الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

ارحموا من في الأرض.. يرحمكم من في السماء

إن اشتراط الرحمة من العبد حتى يرحمه الله تعالى أعظم دافع إلى القيام برحمة الخلق قولا وعملا سعيا وحضا حتى تتداركه رحمة أرحم الراحمين

ارحموا من في الأرض.. يرحمكم من في السماء
نور الدين عيد
الاثنين ٢٣ مارس ٢٠١٥ - ١١:٤٦ ص
1520

ارحموا من في الأرض.. يرحمكم من في السماء

كتبه/ نور الدين عيد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وبعد:
فإن حاجة المسلمين اليوم لمن يحنو عليهم ويرأف بهم ويستمع لشكواهم ويصبر على أذاهم لهي أعظم من حاجتهم إلى كثير من الحاجيات التي يستقيم بها يومهم وتقضى بها حوائجهم، فكلما زادت المحن والبلايا على المسلمين فينبغي أن تزيد رحمتهم في قلب المؤمن، فينشغل بنفعهم، ويسعى في رفع الضر عنهم، ويتألم لآلامهم ويعتصر لحزنهم، تداعيا بالسهر والحمى لجسده المبتلى وعضوه السقيم كما قال الله سبحانه في صفة نبيه صلى الله عليه وسلم:
{لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}.
وكما في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه مرفوعا:
"
مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" متفق عليه، وفي لفظ لمسلم: "المسلمون كرجل واحد، إن اشتكى عينه اشتكى كله، و إن اشتكى رأسه اشتكى كله"، فهذا التواد والتعاطف والتراحم على الإسلام لا العرق ولا الجماعة ولا المذهب.

فأنت تسير في الطرقات ترى دامعا قد أثقلته الهموم، وتبصر جائعا قد قصرت نفقته عن إطعامه وأهله، وترافق مظلوما قد أكله ظالم في حقه، فمن يمسح دمعهم؟؟!! ويجبر خاطرهم؟؟!!! ويسمع شكواهم ومصابهم؟؟!!! من لهؤلاء الجوعى والثكالى واليتامى والحيارى؟؟!!!
فإنما تعظم رحمتهم على قدر إيمانك بربك، فرحمتهم من أعظم العبادات التي يتقرب بها إلى الله عزو جل: يدعوا لهم ويحوطهم من ورائهم وينصح لهم ويسد حاجتهم كما روى أبوداود عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"
المؤمن مرآة المؤمن والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه"،
ويبذل من ماله ووقته وجهده حتى يبصرهم بمرضاة ربهم.

فرحمة الخلق من أعظم ما يستجلب به العبد رضا الرب عليه، ومن أسباب استجلاب الرحمات من رب البريات سبحانه، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"
الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"
رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح.
فهذا معنى يقوم بالقلب يعظمه الإيمان أو يضعفه و يقتله فجوره وفسوقه لذلك قلب المؤمن قد امتلأْ رحمة للناس. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبَّل الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبَّلت واحدًا منهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن لا يَرحم لا يُرحم"، متفق عليه.

وقالت عائشة - رضي الله عنها -: جاء أعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أتُقبِّلون الصبيان؟ فما نقبِّلهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أَوَأَمْلِكُ لكَ أن نَزَعَ اللهُ الرحمةَ مِنْ قَلْبِكَ"، رواه البخاري.
فلئن كان هذا في الفطري يرحم به العبد فكيف بالتعبدي الإيماني؟؟
فعن عائشة أنها قالت:
"
جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتُها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعتْ إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرتُ الذي صنعتْ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال:
"
إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار" .أخرجه مسلم

فرحمة الخلق مجلبة الرحمة ونزعها شقاوة للعبد:
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"
لا تنزع الرحمة إلا من شقي"  رواه أحمد وحسنه الألباني.
وفي حديث أسامة بن زيد: أن صبياً لابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم - ثقل، فبعثت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أن ولدي في الموت. فقال للرسول : "اذهب فقل لها: إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده إلى أجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب".
فرجع الرسول فأخبرها، فبعثت إليه تقسم عليه لما جاء، فقام النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه منهم: سعد بن عبادة. فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه بين ثندوتيه، ولصدره قعقعة كقعقعة الشنة، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال سعد: أتبكي، وأنت رسول الله! فقال: "إنما أبكي رحمة لها، إن الله لا يرحم من عباده إلا الرّحماء".  رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
فإن اشتراط الرحمة من العبد حتى يرحمه الله تعالى أعظم دافع إلى القيام برحمة الخلق قولا وعملا سعيا وحضا حتى تتداركه رحمة أرحم الراحمين.
والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com