الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

حكم دخول البرلمان المصري بين الشرع والواقع

مع وجود شروط موضوعة لذلك، من شرط نسبة عددية بالقائمة لغير المسلمين، ونسبة أخرى للمرأة

حكم دخول البرلمان المصري بين الشرع والواقع
خالد فوزي حمزة
الاثنين ٢٣ فبراير ٢٠١٥ - ١٧:٣٩ م
3071

بسم الله الرحمن الرحيم

دخول البرلمان

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه..

أما بعد ..

فقد ورد سؤال عن شرعية دخول الأحزاب التي لها مرجعية إسلامية للبرلمان المصري، مع وجود شروط موضوعة لذلك، من شرط نسبة عددية بالقائمة لغير المسلمين، ونسبة أخرى للمرأة.

مع الجزم بأن الدخول يكون تقليلا للمفاسد أو مظنة ذلك، ومع عدم الدخول تتاح الفرصة لغيرهم أن يتلاعبوا بالقوانين، وربما يعملون على تغيير هوية الدولة وإلغاء ما يشير للهوية الإسلامية من الدستور، غير القوانين المصادمة للشريعة.

وهذا يقتضي النظر فيه من ثلاثة نواح:

الأول: الدخول في برلمان لا يحكم بالشريعة.

الثاني: تمكين غير المسلم من ولاية ما.

الثالث: تمكين المرأة من ولاية أيضاً.

وفيما يلي مختصر لأهم دلائل هذه المسائل.

أولاً: الدخول في برلمان لا يحكم بالشريعة.

الأصل أن المسلم يتبع أمر الله تعالى في كل شيء فهو عبد لله، والشرع هو ما أظهره الله تعالى لعبادة من الدين، فهو ما كان مستفادا من كلام الشارع بأن أخذ من القرآن، أو السنة، فالتشريع بهذا المعنى لا يكون إلا لله، وهذا مبدأ من المبادئ التي استقرت في الشريعة الإسلامية، قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} (سورة الأنعام: آية 57)، وقال نبي الله يوسف r: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (سورة يوسف: آية 40)، وقال نبي الله يعقوب r: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}، (سورة يوسف: آية 67)، ولأجل هذا نعى القرآن على من يحكم بغير حكم الله، قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشُّورَى: 21]، وقال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (سورة المائدة: آية 44)، وقال وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (سورة المائدة: آية 45)، وقال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (سورة المائدة: آية 47)، وأمر الله نبيه r  بذلك فقال: { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ } (سورة الْمَائِدَةِ، آية :49)، وقال تعالى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (سورة الأحزاب، آية: 36)، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (سورة النِّسَاءِ، آية:65)، وَفِي الْحَدِيثِ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ". وَلِهَذَا شَدَّدَ فِي خِلَافِ ذَلِكَ، فَقَالَ: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا} ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (سورة النور، آية:63).

فهذه النصوص قطعية الثبوت والدلالة تدل على وجوب تحكيم أمر الله في كل شؤون الحياة، وبين تعالى أن المعرض عن هذا هم المنافقون فقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} (سورة النساء، آية: 60، 61)، وقد نقل الإجماع على ذلك أبو محمد بن حزم في كتابه مراتب الإجماع (ص: 175)، قال: (وَاتَّفَقُوا أَنه لَا يحل لأحد أَن يحلل وَلَا أَن يحرم وَلَا أَن يُوجب حكما بِغَيْر دَلِيل من قُرْآن أَو سنة أَو إجماع أَو نظر). والإجماع يدل على قطعية الدلالة. فالتحاكم إلى غير الله هو تحاكم إلى الطواغيت، قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [سورة المائدة، آية 50].

فهذه العقيدة ثابتة راسخة في نفوس المؤمنين، إلا أن قد يضطر المؤمن في الدخول في أعمال مشتبهة تشمل الحق والباطل، كالمجالس النيابية في الدول التي لا تحكم بالشريعة، وكذا في أعمال القضاء فهل يجوز للمسلم الدخول في ذلك لتقليل المفاسد؟

فهذا مسألة دقيقة، وهي من باب الاجتهاد، وقد أبان شيخ الإسلام جواز ذلك بشروطه، ففي مجموع الفتاوى (19/217 وما بعدها): "وكذلك الكفار: من بلغه دعوة النبي r في دار الكفر وعلم أنه رسول الله فآمن به وآمن بما أنزل عليه؛ واتقى الله ما استطاع كما فعل النجاشي وغيره ولم تمكنه الهجرة إلى دار الإسلام ولا التزام جميع شرائع الإسلام؛ لكونه ممنوعا من الهجرة وممنوعا من إظهار دينه وليس عنده من يعلمه جميع شرائع الإسلام: فهذا مؤمن من أهل الجنة. كما كان مؤمن آل فرعون مع قوم فرعون وكما كانت امرأة فرعون بل وكما كان يوسف الصديق عليه السلام مع أهل مصر؛ فإنهم كانوا كفارا ولم يمكنه أن يفعل معهم كل ما يعرفه من دين الإسلام؛ فإنه دعاهم إلى التوحيد والإيمان فلم يجيبوه قال تعالى عن مؤمن آل فرعون: {ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا} . وكذلك النجاشي هو وإن كان ملك النصارى فلم يطعه قومه في الدخول في الإسلام بل إنما دخل معه نفر منهم؛ ولهذا {لما مات لم يكن هناك أحد يصلي عليه فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة خرج بالمسلمين إلى المصلى فصفهم صفوفا وصلى عليه وأخبرهم بموته يوم مات وقال: إن أخا لكم صالحا من أهل الحبشة مات} وكثير من شرائع الإسلام أو أكثرها لم يكن دخل فيها لعجزه عن ذلك فلم يهاجر ولم يجاهد ولا حج البيت بل قد روي أنه لم يصل الصلوات الخمس ولا يصوم شهر رمضان ولا يؤد الزكاة الشرعية؛ لأن ذلك كان يظهر عند قومه فينكرونه عليه وهو لا يمكنه مخالفتهم. ونحن نعلم قطعا أنه لم يكن يمكنه أن يحكم بينهم بحكم القرآن..".

إلى قوله: "والنجاشي ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن؛ فإن قومه لا يقرونه على ذلك وكثيرا ما يتولى الرجل بين المسلمين والتتار قاضيا بل وإماما وفي نفسه أمور من العدل يريد أن يعمل بها فلا يمكنه ذلك بل هناك من يمنعه ذلك ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها وعمر بن عبد العزيز عودي وأوذي على بعض ما أقامه من العدل وقيل: إنه سم على ذلك. فالنجاشي وأمثاله سعداء في الجنة وإن كانوا لم يلتزموا من شرائع الإسلام ما لا يقدرون على التزامه بل كانوا يحكمون بالأحكام التي يمكنهم الحكم بها"اهـ.

ثانياً: تمكين غير المسلم من ولاية ما.

غير المسلم في بلاد الإسلام لا يتمتع بالجنسية الإسلامية، فهو ليس عضواً في الأمة الإسلامية، بل هو مرتبط مع الأمة الإسلامية بمعاهدة أو عقد الذمة الذي يمنحه التمتع بحقوق الإنسان كاملة.

لكن يمنع غير المسلم من الترشح لرئاسة الدولة، والولايات العامة، فلا يكون والياً على المسلمين ولاية عامة،  لقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141].

كما إن الاستعانة بأهل الكتاب في جهاد الكفار لا تجوز، لأنه يشملها قوله r: "إنا لا نستعين بمشرك " ولفظ مسلم: "فارجع فلن أستعين بمشرك". إلا أن النبي r استعان في الهجرة بعبد الله بن أريقط الليثي، ولم يكن مسلما، ولا وجد من طريق صحيح أنه أسلم بعد ذلك، وكان مستأجرا، وحديثه في السير، وصححه الحاكم على شرط مسلم، ولذا فقد قال بعض العلماء أن المنع في القتال، أو لعدم الوثوق فيهم، أو رجاء أن يسلموا، ونحو ذلك، علماً أن أمر الهجرة أشد، لأن جائزة قريش مائة من الإبل، ومع ذلك كان هذا الدليل أميناً رغم شركه.

وقد جاء تقسيم الناس في كتاب الله إلى ثلاثة أقسام: مؤمن وكافر ومنافق، كما في أول سورة البقرة، وغيرها، فكل من قسم الناس على غير هذا التقسيم فليس قوله صائباً، بل لا يخلو عن الإثم.

وقد يظن كثير من الناس لغلبة الجهل أنه إذا قلنا عن النصراني أو اليهودي: "إنه كافر" أن يكون هذا مرادفاً لحل دمه، وهذا من غلبة الجهل، ولذا يتعلقون بأنهم أهل كتاب وليسوا كفاراً، فإذا قيل لهم فالوثنيون من اليابانيين والصينيين كفار فهل يحل دمهم، فيقولون: لا ، لأجل العقود بيننا وبينهم، وهذا كله من الجهل بآثار الشريعة، وقد قدمت أن الناس في كتاب الله ثلاثة، مؤمن وكافر ومنافق، فكل من لم يؤمن برسالة نبينا محمد r فهو كافر، لكن أهل الذمة أبيح لنا معهم التعايش، وأكل ذبائحهم، ونكاح نسائهم، قال تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} [المائدة: 5].

ونحن نتصور أن يتزوج المسلم من ذمية، فكيف تكون علاقته معها ومع أحمائه؟؟ إن الزواج نوع من التعايش الذي لابد أن تنشأ عنه علاقات اجتماعية متعددة. فتعاملنا مع غير المسلمين، هو بما جاء به شرعنا بالقسط والبر، {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8].

فهل إذا رشح الحزب الذي له مرجعية إسلامية نصرانياً للدخول في المجلس النيابي يكون ولَّى غير المسلم على المسلم؟؟

هذا مرجعه إلى العقد بين الحزب وهذا النصراني، فإن تعاقد معه على أن تكون مرجعيتنا الشريعة الإسلامية، وألا يسن قانون يخالفها ويكون تحت سلطان المسلم سواء كان في الكتلة البرلمانية أو خارجها الذي يرى المصالح والمفاسد من أهل العلم، ويكون أشيه بعقد الإجارة، فاستأجرنا غير المسلم لهذا الأمر، فبهذا التصور لا يكون الحزب قد جعل له ولاية على مسلم، فيجوز وإلا فلا.

ثالثاً: تمكين المرأة من ولاية أيضاً.

قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}[سورة النساء آية 34]، وفي البخاري: قال r لما قيل: إن كسرى خلفته ابنته قال: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة». فهل المنع من تولي المرأة الإمامة العظمى، أو كل ما فيه ولاية عامة كالقضاء، والمجالس النيابية؟

فالظاهر أن المنع مما فيه الولايات العامة كلها، ولذا فالجمهور جروه إلى مسألة منعها من القضاء باعتباره ولاية عامة، فذهب الجمهور وهم المالكية والشافعية والحنابلة إلى اشتراط الذكورة في القاضي، فلا يجوز عندهم أن تتولى المرأة وظيفة القضاء لقوله r: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً». ولم يول النبي r ولا أحد من خلفائه ولا من بعدهم امرأة قضاء ولا ولاية بلد، ولو جاز ذلك لم يخل منه جميع الزمان غالبا.

ويرى الحنفية جواز أن تكون المرأة قاضية في غير الحدود؛ لأن شهادتها تقبل في ذلك، وأهلية القضاء - عندهم - تدور مع أهلية الشهادة فما يقبل شهادة المرأة فيه يجوز أن تتولى القضاء فيه، وما لا فلا. وذهب ابن جرير إلى جواز تولي المرأة القضاء مطلقا؛ لأن المرأة يجوز أن تكون مفتية، فيجوز أن تكون قاضية.

وقد تكلم بعض الناس على حديث المنع، وقصره بعضهم على الولاية العظمى لكون هذا كان شأن الفرس مع ابنة كسرى، لكن فهم الراوي (أبي بكرة) له بالكف عن الخروج (أيام الجمل) حيث كفته عن الخروج والمشاركة في الفتنة يبين أن منع المرأة من الولاية لا يقتصر على الولاية العظمى، بل أي ولاية عامة.

لكن هذا لا يمنع تولي المرأة الولاية الخاصة، فالمرأة ترعى الرعية في بيت زوجها، وتقضي بين الأولاد في التنازع، وقد يكون قضاؤها في ذلك أصوب من قضاء الرجال، كما يكون لها ولاية على مالها، وذمتها المالية مختصة بها، وليس لأحد أن ينازعها، لا زوج، ولا أب ولا غيرهما، وقد تتولى إدارة مؤسسة أو مدرسة أو نحو ذلك، وقد تلي نظارة وقف، ويعمل تحت إمرتها بعض الرجال، وليس في هذا ما يمنع، لأنها ليست ولايات عامة.

لكن هذا لا يمنع مشاركتها في الحياة السياسية، فقد شرع للنساء البيعة كما يبايع الرجال، كما أن اللجوء السياسي يمكن أن يكون في جوار مسلمة، كما أجارت أم هانئ رضي الله عنها رجلاً، قال العيني في عمدة القاري (15/93): (وَفِيه من الْفِقْه: جَوَاز أَمَان الْمَرْأَة وَأَن من أمنته حرم قَتله، وَقد أجارت زَيْنَب بنت رَسُول الله، r أَبَا الْعَاصِ ابْن الرّبيع، وعَلى هَذَا جمَاعَة الْفُقَهَاء بالحجاز وَالْعراق مِنْهُم مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأَبُو ثَوْر وَإِسْحَاق، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ، وَشذ عبد الْملك بن الْمَاجشون وَسَحْنُون عَن الْجَمَاعَة، فَقَالَا: أَمَان الْمَرْأَة مَوْقُوف على إجَازَة الإِمَام، فَإِن أجَازه جَازَ، وَإِن رده رد).

وللمرأة كذلك أن تعمل في سلك القضاء في غير ولاية عامة، كأن تكون كاتبة، أو محضرة للشاهدات، أو ما أشبه ذلك، أما القضاء كالولاية العامة؛ فهي محل التنازع المتقدم. ويبقى بين هذين الوضعين مسائل تحتاج إلى مزيد موازانة.

فالقاضي الذي كان يعينه الحاكم الشرعي، يكون أمره نافذاً، ولا سلطة عليه، وقد يقوم على تنفيذ الأحكام بنفسه، ولا يشترط أن يكون قضاؤه في مجلس القضاء عند كثير من العلماء، وكثير من الأمور التي تشير إلى معنى عموم سلطته وولايته.

لكن في واقعنا نجد أن الأحكام تصدر عن محاكم، وتعددت أنواع هذه المحاكم في الدول، لكنها في الغالب تتنوع إلى محكمة درجة أولى تختص بالفصل في المنازعات، ثم محكمة درجة ثانية: لاستئناف القضايا، ثم محكمة درجة ثالثة: لنقض وتمييز القضايا. وأصله وارد في الشريعة، كما في حديث العسيف في الصحيحين. فإذا كانت المحاكم متعددة الأنواع الآن، فالحكم الذي تصدره محكمة الدرجة الأولى والثانية، لا يكون حكماً باتاً، فلا يكون للمرأة إن كانت قاضية فيها ولاية عامة من وجه، كما أن المحاكم لها وضعية خاصة، فقد لا يصدر الحكم إلا بحكم ثلاثة قضاة، أو خمسة، على اختلاف المحاكم والبلدان. فهل إذا كانت المرأة في أحد هذه المحاكم قاضية نائبة ومساعدة، فهل يكون لها الولاية العامة؟

هذا محل نظر، وقد منع كثير من الفقهاء المعاصرين ذلك، واستدل لذلك بقوامة الرجل، وبحديث (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، وبحديث (إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)، وما أشبه هذا من النصوص العامة .

وقد أجاز ذلك آخرون، واشترط بعضهم: أن تكون في سن يسمح لها، ونبه أنها لا تكون ممن يحيض، أو لديها أطفال، بل فرغت من تربيتهم، وأن تكون لها الأهلية العلمية وفي مجتمع يقبل ذلك، أي بألا يزاحم ذلك واجباتها، وأن تكون بحاجة لتلك الوظيفة.

ولأن القضاء تحول من فردي إلى مؤسسي، فإذا شاركت المرأة في ذلك، فليست تكون ذات ولاية عامة على المسلمين.

ثم صدرت فتوى دار الإفتاء المصرية رقم 6670، وتاريخ 17/7/2008م، وخلاصتها أن حديث (لن يفلح ..) خاص بقضية عين، وليس عاماً، ويستأنس لذلك بقصة بلقيس في القرآن، وبعض القصص التاريخية، وفرقت الفتوى بين منصب الخلافة، ورئاسة الدولة، وأن تولي المرأة للقضاء مختلف فيه، فليس هذا تغييراً للشرع، وأن حكم الحاكم يرفع الخلاف، وحال السياسة الشرعية كحال الفتوى تتغير يتغير الزمان والمكان والأشخاص والأحوال.

والترجيح دقيق في هذه الموازنة.

لكن يمكن أن نستخلص أن المجيز يمنع من تولي المرأة القضاء بولاية عامة، لكن يسمح لها بالمشاركة في القرار والحكم القضائي، وأن تكون في سن يسمح لها بذلك، لكن لأن عاطفة المرأة تغلبها والنساء ينصر بعضهن بعضا، فعمل المرأة قاضية، ولو مساعدة، أو نائبة، قد لا يحقق العدل، فقد تؤثر سلباً على قرار القاضي الرجل، للأحاديث المتفق عليها: "مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ"، وحديث: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّساء"، وحديث «إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ». لذا فلا أرى جواز ذلك في الجملة، لكن لا يمنع وجود حالات يفتى بها بخلافه، والفتوى تقدر بقدرها، والله أعلم.

وإذا ترجح أن المرأة لا تكون قاضية، فهل يمكن أن تكون ممن يستشار في الأمور العامة، والخاصة..؟ وفي دخول البرلمان؟

فالديمقراطيات لا تمنع المرأة من المجالس التشريعية، والتشريع في الشريعة ليس لمخلوق بل لله تعالى، لكن قد تستشار المرأة، فقد أَمر تبَارك وَتَعَالَى رَسُوله r بمشاورة الْأَصْحَاب، فَقَالَ: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمرَان: 159] وَذَلِكَ على استطابة نُفُوسهم. والنساء شقائق الرجال، فليس ما يمنع شرعاً من مشورة المرأة في الأمور العامة والخاصة، وقد جاءت النصوص بالأمرين.

ففي قصة الحديبية أمر النبي r أصحابه بالتحلل، فلم يفعلوا، فأشارت أم سلمة أن يبدأ النبي r بذلك، فكان خيرا على الأمة، ففيه جواز مشاورة المرأة الفاضلة كما بالفتح (5/347).

فهذه أمنا المرأة العاقلة أشارت على النبي r في هذا المحفل العظيم، حيث كاد الناس يهلكون بمعصية الأمر النبوي، فهذه مشورة في أمر عام يتعلق بأمور الدولة العليا.

وأما المشورة في الأمور الخاصة، فكثير أيضاً، قال تعالى {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} [البقرة: 233]، وقال {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} [الطَّلَاقِ:6])، ومن ذلك حديث (شاوروا النساء في أنفسهن، فقيل له: يا رسول الله، إن البكر تستحي؟ قال: الثيب تعرب عن نفسها، والبكر رضاها صمتها)، وكذلك الأمر بأخذ مشورة المرأة في زواج البنات كما في سنن أبي داود وغيره عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «آمِرُوا النِّسَاءَ فِي بَنَاتِهِنَّ». وصح في المسند أن النبي r قال لرجل أن يزوج ابنته لجليبيب فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُشَاوِرُ أُمَّهَا..). وقد قال البغوي رحمه الله في شرح السنة (9/32): (جَوَاز العقد على الْبَنَات مُتَوَقف على رضى الْأُمَّهَات).

فهذه مشورة في الأمور الخاصة، فثبت مشورة النساء في الأمور العامة والخاصة، والحمد لله.

وعلى هذا المعنى، فلا يمنع من أخذ مشورة النساء، بل جاءت به الشريعة، فهذا النقصان في خلقة المرأة لا يعني القصور من كل وجه، بل يعني أنهن لا يمكن تحصيلهن الكمال، ونحن أيضاً لا نقول إن الرجال يحصلونه مطلقاً، والله أعلم.

فلا يمنع دخول النساء في البرلمان كمشيرات تحت قيادة رجل الحزب العاقل، وأما مسألة كشف الوجه أو تغطيته، فالراجح التغطية لكنها مسألة خلافية، فينبغي عند الدعايات الانتخابية يتنبه لذلك فلا تظهر صورة المرشحة متزينة بالألوان، بل يوضع محلها وردة أو ما شابه، أو تكون صورة مشوشة ما أمكن بغير ألوان.

وعوداً على بدء؛ فإن دخول البرلمان من النوازل، وقد سبق لإمام عصره الشيخ محمد رشيد رضا أن تكلم في ذلك، في تولي المسلم عملا للحكومة الانجليزية في الهند، كما في تفسيره (6/406 ـ 409)، فمما قاله: (والظاهر أن المسلم .. ينبغي له أن يسعى في كل مكان بإقامة ما يستطيعه من هذه الأحكام وأن يحول دون تحكم غير المسلمين بالمسلمين بقدر الإمكان، وبهذا القصد يجوز له، أو يجب عليه أن يقبل العمل في دار الحرب إلا إذا علم أنه عمل لغير المسلمين ولا ينفعهم، بل يكون نفعه محصوراً في غيرهم، ومعيناً للمتغلب على الإجهاز عليهم)، .... إلى أن قال: (والظاهر مع هذا كله أن قبول المسلم للعمل في الحكومة الانجليزية في الهند، ومثلها ما هو في معناها، وحكمه بقانونها هو رخصة تدخل في قاعدة ارتكاب أخف الضررين إن لم تكن عزيمة يقصد بها تأييد الإسلام وحفظ مصلحة المسلمين)، لكنه نبه بعد ذلك على أن (من تقلد العمل للحربي لأجل أن يعيش براتبه فهو ليس من أهل هذه الرخصة فضلاً عن أن يكون من أصحاب العزيمة)اهـ.

ويقعد شيخ الإسلام القاعدة في ذلك بقوله: كما في مجموع الفتاوى (20/ 51 وما بعدها): "فالتعارض إما بين حسنتين لا يمكن الجمع بينهما؛ فتقدم أحسنهما بتفويت المرجوح وإما بين سيئتين لا يمكن الخلو منهما؛ فيدفع أسوأهما باحتمال أدناهما. وإما بين حسنة وسيئة لا يمكن التفريق بينهما؛ بل فعل الحسنة مستلزم لوقوع السيئة؛ وترك السيئة مستلزم لترك الحسنة؛ فيرجح الأرجح من منفعة الحسنة ومضرة السيئة" إلى أن قال: (20/ 54): "كما يقال: ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين وينشد: إن اللبيب إذا بدا من جسمه مرضان مختلفان داوى الأخطرا وهذا ثابت في سائر الأمور"

ثم قال بعد ذلك: (20/56 ـ 58) "ومن هذا الباب تولي يوسف الصديق على خزائن الأرض لملك مصر بل ومسألته أن يجعله على خزائن الأرض وكان هو وقومه كفارا كما قال تعالى: {ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به} الآية وقال تعالى عنه: {يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار} {ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم} الآية ومعلوم أنه مع كفرهم لا بد أن يكون لهم عادة وسنة في قبض الأموال وصرفها على حاشية الملك وأهل بيته وجنده ورعيته ولا تكون تلك جارية على سنة الأنبياء وعدلهم ولم يكن يوسف يمكنه أن يفعل كل ما يريد وهو ما يراه من دين الله فإن القوم لم يستجيبوا له لكن فعل الممكن من العدل والإحسان ونال بالسلطان من إكرام المؤمنين من أهل بيته ما لم يكن يمكن أن يناله بدون ذلك وهذا كله داخل في قوله: {فاتقوا الله ما استطعتم} . فإذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما فقدم أوكدهما لم يكن الآخر في هذه الحال واجبا ولم يكن تاركه لأجل فعل الأوكد تارك واجب في الحقيقة. وكذلك إذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرما في الحقيقة وإن سمي ذلك ترك واجب وسمي هذا فعل محرم باعتبار الإطلاق لم يضر. ويقال في مثل هذا ترك الواجب لعذر وفعل المحرم للمصلحة الراجحة أو للضرورة؛ أو لدفع ما هو أحرم .. . وهذا باب التعارض باب واسع جدا لا سيما في الأزمنة والأمكنة التي نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة فإن هذه المسائل تكثر فيها وكلما ازداد النقص ازدادت هذه المسائل ووجود ذلك من أسباب الفتنة بين الأمة فإنه إذا اختلطت الحسنات بالسيئات وقع الاشتباه والتلازم فأقوام قد ينظرون إلى الحسنات فيرجحون هذا الجانب وإن تضمن سيئات عظيمة وأقوام قد ينظرون إلى السيئات فيرجحون الجانب الآخر وإن ترك حسنات عظيمة والمتوسطون الذين ينظرون الأمرين قد لا يتبين لهم أو لأكثرهم مقدار المنفعة والمضرة أو يتبين لهم فلا يجدون من يعينهم العمل بالحسنات وترك السيئات؛ لكون الأهواء قارنت الآراء ولهذا جاء في الحديث: {إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات} . فينبغي للعالم أن يتدبر أنواع هذه المسائل" اهـ.

فخلاصة ما سبق:

ـ هذا الأمر يتبع المصالح والمفاسد، وتقديرها للعالم بالشرع وبالواقع، فإن رجحت مصلحته، كان جائزاً، وإلا لم يكن جائزاً.

ـ ليس هناك ما يمنع الدخول في هذه البرلمانات لتخفيف المنكر والضرر على المسلمين، والعمل على إعلاء كلمة الله.

ـ التعاون مع النصارى في ذلك جائز لحال ابن أريقط في الهجرة، وأنه أشبه بعقد الإجارة، ولذا لابد من الاحتياط في استئمان هؤلاء، لئلا يخرجوا على العقد، وألا يستقلوا بالقرار.

ـ دخول المرأة في ذلك ليس هناك ما يمنعه، لكن مع ضوابط الاحتشام وعدم الفتنة، وألا تستقل بالقرار.

ـ أن هذا كله لنصرة الإسلام وليس لأمر تمحض للدنيا.

هذا والله أعلم وصلي الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه..

د. خالد فوزي عبد الحميد حمزة

المدرس بدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة

1/8/1435هـ الموافق 8/5/2014م

 

تصنيفات المادة