السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

واقعنا بين اليأس والأمل (موعظة الأسبوع)

مظاهر أعانتْ على وقوع اليأس والتشاؤم عند البعض- المحن والبلايا سنة الله في الخلق- الإسلام يدعو إلى التفاؤل وينهى عن التشاؤم- أمور تعين على التفاؤل وبث الأمل، ودفع اليأس والتشاؤم- حاجتنا إلى بث الامل في فترات المحن- مِن قصص المتفائلين المحسنين الظن بربهم

واقعنا بين اليأس والأمل (موعظة الأسبوع)
سعيد محمود
الأربعاء ٢٥ مارس ٢٠١٥ - ١٢:٥٣ م
10348

واقعنا بين اليأس والأمل (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الغرض من الخطبة:

- بث التفاؤل والأمل بالله، ودفع اليأس والتشاؤم؛ ففي التفاؤل والأمل: صبر ورجاء وعمل، وفي اليأس والتشاؤم: قلق وسخط وكسل.

المقدمة: "مظاهر أعانتْ على وقوع اليأس والتشاؤم عند البعض":

- آلام وأحزان وفتن وحروب ضاعت معها كثير من بلاد المسلمين في الفوضى.

- أحوال اقتصادية حرجة، ومعاناة الفقراء؛ حتى لجأ بعضهم إلى الانتحار!

- مظاهر الظلم والقهر في بعض مؤسسات المجتمع، وشيوع الفساد داخلها.

- وغير ذلك من أسباب، والتي من خلالها نصب الشيطان شراك اليأس والتشاؤم لكثير من الناس: "لا فائدة - لا أمل!"، ومِن هنا كان لنا هذه الوقفة نتناول من خلالها هذه الظاهرة من منظور شرعي.

1- المحن والبلايا سنة الله في الخلق:

- الدنيا دار بلاء ومحن: قال الله -تعالى-: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) (البلد:4)، وقال: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (الكهف:7).

- المصائب والبلايا امتحان من الله: قال الله -تعالى-: (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ . وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ . أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (آل عمران:140-142).

- المؤمنون أشد الناس ابتلاء: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سئل: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً؟ قال: (الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

- اقتران الآلام بالفرج والنصر واليسر: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) (الشرح:5-6)، وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "لو دخل عسر في جحر لجاء اليسر حتى يدخل عليه؛ لأن الله -تعالى- يقول: (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا). "وكتب أبو عبيدة إلى عمر أمير المؤمنين، يذكر جموعًا من الروم، وما يتخوف منهم، فكتب إليه -عمر رضي الله عنه-:" أما بعد، فإنه مهما نزل بعبد مؤمن من منزل شدة، إلا جعل الله بعده فرجًا، وإنه لن يغلب عسر يسرين". وقال -صلى الله عليه وسلم-: (النَّصْرُ مَعَ الصَّبْرِ، وَالفَرَجُ مَعَ الْكَرْبِ، وَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) (رواه الخطيب في تاريخه، وصححه الألباني).

2- الإسلام يدعو إلى التفاؤل وينهى عن التشاؤم:

- الإسلام يدعو إلى التفاؤل والأمل في الله، وينهى عن التشاؤم واليأس: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ طِيَرَةَ، وَخَيْرُهَا الفَأْلُ) قَالَ: وَمَا الفَأْلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (الكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ) (متفق عليه)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ الْحَسَنُ، وَيَكْرَهُ الطِّيَرَة" (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).

تنبيه: لا يجوز التفاؤل بغير ما ورد في الحديث.

- التشاؤم واليأس سوء ظن بالله: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي) (متفق عليه). "فماذا تظن بربك؟! فعلى نوع ظنك يكون حالك".

- قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "ما ظن عبد بالله خيرًا، إلا أعطاه إياه".

ـ التشاؤم واليأس عجز وكسل، والتفاؤل والأمل في الله إقدام وعمل: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَلا تَعْجَزْ) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إنْ قامَتِ السّاعَةُ وَفِي يَدِ أحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِن اسْتَطَاعَ أنْ لا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَها فلَيَغْرِسْها) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

- التفاؤل بناء وإقدام، والتشاؤم هدم وإحجام: عن أنس -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُعْجِبُهُ إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ أَنْ يَسْمَعَ: يَا رَاشِدُ، يَا نَجِيحُ" (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

- وكان -صلى الله عليه وسلم- يغير الأسماء بثـًّا للأمل والتفاؤل: عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيَّرَ اسْمَ عَاصِيَةَ وَقَالَ: (أَنْتِ جَمِيلَةُ) (رواه مسلم).  

وعن سعيد بن المسيب -رحمه الله-: أَنَّ جَدَّهُ حَزْنًا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (مَا اسْمُكَ؟) قَالَ: اسْمِي حَزْنٌ، قَالَ: (بَلْ أَنْتَ سَهْلٌ) قَالَ: مَا أَنَا بِمُغَيِّرٍ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي! قَالَ ابْنُ المُسَيِّبِ: "فَمَا زَالَتْ فِينَا الحُزُونَةُ بَعْدُ" (رواه البخاري).

- التفاؤل والأمل بالله كالمرهم على الجرح، والتشاؤم واليأس كالملح على الجرح: كان مِن دعائه -صلى الله عليه وسلم- الذي يبث به الأمل إذا دخل على المريض: (لاَ بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ) (رواه البخاري)، ولما   قالها لرجل متشائم، قال: كَلا، بَلْ حُمَّى تَفُورُ عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ تزيره الْقُبُور، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فَنَعَمْ إِذًا) (رواه البخاري).

3- أمور تعين على التفاؤل وبث الأمل، ودفع اليأس والتشاؤم:

أولاً: الدعاء والالتجاء:

- الالتجاء وحسن الظن بالله يرفع البلاد، ويحل معه الفرج واليسر: قال الحسن البصري -رحمه الله-: "عجبًا لمكروب يغفل عن خمس، وقد عرف ما جعل الله لمن قالهن: قوله -تعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة:155-157)، وقوله: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ . فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا) (غافر:44-45)، وقوله: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عمران:173-174)، وقوله: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) (الأنبياء:83-84)، وقوله: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (الأنبياء:87-88)".

ثانيًا: الرضا بالقدر والسعي بالعمل، والتفاؤل والأمل في الله:

- المقادير خيرها وشرها بقضاء الله وحده: قال الله -تعالى-: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر:49).

- وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ) (متفق عليه)، وقال لابن عباس -رضي الله عنهما-: (يَا غُلامُ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأقلام وجفَّت الصُّحُف) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

ثالثـًا: حسن التصرف "قولاً وعملاً" عند المصيبة للإعانة على بث الأمل في الله:

- المتشاءم الآيس لا يحسن التعبير عن المحنة، والمتفاءل يختار أحسن التعبير: ذُكر أن إنسانًا رأى رؤيا فيها أن أسنانه كلها سقطت، فقال المعبِّر المتشاءم: "يموت قومك جميعًا"، وقال الآخر: "ابشر بطول عمرك، أنت أطول قومك عمرًا".

-  قول "هذا كوب مملوء نصفه" أحسن مِن: "هذا كوب فارغ نصفه"، وقول: "نحن في نعمة بعدم التقسيم والحروب الأهلية وإن كان عندنا مظالم" أفضل مِن "كل شيء فاسد، ولا أمل في الإصلاح!".

4- حاجتنا إلى بث الامل في فترات المحن:

- مهما عظم المصاب فلا تيأس: قال الله -تعالى-: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ) (الحجر:56).

- يعقوب -عليه السلام- بعد طول السنين ينتظر الروح والفرج ويبعث أولاده بالأمل في الله: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف:87).

- بالتفاؤل وحسن الظن بالله والأمل فيه ترى النور ولو كنت بين الجدران المظلمة: (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (يوسف:15).

ـ التفاؤل وبث الأمل في الله مع انتظار الأقدار التي تحمل الفرج ولو في كلمة حسنة: لما جاء سهيل بن عمرو "مبعوث قريش يوم الحديبية" قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ) (رواه البخاري).

- تكلف الحال والمظهر مع أشد الظروف تفاؤلاً وبثًّا للأمل: كان -صلى الله عليه وسلم- إذا استسقى بأصحابه قلب رداءه؛ تفاؤلاً في أن يغير الله حالهم. "كان الشيخ السعدي ينظف سطح بيته ويسلك الميزاب قبل ذهابه إلى الاستسقاء".

- المسلم أولى بالتفاؤل وعدم اليأس من أهل الجاهلية: كانت العرب تسمى اللديغ سليمًا؛ تفاؤلا بالشفاء.

5- مِن قصص المتفائلين المحسنين الظن بربهم:

- النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه في الغار والكفار بأسلحتهم فوق رأسيهما: (يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا) (متفق عليه). (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) (التوبة:40).

- نوح -عليه السلام- يصنع السفينة في صحراء؛ لأنه يوقن بوعد الله.

- رجل يعيب على بعض المسلمين الذين خرجوا للاستسقاء بدون مظلات واقية من المطر!

اللهم اشرح صدورنا، وفرِّج كروبنا، ويسِّر عسرنا.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

 

تصنيفات المادة