الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

(موقف جماعة الاخوان من قضية التكفير (1

أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها (6-1)

(موقف جماعة الاخوان من قضية التكفير (1
أحمد الشحات
الثلاثاء ١٠ مارس ٢٠١٥ - ١١:٤٣ ص
9500

سادساً – موقف جماعة الاخوان من قضية التكفير

كتبه/ أحمد الشحات

الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :-

1) مقدمة :-

من خلال ما قررناه عبر سلسلة " نبذة تعريفية عن تيارات التكفير والعنف " تبين لنا أن المدارس التكفيرية بكافة أطيافها وتنوعاتها قد خرجت من رحم جماعة الإخوان ، وبشكل أو بآخر فإن سيد قطب رحمه الله يعتبر هو الأب الروحى لكل جماعات التكفير المعاصرة على إختلاف توجهاتها واختياراتها الفكرية والفقهية التى استقرت عليها فى نهاية المطاف ، ومن المعلوم أن سيد قام بالتنظير لهذه الأفكار وقت أن كان من أحد قيادات الإخوان الشهيرة.

والسؤال الذي يجب البحث عن إجابة شافية له ؛هل كان لأفكار سيد أصول وجذور فى فكر الإخوان وفى فكر حسن البنا ذاته ، أم أن هذه الأفكار ما هي إلا نقلة نوعية جديدة تُنسب لسيد فقط دون غيره من الاخوان ؟

فى الواقع لدينا ثلاث احتمالات :-

ü إما أن يكون كلاً من البنا وقطب على نفس المنهج فى التكفير، ويكون الجديد الذى أضافه سيد هو جودة الصياغة وصراحة العبارات.

ü وإما أن لا يكون كلاً من البنا وقطب على نفس المنهج فى التكفير ، وبالتالى يكون هذا الفكر الذى أتى به سيد دخيل على الإخوان.

ü أن يكون الفكر له أصل وأساس عند البنا – علي الأقل في آخرمرحلة من مراحل دعوته – ويكون دور سيد هو التنظير له وتحديد قوالبه مع وضع لمسات وزيادات تعبر عنه وعن تجربته.

وحتي نستطيع تحديد أياً من هذه الاحتمالات أقرب إلي الصواب علينا أن نتأمل في المسيرة الدعوية والحركية للأستاذ حسن البنا ، وأن نتعرض كذلك إلي كتبه ورسائله ، بالإضافة إلي دراسة تاريخ الجماعة بعد رحيله وما آلت إليه بعد ذلك.

2) لمحة تعريفية عن الأستاذ حسن البنا من النشأة وحتي الممات (1928 - 1949):-

هو حسن أحمد عبد الرحمن البنا مؤسس الجماعة ومرشدها الأول ، ولد فى قرية المحمودية بمحافظة البحيرة في عام 1906، نشأ نشأة دينية ، وحفظ نصف القرآن فى الصغر ثم أتمه فى الكبر، وكان والده شيخاً وعالماً معروفاً ، وهو أحمد عبدالرحمن البنا الشهير بالساعاتي ، وذلك نظرًا لعمله في إصلاح الساعات ، وكان الشيخ أحمد من علماء الحديث ، فقد رتب مسند الإمام أحمد بن حنبل، وخرَّج أحاديثه، وشرح ما يحتاج إلى بيان، وسمّاه (الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني 1377هـ 1957م) ، ورتب معظم أسانيد الأئمة الأربعة علي أبواب الفقه، وله مؤلفات عديدة في السنة منها " بدائع المنن في جمع وترتيب مسند الشافعي والسنن ".

التحق حسن بمدرسة الرشاد الدينية وعمره حوالي ثمانية أعوام واستمر فيها لمدة أربع سنوات ، التحق بعدها بالطريقة الحصافية وصار سكرتيراً للجمعية وهو في الثالثة عشر من عمره .أنتقل بعد ذلك إلى المدرسة الإعدادية ثم إلى مدرسة المعلمين الأولية عام 1920م وتخرج منها مدرساً ، ثم التحق بكلية دار العلوم عام 1923 وتخرج منها عام 1927 ، وتم تعيينه في مدينة الاسماعيلية.

شارك في تأسيس جمعية الشبان المسلمين عام 1927، وبعد عام واحد من تأسيس الجمعية وفى مارس 1928 اجتمع البنا بستة أشخاص وأعلنوا أنفسهم جماعة الإخوان المسلمين تحت قيادة حسن البنا الذى كان عمره آنذاك 22 عاماً، وقد صرح البنا وقتها بتصريحه الشهير من أنه يحتاج إلى أجيال ثلاثة لتنفيذ خططه.

