العصيان المدني خوفًا من إعاقة مجهود الحكومة البريطانية في مواجهة ألمانيا النازية، وتمشيًا مع وقوف العرب بجانب بريطانيا في حربها ضد النازية، وقد استجاب زعماء الحركة الوطنية الفلسطينية لهذا المطلب، ولزموا جانب الصمت؛ بينما سعى اليهود إلى استغلال الأحداث لتحقيق أطماعهم مستفيدين مِن صعود النازية في أوروبا، ثم ظهور الدور الأمريكي المتزايد في الساحة الدولية...

كما سنبينه -إن شاء الله تعالى-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة