الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

(نصيحة موضوعية للتيارات الجهادية (6

نعم تقاتل الطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة لكن من الذي يقوم بهذا؟!

(نصيحة موضوعية للتيارات الجهادية (6
محمد إسماعيل المقدم
الأحد ١٥ فبراير ٢٠١٥ - ١٤:١١ م
1761

نصيحة موضوعية للتيارات الجهادية (6)

د. محمد إسماعيل المقدم

المحاضرة السادسة

عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: «لا يزال المؤمن معنقًا صالحًا ما لم يصب دما حرامًا فإذا أصاب دمًا حرامًا بَلَّحَ ». رواه أبو داود في «الفتن» باب: «في تعظيم قتل المؤمن» وصححه الألباني في «صحيح الجامع الصغير».

قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يزال المؤمن معنقًا» المعنق هو الطويل العنق الذي له سوابق في الخير، والإعناق نوع من أنواع السير سريع وسيع يقطع فيه الإنسان مسافات بعيدة بسرعة شديدة.

والمراد بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يزال المؤمن معنقًا صالحًا» يعني يستطيع أن يجري إلى الأعمال الصالحة وإلى الجنة سير المخف الإنسان الذي ليس على ظهره آثم تثقله وتعجزه عن الجري السريع-  فالمقصود بالحديث خفة ظهره من الأوزار والآثام فهو يسير سير المخف غير المثقل بالأوزار على ظهره فهذا معنى: «لا يزال المؤمن» يعني في سيره إلى الله وإلى الجنة.

«معنقًا» له سوابق في الخير «صالحًا ما لم يصب دمًا حرامًا» ما لم يقع في ورطة الدم الذي حرمه الله -سبحانه وتعالى-.

«فإذا أصاب دمًا حرامًا بَلَّحَ» يعني: أعيا وانقطع ولم يستطع أن يستمر في سيره إلى الله -سبحانه وتعالى-.

ففي هذا الحديث تعظيم حرمة المسلم وتحريم إهدار دمه بغير إذن من الله تعالى، وفي ذلك جملة عظيمة من الأحاديث:

منها: حديث ابن عمر بقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا» رواه الإمام البخاري : تعالى بلفظ: «لن يزال المؤمن في فسحة من دينه» يكون أمر دينه سهلًا يسيرًا عليه.

ثم روى البخاري عقب الحديث قول ابن عمر ب بصيغة الجزم: «إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها: سفك الدم الحرام بغير حله».

وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لو أن أهل السماوات والأرض اجتمعوا على قتل مسلم لكبهم الله جميعًا على وجوههم في النار» والحديث صحيح وإن كان إسناده ضعيفًا.

وأيضًا عن عبد الله بن عمرو ب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم» روا الترمذي في «صحيحه». وفي رواية لابن ماجه: «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق».

وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من قتل مؤمنًا فاغتبط بقتله؛ لم يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا».

قوله -صلى الله عليه وسلم-: «من قتل مؤمنًا فاغتبط بقتله» اغتبط: سر وفرح؛ لأنه نجح في قتل هذا المؤمن.

وقال يحيى بن يحيى الغساني في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «فاغتبط بقتله» قال: «الذين يقاتلون في الفتنة فيقتل أحدهم فيرى أنه على هدى لا يستغفر الله يعني: من ذلك- وذلك بخلاف ما إذا حزن لقتله وندم عليه» فإنه إذا ندم يكون الأمر أخف وربما إذا تاب توبة نصوحًا تجاوز الله -سبحانه وتعالى- عنه.

وجاء في «معالم السنن» للخطابي: «فاعتبط بقتله» بالعين وليس بالغين، والمقصود قتل المؤمن ظلمًا لا عن قصاص يقال: عبطت الناقة واعتبطتها إذا نحرتها من غير داء أو آفة تكون بها.

وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لم يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا» الصرف هو النفل وقيل: التوبة، والعدل هو الفرض وقيل: الفدية.

وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا شهر المسلم على أخيه سلاحًا فلا تزال ملائكة الله تلعنه حتى يَشِيمَهٌ عنه».

وقوله: «حتى يشيمه» أي: حتى يخفيه بأن يضعه في غمده، وهذا الحديث رواه البزار وحسنه الألباني.

وعن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده وأوداجه تشخب دمًا فيقول: «يا رب سل هذا فيما قتلني حتى يدنيه» أي: حتى يقربه الله «من العرش» رواه النسائي وصححه الألباني.

وقد جاءت كثير من النصوص في مراعاة حرمة السلم في أقل من هذا بكثير:

فقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يمشي بالسهام أو الرماح في وسط زحام الناس في الأسواق أو في المسجد بل يضع يده على الحد أو يغمدها.

كذلك أيضًا إذا ناول أخاه المسلم شيئًا من هذه المواد فإنه يسلمها ليس بطرف الحد منها وإنما يقلبها.

أيضًا قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا» روا الإمام أحمد وأبو داود.

فمجرد الترويع قد حرمه الله -سبحانه وتعالى- فكيف باستحلال دمه وإراقته؟!.

عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: «حدثنا أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- أنهم كانوا يسيرون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه ففزع فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا».

إذن يحرم على المسلم أن يسلك أي مسلك فيه تفزيع أو ترويع المسلم أو أذيته، فهذه مما حرمه الله -سبحانه وتعالى- حتى ولو كان على سبيل المزاح فهذا المزاح لا يحل، فأن يفعل فعلًا فيه ترويع له وإذهاب لأمنه فهذا من الكبائر التي حرمها الله -سبحانه وتعالى-.

على أي الأحوال هذه الجملة من الأحاديث لها بلا شك كما تلاحظون علاقة بالموضوع الذي نتكلم فيه أو ببقايا هذا الموضوع الذي نريد أن نمر عليه اليوم إن شاء الله لتتميم هذا البحث.

فهذه الأحاديث وغيرها كثير كما هو معلوم في القرآن والسنة من الأدلة التي تقطع بتحريم دم المسلم بيقين ولو استطردنا في هذا الباب وذكرنا نصوص العلماء وكلامهم في ذلك لطال المقام جدًا لكن لاشتهار ذلك ولأنه معلوم من الدين بالضرورة نتجاوزه إلى ما نريد.

فدم المسلم محرم يقينًا وما كان هذا شأنه فينبغي أن لا يستحل إلا بيقين فلا يستحل بظن أو بتأويل فاسد أو بجهل وقلة علم وقد يقع بعض الناس في إراقة دماء المسلمين من دون أي جدوى أو فائدة وما هو إلا الضرر المحض علاوة على انتهاك حرمات الله -سبحانه وتعالى- ثم يسمي هذا جهادًا!!.

فما ذنب الشرطي الذي يحرس قنطرة أو مرفقًا من المرافق حتى يقتل لأخذ السلاح منه؟! هل هذا يسمى جهادًا أن يقتل رجل يحرس مرفقًا من مراق المسلمين ويراق دمه الذي حرمه الله -سبحانه وتعالى- لأجل أن يؤخذ سلاحه؟! ويسمي هذا جهادًا وربما ينتفش بعض الناس حينما يسمعون مثل هذه الأخبار!.

فينبغي إذا سمعت أن دم مسلم أريق بغير حله حتى ولو على يد شخص طول لحيته مترًا بل ينقبض قلبك وتحزن لدم المسلم الذي أريق بغير حله حتى ولو كان فاسقًا كما تحزن تمامًا لإعدام أخ أو شنقه أو قتله لأن حرمة هذا في الإسلام واحدة، فاستحلال الدماء بهذه الصورة لا يمكن أن يكون من دين الله تبارك وتعالى.

نحن نعلم أن هناك حالات معينة نصت الشريعة على إباحة الدماء فيها:

كقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه المفارق الجماعة».

كذلك هناك من يباح قتالهم لأن هناك فرق بين القتل والقتال كما قال بعض الأئمة: «ليس القتال من القتل بسبيل قد يحل قتال الرجل ولا يحل قتله» قد يحل قتاله يعني لإخلال شوكته فقط ولا يحل قتله كقتال البغاة وهي المجموعة المتحزبة على قائد لها ولها شوكة ولها سلاح وتخرج على الإمام أو الخليفة بتأويل سائغ فهؤلاء يقاتلون لكن المقصود من قتالهم إذهاب شوكتهم فقط وليس إزهاق أرواحهم فإباحة القتال هنا لدفع الشر فقط وليس المقصود إباحة دمائهم.

ولذلك اختلفت أحكام البغاة [عن أحكام الجهاد للكفار] فالبغاة إذا قوتلوا لا يجهز على جريح ولا يطارد الهارب ولا تسبى نسائهم كما حصل في قتال البغاة في زمن أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه-.

كذلك قتال المحاربين الحرابة قطاع الطرق- بشروطهم كما هو معروف في أبواب الفقه.

كذلك دفع الصائل إذا صال إنسان عليك يريد أن يقتلك فالمقصود دفع شره بما أمكن أن يدفع به حتى ولو وصل الأمر في النهاية إلى أنه لا يدفع شره عنك إلا إذا قتلته حينئذ يجوز لك أن تقتله ويكون لك الثواب المذكور في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ومن قتل دون نفسه فهو شهيد» إلى آخر الحديث كما هو معلوم.

كذلك أيضًا قتال الممتنعين عن شريعة من شرائع الإسلام وكل هذا الكلام لا يوجد خلاف عليه وموضوع نقل المطولات الطويلة العريضة في كلام العلماء والأئمة في وجوب إقامة الحدود وأهمية إقامة الحدود في وجوب قتال الطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة لكن المشكلة أن بعض الناس يفصلون هذا الكلام عن الواقع الذي ينبغي أن يطبق فيه.

نعم تطبق الحدود لكن من الذي يقيمها؟ نعم تقاتل الطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة لكن من الذي يقوم بهذا؟!

ويستدلون كثيرًا بفتوى شيخ الإسلام ابن تيمية في التتار مع الفارق الشديد بين واقعنا وواقع شيخ الإسلام ابن تيمية ففي زمان شيخ الإسلام كان هناك تميز شديد في الراية فكانت أمة المسلمين بقيادة أمراء المماليك كما هو معلوم والأمة عن سائرها في صف واحد مهيأ بجيشه وبقواته وبكل مؤسساته يقابل التتار ويواجههم ولذلك كان هناك فارق شاسع بين أوضاع التتار وبين ما نعيشه الآن.

فمن الذي يقيم الحدود؟  هذه قضية قد سبق الكلام فيها بالتفصيل ولخصنا فيها هذا الكتاب كتاب «الحدود والسلطان» للدكتور عبد الله بن أحمد قادري لكن نمر اليوم إن شاء الله مرًا سريعًا على بعض النقاط التي تتعلق بموضوعنا.

ذكر بعد بحث له طويل نصوصًا عن بعض الأئمة في شروط إقامة الحدود:

فمنها: قول الإمام الكاساني الحنفي: «وأما شرائط جواز إقامتها» يعني: الحدود «فمنها ما يعم الحدود كلها ومنها ما يخص البعض دون البعض:

أما الذي يعم الحدود كلها فهو الإمامة» يعني: يشترط أن يكون الإمام هو الذي يلي إقامة الحدود «وهو أن يكون المقيم للحد هو الإمام أو من ولاه الإمام».

أما المذهب المالكي فيقول القرطبي : تعالى: «لا خلاف أن المخاطب بهذا الأمر» يعني: الأمر بإقامة حد الزنا «الإمام ومن ناب منابه. وزاد مالك والشافعي: السادة في العبيد».

وقال أيضًا: «لا خلاف أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولو الأمر، فرض عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود وغير ذلك، لأن اللّه سبحانه خاطب جميع المؤمنين بالقصاص، ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعا أن يجتمعوا على القصاص، فأقاموا السلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص وغيره من الحدود».

وقال أيضًا: «اتفق أئمة الفتوى على أنه لا يجوز لأحد أن يقتص من أحد حقه دون السلطان، وليس للناس أن يقتص بعضهم من بعض، وإنما ذلك لسلطان أو من نصبه السلطان لذلك ، ولهذا جعل اللّه السلطان ليقبض أيدي الناس بعضهم عن بعض».

أما المذهب الشافعي فيقول الإمام الشافعي : تعالى: «لا يقيم الحدود على الأحرار إلا الإمام أو من فوض إليه الإمام لأنه لم يقم حد على حر على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا بإذنه ولا في أيام الخلفاء إلا بإذنهم، ولأنه حق لله تعالى يفتقر إلى الاجتهاد ولا يؤمن في استيفائه الحيف»

أي: أن يقع ظلم لبعض الناس إذا لم تتحر شروط هذه إقامة الحدود «فلم يجز بغير إذن الإمام» وهذا كلام الإمام الشافعي : تعالى في «المجموع».

وقال ابن قدامة الحنبلي : تعالى: «لا يجوز لأحد إقامة الحد إلا للإمام أو نائبه لأنه حق الله تعالى و يفتقر إلى الاجتهاد و لا يؤمن في استيفائه الحيف فوجب تفويضه إلى نائب الله تعالى في خلقه و لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقيم الحد في حياته ثم خلفاؤه بعده».

كذلك قال الإمام ابن حزم : تعالى كلامًا معناه أن الحدود عمومًا مخولة إلى السلطان يقول: «وهكذا نقول فهو يرى أن أصل الحدود إلى السلطان وإنما خص حد العبيد إلى السادة».

كذلك ذكر الصنعاني أن مذهب الهادوي أنه لا يقيم الحدود على العبيد سادتهم إلا إذا لم يوجد للمسلمين إمام.

وحكى الشيخ عبد القادر عودة اتفاق الفقهاء أن الحدود للإمام أو نائبه.

أما الأمور التي استند إليها الفقهاء في هذا الأمر فيذكر القادري هنا في الأمر الأول: أن الخطاب بالأمر بإقامة الحدود موجه إلى ولاة الأمور وهم الأئمة كما قال القرطبي: «لا خلاف أن المخاطب بهذا الأمر الإمام ومن ينوب منابه».

أما الأمر الثاني فهو أنه لم يكن يقيم الحدود ولا يأمر بها إلا الرسول -صلى الله عليه وسلم- وخلفاؤه والأئمة من بعده.

الأمر الثالث: ما ذكر من إجماع العلماء أن الحدود إلى الإمام إلا ما خصه الدليل وهو جواز إقامة السيد الحدود كلها أو بعضها على عبيده.

الأمر الرابع: أن الإمام هو الذي قد يقدر على إقامة الحدود لما له من سلطة ومنعة، فالسلطة التي في يد الإمام والحاكم هي التي تخول له القدرة على إقامة الحدود.

الأمر الخامس: أنه لو أسند إقامة الحد إلى غير السلطان لم يؤمن من الحيف وتعدي المشروع والإمام في الغالب يتحرى ولا هوى له في تعدي المشروع بخلاف الرعية فإنه قد يكون بينهم من الحزازات والثارات ما يدعو بعضهم إلى التشفي من بعض.

الأمر السادس: أن السلطان لا تحصل منه محاباة لمن وجب عليه الحد في الغالب بخلاف غيره فقد يحابي فلا يقيم حدًا وبخاصة إذا كان من وجب عليه الحد يمتد إليه بصلة كابنه وزوجته وعبده.

الأمر السابع: أن ولي الأمر يكون عالمًا بالحدود وشروطها ومسقطاتها فلا يقيم الحد إلا على من يستحقه ولا يترك إقامة الحد بسبب جهله ولو فرض أن السلطان غير فقيه في ذلك فإنه مأمور بسؤال أهل العلم ملزم بفتواهم كما أنه مأمور بأن ينيب في إقامتها من هو فقيه في دين الله كالقضاة ونحوهم ويجب أن يكون أهل شوراه من العلماء. وذكر عبارة الإمام الشافعي السابقة.

وقال الكاساني: «وبيان ذلك أن ولاية إقامة الحد إنما ثبتت للإمام لمصلحة العباد وهي صيانة أنفسهم وأموالهم وأعراضهم لأن القضاة يمتنعون من التعرض خوفا من إقامة الحد عليهم والمولى لا يساوي الإمام في هذا المعنى لأن ذلك يقف على الإمامة والإمام قادر على الإقامة لشوكته ومنعته وانقياد الرعية له قهرا وجبرا ولا يخاف تبعة الجناة وأتباعهم لانعدام المعارضة بينهم وبين الإمام وتهمة الميل والمحاباة والتواني عن الإقامة منتفية في حقه فيقيم على وجهها فيحصل الغرض المشروع له الولاية بيقين».

الأمر الثامن: ما رواه النزال بن سبرة قال: «كتب عمر إلى أمراء الأجناد أن لا يقتل نفس دوني» لا يقام الحد على نفس دون أن تنهوا علم هذا الأمر إلى وبإذني، هذا فيما يتعلق بنصوص العلماء في هذا الباب.

إذا قصر السلطان في إقامة الحدود؟

أشار بعض العلماء إلى الهدف العام من تشريع الحدود فقال: «لأن الحد حق الله تعالى لأن القصد منها إخلاء العالم عن الفساد والظلم والبغي بين الناس فإذا أهمل من تولى أمر المسلمين إقامة الحدود فقد أذن بذلك للفساد أن يتمكن في الأرض أو في العالم فما موقف المسلمين عندئذ وبخاصة علماؤهم وذووا الرأي منهم؟

لا يخلو الحاكم من حالات ثلاث:

الحالة الأولى: أن يجتمع أهل الحل والعقد لمناصحته فيستجيب لنصحهم وينفذ شرع الله تبارك وتعالى ومنه الحدود، وحينئذ لا يكون عليه سبيل من قبل الأمة بل يعان على ذلك.

الحالة الثانية: أن يرفض إقامة الحدود بنفسه مقيمًا بعض الأعذار على سبب رفضه مع إظهاره الإيمان بشريعة الله وأنها حق ويأذن لعلماء قطره وذوي الرأي منهم أن يقوموا بها حسبة، يفتح الباب للعلماء والمحتسبين أن يقوموا بها ولا يعارضهم بل يأمر أتباعه بعد التعرض لهم.

الحالة الثالثة: أن يرفض إقامة الحدود مدعيًا أنها غير صالحة لذلك الزمان وأن وقتها قد انتهى وأن القوانين الوضعية أولى بالتنفيذ من شرع الله وقد لا يصرح بذلك ولكن قرائن أحوال تدل على هذا المعنى.

لا حاجة للكلام عن الحالة الأولى وإنما الحاجة إلى بيان ما يجب على العلماء وأولي الأمر من الأمة إزاء الحالتين الثانية والثالثة:

أما الحالة الثانية: فهي أن يأذن السلطان للمحتسبين بإقامة الحدود وهذه الحالة في الحقيقة مفروضة فروضًا والغالب أن الحاكم الذي يهمل إقامة الحدود ولا يسمع نص أهل الحل والعقد ولا يرجع إلى الله تعالى فالغالب أنه لا يأذن لغيره في إقامتها ولكن ما الحكم على هذا الافتراض؟

يقول: «يجب هنا أن نعود إلى قاعدتين من قواعد الإسلام:

القاعدة الأولى: حكم فرض الكفاية والحدود هي من فرض الكفاية.

والثانية: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو من فروض الكفاية.

يقول: «إذا تخلى الحاكم الذي نصبته الأمة أو نصب نفسه للقيام بمصالحها عن إقامة الحدود فإن الأمة كلها تأثم بعدم إقامتها إلا من كان عاجزًا عن ذلك.

وعلى ذلك بناء على هذه القاعدة يتحتم على القادرين من الأنة أن يدفعوا عنها الإثم بإقامة الحدود.

أما القاعدة الثانية فيما يتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيه أيضًا قاطعة بإثم من استطاع القيام بذلك ولم يقم به». ثم ذكر جملة من الأدلة في القرآن الكريم على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم ذكر أيضًا جملة من الأحاديث وفضائل هذه الفريضة العظيمة.

يقول: «المستطيع مأمور بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب استطاعته والأمر للوجوب فمن لم يقم بما يقدر عليه من ذلك وقد تعين عليه فهو آثم، وإن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يمكن السفهاء من نشر الفساد في الأرض وفي ذلك هلاك العالم وفساده».

إذن يجب على القادرين على إقامة الحدود أن يقيموها تحقيقًا لهذه القاعدة «لكن يجب أن يعلم معنى القدرة والاستطاعة التي يجب على صاحبها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبخاصة في الحدود التي وسيلتها التغيير باليد وليس باللسان أو القلب فقط.

فهل إذا تعاقدت جماعة من الناس في قطر من الأقطار على أن يقيموا الحدود على من على ارتكب ذنبا فيه حد، سواء كان جلده أو قطعا أو رجما أو قتلا احتسابًا هل يعد هذا استطاعة؟ ولو تكتلت أسرة من أقيم عليه الحد ضد من أقاموه وتقاتلوا معهم هل يضمن الذين يريدون أن يقيموا الحدود احتسابًا أن يطيعهم الناس في ذلك؟ وهل يضمنون عدم قيام جماعات معارضة لهم تحول بينهم وبين ما يريدون أن يقوموا به؟

وهل إذا وقفت ضدهم جماعات تقاتلهم، تكون عندهم شوكة ومنعة تلقى الهيبة في قلوب المعارضين كما هو الحال بالنسبة للسلطان؟.

وهل يضمنون أن لا تترتب على إقامتهم الحدود على الناس مفسدة أكبر من مفسدة ترك الحدود؟

إن على الذين يريدون أن يقوموا بفرض الكفاية، لإسقاط الإثم عن أنفسهم وعن الأمة، ويريدون أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر عليهم، أن يجيبوا على هذه الأسئلة قبل الإقدام على ذلك، فقد يحدثون بفعلهم مفسدة أعظم من مفسدة ترك إقامة الحدود بأضعاف مضاعفة.

والمقصود من هذا أن الإنسان قد يكون قادراً على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بيده، كإقامة الحدود، ولكنه غير قادر على دفع المفسدة المترتبة على فعله، وقد تكون المفسدة التي يحدثها أعظم بكثير من مفسدة ترك إقامة الحد، فإذا كان الأمر كذلك فإنه يكون غير قادر على شرعا على تغيير المنكر، ما دام يترتب على فعله وجود منكر أكبر لا يقدر على دفعه.

وهذا ما يجب أن نفهم به كلام العلماء، فإنهم قد يطلقون هذه العبارات: فرض الكفاية هو الذي إذا قام به بعض الناس سقط عن الباقين، أو أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على المستطيع، ويظن القارئ أن الاستطاعة هي أن يتمكن الشخص من القيام بذلك الفعل، بصرف النظر عن النتائج المترتبة عليه، وقد تكون نتائج مدمرة لحياة المسلمين وفيها من الفتن، ما لا يقدر هو ولا غيره على دفعها إذا وقعت.

ولهذا ترى كثيرًا من العلماء إذا بحثوا في مثل هذه الأمور يحترزون ويذكرون قيوداً توصد باب الفتن».

يكفي أننا نكاد نجزم أن من نصب نفسه من مجموعات أو أفراد لإقامة الحدود لا يملك أن يستمر في ذلك في الغالب في الحدود التي تقام باليد كالرجم أو القتل أو غير ذلك من حدود الله -سبحانه وتعالى- غايته أن ينجح في ذلك مرة أو مرتين أو ثلاثة، لكن أن يستمر له الأمر بدون حصول هذه المفاسد المشار إليها فهذا لا يكاد يقع.

ثم ذكر كلامًا لشيخ الإسلام ابن تيمية في نفس هذا الموضع نتجاوزه اختصارًا ثم قال في آخر البحث: « إن الفسقة في هذا الزمان لهم مؤسسات تدعمهم، بل دول في داخل الشعوب الإسلامية وخارجها بهدف إفساد حياة المسلمين، وإن الذي ينصب نفسه في أي شعب من الشعوب الإسلامية التي لا تحكم بالإسلام، ليقيم الحدود على الناس، يفتح الباب على مصراعيه لتلك المؤسسات والدول، للهجوم على الإسلام والمسلمين، وإشعال نار العداوة والفتن بين المسلمين، بتحريض الأخ على أخيه، والأب والأم على ابنهما، والأسرة على الأسرة، والحي على الحي، والقرية على القرية ويحصل من الفوضى والاضطراب في البلد، ما لا قدرة لمن فتح باب الفتنة على دفعه.

هذا إن لم تقم الدولة - وهي لم تطبق شرع الله - بإشعال الفتن بين الفئات لتتخذ ذلك ذريعة للقدح في الإسلام وضرب الدعاة إليه، فكيف لو قامت هي بذلك؟!

إن على الذين يريدون أن ترتفع راية الإسلام في الأرض أن يسلكوا مسلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الشعوب التي تحكم بقوانين الكفر، يدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ويغرسون في نفوس الناس الإيمان القوي ويزكونهم من المعاصي والآثام ببغضها، ويربونهم على الأعمال الصالحة بمحبتها ويفقهونهم في دينهم بأحكام الإسلام، على طريقة علماء الإسلام من كتبهم المعتمدة التي تنشئ الدارس على الاعتدال، وعدم الإفراط أو التفريط، وتوازن بين المصالح والمفاسد، وتقدم ما هو أصلح للإسلام والمسلمين، أما أخذ الإسلام عن طريق العواطف المثارة والحماس غير المحكوم، فإن ذلك يوقع في مفاسد تؤخر الدعوة إلى الإسلام أكثر مما يقدمها.

إن تربية الشعوب على الإيمان والعمل الصالح، وشرح محاسن الإسلام لأبنائها وبيان مضار الكفر وقوانينه التي تطبق في بلدان المسلمين، وتوعيتهم بالخطر الذي يحيكه لهم أعداء الإسلام، وبالأساليب التي يجب أن تتخذ لصد ذلك ودفعه، ولو طال زمنه، هو السبيل الوحيد لإخراج الناس من الظلمات إلى النور.

أما أن تقوم جماعة ضعيفة عدداً وعدة وعلماً، ثم تحاول أن تقوم بوظائف خليفة المسلمين الذي ينضوي تحت لواء دولته عامة المسلمين، كلهم جنود حق يفدون الإسلام بأرواحهم وأموالهم وكل ما يملكون، إن جماعة تلك صفاتها، وتريد أن تنفذ وظيفة خليفة المسلمين الذي ذلك شأنه، في وسط دول تحارب الإسلام والمسلمين بقوة الشعب كله، وإن كره، إن ذلك يعد خَرَقًا وغفلة وجهلًا بدين الله الذي كله مصالح كما قال علماء الإسلام».

وإن كان لا يكاد توجد الآن مثل هذه الحالات إلا أن العجيب أن توجد مثل هذه الحالات في بعض البلاد الغربية في الخارج فمجرد أن يعرف بعض إخواننا من حديثي العهد بالإسلام أن هذه حدود الله ويجب أن تقام الحدود بدون أي وعي وأعرف بعض الإخوة الأمريكان مخلصين وعندهم عاطفة قوية للدين فبمجرد أن عرفوا أن شارب الخمر يجلد فماذا كان يفعلون؟ يذهبون إلى أماكن الفجور وشرب الخمر فكان أحدهم يدخل الخمارة فيتوسم في الناس ويتربص فإذا وجد من يخيل إليه أنه مسلم أو يشتبه عليه أنه مسلم يذهب إليه السلام عليكم يا أخي فإذا رد عليه السلام يقول له أريدك في كلمتين مختصرتين في الخارج فإذا خرجا كان في انتظاره جماعة يقيمون عليه الحد وبذلك تقام الحدود!!.

بلا شك إذا استمر الأمر هكذا وأعلنت القضية أما كان يترتب عليها هذه المفاسد الكبرى؟ بل في الغالب هذا غير مستطاع ربما في بعض الأماكن البدوية أو الصحراوية التي تحكمها القبائل وقد يمكن ذلك في بعض البلاد لكن بالنسبة لأوضاعنا الآن فالواقع نفسه يؤيد أن هذا غير ممكن.

فهذا أنموذج من النماذج على ذلك أن يؤخذ الكلام من الكتب ثم يطبق على الواقع بدون مراعاة الفرق، وموضوع الحدود موضوع طويل تكلمنا فيه بالتفصيل من قبل لكن من الذي يقيم الحدود وغير ذلك من الوظائف المختلفة؟ كذلك الطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة تقاتل لا خلاف في ذلك لكن من الذي يقاتل؟ فهذه هي القضية التي نلفت نظر الإخوة إليها.

أيضًا نعيد التذكير بهذه القضية - قضية حرمة دم المسلم- ذكرنا في صدر الكلام الأدلة على أن دم المسلم معصومة بيقين، ونعجب من بعض الناس قد يتورع في أشياء من الشبهات الخفيفة ومع ذلك يتجاسر على إراقة الدم بأدنى ظنة ويظن أنه يعمل عملًا من الأعمال الصالحة ويغتبط ويسر سرورًا عريضًا بهذا الأمر.

 فإراقة الدماء أمر عظيم وإهدارها من أكبر الكبائر فلا بد قبل الإقدام على أي شيء فيه استباحة لهذه الدماء المحرمة قطعًا ويقينًا أن تستوفي جميع الشروط التي تبيح لك بيقين قطعًا وجازم هذه الدماء.

فإباحة دماء المسلمين بهذه الأشياء التي تحصل اعتقد لو أن الصحابة يعيشون بيننا الآن وعرضت على أبي بكر وعمر لجمع لها أهل بدر والمهاجرين والأنصار وشاورهم: هل يجوز إراقة دماء المسلمين العساكر في الشرطة أو في الجيش بهذه البساطة؟!

وبدون أي مصلحة تتحقق بل لمجرد أن يأخذ السلاح، هل لأنه أخ ملتحٍ مخلص للإسلام وعنده عاطفة ويريد الخير هل نتعاطف مع مثل هذا الفعل دون أن تنكر قلوبنا مثل هذا المنكر؟! دم المسلم يراق بدون يقين ولا حتى غلبة ظن أن هناك مصلحة تترتب على ذلك !!.

فالغالب في وقوعنا إهدار الدماء المحرمة بيقين من أجل شبهة لم يستوف الشخص الذي يستحل لك تتبع ما يغشى إرادة الناس لأن هناك عوارض كثيرة تطرأ في تصرفات هؤلاء الناس سواء كانوا مجندين أو غير ذلك من الجهل والتأويل والإكراه بجانب أنه لا توجد مصلحة تتحقق في ذلك كما سنين إن شاء الله.

كذلك كون الإمام جائرًا أو ظالمًا لا يبيح بحد ذاته دماء الناس ولا أعراضهم بل ربما تكون إباحة دماء أمثال هؤلاء الناس بلا أدنى مصلحة بل بضرر محض قد يكون من جنس مصلحة الخوارج الذين يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان!!.

أيضًا أمر مهم جدًا مدى تأثير ذلك على مصداقية العمل الإسلامي في حس عموم الأمة المسلمة حينما يرون من يمثل الإسلام ويمثل الدعوة يجترئ على دماء العامة والأبرياء ممن لا ناقة لهم في هذه الفتن ولا جمل حينما تراق مثل هذه الدماء.

هل يظن الذين يفعلون ذلك أنهم لن يسألوا عن دماء هؤلاء الناس؟! فقد قتل في حادثة وزير الداخلية اثنا عشر شخصًا لا ناقة لهم ولا جمل في هذا الأمر، هل هذه الدماء التي أريقت لن يسألوا عنها أمام الله تعالى؟ أو هل أعدوا لها جوابًا؟ فليتصور الإنسان نفسه وهو واقف على الصراط والله -سبحانه وتعالى- يسأله؟ هل ستسأل عن هذه الدماء عبارة عن صنبور ماء فتحت فخرجت هذه الدماء من هؤلاء القتلى والصرعى؟!! ثم ما المصلحة التي تحققت من جراء هذا؟!.

فنكرر: دماء المسلمين معصومة بيقين فلا تستحل إلا بيقين مثله أو أقوى منه وهذا لا يتأتى إلا بأن يبلغ هذا الأمر مرتبة المعلوم من الدين بالضرورة وهذا إجماع من العلماء كافة.

توجد بعض الشبهات أيضًا في موضوع إراقة دماء هؤلاء الجنود:

لو فرضنا أن هناك جيشان: جيش إسلامي مئة بالمئة ويقاتل جيش دولة لا تحكم بما أنزل الله -سبحانه وتعالى- وجيشها من المسلمين كما كانوا يخرجون مكرهين مع التتار وهناك موجبات تمايز في الراية وهناك إعلام وإبلاغ للدعوة أن هؤلاء يريدون إعزاز دين الله تعالى وأنتم تدافعون عن وضع طاغوتي يبغض الله تعالى ففي مثل هذه الحالة إذا كان الغالب الظفر وإقامة حكم الله -سبحانه وتعالى- فما من شك أن الأمر هنا محل قبول لكن بشرط أن الذي يقول ذلك العلماء لا طلبة العلم وأشباه العوام.

لكن الأوضاع الحالية الآن التي تسمى بحرب العصابات أو ما يسمى بـ«نظرية البرغوث والكلب» فجرد مثل يعجب الإنسان فيستحل به الحرمات هل «نظرية الكلب والبرغوث» هذه آية أم حديث أم إجماع من العلماء؟!

ففي سبيل «البرغوث والكلب» تراق دماء كما هو معلوم.

ثم يستدل بعضهم بكلام العلماء في التترس وسنشرح لكم موضوع التترس:

فأصل موضوع التترس كما يذكره العلماء أن يكون المسلمون يقاتلون كفارًا فيأتي الكفار ويتترسون يتخذون درعًا كدرع الصحراء لبوش- فيتخذ درعًا بشريًا من أطفال المشركين ونسائهم الذين يحرم قتلهم هذا أصل المسألة أن يعلم الكفار أن المسلمين يحرمون قتل النساء والأطفال فيأتون بهم ويضعونهم كترس حتى يمتنع المسلمون من قتل هؤلاء.

ففي هذه الحالة قال العلماء: إذا كان الغالب احتمال الظفر وأنهم لا يقتلون إلا بقتلهم يقتل الأطفال والنساء.

صورة أخرى للمسألة وهي التي تخصنا وهو أن يكون عند الكفار أسرى من المسلمين فيتترسون بهم ولم يكن في القتال قديمًا قذائف صاروخية وطيران وإنما كان القتال في مستوى أرض- أرض.

فكانوا يتترسون بأسرى المسلمين بحيث يقولون للمسلمين: إن كان لا بد لكم من قتلنا فلتقتلوا أولًا إخوانكم هؤلاء.

ففي هذه الحالة إن كان درء هذا الخطر خطر العدو الذي لو ترك لأستأصل المسلمين جميعًا الأسرى والمسلمين في هذه البلد أو في هذا الموقع فإن كان لا يمكن مواجهتهم إلا بقتل هؤلاء الترس وإذا لم يقتل هؤلاء المسلمين ففي هذه الحالة سيصطلمون ويبيدون جميع المسلمون فإن لابد أن يقتل جميع المسلمين فلتقتل طائفة منهم وهو المتترس بهم وينقذ باقي المسلمين إن كان هذا سبيلًا متعينًا إلى الحفاظ على المسلمين فهذا أصل موضوع التترس وقال العلماء أن الذي يضرب يجتهد أن لا يصيب المسلمين.

فهذه يقيسها بعض الناس على واقعنا الآن مع عدم التمايز في الراية كما ذكرنا لم يستفض العلم بما عليه الطرف الآخر من مخالفات شرعية بحيث يصبح معلومًا من الدين بالضرورة في عموم الناس، لا يحتمل الظفر، ثم ليس التداخل في مجتمعنا بهذه الصورة بالضبط بل الصورة ابعد بكثير من موضوع التترس فصورة التترس إذا لم يقتل هؤلاء المسلمون المتترس فسيصطلم جميع المسلمين ويبادون عن بكرة أبيهم فأين هذا ن حالنا الآن حتى تستحل دم العسكري المسلم بمثل هذه الشبهة؟!.

أمر آخر:

إذا سألته عن دليله على استباحة هذه الدماء يستدل بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يبعثون على نياتهم» في حديث أخر الزمان: «يغزو جيش الكعبة حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض...»

البيداء: مكان سهل واسع في المدينة عند مسجد الحليفة فإذا وصل هذه المنطقة خسف بأولهم وآخرهم فسألت عائشة -رضي الله عنه- أو بعض الصحابة -رضي الله عنهم- أن هؤلاء فيهم من أكره وأجبر على الخروج مع هذا الجيش وفيهم عابر السبيل والمار الذي يقصد الخروج معهم فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يخسف يهم» يعني: جميعًا « ثم يبعثون على نياتهم أو: «يصدرون مصادر شتى».

فهم يقولون: «يبعثون على نياتهم» العقاب الذي حصل أو الخسف الذي حصل هل هو فعل داخل في الأفعال الشرعية أم في الأفعال الكونية القدرية؟

الله -سبحانه وتعالى- هو الذي سيخصف بهم هذه آية من آيات الله -عز وجل- ولذلك تعتبر علامة وآية خارقة على خروج المهدي كما قال كثير من العلماء.

فهذا فعل من أفعال الله -سبحانه وتعالى- كما يحصل زلزال كوني قدري بإرادة الله الكونية القدرية ويقتل كثير من الناس بما فيهم مسلمون وصالحون فكذلك هنا هذا فعل كوني قدري فهذا ليس من أفعالك وإنما أنت مكلف بأفعالك الإرادية الشرعية هذا حلال وهذا حرام، هذا أمر وهذا نهي، فالذي يدخل في ذمتك أن دماء المسلم حرمة معصومة بيقين فلا تستحلها إلا بيقين.

أما هذا الذي تقيس عليه وتستدل به : «يبعثون على نياتهم» من الذي قتلهم؟ من الذي أهلكهم وخسف بهم؟ هو الله، فهذا فعل كوني قدري وليس فعلًا شرعيًا إراديًا.

أيضًا من هذه الشبهات:

أن بعض الناس يقولون: «نحن نريد الخير، وما نريد إلا الخير، فنريد إعزاز الإسلام، ونيل الشهادة في سبيل الله -سبحانه وتعالى-».

فنذكر الإخوة بما ذكرناه في بداية الكلام نحن ما نناقش على الإطلاق الإخلاص نحن نناقش الصواب.

فقد صدرنا في بداية هذا البحث الكلام بأن لا نناقش قضية الإخلاص وإنما نناقش الصواب فالإخلاص لا يحاسب عليه إلا الله -سبحانه وتعالى- لأنه هو الذي يطلع على النوايا في القلوب.

أما نحن فلا نحكم إلا بما يظهر لنا وكم من مريد للخير إلا أنه لا يبلغه يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : تعالى: «والله تعالى لا يأمر بأمر لا يحصل به صلاح الدين ولا صلاح الدنيا وإن كان فاعل ذلك من أولياء الله المتقين ومن أهل الجنة».

يعني حتى الذي يريد صلاح الدين وصلاح الدنيا لكن يترتب على فعله فساد حتى ولو كان من أولياء الله الصالحين فالله لا يرضى عن فعله هذا.

يقول: «والله تعالى لا يأمر بأمر لا يحصل به صلاح الدين ولا صلاح الدنيا وإن كان فاعل ذلك من أولياء الله المتقين ومن أهل الجنة فليسوا أفضل من علي وعائشة وطلحة والزبير وغيرهم ومع هذا لم يحمدوا ما فعلوه من القتال وهم أعظم قدرا عند الله وأحسن نية من غيرهم» فهل يشك أحد في نية عائشة ومعاوية وعلي والصحابة الذين [تقاتلوا في الجمل وصفين] بل يحفظ لهم قدرهم -رضي الله عنهم- ومع ذلك خطئوا، [وهذا الخطأ ] إن وقع فيه بعض السلف لكن هذا لا يصلح مسوغًا أن يقع فيه من بعدهم.

[يقول شيخ الإسلام: «وكذلك أهل الحرة كان فيهم من أهل العلم والدين خلق وكذلك أصحاب ابن الأشعث كان فيهم خلق من أهل العلم والدين والله يغفر لهم كلهم»] وقد استقر الأمر بعد ذلك على منع الخروج على الإمام الجائر الظالم بعدما كانوا مختلفين أولًا بل أجازه بعضهم وبالفعل خرج لكن منعوا منه لما رأوا من تجارب الخروج ما حصل لا توجد ثمرة مجدية من جراء ذلك بل حصل الفساد والفتن كما هو معلوم.

[بل انظر في هذا ] المنهج المتعجل من أفلح أن يجني ثمرة وأن يقيم دولة إسلامية على مستوى الرقعة الإسلامية كلها؟!

بل انظر إلى تجربة أفغانستان قامت الدولة ثم ماذا؟ فالقضية ليست دولة فحسب لكنها أبعد من ذلك كما سنبين إن شاء الله تعالى.

فالاجتهاد والتأويل بابه واسع قد يصير بصاحبه إلى أن يرى الحرام حلالًا بل يعتقد وجوب قتل المعصوم فمثل هذا أي الاجتهاد أو التأويل لا يصلح موضعًا للاقتداء والتأسي بل العمدة هو ما تبين لنا من أدلة الشريعة.

أيضًا لا بد أن سنتحضر سنن الله -سبحانه وتعالى- التي أودعها في هذا الكون سواء السنن الشرعية أو الكونية القدرية التي لا تحابي أحدًا فلا بد من احترام هذه السنن جميعًا سنن الكون وسنن الشرع.

سنن الكون: القوانين التي نسميها خطأ «قوانين الطبيعة» ولا يصح أن تسمى بذلك بل هي سنن الله -سبحانه وتعالى- ولا بد من احترامها وهي لا تحابيك كما ذكرنا مثالًا من قبل لذلك هل لأن فلانًا من الناس رجل تقي صالح ومحسن ومتصدق وبار بوالديه وداعٍ إلى الله -سبحانه وتعالى- هل إذا قفز من الطابق العاشر اختصارًا للطريق ويقول: «لأني من أولياء الله لا يمكن أن يصيبني أذى» هل ستحابيه هذه السنن أم ستجري عليه هذه السنن التي نسميها الجاذبية وغيرها بل ستسري كل القوانين عليه ولن يستطيع منها فكاكًا.

كذلك السنن الشرعية فالرسول -صلى الله عليه وسلم- كان مؤيدًا بالوحي ومع ذلك قال للصحابة حينما أتوه وشكوا له أذى المشركين قال لهم: «ولكنكم تستعجلون» وهذا المثل مضروب لهذه الأمة من قبل كما قال الله -سبحانه وتعالى- ﴿وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾ [الفتح: 29]

فلا بد فقد بدأ الإسلام غريبًا ثم بدأ ينمو رويدًا رويدًا كسنة من سنن الله -سبحانه وتعالى- في خلقه.

وكذلك الإنسان إذا تزوج فأراد أن ينجب ولدًا هل يمكن أن يتعجل خلال شهرين ويستخرج هذا الولد؟!

فكذلك أمور الدعوة كأي كائن حي لا بد أن تنمو نموًا طبيعيًا بحيث تستطيع أن تصمد أمام أعدائها.

فالشاهد من هذا كله أنه لا بد من احترام السنن خاصة وأن بعض الإخوة المخالفين في هذا الأمر ينظر إلى كل ما دون الصدام المسلح نظرة الاحتقار والازدراء وأن هذا عبث وينظر إليهم من عل باستكبار، مع أن الدعوة في الحقيقة مثمرة ولا يستطيع أحد أبدًا أن يقول أن الدعوة عقيمة فبفضل الله -سبحانه وتعالى- رغم التقصير الشنيع الموجود عند الدعاة وعند الإخوة الملتزمين سواء على مستوى أسرهم أو جيرانهم أو نشاطهم في مجلات الدعوة ومع ذلك الدعوة تسري بتوفيق الله بهذا الوضع الذي ترون، فالدعوة مثمرة ثمرة ملموسة ليست ثمرة وهمية أو خيالية.

إذا رجعنا إلى الوراء عشرين سنة فقط أو قل ثلاثًا وعشرين سنة على الأكثر ما كان يرى في الشارع رجل واحد ملتحٍ لا يرى ملتحيًا إلا قسيس وقليل من أنصار السنة ولذلك كان الإخوة في بداية إعفاء لحاهم كان الأطفال يجرون وراءهم ويرمونهم  بالحجارة وينشدون الأناشيد المعروفة التي يشتمون بها القساوسة وينادي بعض بعضًا: تعالوا هناك قسيس يمسي بالشارع لأنه ملتحٍ بفضل الله -سبحانه وتعالى- صارت اللحية رمز التطرف ورمز الإسلام.

كذلك الحجاب ما كان يعرف الحجاب على الإطلاق بل كان هناك أخت واحدة في الإسكندرية كلها محجبة كانت تحضر في الشبان المسلمين كلها في أواخر الستينات وكان حجابها حجابًا نصفيًا إلى أسفل الركبة بشيء قليل وكان بعض الناس يحضر ليروا أختًا محجبة والنساء العجائز.

إلى أن صار الأمر الآن كما ترون، فهل قام الأزهر بدوره ونشَر الدعوة بهذه الطريقة؟! هل وظفت الحكومة الدعاة ونشرتهم في الآفاق وفرشت لهم الطريق بالورود؟!  ما هو إلا جهد فعلي للدعوة، إخواننا في الصعيد لو أنهم استمروا على التربية وعلى الدعوة ما من شك والله تعالى أعلم أن الثمرة كانت ستكون أعظم من هذا الذي حصل من التعجل والصدام بهذه الطريقة.

فالشاهد أننا حينما نتكلم عن الدعوة نقول بأن هذا أمر مثمر في الحقيقة وثمرته يشهد بها كل إنسان منصف ليس نشاط الدعوة والتعليم والتربية والتهذيب ليس عبثًا وإنما هو خطوات عملية على الطريق الصحيح كما ذكرنا.

أيضًا بالنسبة لبعض هذه المسالك وكما أشرت من قبل لا تنظروا إلى المصالح العاجلة ولا تنظروا إلى الثمرات العاطفية لكن المفروض أن يكون النظر إلى ثمرات أبعد من هذا.

يحصل من بعض هذه المسالك - وقد حصل بالفعل- نوع من التشهير وإعطاء العالمانين وأعداء الإسلام ورقة رابحة فيجاد وبث العزلة بين الدعاة إلى الله -سبحانه وتعالى- وبين الناس فأضرار هذا المسلك الحالي الذي نصِّر على استنكاره هذه قناعة تعلمناها من العلماء وليس هذا الكلام من كيسنا لكن هذا كلام أهل العلم.

فالارتجال والسطحية والاندفاع يثير سخط القاعدة العامة من المسلمين فضًلا عن العالمانين بجانب أن بعض هذه التصرفات - بل كلها- الظفر فيها غير متوقع، ولا يوجد شخص واحد فقط يقر أن هذه التصرفات يمكن أن تقيم دولة إسلامية بأي حال من الأحوال.

بجانب أن وصل الأمر في بعض الظروف إلى أن يفتح الباب للأعداء لكي يصطادوا في المياه العكرة ونحن لن ننسى أبدًا ما حصل من الموساد في الحوادث الأخيرة التي استهدف فيها مدنيون بالدرجة الأولى كحادثة تفجير سيارة الدكتور عمر عبد العزيز حفظه الله وغير ذلك من الحوادث التي أصابت تجمعات مدنية ولا يمكن أن يكون الإخوة قد فعلوا هذا بل نشر بعض المسئولين الأمنيين في الجرائد أن هذا كان عن طريق الموساد.

بل نشرت بعض الجرائد أن الحكومة المصرية طلبت من عصابة اليهود أن يسلموها أشخاصًا معروفين هم الذين خططوا لذلك تحت إشراف السفارة الصهيونية في الإسكندرية ومع ذلك رفضت إسرائيل أن تسلم هؤلاء بحجة أنه لا علاقة لهم بالتفجيرات التي حصلت.

بجانب الإضرار بالضعفاء والذراري ويا ليتها في سبيل مصلحة كقاعدة التترس.

كذلك أمر مهم جدًا وهو وجود القبول العام في حس الأمة لهذه التصرفات وذكرنا من قبل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقتل عبد الله بن أبي ابن سلول عندما قال ﴿لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ [المنافقون: 8]

ولم يستجب النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمر لما قال له: «دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق» فقال -صلى الله عليه وسلم-: «فكيف إذا تحدث الناس يا عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقتل أصحابه؟!».

وذلك لأن شرعية مثل هذا القتل لم تبلغ في حس العامة مبلغًا يقطع الألسنة من التخرص في القيل والقال بل تكون بابًا من أبواب الصد عن سبيل الله عندما تفسر على غير وجهها.

أشرنا أيضًا إلى أمر مهم جدًا وهو أن ساحة الدعوة مشتركة فينبغي أن يراعى عدم الإضرار بالجماعات التي تعمل في نفس الساحة أو عرقلة دعوتها إلى الوراء وإن كان هذا بحمد الله قد خف كثيرًا في الآونة الأخيرة.

ذكر بعض العلماء الذين تكلموا في هذا الموضوع تساؤلًا فقال: «إن الاستئثار بتصرف ينتج عنه تبعات يتحملها فريق من المؤمنين لم يتحملوا بهذه القناعة وتعريضهم للفتنة في الدين بحيث لا تتوقف المحرقة حتى يعثر بالفعل على من قاموا بهذه الأفعال يقول: «فهل يحل لهؤلاء أن يفدوا أنفسهم بفتنة هؤلاء الآلاف أم يتعين عليهم أن يبرزوا ويعلنوا مسئوليتهم فيصونوا الأبرياء وأعراض الحرائر المحصنات؟!».

يقول: إن كان ولا بد أن يفعل شيئًا من هذا فليقف وليقل: أنا الذي فعلت وأنا الذي أتحمل النتيجة في سبيل الله أما أن يفعل الذي يفعل ويفر ثم تحصل الفتن والمسلسل المعروف بما في ذلك الأذية للنساء وذراري وأبرياء ما يحصل.

ثم ذكر بعض جواب هؤلاء فقال: «قد يقولون: الجهاد لا يعرف الاستئسار بل نقاوم حتى النهاية» الاستئسار: أن يسلم الإنسان نفسه بنفسه.

«فبالتالي لا يكون هناك اعتبار بفتنة الآخرين بسبب فرارنا واختفاءنا وعليهم الصبر على ما يلقونا».

فأجاب هذا العالم أو الداعية بقوله: «أنتم تخلطون بين صيانة أنفسكم وصيانة العمل نفسه فالله يقيض للدعوة من يحمل لواءها»

لا تخافوا على الدعوة فالله حافظها «لكنه يجب الموازنة بين المصلحة المجلوبة من فعله وبين ردود الأفعال المتوقعة ليختار خير الخيرين ويدفع شر الشرين ولا يجوز أن يفتدي نفسه بفتنة غيره إلا برضاه»

كما ذكرنا من قبل أن هذه قاعدة من وقاعد الأمر بالمعروف والني عن المنكر «وإذا كان الأمر يصل أحيانًا إلى الاعتداء على الأعراض فمعروف أن العرض أغلى من الحياة فأذية المستضعفين رجالًا ونساء ليست هدفًا مقصودًا لذاته وإنما تكون وسيلة للضغط حتى يسلم الفاعل نفسه كما هو معلوم، فما من شك أن هذا ينبغي أن يراعى في الحسبان.

أيضًا من الأمور التي نلفت النظر إليها واعتبروه مثالًا ولا أقول أن أحدًا بعينه يفعل هذا لكن يراعي مثلًا:

لو أن أناسًا في مكان ما ويشربون الخمر هل حكم الشرع في مثل هؤلاء أن يفجر عليهم المكان؟ أو ناس موجودون في السينما هل من شرع الله -سبحانه وتعالى- عقوبة لهؤلاء أن تفجر السينما وتقتل مئات الناس؟ هم فسقة بوجودهم في هذا المكان المريب لكن هل عقوبتهم الشرعية أن يقتلوا؟!

فهذه أيضًا من الأمور التي نقول فيها إنه ليس من رسوم فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تدك أماكن المعصية على رءوس أصحابها بل لا بد من الإعذار والإنذار والدفع بالأهون فالأهون وليس له أن يستخدم في الدفع ما زاد على قدر الحاجة.

فهذه هي عامة النقاط التي كما نود الكلام فيها، وبقي موضوع مهم جدًا وهو:

ما هو واجب الوقت؟ ما هو البديل؟ ما هو الطريق؟

وهذا بلا شك موضوع حيوي إلى حد بعيد ويستلزم محاضرات مستقلة فيما بعد لا نستطيع أن نحدد الوقت بالضبط لكن بإذن الله يكون في ذلك [بيان] ما هو المنهج الصحيح إذا كنا متفقين على حتمية التغيير وعدم الرضا عن واقع الأمة فما هو هذا المنهج؟ وقد حصل كلام كثير في هذا الباب لكن نكتفي في هذا البحث ونقف عند هذا الحد ونلخص ما انتهينا إليه.

وأرجو أن يعذرنا الجميع في هذا الكلام لأنه من واجبنا وليس فقط من حقنا بل هو واجب علينا توعية إخواننا وبالتالي إذا كان هناك أي خطأ في هذا الكلام فنرجو أن يرد عليه أو يأتينا الإخوة بحجة علمية ويا حبذا لو كان كلامًا منقولًا من نصوص أهل العلم المعتبرين المعروفين وليس مجرد كلام يلقى بالعواطف أو بدون علم أو بدون دليل، فإذا كان أي كلام تكلمنا به في هذه القضايا يخالف الحق فنقبل النصيحة إن شاء الله من إخواننا.

نلخص النقاط التي عالجناها في هذا المبحث:

تكلمنا أولًا عن شرعية الجهاد وذكرنا أن الجهاد الشرعي بأقسامه لا يختلف فيه اثنان وهو وظيفة الأمة بسائرها.

وقلنا أن الجهاد الشرعي اصطلاحًا      عند الإطلاق ينصرف إلى مقاتلة الكفار لإعلاء كلمة الله تعالى والمعاونة على ذلك.

وقلنا إن الجهاد الشرعي لا يذم في أي حال من الأحوال فالجهاد الشرعي الاصطلاحي محمود على كل حال حتى ولو دخل مسلم واحد بنفسه وغامر بها وسط صفوف المشركين وهو يعلم أنهم سيمزقونه إربًا فهذا يحمد على ذلك وهذا من أفضل الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى كما هو معلوم في حديث أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- لا نسمي هذا إلقاء بالأيدي إلى التهلكة بل هذا شجاعة إذ فيه كسر لقلوب الكفار وإظهار شجاعة المسلمين وتقوية لإخوانه المؤمنين.

فالجهاد الشرعي ضد الكفار وضد أعداء الدين لا يذم بحال من الأحوال.

أيضًا نبهنا إلى وجوب التفريق بين الجهاد الاصطلاحي الشرعي وبين الخروج على الحاكم فإن الجهاد الشرعي كما ذكرنا له أحكامه وله آثاره ومحمود على كل حال.

أما الخروج على الحاكم فقد يحمد وقد يذم فليس له حكم واحد.

قلنا: إن القتال بين المسلمين إذا كان طرفا الجهاد مسلمين فإنه لا يسمى جهادًا بل يسمى كما سماه القرآن ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ ولم يقل: «تجاهدوا» ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ ثم قال﴿فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ﴾[الحجرات: 9]  ما قال: «تجاهدوا» فالقتال بين المسلمين يسمى قتالًا لا يسمى جهادًا أو أحيانًا يسمى فتنة.

ذكرنا نماذج من الخلط بين الأوراق:

[هنا فراغ لمدة دقيقة تقريبًا في الشريط الخامس وبه ينتهي الشريط]

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

ربما يهمك أيضاً

رسالة من غريق
1907 ١٢ يناير ٢٠١٧
آداب التخلي -3
2391 ٠٨ ديسمبر ٢٠١٦
آداب التخلي -2
1863 ٠١ ديسمبر ٢٠١٦
البيع بالتقسيط
2843 ١٧ نوفمبر ٢٠١٦
السيرة البازية
1480 ١٠ نوفمبر ٢٠١٦