وبدأ البنا إعداد الجيل الأول وتأهيله للدعوة، وخلال عامين تعددت شعب الجماعة حول الإسماعيلية وبورسعيد والعريش، وبعد أربعة أعوام أصبح هناك عشر شعب، وفي عام 1932 قرر البنا أن الوقت قد حان لخطوة أوسع حيث طلب الانتقال إلى القاهرة، وأصدر أول مجلة أسبوعية باسم الإخوان المسلمين، ووصلت شعب الجماعة إلى خمسين شعبة وتتأسس فروع لها خارج مصر فى السودان وسوريا ولبنان وفلسطين تنادى بنداء الإخوان ،وبإعادة مجد الخلافة الإسلامية ، وفى عام 1936 تُوج فاروق ملكاً لمصر فاستقبله الإخوان فى محطات السكة الحديدية على طول الطريق بين القاهرة والإسكندرية بالهتافات المؤيدة والمبايعة، وكان الإخوان وقتها يرغبون فى الحصول من صاحب الجلالة الشاب على تأييده لدعوتهم، وفى عام 1938 كان عدد شعب الإخوان أكثر من ثلاثمائة شعبة.

وبعد هذا النجاح الجماهيري ، شرع البنا في تحويل قطاع من الجماعة من العمل المدنى إلى العمل شبه العسكرى ، فكون فرق الرحلات ثم فرق الجوالة بمظهرها العسكرى وأعدادها الضخمة والتى كانت تقدم عروضا تظهر قوة الجماعة ، ثم أنشأ نظام الكتائب ثم طوره إلى نظام الأسر وكانت هذه الأنظمة أداة تفريخ لنظام جديد أشد حساسية وخطورة، وهو تنظيم مسلح يستهدف استخدام القوة والعنف لتنفيذ الأهداف بقوة السلاح قائم على السرية التامة والطاعة المطلقة يتم انتقاء عناصره بدقة شديدة أُطلق عليه اسم الجهاز الخاص أو التنظيم السرى ووُضِع له قانون سمى بقانون التكوين.

توترت العلاقة بين السلطة والجماعة علي إثرمقتل القاضى أحمد الخازندار ،وما تلاها من عثور رجال الأمن على سيارة جيب دون أرقام بها قنابل وأسلحة وذخيرة ومتفجرات ومخطط لعمليات نسف السفارتين البريطانية والأمريكية ووثائق تحتوى على أسماء أعضاء التنظيم والشفرة السرية للاتصال بينهم ودراسات حول أهداف مزمع تدميرها، اتضح من الوثائق والمضبوطات أن الإخوان هم المسئولون عن حوادث التفجير التى وقعت فى الشهور الأخيرة بالإضافة إلي الاعترافات التي أدلي بها قادة العمل وقتها في كتب مفصلة تشرح حقيقة ما حدث كما سيأتي بيانه.

وفي صباح الرابع من ديسمبر تم اغتيال اللواء سليم زكى حكمدار شرطة القاهرة على يد طالب فى جامعة فؤاد الأول أذاعت الحكومة أنه ينتمى إلى تنظيم الإخوان، وزاد التوتر حين أصدر رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى قرار حلها ومصادرة أموالها واعتقال غالبية أعضائها فى ديسمبر ١٩٤٨، وشملت مذكرة الحل التخطيط لـ "قلب النظم السياسية" بطرق "إرهابية" و"تدريب الجماعة على السلاح".

وفى الثانى عشر من فبراير 1949 أمام مقر المركز العام للشبان المسلمين تم اغتيال حسن البنا بست رصاصات، واعتقلت السلطة كل رجل حاول الاقتراب من بيت البنا قبل الدفن فخرجت الجنازة تحملها النساء، إذ لم يكن هناك رجل غير والده ومكرم عبيد الذى كان تربطه علاقة صداقة بحسن البنا.

مؤلفاته :-

مذكرات الدعوة والداعية - المرأة المسلمة - تحديد النسل – المأثورات - مباحث في علوم الحديث - السلام في الإسلام – قضيتنا.

رسائله :-

له عدد كبير من الرسائل أشهرها :- دعوتنا - إلى أي شيء ندعو الناس؟ - هل نحن قوم عمليون؟ - رسالة المؤتمر الخامس - في مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين - مـهـمّتنـا - نظام الحكم - رسالة التعاليم.

وبعد فهذه جولة سريعة للغاية في حياة هذا الرجل الذي تكتنف حياته قدر من الغموض ، وهذا الغموض يرجع جزء منه إلي أنه ثمة تحولات أساسية تمت في حياة البنا ، هذه التحولات كانت عميقة ومؤثرة ، ولكن لم يشأ الإخوان أن يفصحوا عنها أو يبينوا كنهها ، لذا نستطيع أن نقول أن فكر الإخوان ينطلي علي جانب من السرية ، وهو جانب مقصود ومراد ، فالجماعة تستطيع إيصال فكرها الحقيقي إلي أتباعها عبر نشرات سرية خاصة ، وتظل الكتب والرسائل المنشورة تتحدث عن الجوانب الدعوية والتربوية التي لا خلاف عليها ، بالإضافة إلي أن الجماعة تستطيع أن تتهم أي كتاب أو بحث يكشف جزءاً من الحقيقة بأنه إما مغرض مأجور ، وإما غير معتمد من إدارة الجماعة ، والتي لم تعتمد كتاباً عبر تاريخها تقريباً إلا أن تقريظ المرشد أو تقديمه لكتاب ما يعد إعتماداً له مثل كتاب " حقيقة النظام الخاص " لمحمود الصباغ فقد قدم له وراجعه الأستاذ مصطفي مشهور.

