الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

(نصيحة موضوعية للتيارات الجهادية (7

دفع الصائل

(نصيحة موضوعية للتيارات الجهادية (7
محمد إسماعيل المقدم
الخميس ١٩ فبراير ٢٠١٥ - ١٨:٠٧ م
1686

نصيحة موضوعية للتيارات الجهادية (7)

د. محمد إسماعيل المقدم

المحاضرة السابعة

روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان في «صحيحه» عن سعيد بن زيد -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما تعدون الشهيد فيكم؟» قالوا: «من قتل في سبيل الله» قال: «إن شهداء أمتي إذن لقليل» قالوا: «فمن هم يا رسول الله» فقال -صلى الله عليه وسلم-: «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد» وهذا الحديث رمز له السيوطي بالحسن وقال أيضًا في حقه: «هو حديث متواتر».

أما قوله -صلى الله عليه وسلم-: «من قتل دون ماله» أصل دون: عند ماله وكلمة دون في الأصل ظرف مكان تقول جلست دونه يعني في مكان أقل منه فدون ظرف مكان بمعنى: أسفل وبمعنى: تحت واستعملت هنا بمعنى لأجل «من قتل دون ماله» يعني لأجل ماله التي هي للسببية لأن الذي يقاتل على ماله كأنه يجعله خلفه أو تحته ثم يقاتل عليه هذا ذكره جمع من العلماء.

والمقصود من قوله -صلى الله عليه وسلم-: «فهو شهيد» يعني في حكم الآخرة لا في أحكام الدنيا فلا تطبق عليه أحكام الشهيد الدنيوية فالشهيد لا يغسل ولا يصلى عليه ويدفن بدمائه إلى غير ذلك من الأحكام الخاصة بالشهيد أما غير ذلك فحطم الشهادة له في الآخرة لا في الدنيا.

فالمقصود بالحديث أنه له ثوابًا كثواب شهيد مع ما بين الثوابين من التفاوت فهناك ثواب عظيم بين من يجاهد في سبيل الله ويقتل في ساحة القتال وبين هذا الذي يقتل دون ماله أو عرضه أو دينه إلى آخره.

وذلك الحكم له بالشهادة لأنه محق في القتال كما أنه مظلوم بطلب هذه الأشياء منه سواء كان غصب ماله أو انتهاك عرضه أو إراقة دمه أو غير ذلك.

وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «ومن قتل دون دمه» يعني: في حالة الدفع عن نفسه كشخص يصول عليه بالقتل فيدفع عن نفسه.

«ومن قتل دون دينه» المقصود من قتل في نصرة دين الله والذب عنه وقتال المرتدين لأن المرتدون صائلون على الدين «فهو شهيد».

«ومن قتل دون أهله» أي في الدفع عن بضع حليلته أو قريبته يعني العرض والشرف «ومن قتل دون أهله» أي: مدافعًا عن أعراضهن «فهو شهيد» أي: في حكم الدنيا لا في حكم الآخرة، لأن المؤمن بإسلامه محترم له حرمة- ذاتًا ودمًا ومالًا وأهلًا فكل هذه حرام من المؤمن ينبغي أن تحترم ولا تنتهك فإذا أريد شيء منه من ذلك جاز له الدفع عنه أو وجب على الخلاف المعروف لأن هذه مسألة أخرى هل الدفاع الشرعي في هذه الحالات واجب أم أنه حق (جائز فقط)؟

يفضل في تناول هذه المسألة أن تتناول كل مسألة على حدة فإن للعلماء خلافًا في ذلك وتفصيلًا وضابط هذا الأمر - أمر الدفع- أنه يدفعه دفع الصائل فلا يصعد إلى رتبة وهو يرى ما دونها كافيًا كما سنبين إن شاء الله تعالى بالتفصيل.

فإذا أدى هذا الدفاع - المتدرج الذي يحترم الشروط الموجودة في فقه دفع الصائل- إلى قتله فهو هدر  - يعني: لا قصاص على القاتل لأنه كان في حالة دفاع عن النفس-. هذه بعض التنبيهات اليسيرة فيما يتعلق بهذا الحديث الشريف.

تنبيه:

كلمة «الدم» مخففة الميم وليس كما ينطقها الناس «دمٌّ» بالتشديد إلا في لغية ضعيفة.

أيضًا هذا الحديث هو العمدة والأساس في باب معروف في أبواب الفقه هو «باب الدفاع الشرعي» أو ما يعبر عنه في الفقه بتعبير «دفع الصائل» أي ما هي الضوابط التي تحكم الإنسان إذا صال أو اعتدى أحد على شيء من هذه الأشياء المحترمة وقد خصص له الدكتور وهبة الزحيلي أستاذ الشريعة الإسلامية في كلية الشريعة والحقوق ورئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه بجامعة دمشق سابقًا في رسالته: «نظرية الضرورة الشرعية» فصلًا مستقلًا مقارنة مع القوانين الوضعية.

يقول في هذا الفصل الذي وضح فيه شروط وضوابط دفع الصائل: «إذا اعتدى إنسان على غيره في نفس أو مال أو عرض أو صالت عليه بهيمة» لأن الصيال والعدوان لا يشترط للإنسان بل يمكن أن تصول عليه بهيمة «فللمعتدى عليه أو لغيره أن يرد العدوان بالقدر اللازم لدفع الاعتداء حسب تقديره في غالب ظنه مبتدئًا بالأخف فالأخف إن أمكن، فإن أمكن دفع المعتدي بكلام واستغاثة بالناس حرم عليه الضرب وإن أمكن الدفع بضرب اليد حرم عليه استعمال السوط، وإن أمكن استعمال السوط حرم استعمال العصا، وإن أمكن الدفع بقطع عضو حرم القتل لأن ذلك جوز للضرورة استثناء من قاعدة: «الضرر لا يزال بالضرر».

وأصل هذه القاعدة حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «لا ضرر ولا ضرار»  وهو خبر يقصد به النهي عن أن يضر الإنسان الآخرين ابتدءًا ونهي عن أن يقابل إضرارهم بإضرار فهذا هو الضرار فأخذ من هذا الحديث قاعدة أن الضرر يزال ثم فرع عليها العلماء عدة قواعد فالضرر يزال قالوا: «لكن لا بضرر» فيزال الضرر من دون إيقاع ضرر، فإذا كان هناك ضرر ومنفعة فدرء الضرر مقدم على جلبة المنفعة وإذا كان هناك احتمال أن يقع ضررين وأحدهما أشد من صاحبه فيرتكب الضرر الأخف دفعًا للأشد.

«ولا ضرورة في الأثقل» فليس هناك ضرورة تلجئك إلى أن تستعمل الأثقل والأشد كقطع العضو مع إمكان دفعه بالضرب.

«ولا ضرورة في الأثقل مع إمكان تحصيل المقصود بالأسهل» ما دام يمكنك أن تدفع عن نفسك أو مالك أو عرضك بالشيء الأسهل لا تنتقل إلى ما هو أشد وأثقل لأن هذا يجوز في حالة الضرورة وهذه ليست ضرورة ما دمت تستطيع دفعه بما هو أخف.

 يقول: « ومن المعلوم أن الضرورة تقدر بقدرها حتى إنه إن تمكن المعتدى عليه أو المصول عليه من الهرب أو الالتجاء لحصن أو جماعة فيجب عليه ذلك عند الشافعية وفي وجه عند الحنابلة ويحرم قتال المعتدي أو الصائل».

بحيث إذا كان يستطيع أن يحرز نفسه أو أهله أو ماله في مكان بحيث لا يناله هذا الصائل فالشافعية يوجبون عليه أن يلتجئ لهذا المكان ولا يدفعه بالقتل أو غيره وهو وجه عند الحنابلة.

يقول: «وهو يحرم في هذه الحالة» يعني قتال المعتدي أو الصائل «لأن المعتدى عليه مأمور بتخليص نفسه بالأهون فالأهون وبما أن الهرب ونحوه أسهل من غيره فلا يلجأ إلى الأشد قال العز بن عبد السلام : تعالى: «إذا انكف الصوال عن الصيال» يقال: صال الفحل صولًا وصيالًا يعني إذا وثب البعير على الإبل يقاتلها وصال عليه: يعني استطال فمن يعدو على الناس ويقتلهم يقال له: صائل.

يقول العز :: «إذا انكف الصوال عن الصيال حرم قتالهم وقتلهم» ما داموا قد توقفوا عن العدوان على النفس أو المال أو الأرض.

«والدليل على مشروعية هذا المبدأ قوله -سبحانه وتعالى- ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ﴾يعني ولا تزيدوا على هذه المثلية ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 194]  

فالأمر بالتقوى دليل على ضرورة التدرج في الأخذ بالأخف أما السنة فقد ذكرنا حديث سعيد بن زيد الذي صدرنا به الكلام في هذه المسألة بجانب جملة أخرى من الأحاديث مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: «من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه فهذه عين هدر لأنها عين خائنة لأن الاستئذان إنما شرع من أجل البصر فلا يقع على عورات البيوت فإذا كان هذا يدخل بعينه عن طريق النظر من خلال الثقوب أو غير ذلك لأن العبرة بوضع الأبواب والستائر وتشريع الاستئذان هي كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «إنما جعل الاستئذان من أجل البصر».

فإذا هو انتهك حرمت البيت بامتداد عينه الخائنة إلى عورات الناس في بيوتهم ففقئوا عينه لنظره من هذا الثقب فإن عينه هدر ولا قصاص في هذه الحالة لأنه معتدٍ بانتهاك حرمة الآخرين «من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه» فهذا نوع من الصيال والعدوان على الناس.

من هذه الأحاديث أيضًا:

أن رجلًا عض يد رجل فنزع يده من فيه فوقعت ثنيتاه فاختصموا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «يعض أحكم يد أخيه كما يعض الفحل لا دية لك» لأنه هو الذي يعض يده وهو يدفع عن نفسه تخليصًا لنفسه، فلذلك أهدر هاتين الثنيتين ولم يوجب عليه الدية.

وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  فقال: «يا رسول الله أرأيت إن عدي على مالي؟» قال: «فانشد الله» أي: استحلفه بالله أن يتركك ومالك ولا يعتدي عليك قال: «فإن أبوا علي؟» فعلت ذلك فأبوا وأصروا أن يعتدوا على مالي قال: «انشد الله» قال: «فإن أبوا علي؟» قال: «فانشد الله» قال: «فإن أبوا علي؟» قال: «فقاتل فإن قتلت ففي الجنة وإن قتلت ففي النار» الذي قتلته يكون في النار.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : تعالى [فراغ في الشريط الخامس لمدة دقيقة].

وروي يعلى بن أمية -رضي الله عنه- قال: «كان لي أجير فقاتل إنسانًا فعض أحدهما صاحبه فانتزع أصبعه فأندر ثنيته» أزال ثنيته وهي الأسنان التي في مقدم الفم ثنتان من فوق وثنتان من أسفل «فأندر ثنيته فسقطت فانطلق إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأهدر ثنيته وقال: «أيضع يده في فيك تقضمها كما يقضم الفحل؟!» هذا فيما يتعلق بمبدأ الدفاع الشرعي عن النفس.

يدخل في دفع الصائل وفي الدفاع الشرعي الدفاع عن الغير والدليل على جوازه وأساس هذا المبدأ الحفاظ على الحرمات مطلقًا من نسل أو مال.

وكلمة المعصوم أو المحترم تشمل اثنين:

المسلم، والذمي لأن عهد الذمة الذي يعقده الإمام لأهل الذمة ينبغي أن يحترم ولا ينتهكه أحد.

فيعتبر محترمًا أو معصومًا بمعنى أنه لا يجوز الصيال والاعتداء على ماله أو عرضه ... إلى آخره.

فأساس هذا المبدأ الحفاظ على الحرمات مطلقًا من نفس أو مال ولولا التعاون لذهبت أموال الناس وأنفسهم وقال -صلى الله عليه وسلم-: «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا» قيل: «كيف أنصره ظالمًا؟!» قال: «تحجزه عن الظلم فإن ذلك نصره».

وروي عنه -صلى الله عليه وسلم-أنه قال: «من أذل عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذله الله على رءوس الأشهاد يوم القيامة» هذا فيما يتعلق بمشروعية مبدأ الدفاع عن النفس أو عن الغير.

أما الدفاع الشرعي فتعتبر أفعال الدفاع مباحة باتفاق الفقهاء فلا مسئولية على المدافع من الناحيتين المدنية والجنائية إلا إذا تجاوز حدود الدفاع المشروع فيصبح عمله جريمة يسأل عنها مدنيًا وجنائيًا ويحاكم من أجلها ويعاقب ويتحمل المسئولية.

أما شروط دفع الصائل شروط الأخذ بهذا المبدأ وتطبيقه-:

ذكر هنا أربعة شروط:

أولًا: أن يكون هناك اعتداء في رأي جمهور العلماء وعند الحنفية أن يكون الاعتداء جريمة يعاقب عليها وعلى فممارسة حق التأديب من الأب أو الزوج أو المعلم وفعل الجلاد لا يوصف بكونه اعتداء.

فإذا كان الأب يؤدب ابنه عن طريق الضرب «واضربوهم عليها لعشر» هل معنى ذلك أن يدافع الولد ويقول: «أبي يصول علي»؟! لا، كذلك المدرس إذا كان يؤدب تلميذه هذا لا يسمى اعتداء بل هو ممارسة لحق التأديب، كذلك جواز ضرب المرأة الناشز المعروف بشروطه فهذا أيضًا لا يسمى صيالًا وعدوانًا، كذلك فعل الجلاد  - وهو موظف الدولة الإسلامية الذي يقوم بإقامة الحدود- فالحاكم أو القاضي يأتيه بالشخص الذي يستحق الجلد حدًا أو تعذيرًا فيطبق أمر الخليفة أو أمر القاضي فمثل هذا لا يسمى اعتداء.

كذلك فعل الصبي والمجنون وصيال الحيوان لا يوصف بكونه جريمة عند الحنفية.

الشرط الثاني: أن يكون الاعتداء حالًا يعني واقعًا بالفعل لا مؤجلًا ولا مهددًا به فقط.

أي يريد أن يعتدي بالفعل ليقتلك أو ليسرق مالك أو غير ذلك ويكون الفعل واقعًا في الحال لا مجرد تهديد كأن يقول سأفعل بك كذا أو سآخذ مالك سأقتلك فمجرد التهديد لا يثبت في هذا الباب فلا بد أن يكون الاعتداء حالًا أي واقعًا بالفعل لا مؤجلًا ولا مهددًا به فقط.

الشرط الثالث: أن لا يمكن دفع الاعتداء بطريق آخر فإذا أمكنه ذلك بوسيلة أخرى كالاستغاثة والاستعانة برجال الأمن فهو معتدٍ.

يعني: ما دام عنده سعة في دفع الصائل بشيء أسهل لا يجوز له أن ينتقل إلى الأخف وإلا يكون ظالمًا آثمًا.

الشرط الرابع: أن يدفع الاعتداء بالقوة اللازمة لدفعه يعني بالقدر اللازم لرد الاعتداء بحسب ظنه، بالأيسر فالأيسر كما بينا.

أسئلة الإخوة والجواب عنها [وهي أسئلة عامة لا تعلق لها بموضوع البحث]

تم الكلام وربنا محمود ***وله المحامد والعلا والجود

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليمًا كثيرًا

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

ربما يهمك أيضاً

رسالة من غريق
1906 ١٢ يناير ٢٠١٧
آداب التخلي -3
2390 ٠٨ ديسمبر ٢٠١٦
آداب التخلي -2
1862 ٠١ ديسمبر ٢٠١٦
البيع بالتقسيط
2842 ١٧ نوفمبر ٢٠١٦
السيرة البازية
1479 ١٠ نوفمبر ٢٠١٦