3) قراءة عامة في الأصول الفكرية لحسن البنا قبل تكوين الجماعة:-

كان للنشئة الدينية التي حظي بها حسن البنا منذ صغره أثر كبير في توجهه نحو الدعوة منذ نعومة أظفاره ، ولوالده فضل كبير عليه في توجيهه لهذه الوجهة حيث كان من العلماء المشتغلين بدراسة العلوم الشرعية كما تقدم ، هذه الوجهة قادته إلي أن يلتحق بإحدي الفرق الصوفية ، وقد كانت الطرق الصوفية ذائعة الصيت في هذا الوقت من عمر الأمة المصرية قبل نشأة الجماعات الإسلامية الحديثة ، وقد أثرت هذه الفترة علي حياته وساهمت في تشكيل جزء من وعيه وثقافته ، ولكن شخصية مثل البنا تتسم بالنشاط الدائم والحركة الدؤبة والطموح العالي ، ما كان لها أن تستمر في عباءة الصوفية الرتيبة.

ومن ثم انطلق البنا لساحة أخري أكثر رقياً وعمقاً وكان موعده مع الأستاذ محمد رشيد رضا الذي كان حتي ذلك التوقيت هو الوريث الشرعي للمدرسة العقلانية التي كان رائدها هوالشيخ محمد عبده ، فاغترف البنا من المدرسة العقلانية ما شاء له أن يغترف ، واكتسب من خلال هذا الاحتكاك بعداً ثقافياً ومعرفياً يختلف عن الخرافات والخزعبلات التي كان يتلقاها داخل سراديب وكهوف الصوفية ، بل إن شئت قل يتعارض معها تماماً ، ولكن ما حققه البنا علي المستوي الشخصي هو أن صار من جملة المثقفين الذين يكتبون في الجرائد ، والتي كان لها وزن وثقل لا يُستهان به في ذلك الوقت.

ثم شاءت الأقدار أن يتواصل حسن البنا مع العلامة محب الدين الخطيب والذي كان هو المعبر عن مدرسة ابن تيمية بشكل مجمل ، ثم تزامن ذلك مع تحول فكري لدي محمد رشيد رضا ، هذا التحول كان تجاه المنهج السلفي أيضاً وتحديداً نحو ابن تيمية وابن عبدالوهاب ، وبالتالي أصبح لدي البنا رافد ثالث من روافد المعرفة ، وللأسف فإن هذه الروافد متعارضة في أصول ومنطلقات كثيرة ، بل إن نقاط الالتقاء بين الصوفية ، والعقلانية ، والسلفية تكاد أن تنعدم ، وعليه فإن البنا قد حمل في جعبته ثلاث مدارس فكرية متعارضة ولا يمكن نسبته هو شخصياً لأي واحدة منها.

والسؤال : ما الذي يعود علينا من معرفة هذه المعلومات ؟ وهل كانت وحدها هي المرجعية التي رسم البنا من خلالها معالم فكره ؟

الحقيقة أن معرفة هذه المعلومات مفيد في تصور الطريقة التي نشأ بها مؤسس الجماعة ، وهي مبدأيا تعطي رؤية عن حجم التخبط الفكري والاختلال المنهجي الذي ستعاني منه الجماعة بعد ذلك ، ومن هنا نفهم كيف نشأت نظرية التجميع التي تبناها البنا ، ونفهم لماذا اقتبس من رشيد رضا القاعدة الذهبية في معالجة الاختلاف وصاغها كما يلي :- " نجتمع فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضاً فيما إختلفنا فيه " ، وقد قالها رشيد في معرض مشروع التقريب بين السنة والشيعة وبصياغة أكثر جودة كما جاءت في مجلة المنار في عام 1912" أن يتعاضدوا ويتعاونوا على ما يشتركون فيه ويتفقون عليه، ويعذر بعضهم بعضًا فيما يفترقون فيه ، ويحكِّموا الشرع والميزان فيما يتنازعون عليه " ، ثم تراجع عنها بعدما اتضح له حقيقة الشيعة ، وقد ذكر أن الشيعة كفروه لمجرد أنه قال في شرحه لهذه القاعدة " نتعاون فيما اتفقنا عليه من الرجوع إلى الكتاب كما تناقلته الأمة جيلاً بعد جيل، والسنة كما هي محفوظة في الكتب الستة وغيرها، وعلى تعظيم صحابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأمهات المؤمنين -رضي الله عنهن-.

(راجع مجلة المنار أعداد 29/424 – 31/293 – 31/290).

ولكن هذا الجزء من المعرفة لا يكفي إطلاقاً لإدراك وفهم منهج حسن البنا ومنهج جماعة الإخوان الذي إستقر عليه بعد ذلك ، لأن حسن البنا بعد إنتهاء فترة التلمذة التي لم تدم طويلاً ، أو إن شئت قلت بعدما أوقف هو بنفسه مسارات التلقي ، قام بعد ذلك بوضع لمساته الشخصية ، وأصبح هو ملهم الفكرة ، وواضع التصور ، وإنقطعت صلته بالعلماء وبغيرهم ، واتجه لوضع تصوراته الشخصية في رسائل وكتابات أضحت دستوراً للجماعة يقدسونها ويلتزمون بها.

ومن هذا المنطلق أصبح إعجاب البنا بالقاعدة الذهبية المعدلة متضائلاً مقارنة بما حصله من تجارب وبما قعده من أصول، وسوف نري من خلال جولتنا السريعة أن البنا أصبح في نظر أتباعه ضمن عداد المجددين الذين يرسلهم الله علي رأس كل مائة عام ، وأصبحت أفكار البنا هي النسق الحركي الذي تؤمن به الجماعة ، وتحولت كتاباته من مجرد كتابات عادية إلي أن أصبحت أساس البناء الفكري للجماعة والتي لا يمكن مناقشتها أو تعديلها فضلاً عن نقدها أو التقليل من شأنها بما يشابهه بدرجة كبيرة فكرة الإمام المعصوم لدي الشيعة.

وأصبح تعريف الإخواني هو = من يعترف بإمامة حسن البنا + ولاء للجماعة ربما يقارب الولاء علي الدين + مباديء وقواعد وتصورات هي دستور الجماعة ومرجعيتها.

وهنا يثور سؤال حول المصادر الأخري التي استقي منها حسن البنا ملامح فكره :-

البحث في إجابة سؤال كهذا سيعتريه شيء من التخمين والتوقع ، لأن حياة البنا منذ أن بدأ بإنشاء الجماعة توحي بأنه الأستاذ الأول والمعلم الأوحد ، ولم يذكر هو ولا أحد من مؤرخي الجماعة أن البنا كان يستشير أحداً أو يلجأ إلي مرجعية أعلي منه قدراً أو أوسع منه علماً ، وكيف يسوغ ذلك وهو الإمام المجدد ؟! بل إن الإخوان غالباً لا يذكرون فترة تتلمذ البنا علي رشيد رضا ومحب الدين الخطيب ، ولا يذكرون أن القاعدة الذهبية هي قاعدة المنار بل غالباً ما ينسبونها مباشرة إلي الإمام الشهيد كما يقولون ، والأخطر من هذا كله – وهذا الأمر يستحق دراسة منفصلة – أن الإخوان يقرأون التاريخ كله علي أساس أن حسن البنا هو حجر الزاوية في بناء الأمة الحديث ، وأن الدنيا كانت تعيش في جاهلية جهلاء وظلم ظلوم إلي أن جاء البنا فاستنارت البلاد بنور دعوته وأشرقت ببركة وجوده واستمر وجودها بإستمرار جماعته ، وهذا أحد الروافد المغذية لفكر التكفير لدي الجماعة كما سيأتي.

وبالتالي فالتطور الذي حدث لدي البنا بعد أن أسس جماعته ، يكتنفه قدر كبير من الغموض وعدم الوضوح من حيث العوامل التي ساهمت في إحداث هذا التغير ، غير أن المدقق في مسيرة البنا يمكن أن يلاحظ أن هذه المصادر يمكن حصرها فيما يلي :-

أولاً : آراؤه وتجاربه الشخصية :-

كان البنا ذكياً وبارعاً ، وأعطاه الله مزايا ومنح عديدة ، وبالتالي أصبح مرجعاً أساسياً للجماعة التي أنشأها – رغم صغر سنه وحداثة تجربته وقله حصيلته وقتها – إلا أن البنا إعتبر الجماعة مشروعه الخاص ، وبالتالي صار هو المنظر الأوحد لها واعتبر نفسه كأنه بداية مختلفة لفترة تاريخية جديدة فبدأ من حيث بدأ الآخرون – هذا إن كان هناك إعتراف بآخرين أساساً – ومع الإنفرادية الشديدة لحسن البنا ومع تقرير مبدأ السمع والطاعة شبه المطلقة صارت آراء الإمام مناهج غير قابلة للنقاش ولا المساس حتي وإن كان الغرض هو التطوير أو التجديد.

ثانياً : الاسترشاد بمناهج أخري :-

يذكر المناوئون للإخوان أن البنا قد تواصل مع الهيئات الماسونية واستقي منها عدداً من أساليبها وطرقها في السيطرة علي الاتباع ، وضمان مطلق طاعتهم وولائهم ، وكذلك تعرف علي المناهج والطرق التي تساعده علي ذلك ، وربما يكون استفاد من منهج الكنيسة في فرض سياج مغلق علي أتباعها وضمان السيطرة الفكرية والروحية عليهم بإعتبارهم شعب خاص لها.

إلا أن المؤكد أن اختلاط البنا بالشيعة كان له أثر ملموس في أفكار البنا ، وربما يكون قد تأثر بطرقهم ووسائلهم ، ومدي قدرتهم علي التحكم في أتباعهم وصياغة عقولهم وتصوراتهم ، وقد بالغ ثروت الخرباوي – القيادي السابق في الجماعة – في كتابه " الشيعة والإخوان : أئمة الشر " في إثبات العلاقة بين الشيعة والإخوان بشكل يفوق مرحلة الإعجاب إلي مرحلة التنسيق والتعاون.

وبغض النظر عن تأثر البنا بهذه المناهج أم بغيرها ، إلا أن الواقع يشهد أن هناك ثلاثة مناهج تعتمد علي " السرية والسيطرة والتقية " ، وهي الماسونية والنصرانية والشيعة ، ويحتمل أن يكون البنا قد استفاد من هذه المناهج ، خصوصاً وأنه بعد سنوات من بداية دعوته أنشأ النظام الخاص ، وهو تشكيل عسكري مسلح له لوائح وقوانين في غاية الصرامة والحدة بما يشبه بعض طقوس وآليات تلك المناهج.

4) المحطات الرئيسية التي مر بها حسن البنا بعد تكوين الجماعة:-

عند التأمل في رسائل الأستاذ حسن البنا وإمعان النظر فيها ، سيتضح لنا جليا أنها ليست علي وتيرة واحدة ، ولم تسر في فقراتها وجملها علي لحن واحد أو نغمة ثابتة ، وإنما قفزت هذه النصوص قفزات كبرى انتقلت بها نقلات حادة ،وذلك وفق تغير البعد الزمني ، ومن هنا نخلص أن البنا قد مر في تأسيس دعوته بعدة مراحل ، كل مرحلة لها خصائصها وسماتها ، وإذا أردنا التعرف علي تطور الفكرة لدي حسن البنا فلنتجول جولة سريعة في رسائله وكتاباته التي كانت التنظير الفكري لتحركاته علي الأرض ، ثم رسائل كبار المنظرين والمفكرين لدي الجماعة.

ويمكن تقسيم مسيرة دعوته إلي ثلاثة مراحل ، كل مرحلة اتخذت طابعاً منهجياً خاصاً كما يلي ( المنهج الإصلاحي - المنهج الإستعلائي – المنهج التصادمي ):-

أولاً : فترة الطريقة الإصلاحية :-

وهي فترة التكوين الأولي التي سعي فيها البنا لحشد أكبر عدد ممكن من الأتباع والأنصار والمؤيدين ، وكان شعار الحب هو الشعار الأظهر بين أتباع الجماعة ومناصريها ، وكانت مناهج الجماعة وقتها تميل إلي المسحة الصوفية من حيث رقة الكلام وعذوبة العبارات ، مع شحنة عاطفية حماسية قوية لخلق حالة من التفاني في العمل من أجل الدين ، وبذل الجهد في سبيل نشر الدعوة ، وقد استمرت هذه الفترة عدة سنوات من بداية الدعوة.

ثانياً : فترة المنهج الإستعلائي :-

بعد تحقق الثمرة المرجوة من جيل التكوين ، انتقل البنا مباشرة إلي فترة جيل التنفيذ ، وهي الفترة التي حرص فيها علي إبراز الفروق بين جماعة الإخوان وبين غيرهم ، كما حرص علي إيجاد مسافات فاصلة بينهم وبين غيرهم ، وقد تمت صياغة هذه الأفكار بعبارات قوية وواضحة ، وكان الغرض منها تنشئة هذا الجيل علي الإعتزاز بإنتماؤه إلي جماعة الإخوان ، والشعور بالإمتنان العميق تجاه الجماعة التي أنعمت عليه بأن جعلته واحداً منها ، وهذا المنهج مستمر منذ أن وضع البنا بذوره وحتي يومنا هذا ، والذي رأينا فيه من كان علي مشارف الموت فما وجد شيئاً يتذكره إلا بضع كلمات قالها " الحمد لله علي نعمة الإخوان ، اللهم أمتني علي الإخوان ".

يقول البنا موجهاً حديثه إلي أتباعه في رسالة تحت راية القرآن :-

" نحن ولا فخر– أصحاب رسول الله حملة رايته من بعده.. ورافعوا لواءه كما رفعوه، وحافظوا قرآنه كما حفظوه.. هذه منزلتكم، فلا تُصعِّروا في أنفسكم فتقيسوا أنفسكم بغيركم، لقد دعوتم وجاهدتم، فواصلوا جهودكم، واعملوا والله معكم، فمن تبعنا الآن فقد فاز بالسبق، ومن تقاعد عنا من المخلصين اليوم فسيلحق بنا غدًا، وللسابق عليه الفضل ".

ولنلتقط شيئاً مما كتبه قيادات الجماعة عن جماعتهم وعن أنفسهم :-

يقول سعيد حوى في كتابه (المدخل إلى دعوة الإخوان المسلمين ) في صفحات (16-19-20-21-26):-

" ومع أنه لم يزل فقهاء الدعوة المعتمدون يعتبرون الإخوان المسلمين جماعة من المسلمين تسعى لأن تتحقق بمواصفات جماعة المسلمين وأنها متى استطاعت أن تطور نفسها نحو ذلك فعندئذ تصبح جماعة المسلمين".

" فلنر ما هي مواصفات الجماعة التي يصح أن نعتبرها جماعة المسلمين؟ ولنر ما إذا كانت هذه المواصفات منطبقة على جماعة الإخوان المسلمين كما أقامها حسن البنا"

ثم ذكر سعيد حوى مواصفات جماعة المسلمين وذكر (سبعة صفات) ثم قال بعدها" والدليل على أن هذه كلها مواصفات لا بد منها للجماعة التي يجب على كل مسلم أن يضع يده في يدها - وهي متوافرة في جماعة الإخوان المسلمين".

يقول سعيد حوى في (آفاق التعاليم) :-

" ولكن الأيام ستكشف -والله أعلم- أنه لن تستطيع الحركة الإسلامية ولا في طور من أطوارها سواءٌ قبل الدولة أو بعدها أو في السياسة الداخلية أو في السياسة الخارجية للدولة الإسلامية أو في التربية أو في التكوين أو في الإستراتيجية والحركة أن تستغني عن فكر الأستاذ (البنا) ، ولئن كان (البنا) بمجموع ما حباه الله -عز وجل- هو المرشح الوحيد لأن يطرح نظريات العمل الإسلامي، فالدعوة التي أقامها تركيبٌ ذو نِسب معينة، فمتى اختلفت هذه النِّسب حدث الفساد!! ".

وقد كان من آثار هذا الفكرهواعتقاد الإخوان بأن المرشد لا يخطئ ،وأن الجماعة كاملة تمثِّل الإسلام تمثيلاً كاملاً ، يقول الدكتور (عبدالعزيز كامل) في (مذكراته الشخصية) : -" ولقد كان من الأعراف الفكرية عند الإخوان أن يد الله التي ترعاهم قادرةٌ على أن تحوِّل خطأ تصرفهم إلى صواب، نسير في خطإ فإذا برحمة الله تتداركنا فنتحول إلى صواب، نقصد أمرًا فتوجهنا عناية الله إلى غيره ".

ثالثاً : فترة المنهج الصدامي :-

فترة المنهج الصدامي هي التطور الطبيعي للمنهج الإستعلائي ، حيث تصور البنا أنه قد وصل لمرحلة الانتصارات وحصد الغنائم ، وأن الدعوة في هذا الطور لابد أن تتخلص من خصومها وتقضي عليهم حيث كانوا في نظرهم عقبات علي طريق تحقق النصر ، وفي هذه الفترة ظن البنا أنه بالفعل قد تكونت لديه أدوات القوة ووسائل المنعة ، وبالتالي يستطيع أن يحقق ما يريد.

وقد قرر البنا أن يخوض هذه المرحلة في وقت مبكر من عمر دعوته ، كما جاء في كتاب (مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا):-

" في الوقت الذي يكون فيه منكم – معشر الإخوان المسلمين – ثلاثمائة كتيبة قد جهزت كل منها نفسها روحيًا بالإيمان والعقيدة، وجسميًا بالتدريب.. في هذا التوقيت طالبوني بأن أخوض بكم لجج البحار، وأقتحم بكم عنان السماء، وأغزو بكم كل عنيد جبار، فإني فاعل إن شاء الله.. ألِّفوا الكتائب، وكوِّنوا الفرق، وأقبلوا على الدروس، وسارعوا إلى التدريب ".

ثم يقول تحت عنوان (الإخوان والقوة والثورة ):-

" يتساءل كثير من الناس: هل في عزم الإخوان أن يستخدموا القوة في تحقيق أغراضهم والوصول إلى غايتهم؟ وهل يفكر الإخوان المسلمون في إعداد ثورة عامة على النظام السياسي أو النظام الاجتماعي – وهذا يدل علي أن الصدام لم يكن مع السلطة فقط ولكن كان مع المجتمع أيضاً عند اللزوم - ؟ ولا أريد أن أدع هؤلاء المتسائلين في حيرة، بل إنني أنتهز هذه الفرصة فأكشف اللثام عن الجواب السافر لهذا في وضوح وفي جلاء، فليسمع من يشاء.. أما القوة فهي شعار الإسلام في كل نظمه وتشريعاته.. ولابد لمن يتبع هذا الدين أن يكون قويًا، والإخوان المسلمون لابد أن يكونوا أقوياء.. قوة العقيدة والإيمان، ثم قوة الوحدة والارتباط، ثم بعدهما قوة الساعد والسلاح ".

ثم يضيف حسن البنا موضحًا:-

" سيستخدم الإخوان القوة حين لا يجدي غيرها، وحين يستكملون عدة الإيمان والعقيدة، وعندما يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء ينذرون أولاً، ثم ينتظرون، ثم يقدمون ".

ويقول أيضاً " ونحن الآن نهيب بالكبراء والأعيان والهيئات والأحزاب أن ينضموا إلينا، وأن يسلكوا سبيلنا، وأن يعملوا معنا، فإن أجابوا فهو خيرهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وإن أبوا فلا بأس علينا أن ننتظر قليلاً، وأن نلتمس المعونة من الله وحده حتى يُحاط بهم ويسقط في أيديهم ويضطرون للعمل أذنابًا، وقد كانوا يستطيعون أن يكونوا رؤساء.. والله غالب على أمره ".

ثم يقرر البنا قاعدة خطيرة ، يبدو أنها كانت بذرة التكفير لدي الجماعة " إننا نعلن في وضوح وصراحة أن كل مسلم لا يؤمن بهذا المنهج ولا يعمل لتحقيقه لا حظ له في الإسلام ".

وقد جاء في البند الخامس والعشرين من رسالة التعاليم، وهو يوجه تعليماته للإخوان وما يجب أن يفعلوه في حياتهم قائلا:-

" أن تقاطع المحاكم الأهلية وكل قضاء غير اسلامي ، والأندية والصحف والجماعات والمدارس والهيئات التي تناهض فكرتك الاسلامية مقاطعة تامة ".

ولو كان البنا عبر بلفظ " الإسلام " لما كان هناك عيب في الكلام ولكن المشكلة أنه ذكر كلمة " فكرتك الإسلامية " والذي فُهم من الكلام أنه يتحدث عن فكر الجماعة خصوصاً أن جماعات التكفير الصريح قد طبقت هذه الأفكار بشكل عملي.

ويضيف البنا في البند الثامن والثلاثين : " أن تتخلى عن صلتك بأية هيئة أو جماعة لا يكون الاتصال بها في مصلحة فكرتك وخاصة إذا أمرت بذلك ".

وأخيرًا، نجد عمر التلمساني المرشد السابق للإخوان في كتابه (ذكريات لا مذكرات) ينقل عن حسن البنا تهديده بمحاربة كل من لا يستجيب لدعوة الإخوان المسلمين، فيقول:-

" نحن حرب على كل زعيم أو رئيس أو هيئة لا تستجيب لدعوتنا.. وسنعلنها خصومة لا سلم فيها ولا هوادة حتى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق" ، ثم يؤكد التلمساني نفس التهديد، بل ويبرره حين قال" إننا نجاهد في سبيل إنقاذ الإنسانية من كل شرورها بالدعوة إن قبلوا.. أما إن أبوا فليس إلا الكفاح الحربي بيننا ".

وفي هذه الفترة بدأ حسن البنا سلسلة من الإجراءات لتنظيم العمل المسلح ، فقام بتكوين ثلاث تشكيلات عسكرية كما يلي :

محور مدني مسلح : وكان تحت مسئولية عبد الرحمن السندي، وينتمي اليه المدنيون.

نظام خاص داخل الشرطة - سلاح الوحدات -، وكان تحت مسئولية اللواء صلاح شادي.

نظام خاص داخل الجيش: وكان تحت مسئولية الصاغ محمود لبيب، ويعاونه عبد المنعم عبد الرءوف.

شهادات المعاصرين من الإخوان تؤكد الفكر الذي إستقرت عليه الجماعة :-

شهادة للشيخ محمد الغزالي :-

في كتابه (من معالم الحق) يقول الشيخ/ محمد الغزالي: " إنَّ الذين يحسبون أنفسهم " جماعةَ المسلمين" يرون مخالفة الأستاذ حسن الهضيبي ضرباً من مخالفة الله ورسوله، وطريقاً مُمَهِّدة إلي النار، وبئس القرار! وقد كنتُ أسيرُ مع زميلي الأستاذ/ سيد سابق قريباً من شُعبة المَنيَل، فمرَّ بنا اثنان من أولئك الشُّبّان المفتونين، وأَبَيا إلاَّ إسماعَنا رأيهم فينا، وهو أننا من أهل جهنم".

ثم يقول عن الإخوان:" إنني تذكرتُ بعد أيام هذا العداء المُرَّ، والأوامرَ التي أوحتْ به، فعزَّ عليَّ أن يُلعَب بالإسلام وأبنائه بهذه الطريقة السمجة، وأن تتجدَّد سياسةُ الخوارج مرة أخري، فيُلعَن أهلُ الإيمان، ويُتْرَك أهلُ الطغيان! فمِن المُضحك أو المُبكي أن يخطب الجمعةَ عقب فَصْلِنا من المركز العام 'للإخوان' مَن يؤكد أنَّ الولاء للقيادة يُكَفِّر السيئاتِ، وأن الخروجَ عن الجماعة يمحقُ الفضائل، وأن الذين نابذوا القيادة عادوا إلي الجاهلية الأُولي، لأنهم خلعوا البَيعة ".

ونقل الغزالي في نفس الكتاب تجربته مع الهضيبي فقال " فلما استغربناه وتأبينا عليه، ورأينا أنفسنا نبصر الحقائق القريبة والرجل لا يحسها، ونعامله مخطئا ومصيبا غير مقرين هذه الهالة التي أضفاها الأغرار عليه، مقتنا الرجل أشد المقت، مقتنا كما يقمت الكفار والفساق".

شهادة للدكتور يوسف القرضاوي :-

في كتابه ( الشيخ الغزالي كما عرفته ) يقول الدكتور القرضاوي: " بعد أن اختلف –الغزالي- مع مرشد الإخوان الثاني حسن الهضيبي، قال: إن ميدان العمل لله ورسوله أرحب من أن يحتكَّ فيه متنافسون، وأسمَي من أن يشتبك فيه مُتشاكسون! وقد كنتُ حريصاً علي الصمت الجميل يومَ عرفتُ أنِّي سأعملُ للإسلام وحدي، بيدَ أن أحداً من خَلْق الله اعترضني مِن قيادات الإخوان ليقول لي: إنْ تكلَّمتَ قُتِلْتَ! فكان هذا هو الحافز الفذ علي أن أتكلَّم وأُطنِب!".

قال القرضاوي في كتابه سيرة ومسيرة : " كنا في معتقل العامرية وكنت أتحدث مع أحد وعاظ الإخوان المعروفين وجاء ذكر الأخ الشيخ الغزالي، فقال لي : الغزالي لم يعد أخا لنا، لا هو ولا إخوانه المفصولين من الجماعة " ، ثم قال " ومن الذكريات المؤلمة التي لا أنساها: أن الإخوان كانت لهم نشرة سرية.. وقد أذاعت هذه النشرة نبأ قالت فيه : إن القرضاوي والعسال قد مرقا من الدعوة وانضما الى ركب الخونة وعلى الإخوان أن يحذروا منهما، وقد استجاب الإخوان لذلك.. وهذا أمر شائع في الإخوان ".

وكذلك تعرض الدكتور عبدالعزيز كامل لهذا الاتهام.. حين قبل منصب رئيس شؤون الأزهر في زمن عبدالناصر، قال القرضاوي في كتابه سيرة ومسيرة :" ولم يرض ذلك منه جمهور الإخوان، واعتبروه قد خان الدعوة، التي نشأ فيها، وسار في ركب أعدائها، وأنه قد أحبط عمله، وضيع تاريخه، وختم حياته خاتمة سوء".

ثم يعلق القرضاوي على ذلك : وأقول بأسف : " لقد كان رجال المباحث أصدق في الحكم علينا من إخواننا الذين عرفناهم وعرفونا وعايشونا وعايشناهم. وهذا ما يعاب على كثير من الإخوان: أنهم إذا أحبوا شخصا رفعوه الى السماء السابعة، وإذا كرهوه هبطوا به الى الأرض السفلى".

شهادة الأستاذ عبدالحليم محمود :-

قبل انتهاء عام 1954 ، هرب الهضيبي من موقع الأحداث بالقاهرة الى الاسكندرية، إبان اختلافه مع ضباط الثورة، وأصدر أول البيانات التي نادت بتكفير حركة الجيش، قال محمود عبدالحليم في أحداث صنعت التاريخ – الجزء الثالث :

" وقبل موعد الاجتماع بنحو ساعة فوجئنا بمنشور صادر عن المرشد العام يوزع على هؤلاء الإخوان، يحرضهم على رجال الثورة ويرميهم بالكفر ".

وهذا بالطبع قبل ظهور التعذيب الذي يعتمد عليه الإخوان كثيراً في تبريرالتكفير.

ثم قال " وقد وجدت ان الإخوان في المركز العام يغذون إخوان الأقاليم بسيل من المنشورات منها خطابات موجهة اليهم من المرشد العام من مخبئه. ولاحظت وشهدت ان المنشورات والخطابات مما يرفع من حرارة الالتهاب في أعصاب الإخوان ضد الحكومة حتى ان بعض هذه المنشورات رمت رجال الثورة بما تستباح به الدماء؟! " ثم دافع عبدالحليم عن ضباط الثورة دفاعاً ينسف كل ما يُقال من جانب الإخوان فقال : " إنهم لم يرفضوا الحكم بكتاب الله صراحة، ومثل هؤلاء لا ينبغي أن ترميهم بالكفر" ، ثم يشهد شهادة خاصة في حق عبدالناصر فيقول " حتى إن عبدالقادر عودة كان يتصل بجمال ويسأله عن هذه القضية الخطيرة، وجمال ينكر ما قاله المرشد العام ويقول: إنني قلت: إننا سنحكم بالقرآن ولكن الظروف الآن لا تسمح بذلك، ولابد من تذليل العقبات وتهيئة الجو للحكم بالقرآن ولابد من فترة نستطيع من خلالها أن نحقق ذلك".

وهذا هو نفس ما شهد به فريد عبدالخالق في كتابه (الإخوان في ميزان الحق ) أن عبدالناصر أكد تمسكه بالإسلام أساسا للتغيير المنشود، إلا أنه قال: " إن من المصلحة عدم المجاهرة بذلك في بادئ الأمر، ولكن تؤخذ الأمور تدريجيا، حتى لا يحارب أعداء الإسلام الحركة في أول عهدها ".

شهادة الأستاذ مختار نوح :-

يقول مختار نوح في مذكرة رفعها للمرشد العام ونشرتها جريدة الشرق الأوسط في عام 2005 " ونرفق بك وبإخواننا حين نقول إننا أضعنا في سنواتنا الأخيرة إخوانا لنا ساروا على دربنا، وحين اختلفنا معهم قطعنا جلودهم تقطيعا ومزقنا سيرهم تمزيقا، وأهلنا عليهم من نقمتنا وغضبنا، حتى أصبحت هذه النقمة حديث العامة والخاصة.. فالمهندس أبو العلا ماضي، الذي كان بالأمس نجما باسقا بازغا في سماء الدعوة أصبح اليوم، كما يقال لنا في أسرنا وكتائبنا، مفارقا للجماعة، واذا مات على ما هو عليه سيكون قد مات ميتة جاهلية ".

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة