الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

سابعاً – موقف جماعة الإخوان من قضية العنف

قامت هي وكشفت المستور عن موقفها الحقيقي من هذه القضية علي لسان عدد كبير من مسئوليها وأعضاءها ثم جاءت الممارسة العملية علي الأرض لتبرهن علي ذلك

سابعاً – موقف جماعة الإخوان من قضية العنف
أحمد الشحات
السبت ٢٨ مارس ٢٠١٥ - ١١:٤٠ ص
5998

سابعاً – موقف جماعة الإخوان من قضية العنف

كتبه/ أحمد الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

1.      التمهيد :-

بعد دراسة موقف جماعة الإخوان من قضية التكفير ، وبيان أن الجماعة كان لديها من قديم نزعات تكفيرية مستترة تستعملها مع من تحب في الوقت الذي تحب ، فأتصور أنه سيكون من السهل بعض الشيء علي الباحث أن يتناول قضية العنف ، لأن العنف لا يستخدم غالباً إلا بعد منطلقات فكرية تكفيرية تسمح له بممارسة العنف بكل أريحية وبدون أدني درجة من درجات تأنيب الضمير.

ومع أن تحركات جماعة الإخوان المسلمين علي الساحة المصرية في الفترة الأخيرة قد أثارت عددا كبيرا من الشكوك والتساؤلات حول موقف هذه الجماعة من العنف ، ومن مشروعية استخدامه أو امكانية اللجوء إليه - إذا لزم الأمر – إلا أن المطلع علي تاريخ الجماعة كتراث وممارسة سوف تنجلي عنده كثير من هذه التساؤلات.

بيد أن الجماعة التي ظلت محتفظة بسلميتها في الممارسة الدعوية والسياسية لفترة طويلة من الزمن – وربما كان هذا من أهم أسباب حسن ظننا بها - قامت هي وكشفت المستور عن موقفها الحقيقي من هذه القضية علي لسان عدد كبير من مسئوليها وأعضاءها ثم جاءت الممارسة العملية علي الأرض لتبرهن علي ذلك وتؤكده حتي صار حقيقة مؤكده لا يختلف عليها أي متابع للمشهد أو مراقب للأحداث.

في الواقع تفاوت الناس في استقبال هذه الصدمة إلي أنواع عدة :-

       منهم من فُجع بها لفكرته الحسنه عن الجماعة وعن أعضاءها خصوصا أنها تتبع طريقة جيدة في جذب المدعويين ، وتعمل أيضا في العمل الخدمي والخيري ، وكان لها ذكر حسن عند كثير من الناس وهم متداخلون في المجتمع بشكل إيجابي مما يجعل التعرف عليهم لا تكتنفه صعوبة أو مشقة.

       ومنهم فريق عرف عن الجماعة شيئا من التفاصيل من خلال الإحتكاك المباشر مع أعضاءها في محيط العمل الدعوي والإجتماعي وقد تفهم هؤلاء ملامح أساسية للشخصية الإخوانية ولطريقة تربيتها وتوصلوا إلي كثير من مفاتيحها وطرق التعامل معها ولكنهم لم يتخيلوا يوما ما أن يصل بهم الحال إلي ما وصل مؤخرا .

       وهناك فريق أخر كان يعلم عن الجماعة وعن تاريخها أشياء كثيرة وعرف من هذا التاريخ أسرارا عديدة مختبئة في بطون الكتب وبين سطور دراسات أكاديمية وبحثية ولكن كانت الثقة في هؤلاء ضعيفة نسبيا حيث كان أغلبهم ممن انشق عن جماعة الإخوان أو من الكتاب المعادين للتيار الإسلامي عموما وللإخوان خصوصا فكان الزهد ، أو قل التشكيك في صحة هذه الأبحاث ديدن الكثيرين من أتباع التيار الإسلامي تجاه هذه الأبحاث والدراسات ، وهذا بلا شك خطأ كبير جعلنا نغض الطرف عما بهذه الأبحاث من كشف للحقيقة وبيان لحقبة من التاريخ لا يجوز أن تُطوي أو تُنسي.

ولكن إن كان لنا  في الماضي عذر فلا يسعنا السكوت الآن عما يجري في طول البلاد وعرضها والجماعة تمارس العنف بكل صوره وتبارز المجتمع وتواجهه ، وتتحدي السلطة وتهاجمها بشكل دائم ومنظم ، وتستجيز في سبيل ذلك كثير من المحرمات والحرمات.

هذه المستجدات دفعتنا بشكل عاجل إلي العودة إلي منابع العنف في هذه الجماعة ودراسة تاريخها بشكل متأني حتي نصل إلي الحقيقة في هذه التهم البشعة الموجهة للجماعة ، وإلي تفسير مقنع لما تنتهجه من عنف كممارسة علي الأرض،وفي سبيل الوصول إلي ذلك لن نبحر بعيدا عن الشاطيء الإخواني ولن نلجأ إلي كتابات المناوئين والأعداء فلسنا محتاجين لذلك لأننا لا نمتلك رغبة في تشويه الجماعة بل كنا نتمني أن تتبرأ من ذلك ،والأمر الثاني أن فيما كتبه قاده هذه الجماعة وما هم مدون في صحائفهم فيه غنية وكفاية.

2.      المقدمة :-

دعونا في البداية أن نتعمق في واحد من أخطر وأهم ما كتبه الإخوان عن تاريخهم وعن قصتهم مع العنف ومع استعمال السلاح وتفاصيل أخري كثيرة لن تتمالك نفسك من شدة الإندهاش ومن هول الصدمة عندما تقلب عينيك في صفحاتها وأوراقها ، ألا وهو كتاب " حقيقة النظام الخاص " لمحمود الصباغ.

هذا الكتاب الذي بدأ بمقدمة وتقريظ من الأستاذ مصطفي مشهور وهو أحد أهم أعمدة النظام الخاص والمرشد الخامس للجماعة قال فيها:-

" وفي مجالات عملي بالجماعة شاركت في " النظام الخاص" وفي قيادته فترة من الزمان.. وقد أدى هذا الجهاز الدور الذي أنشئ من أجله ضد المحتل البريطاني، وضد العدو الصهيوني.. وقد عرض الأخ الأستاذ محمود الصباغ في هذا الكتاب الكثير من هذه الصفحات المشرقة.. فجزاه الله خيرًا، ونفعه ونفع به. وقد تعرفت على الأخ محمود الصباغ في مراحل الدراسة الثانوية والجامعية.. وقد تشرف هو أيضا بالانتماء إلى «جماعة الإخوان المسلمين » وساهم بالعمل في مجالات الدعوة، وبالعمل في «النظام الخاص» وشارك في قيادته كذلك ، ولعل من توفيق الله عز وجل أن يكون هذا الكتاب بعنوان «حقيقة النظام الخاص» فقد تميز بأن مؤلفه اجتهد في تحري الحقيقة من واقع الممارسة العملية.. لا النقل والسماع، وأنه أيد معظم ما جاء به بأحكام قضائية، وشهادات كبار الشهود.. "

حرصنا علي هذا النقل في بداية الحديث ، لأن الإخوان ديدنهم أنهم يطعنون في صحة المصادر وفي الثقة بالكتاب وغير ذلك من أساليب التشغيب وتعطيل الحقيقة ، وبالتالي فهذا الكتاب معتمد بأعالي الأسانيد فمؤلفة أحد قادة النظام الخاص ومقرظة أحد القادة أيضا وقد شهد له بتحري الدقة وإصابة كبد الحقيقة حتي لا يطعن علينا أحد بعد ذلك في ثبوت المصدر أو الثقة به.

ولنبدأ الأن رحلتنا مع هذا الكتاب المثير"حقيقة التنظيم الخاص ودوره في دعوة الإخوان المسلمين" للأستاذ / محمود الصباغ:-

يستهل الكاتب في بداية كتابه مقدمة تحمل كلاما مطلقا يعطي لنا إشارة عن الفكر الإجمالي للكاتب ونظرته للمجتمع ومعيار تقسيمه للناس ،لن نتعجل الآن استنطاق الجمل ولا إلقاء التهم ولكن فقط نقرأ ونضع تحت الأسطر علامات علها أن تكون هادية لما بعد ذلك ، يقول الكاتب:-

 " الإرهابيون نوعان : إرهابيون لأعداء الله وهؤلاء هم أرق الناس قلوبا وأرهفهم حسا، وإرهابيون لأحباب الله وهؤلاء هم أغلط الناس قلوبا وأكثرهم قسوة ووحشية. ولكي ندرك هذه الحقيقة فإننا نستطيع أن نقسم الناس كافة من حيث إحساسهم بالمجتمع الذي يعيشون فيه وإسهامهم في العمل على رفعة شأنه والنهوض بأمره إلى خمسة أنواع، ثم ذكر الصنف الخامس فقال : رجل يهتم بشئون نفسه وأهله ووطنه والناس جميعا، يريد لهم سعادة الدارين الدنيا والآخرة، يمنحهم من قلبه وفكره وماله كل ما يستطيع، ثم يحميهم من عدوهم بدمه ونفسه وروحه لا يبتغي من أحدهم أجرًا إلا وجه الله، وهؤلاء هم الذين استجابوا لدعوة الرحمن، فأرهبوا جند الشيطان وحملوا السلاح في وجوههم مقاتلين، لا يهمهم إن دخلوا السجون أو كانوا من المقتولين، يسميهم الطغاة الإرهابيين ويسميهم الرحمن المجاهدين، هم أرق الناس قلوبا، لأنهم يبذلون لأوطانهم ولدينهم الأرواح رخيصة والمهج الغالية دون من أو إيذاء، يتحملون صنوف التعذيب، وفاحش القول والفعل من الأفاكين الغادرين، بإيمان ثابت، وقلب مطمئن بنصر الله، أولئك الذين استجابوا لدعوة الحق جل وعلا.".

ليست المشكلة في ظاهر الكلام ولكن المشكلة الكبرى في كيفية تحديد " أعداء الله " الذين يصبح الإرهاب في حقهم مستحقاً ومستباحاً ، لأن الجماعة عبر تاريخها ترى في كل من خالفها الرأي أو الإجتهاد عدوا للدين أو للوطن أو لكلاهما معا وبالتالي تستجيز لنفسها أن تتعامل معه بقانون الأرهاب الذي صرح به الكاتب وسوف نري في رحلتنا هذه ما يؤكد علي ذلك.

3.      ما هو النظام الخاص وما هي رؤية الجماعة في تكوينه؟

يقول الكاتب " فالنظام الخاص يرمي إلى إعداد فريق كبير من الشباب إعدادًا عسكريا تطبيقًا لما دعى إليه مؤسس هذه الجماعة في رسائله المتعددة من أن الأمر أصبح جدًا لا هزلاً، وأن الخطب والأقوال ما عادت تجدي، وأنه لا بد من الجمع بين الإيمان العميق والتكوين الدقيق والعمل المتواصل وأن حركة الإخوان تمر بثلاثة مراحل: الأولى مرحلة التعريف بنشر الفكرة، والثانية مرحلة التكوين لاستخلاص العناصر الصالحة لأعباء الجهاد، ونظام الدعوة في هذا الطور مدني من الناحية الروحية وعسكري من الناحية العملية، وشعار هاتين الناحيتين دائمًا أمر وطاعة من غير بحث ولا مراجعة، والمرحلة الثالثة مرحلة التنفيذ وهذا الإعداد دائما قصد به تحقيق ما ورد صريحًا في قانون الجماعة من أن من بين أهدافها تحرير وادي النيل والبلاد الإسلامية، وهذا النظام الخاص بحكم هذا التكوين لا يدعو إلى الجريمة ولا يعيبه أن فريقًا من أفراده كونوا من أنفسهم جماعة اتفقوا على أعمال القتل والتدمير."

ويقول في موضع أخر " النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين وهو الاسم الحركي لجيش مسلم يلتزم بأحكام الله في كل ما يصدر عنه من أعمال."

إذن فالنظام الخاص عبارة عن تكوين عسكري مسلح أفراده مدربون تدريبا عاليا ولديهم كفاءة قتالية عالية ، تصور زعيم الجماعة ومؤسسها أنه لا عبرة بحق لا تحميه القوة ، ودعوة بلا سلاح يذهب أثرها أدراج الرياح ، لذا فكان القرار الفوري هو إنشاء هذا الجيش بعيدا بلا شك عن نظام الدولة وعن قوانينها وقد قيل وقتها أن ظروف المرحلة اقتضت تكوين مثل هذه الجيوب العسكرية لمواجهة المحتل وطرد المستعمر ولكن المشكلة أن هذا الجهاز المسمي بالجهاز الخاص قد امتد عمله وطال عمره فأصبح أداة إرهاب لمناوئي الجماعة بل أصبح للأسف أداه تحارب به الجماعة نفسها وما مقتل " سيد فايز" الرجل الثاني في هذا النظام إلا ثمرة لإستخدام السلاح لا أقول في مواجهة أعداء الله ولا أعداء الدعوة علي أقصي تقدير ولكن في مواجهة من يتمرد أو يعصي الأمر!!

4.      كيف يصبح الفرد عضوا في النظام الخاص؟

1.      يتم ذلك عن طريق شراء مسدس من ماله الخاص :-

 " وكان أول ما يختبر به جدية العضو الجديد فيما أعلنه من رغبة صادقة في الجهاد في سبيل الله أن يكلف بشراء مسدس على نفقته الخاصة، ولم يكن ثمن المسدس يتعد ثلاثة جنيهات، يكلف العضو الجديد بادخارها من مصروفه إذا كان طالبًا أو دفعها من كسب يده إذا كان مكتسبًا، لا يستثني أحد من هذه القاعدة لأي عذر من الأعذار، وقد ادخرت فعلا الجنيهات الثلاثة، واشتريت بها مسدسًا افتتحت به باكورة عملي في سبيل الله."

2.      ثم تأتي بعد ذلك مرحلة البيعة وتكون كالتالي :-

 " كانت البيعة تتم في منزل بحي الصليبة، حيث يدعي العضو المرشح للبيعة ومعه المسئول عن تكوينه، والأخ عبد الرحمن السندي المسئول عن تكوين الجيش الإسلامي داخل الجماعة، وبعد استراحة في حجرة الاستقبال يدخل ثلاثتهم إلى حجرة البيعة، فيجدونها مطفأة الأنوار، ويجلسون على بساط في مواجهة أخ في الإسلام مغطى جسده تمامًا من قمة رأسه إلى أخمص قدمه برداء أبيض يخرج من جانبيه يداه ممتدتان على منضدة منخفضة «طبلية» عليها مصحف شريف، ولا يمكن للقادم الجديد مهما أمعن النظر في من يجلس في مواجهته أن يخمن بأي صورة من صور التخمين من عسى أن يكون هذا الأخ.

وتبدأ البيعة بأن يقوم الأخ الجالس في المواجهة ليتلقاها نيابة عن المرشد العام بتذكير القادم للبيعة بآيات الله التي تحض على القتال في سبيله وتجعله فرض عين على كل مسلم ومسلمة، وتبين له الظروف التي تضطرنا إلى أن نجعل تكويننا سريًا في هذا المرحلة، مع بيان شرعية هذه الظروف: «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان»، ثم يذكره بأنه ما دام قد قدم مؤمنًا بفرضية الجهاد في سبيل الله عازمًا على العمل في صفوف المجاهدين، فإننا نأخذ البيعة على الجهاد في سبيل الله حتى ينتصر الإسلام أو نهلك دونه مع الالتزام بالكتمان والطاعة، ثم يخرج من جانبه مسدسًا، ويطلب للمبايع أن يتحسسه وأن يتحسس المصحف الشريف الذي يبايع عليه، ثم يقول له فإن خنت العهد أو أفشيت السر فسوف يؤدي ذلك إلى إخلاء سبيل الجماعة منك، ويكون مأواك جهنم وبئس المصير، فإذا قبل العضو بذلك كلف بأداء القسم على الانضمام عضوًا في الجيش الإسلامي والتعهد بالسمع والطاعة. "

ياالله جهنم وبئس المصير؟! من الذي يجرؤ علي إدخال الناس النار أو إخراجهم منها بهذه الطريقة؟!أي فعل من أفعال التكفير ارتكبه هذا المسكين حتي يُحكم عليه بإخلاء السبيل والمصير إلي الجحيم؟!

وهكذا بكل بساطة يشتري الفرد مسدسا ويعلن انضمامه إلي الجيش الإسلامي ويقسم علي المصحف والمسدس ويقر علي نفسه بالمصير إلي النار إن هو خان العهد أو أفشي السر!!

وهذا في حس الكثيرين عبارة عن الحكم بالكفر وإستباحة الدم.

ولك أن تتخيل حجم الزلزال النفسي الرهيب الذي تُحدثه هذه البيعة في نفوس أصحابها سواء كان ترغيبا أم ترهيبا وهنا يحكي الكاتب عن تجربة مع أحد الأعضاء فيقول :-

 " كما أنني أشهد أنني شعرت بسعادة كل من بايع من الإخوان المسلمين بهذه الطريقة على الجهاد في سبيل الله حتى الموت أو الاستشهاد، عندما صارحت أحد أعضاء النظام ببورسعيد وهو الأخ حامد المصري باسم ممثل المرشد العام الذي أخذ عليه البيعة في هذا المشهد المهيب، فتأثر حامد تأثرًا شديدًا وقال لي: يا أخي لم تضيع مني جانبًا من جوانب سعادتي-؟ فقد كان من جوانب سعادتي بالبيعة أنني لم أعرف اسم من أخذتها عليه، حيث استمر في مخيلتي وكأنه ملاك رحمة، يأخذ بأيدينا إلى طريق العز والخلود."

5.      خطوات تكوين العضو كما ذكرها المؤلف على لسان المحكمة التي حكمت في قضية السيارة الجيب:-

المرحلة الأولى:

مدتها خمسة عشر أسبوعًا تعطي فيها خمس عشرة حصة على الأقل، وموضوع الدراسة تعارف تام، أي معرفة تامة بظروف الأفراد وأوقات فراغهم وكيفية الاتصال بهم في الأحوال العادية وفي الحالات الفجائية، وتذكير بحق البيعة وتدارس التكاليف الثابتة بجدول المحاسبة وإعطاء بعض الدروس في السويدي ومعرفة كيفية تقديم تقرير، ودراسة قطعة من المحفوظات (اسم حركي للسلاح) دراسة تفصيلية، ومعرفة التوجيهات الخاصة بجميع الأخبار وتلخيصها وتقديم التقارير عنها ودراسة رسالتين من المأثورات وجزءين من المصحف الشريف والقيام برحلة رياضية ثم دراسة باقي قطع المحفوظات والقيام برحلة تدريب، مع تكليف بدراسة كتابين لكل فرد من المنهج الثقافي الخاص بهذه المرحلة، وذلك لتقديم تقرير كتابي عنهما ودروس في القانون ثم تدارس للتقارير التي قدمت عن الكتب والقيام برحلة رياضية ودروس في الإسعاف، ومجموع هذه الدروس خمسة عشر درسًا.

المرحلة الثانية:

وجاء في أوراق المرحلة الثانية أن مدة الدراسة خمسة عشر أسبوعًا يعطي في خلالها خمسة عشر درسًا على الأقل موضوعها تحليل البرنامج لهذه المرحلة ودراسة قانونية ودراسة نظرية في تقدير المسافات ورحلة خلوية لتقدير المسافات عمليًا ودراسة جغرافية في رسم الخرائط وقراءتها ودراسة البوصلة دراسة تفصيلية نظرية، ورحلة تطبيقية لرسم خريطة مع تقدير المسافات واستعمال البوصلة، وتكليف الأفراد بتقديم تقارير عن هذه الرحلة الأخيرة قبل بدء الجلسة التالية، ثم مناقشة التقارير في جلسة أخرى والقيام برحلة سفن شراعية ورحلة تدريب ودروس في الإسعاف.

وجاء في الملاحظات الخاصة بهذه المرحلة أن أية خيانة أو إفشاء سر بحسن قصد أو بسوء قصد يعرض صاحبه للإعدام وإخلاء سبيل الجماعة منه، مهما كانت منزلته ومهما تحصن بالوسائل واعتصم بالأسباب التي يراها كفيلة له بالحياة.

المرحلة الثالثة:

وجاء في ورقة المرحلة الثالثة أن مدتها خمسة عشر أسبوعًا ودروسها خمسة عشر درسًا، وتشمل تحليل برنامج المرحلة الثالثة وقيادة الموتوسيكل وسيارة ورحلة رياضية أخرى للتدريب ودروس في القانون، ودراسة منطقة معينة في القاهرة والأقاليم مع رسم خريطة جغرافية لها وبيان الأبنية الهامة تفصيليًا، ودروس في الإسعاف.

المرحلة الرابعة:

وجاء في الورقة الخاصة بالمرحلة الرابعة أن مدتها خمسة عشر أسبوعًا ودروسها خمسة عشر درسًا، وتشمل تحليل برنامجها، وأن يقوم كل فرد من أفرادها بحصر قوات بوليس قسم معين وقيادة سيارة إن أمكن أو رحلة رياضية كركوب الخيل والجمال وحصر قوات المرور وأماكنهم في منطقة معينة ودراسة عملية شاملة لمدينة القاهرة وذلك ببيان أحيائها وعلاقتها ببعض ومسالكها ومواصلاتها وكيفية مهاجمة مكان ما، ورحلة تدريب ودروس في القانون وإقامة معسكر للمبيت تمارس فيه أنواع الرياضة المختلفة ودراسة حربية، ثم دراسة في التعقب يقوم بها كل فرد ودروس في الإسعاف.

6.      التدريب على السلاح وصناعته: -

يحكي الكاتب عن التحرك العملي نحو الممارسة سواء كان بالتدريب أو بصناعة السلاح ذاته حتي إذا اكتملت هذه الخطوات لم يتبقي إلا التنفيذ والتطبيق وقد كان ، يقول الكاتب :-

" لم يكن الأمر يقتصر على الدراسة النظرية من فك وتركيب وتنظيف لقطع الأسلحة المختلفة وأنواع القنابل المختلفة في الاجتماعات، ولكن كان لا بد من التدريب على ضرب النار واستعمال القنابل. وقد اتخذ النظام من الجبال والصحاري المحيطة بالقاهرة ونظائرها في الأقاليم ميادين للتدريب. فكنا نختار مخبأ أمينًا في أعماق الجبال يكون قريبًا منه واد مناسب للتدريب، ثم تحدد مواعيد وبرامج لكل مجموعة بقيادة أميرها، للذهاب إلى الوادي المختار، حيث يترك الأمير المجموعة ويحضر الأسلحة والذخائر اللازمة للتدريب من مخبئها، ويبدأ التدريب بالذخيرة الحية، ثم يعيد أمير المجموعة الأسلحة وما بقى من ذخائر إلى مخبئها ويقود المجموعة إلى القاهرة في أمان تام ولم يختلف نظام التدريب في القاهرة عنه في الأقاليم، إلا بوفرة التسهيلات في الأقاليم حيث تتوفر الأسلحة والذخائر والأماكن الأمينة التي يتم فيها التدريب دون جهد كبير.

ولم يقتصر تفكير النظام الخاص على التدريب على الأسلحة والقنابل التقليدية، بل فكر في صناعة ما يستطيع تصنيعه محليًا من المتفجرات التي لا تتوفر في الأسواق مثل قطنه البارود، فقد تم إنتاجه بنجاح، وكذلك ساعات التوقيت التي تحدد وقت انفجار العبوة الزمنية، فقد تم تطوير الساعات العادية إلى ساعات زمنية لتفجير العبوات، وقد كان لهاتين الصناعتين أثر كبير في نجاح العمليات ضد الصهاينة والإنجليز، لأن معظم عمليات النسف لا بد وأن تكون زمنية بحيث يمكن أن يجد الفدائي وقتًا كافيًا للبعد عن موقع الانفجار قبل وقوعه، ولقد قمنا بتزويد الشهيد عبد القادر الحسيني بأعداد كبيرة من الساعات الزمنية من تصنيع ورشة النظام لاستخدامها في معاركة ضد اليهود، وذلك لعدم توفر هذا الصنف في الأسواق. "

تجربة مصنع قطن البارود: -

يقول الكاتب :- " بدأت صناعة النظام لقطن البارود على أساس تجريبي أولاً بإشراف الأستاذ علام محمد علام أستاذ الكيمياء بالكلية الحربية يرحمه الله، وذلك بإذابة القطن المنتوف في حامض الكبريتيك ثم كبس العجينة بمكبس يدوي، بحيث يمكن أن يوضع بداخلها مفجرًا يتصل بأسلاك ثم ببطارية، ويتم تفجير المفجر بتوصيل التيار الكهربائي في دائرته الكهربائية، فإذا ما انفجر المفجر، فجر بدوره قالب قطن البارود ذو القوة الهائلة في التدمير.

وقد تمت تجربة هذه الصناعة اليدوية في الجبل بإلصاق القالب الذي أنتجناه في قطعة من قضيب سكك حديدية، ثم تفجيره من بعد، بحيث لا يصاب أحد من آثار الانفجار، وتحقق لنا نسف القضيب بانفجار هذا القالب الصغير، ومن ثم اتجه تفكيرنا إلى تصنيع قطن البارود على نطاق واسع، وكان لا بد لذلك من مكبس هيدروليكي كبير من نفس الحجم المستخدم في صناعة البلاط، ومن ثم اتجه تفكيرنا إلى إنشاء مصنع بلاط لا يعمل فيه إلا عمال من أعضاء التنظيم الخاص، بحيث ينتج البلاط على أساس تجاري يضمن له صفة الاستمرار، وفي نفس الوقت يستخدم مكبسه في إنتاج قوالب قطن البارود بالكميات التي تحتاج إليها العمليات.

وقد قمت شخصيًا بشراء المكبس الهيدروليكي من السوق ولم يكن سني قد بلغ الثالثة والعشرين وكان إعجاب التجار بشاب في هذا السن يقدم على إنشاء مصنع بلاط بالغًا، فلمست منهم كل تشجيع حتى فيما يختص بالسعر، وتم إنشاء المصنع في ميدان السكاكيني بالقاهرة بصفته أحد مصانع شركة المعاملات الإسلامية، وتعين كل عماله وموظفيه من أعضاء النظام الخاص وأخذ فعلا في إنتاج أجود أنواع البلاط، وأقوى أنواع قوالب قطن البارود، وقد استمر المصنع في إنتاج البلاط بعد أن استنفذ أغراضه من إنتاج قطن البارود، ولعله لا يزال باقيًا إلى اليوم في موقعه بميدان السكاكيني ولكن ملكيته قد انتقلت إلى آخرين لا يعلمون شيئا عن سابق استخدام المصنع في إنتاج قطن البارود ".

7.      الحوادث والقضايا التي تورط فيها النظام الخاص :-

1)      قضية السيارة الجيب (15 نوفمبر 1948):-

هذه القضية أحد أهم القضايا المحورية في تاريخ الجماعة وهي التي بسببها تم اكتشاف جزء كبير من الجانب السري والخفي في فكر هذه الجماعة وسلوكها ، ومع أن حادث اكتشاف هذه السيارة يبدو قدريا محضا أو – هكذا زعموا – إلا أن السيارة كانت ممتلئة بعدد كبير من الوثائق السرية والمخطوطات الخاصة التي تشرح خططا وتبرز فكرا، لا أقول تكشف أوراقا دعوية أو تنظيمية تتعلق بنشاط الجماعة أو دعوتها إذن لهان الخطب ولما وجدت الدولة شيئا تتخذه ذريعة للقضاء علي الإخوان أو التشهير بهم ولكن كان لوقوع هذه السيارة في أيدي الأمن طعنة كبري في صدر الجماعة أصابتهم بقدر من التخبط والزلزلة جعلتهم يُقدمون علي خطوات أكثر هجوما وعنفا ، وقد اتهم في هذه القضية عدد من قيادات الإخوان علي رأسهم (عبدالرحمن السندي – مصطفي مشهور – السيد فايز – محمود الصباغ – أحمد عادل كمال).

وكان اتهام النيابة العامة كما يلي:

أولاً: اشتركوا فيما بينهم ومع آخرين لم يعلموا في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب الجنايات والجنح المذكورة بعد، واتخاذها وسيلة للوصول إلى الاستيلاء على الحكم بالقوة، واتحدت إرادتهم على الأعمال المسهلة والمجهزة لارتكابها، كما تداخل المتهمون العشرة الأول والرابع عشر والخامس عشر والثلاثون في إدارة حركة هذا الاتفاق وكان لهم شأن فيها، وذلك بأن كون المتهمون من أنفسهم ومن غيرهم جماعة إرهابية ذات قيادة وأركان وجنود وخلايا، واختاروا أفرادها طبقا لنظام موضوع مفصل، وبعد فحصهم طبيًا لمعرفة مدى لياقتهم للعمل جسمانيا وعصبيًا، ولقنوهم دروسًا روحية ورياضية وفي تبرير القتل وفي حرب العصابات واستعمال الأسلحة والمفجرات وفي تعقب الأشخاص واغتيالهم سياسيين كانوا أو عسكريين أو مدنيين، وقاموا بمراقبة الأماكن التي عقدوا النية على ارتكاب جرائمهم فيها، وإعداد التقارير والرسوم الدقيقة عنها واختيار مواضع التنفيذ وزمانه ومكانه وأعدوا برامج شاملة لمختلف الهيئات الإرهابية التي أنشأوها، ولمصادر الأموال اللازمة لها من إعانات وترهيب وسطو على البنوك والمتاجر والإذاعة والدعاية الداخلية والخارجية والمخابرات والتجسس على الأحزاب والهيئات المختلفة وإشاعة الفوضى والذعر والإخلال بالأمن في البلاد تحقيقًا للغرض المتقدم ذكره وهذه الجرائم هي:

1.      قلب وتغيير دستور الدولة وشكل الحكومة بالقوة بواسطة عصابات مسلحة وباستعمال قنابل وآلات مفرقعة بنية ارتكاب هذه الجريمة وبغرض ارتكاب قتل سياسي الأمر المنطبق على المادتين 87، 88 فقرة أولى من قانون العقوبات.

2.      إتلاف سيارات وأسلحة الجيش المصري المعدة للدفاع عن البلاد الأمر المنطبق على المادة 81 من قانون العقوبات.

3.      تخريب المنشآت الحكومية وأقسام ومراكز البوليس ومحطات الإضاءة والمياه وغيرها، الأمر المنطبق على المادة 90 من قانون العقوبات.

4.      قتل عدد كبير من المصريين والأجانب مبينين بالمحضر، وذلك عمدًا مع سبق الإصرار والترصد، الأمر المنطبق على المواد 230، 231، 232 من قانون العقوبات.

5.      تعريض حياة الناس وأموالهم عمدًا للخطر باستعمال القنابل والمفرقعات في عدد من السفارات والقنصليات الأجنبية وغيرها من الأماكن العامة والخاصة المأهولة بالسكان والمبينة بالمحضر، الأمر المنطبق على المادة 358 فقرة ثانية وثالثة من قانون العقوبات.

6.      تعطيل وسائل النقل العامة بنسف قطارات السكك الحديدية وجسورها وخطوطها، ونسف الطرق والكباري العامة وسيارات الأوتوبيس وتعطيل القوى الكهربائية المولدة لحركة خطوط ترام القاهرة، الأمر المنطبق على المادة 167 من قانون العقوبات.

7.      إتلاف الخطوط التغلرافية والتليفونية الحكومية عمدًا في زمن الفتنة التي اعتزموا نشرها بقطع أسلاكها وقوائمها ونسف أدواتها أو إتلافها بوسائل أخرى مما يترتب عليه انقطاع المخابرات بين ذوي السلطة العمومية ومنع توصيل المخابرات بين الناس، الأمر المنطبق على المادتين 165، 166 من قانون العقوبات.

8.      سرقة البنك الأهلي وبعض المحال التجارية بطريق الإكراه، وذلك باقتحامها بواسطة أشخاص مسلحين بالمدافع والقنابل وقتل من يعترض سبيلهم من الحراس أو غيرهم والاستيلاء بذلك على ما فيها من أموال وبضائع الأمر المنطبق على المادة 314 من قانون العقوبات.

9.      إتلاف مباني شركة قنال السويس وترام القاهرة، وذلك عمدًا بقصد الإساءة، مما ينشأ عنه تعطيل وتوقيف أعمالها ذات المنفعة العامة، ويترتب عليه جعل حياة الناس وأمنهم في خطر، الأمر المنطبق على المادة 361 فقرة أولى وثانية من قانون العقوبات.

10.    قتل خيول البوليس عمدا بدون مقتضى بطريق التسمم، الأمر المنطبق على المادة 355 (أولا وثانيًا) من قانون العقوبات.

11.    إقامة واستعمال محطات سرية للإذاعة اللاسلكية بدون إخطار إدارة تلغرافات وتليفونات الحكومة المصرية، وبغير ترخيص منها، الأمر المنطبق على المواد 1، 2، 5 من الأمر العسكري رقم 8.

ثانيًا: أحرزوا وحازوا مقادير كبيرة من القنابل اليدوية والفوسفورية والجيلجانيت والديناميت والمادة الناسفة المعروفة باسم. P. T. N والألغام وساعات التفجير الزمنية والمفجرات الكهربائية والطرقية وغيرها من المفرقعات والآلات المفرقعة، وذلك بدون ترخيص وبغرض ارتكاب قتل سياسي وبنية قلب وتغيير دستور الدولة وشكل الحكومة بالقوة.

ثالثًا: أحرزوا وحازوا أسلحة نارية -مدافع سريعة الطلقات ومسدسات وذخائر مخصصة لها وكذا أسلحة بيضاء، وذلك بدون ترخيص.

رابعًا: حازوا أجهزة وأدوات خاصة بمحطة إذاعة لاسلكية بدون إخطار إدارة تلغرافات وتليفونات الحكومة المصرية وبغير ترخيص وأقاموها في منزل بإحدى الضواحي أعدوه لهذا الغرض.

تعليق المؤلف على هذا القرار:

" إن التهم الإحدى عشر الأولى التي وجهتها النيابة العامة الإخوان المسلمين كلها وبنص القرار هي تهم على اتفاق جنائي لم يصل إلى حد التنفيذ شيء منها، ومع ذلك فإن مواد قانون العقوبات المذكورة فيها، موضوعة في القانون الوضعي بمعرفة المستعمر الإنجليزي بعد قتل بطرس غالي باشا، بقصد تمكين السلطة من إخماد أي صوت أو فكر أو حركة ضده فور الإحساس بها وبدون حاجة إلى دليل على التنفيذ وتقضي معظم موادها على من يقع تحت طائلتها بالإعدام.

أما الشريعة الإسلامية فلا تعترف بأي من هذه المواد، فالأصل أن من نوى معصية ولم ينفذها كتبت له حسنة، ومن نوى حسنة ونفذها ضاعف الله له الحسنات ما شاء له أن يضاعفها، ولو أننا نحتكم إلى الشريعة الإسلامية لاستراحت النيابة من كل هذا العناء، والجهاد الضائع، حيث لم يقع خطأ أصلا على فرض صحة كلام النيابة فما بالنا وكلام النيابة خطأ جملة وتفصيلا".

2)      محاولة حرق أوراق قضية السيارة الجيب بمحكمة استئناف القاهرة (13 يناير 1949):-

يقول الكاتب حاكيا عن هذه الواقعة وكأنه يتكلم عن قصة مسلية :-

 " من أجل ذلك وضع الأخ الكريم الأستاذ شفيق أنس، وكان حينئذ لا يزال في ريعان شبابه قنبلة زمنية حارقة داخل حقيبة صغيرة شبيهة بحقائب المحامين بجوار الخزانة التي تحتوي على جميع أوراق قضية سيارة الجيب، بنية إحراقها وسلب الحكومة سندها لدى النيابة العامة في كل ما تفتريه على الإخوان المسلمين ظلمًا وعدوانًا، لأنه يعلم علم اليقين كجندي من جنود النظام الخاص، أن الإخوان المسلمين أبرياء من كل اتهام يوجه إليهم ضد مصر خاصة وضد أي بلد عربي أو إسلامي عامة، وقد أصدر إليه أمر التنفيذ قائد النظام الخاص المسئول في هذا الوقت وهو الشهيد السيد فايز عبد المطلب."

إذن فالأخ الكريم الذي كان ينوي تفجير المحكمة بمن فيها من الأبرياء والعزل لم يفعل ذلك إلا لعلمه أن الإخوان أبرياء وشرفاء وأن الإعلام يفتري الكذب عليهم!! ولو كان الأمر كما ادعي لترك الإعلام وكذبة والنيابة وظلمها لأنه ليس ثمة أوراق إدانة حقيقية أصلا ،ومن كان عادته الكذب فلن تُعييه الحيلة في اختلاق الكذب وتلفيق القضايا مرة بعد مرة ، أما من يريد إتلاف المستندات فالعقل يؤمن بأن هذه المستندات فيها ما من شأنه الإدانة وبالتالي حاول إتلافها ولكن الأستاذ الصباغ يلتمس الأعذار أيضا فيقول:

 " ومن البديهي أن تتأثر جماهير الإخوان المسلمين الذين لم يعرفوا شيئا عن الوثائق المضبوطة في السيارة الجيب والتي وصفتها وسائل الإعلام أنها حقائق داحضة تدين الإخوان المسلمين بالاتفاق الجنائي على قلب نظام الحكم والقيام بأعمال تخريب وتدمير في مصر لا يعلم مداها إلا علام الغيوب، فيشفقون على دعوتهم التي وهبوها المهج والأرواح، ليقينهم أنها فضلا عن احتوائها على الإخلاص للوطن كأقوى ما يكون الإخلاص وأعظم؛ فإنها من واقع الشريعة الإسلامية تقوم بعبادة هي فرض عين على كل مسلم ومسلمة، تلك هي عبادة الجهاد في سبيل الله، ولابد لهم أن يعتقدوا أن هناك مؤامرة استعمارية محققة، استعملت النقراشي باشا كمخلب قط للقضاء على دعوة الإخوان المسلمين عندما ظهرت بسالتهم وشدة مراسهم في القتال في فلسطين ، وأن مثل هذه المؤامرة قد زودت الحكومة بوثائق مزورة، محكمة التزوير لدعم هجمتها الشرسة الضالة على الإخوان بقصد إبادتهم.

ولا يكون أمام شباب الإخوان الذين يرون مثل هذه النظرة المنطقية لمجريات الأمور في مصر إلا أن يفكروا في استنقاذ دعوتهم من أقصر طريق ممكن، حيث غيبت السجون والمعتقلات قادتهم دفعة واحدة، ومنعت الاتصال بين أي منهم وبين المرشد العام الذي ظل خارج المعتقل تحت حراسة مشددة من الحكومة لأغراض أدناها أن يفقد الإخوان في المعتقلات مصدر الطاقة الروحية التي تدعم صمودهم وأقصاها أن يفقد العالم الإسلامي إمامه الجليل، الذي يقوده إلى طريق العزة والكرامة المستمدة من الشريعة الإسلامية الغراء وذلك بقصد تيسير قتله جهارًا نهارًا على قارعة الطريق.

في ظل هذا الجو المشحون بالتوتر المصطنع من جانب الحكومة، يكون من البديهي أن يفكر بعض شباب الإخوان المسلمين في حرق أوراق هذه القضية التي اتخذت محورًا لكل هذه الدعاية المسمومة، حتى تفقد الحكومة حجتها فيما تنسبه بإصرار ضد جماعة الإخوان المسلمين، ولا تثريب في هذه الحالة على مثل هذا الشباب الذي يريد أن يطفئ نار الفتنة بنزع الأساس الذي اتخذته الحكومة وسيلة لاشتعال أوارها، خاصة إذا كان الأسلوب الذي ينهجه هو أقل الأساليب إضرارًا بالأرواح والأموال. "

ومرة أخري نأتي للخلاصة النهائية ، نأتي للجاني الحقيقي والمتسبب الأول في العملية فيقول :-

 " ولنا أن نقول إذا كان محمود فهمي النقراشي هو القاتل الحقيقي لمحمود فهمي النقراشي فإن وسائل الإعلام الحكومية في مصر هي المحرض الحقيقي لكل من السيد فايز عبد المطلب و شفيق أنس على محاولة نسف أوراق قضية السيارة الجيب لا محكمة استئناف القاهرة. "

3)      مقتل محمود فهمي النقراشي باشا (28 ديسمبر 1948):-

وإن تعجب فاعجب للكاتب وهو يعلق علي حادث مقتل النقراشي باشا ، فهو لم يدن الحادث ولم يستنكر القتل بل ساق المبررات وقدم المعاذير لمن قاموا بالعملية ونفذوها،والأدهي من ذلك أنه يفلسف ذلك بأن المسئول عن القتل هو الذي استفز الدماء النابضة في قلوب الشباب المتحمس فيصبح النقراشي هو قاتل نفسه!! وتصبح أعمال القتل بعد ذلك مُبررة لدي شباب الجماعة يقول الصباغ تحت عنوان  من قتل محمود فهمي النقراشي باشا؟ :-

" إن الدماء لتغلي في عروق أي إنسان عنده ذرة من إحساس يحب هذا الوطن وهو يرى حاكم مصر العسكري يصدر مثل هذا الأمر، فكيف لا تغلي في دماء شباب باعوا أنفسهم لله واستهدفوا أن يقدموا أرواحهم رخيصة من أجل انتصار الإسلام وقيمه السامية في ربوع الوطن الإسلامي؟

وإذا غلت الدماء في عروق من يقرأ هذا الأمر، فمن يكون المسئول عن هذا الغليان مصدر الأمر، أم من صدر عليه الأمر لقهره واستدلاله؟

وهل تحتاج الدماء في هذه الحالة إلى أوامر من أحد لتغلي في العروق؟ أما إنها ستغلي لا إراديًا من فرط ما ترى من إفساد عمد بقوة السلاح، ولا يفل السلاح إلا السلاح..

وهل يمكن أن يلوم أحد شابًا مسلمًا أو عدة شباب مسلمين إذا ما اتحدت إرادتهم في هذا الظرف المثير على قتل صاحب هذا القرار الداعي إلى الكفر بالله وهو يدعي أنه مسلم؟

إن اللوم كل اللوم إنما يقع على صاحب القرار، وقد حفر قبره بيده، وهو يعلم ذلك يقينًا من قبل أن يوقع القرار، وقد قالها علنًا حيث قال وهو يضحك: إنه يعلم أنه سيدفع ثمنًا لهذا القرار رصاصة أو رصاصتين في صدره !! إنه يعلم أن هذه هي النتيجة الحتمية للمقدمة الشرسة التي فرضها على الأمة، علم اليقين، وقد كان شابا من نفس هذا النوع من الشباب الذي يغلي الدم في عروقه لا إراديًا، ثورة من أجل مصر ، وتلك مصيبة المسكين العظمى أنه يدري!! وقد كان، فقتله الشاب المسلم عبد المجيد أحمد حسن الطالب بكلية الطب البيطري وعضو النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين ، وهو في وسط جنده وعساكره وفي قلب مركز قيادته ومقر سلطانه يعاونه باقي أفراد مجموعته في النظام الخاص ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ يوسف: 21 "

وإذا تأصل لديك ذلك فإن الكاتب لم يكتف بذلك بل جعل هذا القتل قربة لله وفريضة من عنده واجبة النفاذ وأنه لو لم يقم هؤلاء الطلبة بهذا العمل الجليل فلابد أن غيرهم كان سيقوم بة تنفيذا لعهد الله ووصيته فيقول :-

" لقد كان عبد المجيد أحمد حسن ومعاونيه متأكدين وهم يقومون بهذا العمل، أنهم يقدمون دماءهم شهداء من أجل مصر ، فلم يكن أمامهم وقد اختاروا هذا الموقع لتنفيذ ما استقر عليهم رأيهم، إلا أن يقبض على عبد المجيد متلبسًا فيدل عليهم، ولكنهم كانوا رجالا قد تعلموا أن قتل المحاربين للإسلام فرض عين على كل مسلم ومسلمة، وقد تحقق لهم بعد إطلاعهم على هذا الأمر العسكري أن من وقعه محارب غادر للإسلام والمسلمين دون نزاع، فأقدموا على هذه العبادة المفروضة عليهم من لدن الحكيم الخبير دون حاجة إلى توجيه من جماعة أو هيئة ولا شك أنه لو تأخر عبد المجيد أحمد حسن وإخوانه عن أداء هذه العبادة لأداها غيرهم من ملايين شباب مصر الذين غلت دماؤهم كما غلت دماء عبد المجيد أحمد حسن وإخوانه فذلك قدر محتوم لكل من يتحدى إرادة الشعوب وعقائد المخلصين."

ثم يلخص المشهد في النهاية بكل بساطة فيقول " إذن فمن قتل محمود فهمي النقراشي ؟ إنه محمود فهمي النقراشي باشا نفسه."

4)      حادث مقتل الخازندار بك (22 مارس 1948):-

في البداية يقرر الكاتب أن الحادث تم علي أيدي أفراد من النظام الخاص وعلي رأسهم قائده المباشر إلا أن المرشد العام لم يكن علي علم بذلك فيقول :-

 " مرتكبي هذا الحادث هم ثلاثة أفراد من الإخوان المسلمين بصفتهم الشخصية، هم عبد الرحمن السندي، ومحمود سعيد زينهم، وحسن عبد الحافظ.

ولقد استحل هؤلاء الإخوان الثلاثة لأنفسهم القيام بهذا العمل لدوافع وطنية اقتضتها ظروف هذا الحادث واستشعرها جميع شعب مصر في حينها، دون أن يكون لأحد من الإخوان المسلمين أو من قيادة النظام الخاص أمر أو إذن به.  ولا يغير من هذه الحقيقة كون عبد الرحمن السندي رئيسًا للنظام الخاص ولا كون الأخوين محمود سعيد زينهم وحسن عبد الحافظ أعضاء في النظام الخاص، لأن النظام الخاص لا يمكن أن يتحمل إلا الأعمال التي تقرها قيادته مجتمعة، بأمر صريح من المرشد العام، وما لم يتحقق هذين الشرطين لأي عمل من أعمال النظام الخاص؛ فإن هذا العمل يكون عملاً فرديًا تقع مسئوليته كاملة على من قام به. "

ثم يعود فيشرح ظروف وملابسات كل فرد من هؤلاء الثلاثة بطريقته التبريرية المعهودة فيقول عن عبدالرحمن السندي :-

 " ولقد لمسنا من عبد الرحمن طوال فترة العمل معنا الصدق في اللقاء والصبر على العناء، والبذل بالمال والوقت دون حدود، مع صفاء في النفس، ورقة في الشعور، والتزام بأحكام الدين حتى أحببناه حبًا صادقًا من كل قلوبنا، لما جمع الله فيه كل هذه الصفات، ولعل هذا الإحساس المرهف، مع الطبيعة الصعيدية، هما القوة الدافعة لعبد الرحمن التي حولت مظاهر السخط البادية من كل الناس وهو واحد منهم، وبخاصة من الإمام الشهيد على هذا الجور الذي ظهر من دائرة الخازندار بك ضد الشباب والوطنيين، مقارنا باللين المخل في أحكامها ضد المجرمين الحقيقيين "

إذن فإحساس الرجل المرهف وشعوره النبيل وطبيعته الصعيدية جعلت منه قوة دافعة للقتل والإغتيال وما دام الرجل رقيق الشعور صافي النفس فله كل العذر إن قتل من قتل وسفك دم من سفك ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ولكن كيف تعاملت قيادة الإخوان مع هذه الحادثة بعد إذ تقرر لديهم مسئوليتهم عنها ، يقول الكاتب :-

 " وعقدت قيادة النظام الخاص محاكمة لعبد الرحمن على هذا الجرم المستنكر، وحضر المحاكمة كل من فضيلة المرشد العام الشهيد حسن البنا وباقي أفراد قيادة النظام بما في ذلك الأخوة صالح عشماوي، والشيخ محمد فرغلي، والدكتور خميس حميدة، والدكتور عبد العزيز كامل، ومحمود الصباغ ، ومصطفى مشهور، وأحمد زكي حسن، وأحمد حسنين، والدكتور محمود عساف، وقد أكد عبد الرحمن في المحاكمة أنه فهم من العبارات الساخطة التي سمعها من المرشد العام ضد أحكام المستشار الخازندار المستهجنة، أنه سيرضى عن قتله لو أنه نفذ القتل فعلاً،

 وقد تأثر المرشد العام تأثرًا بالغًا لكلام عبد الرحمن لأنه يعلم صدقه في كل كلمة يقولها تعبيرًا عما يعتقد، وبلغ من تأثر فضيلة المرشد العام أنه أجهش بالبكاء ألمًا لهذا الحادث الأليم الذي يستوجب غضب الله، لأنه قتل لنفوس بريئة من غير نفس، كما يعتبر مادة واسعة للتشهير بالدعوة ورسالتها في الجهاد من أجل إقامة شرع الله، وقد تحقق الإخوان الحاضرون لهذه المحاكمة من أن عبد الرحمن قد وقع في فهم خاطئ في ممارسة غير مسبوقة من أعمال الإخوان المسلمين ، فرأوا أن يعتبر الحادث قتل خطأ، حيث لم يقصد عبد الرحمن ولا أحد من إخوانه، سفك نفس بغير نفس، وإنما قصدوا قتل روح التبلد الوطني في بعض أفراد الطبقة المثقفة من شعب مصر أمثال الخازندار بك "

هكذا بكل بساطة قصد الرجال الأطهار قتل روح التبلد فوقع القتل علي بعض أفراد الطبقة المثقفة فأصاب الخازندار وكأن شيئا لم يكن!!

يقول الكاتب :-

" ولما كان هؤلاء الإخوان قد ارتكبوا هذا الخطأ في ظل انتمائهم إلى الإخوان المسلمين وبسببه، إذ لولا هذا الانتماء لما اجتمعوا على الإطلاق في حياتهم ليفكروا في مثل هذا العمل أو غيره، فقد حق على الجماعة دفع الدية التي شرعها الإسلام كعقوبة على القتل الخطأ من ناحية، وأن تعمل الهيئة كجماعة على إنقاذ حياة المتهمين، البريئين من حبل المشنقة بكل ما أوتيت من قوة، فدماء الإخوان ليست هدرًا يمكن أن يفرط فيه الإخوان في غير أداء فريضة واجبة يفرضها الإسلام ، حيث تكون الشهادة أبى وأعظم من كل حياة.

ولما كانت جماعة الإخوان المسلمين جزءًا من الشعب، وكانت الحكومة قد دفعت بالفعل ما يعادل الدية إلى ورثة المرحوم الخازندار بك، حيث دفعت لهم من مال الشعب عشرة آلاف جنيه، فإن من الحق أن نقرر أن الدية قد دفعتها الدولة عن الجماعة وبقى على الإخوان إنقاذ حياة الضحيتين الأخرتين محمود زينهم، وحسن عبد الحافظ. "

ورغم أن الحادث تسبب في قدر من الزلزلة والتشكك في نفوس كثير من القادة فضلا عن الأتباع وتوقعوا حل النظام الخاص أو إقالة قائده إلا أن الكاتب يصدمنا جميعا فيقول :-

 " كما أن بعض كبار الإخوان الذين يعلمون بوجود النظام الخاص في الجماعة، ولكن عدم انتمائهم إليه لم يسمح لهم بمعرفة شيء عن ظروف هذا الحادث، ولا عن الموقف الشرعي الذي وقفته قيادة النظام منه، اتخذوا من غضبة المرشد العام على هذا الحادث غضبة على النظام الخاص ككل، وعلى رئيسه عبد الرحمن السندي على وجه الخصوص، وأخذوا يروجون أن المرشد العام عزم على حل النظام الخاص أو على إقصاء عبد الرحمن السندي من رئاسته، ولكن الحقيقة أن شيئا من هذا لم يحدث، وأن فضيلة المرشد العام استمر على ثقته واعتماده على النظام الخاص وقيادته حتى لقي ربه راضيًا مرضيًا."

ليست هذه هي المشكلة أيضا بل العجب كله يأتي بعد ذلك حيث رئا الإخوان أن من واجبهم إنقاذ أبناءهم من أن تلحق بهم عقوبة مستحقة علي أيدي المحكمة إلا أن الإخوان قد رءوا في المحكمة الداخلية التي عقدوها فيما بين أنفسهم كفاية وزيادة ونترككم مع الكاتب وهو يحكي هذه الدراما المثيرة فيقول :-

 " لقد صدق إخوان النظام في الدفاع عنهم، والعمل على نجاتهم مما وقعوا فيه نتيجة لخطأ غير متعمد من رئيس النظام، فذلك هو أبسط واجبات أفراد العمل العسكري إذا ما وقع فرد أو أكثر من أعضائه في يد الأعداء بطريق الخطأ.- ثم يستكمل قائلا - كما تحملت بنفسي وضع خطة لخطف الأخوين عبد الحافظ ومحمود زينهم من سجن مصر تحسبًا لما يمكن أن يقع في نفس القضاة من غضب لزميلهم، فيحكموا عليهما بالإعدام، وحرصت على أن لا تكون في هذه الخطة فرصة لإراقة دماء.

وقد اشترك معي الأخ صلاح عبد الحافظ في متابعة تنفيذ الخطة، فقد كان ولعه بنجاة شقيقه حسن ولعًا كبيرًا. وقد أنبتت الخطة على الاستعانة باثنين من السجانين في نقل صور المفتاح الماستر الذي يفتح جميع الزنازين، على قطعة من الصابون بحيث يمكن صنع مفتاح مطابق له بيد البراد الماهر علي الخولي، ومن الطبيعي أنني دفعت لهذين السجانين أتعابهما عن هذا العمل، وقد كان اختيارهما دقيقًا، فلم يفصحوا لأحد عن عمليتهم الخطرة.

كما كان من الخطة الاستغاثة باثنين من المسجونين العاديين، الذين تعودوا الخروج لعيادة طبية في المستشفيات، وكانت علاقاتهما بالسجانين المرافقين لهما تسمح بأن يتركوا لهما حرية التنقل وزيارة أهلهما، ثم العودة إلى السجن دون إضرار بالسجانين.

وقد تم فعلاً الاتفاق مع هذين المسجونين على فتح باب زنازين كل من الأخوين حسن عبد الحافظ ومحمود زينهم بالمفتاح المصنوع بمعرفتنا ومساعدتهما في القفز من سور السجن في الوقت الذي نتفق عليه، ومن الموضع الذي نتفق عليه، ولقد دفعت بنفسي لهذين المسجونين أتعابهما سخيًا عن هذه العملية. ولكن إرادة الله شاءت أن يلقى القبض علينا في قضية السيارة الجيب قبل تنفيذ هذه الخطة على الرغم من أن تجربة المفتاح قد نجحت في فتح الزنازين، كما أن القبض علينا لم يسمح لنا بتنفيذ خطة بديلة كانت تقضي بخطف الأخوين من سيارة السجن عند دخولها بين مسجدي الرفاعي والسلطان حسن بتهويش حراستهما بقنابل صوت، ثم الفرار بهما بعيدًا عن الموقع المختار. "

5)      سرية مصطفى كمال عبد المجيد لقتل إبراهيم عبد الهادي قاتل الإمام الشهيد:

يقول الكاتب :- " اعتقل الأخ السيد فايز في حادث النقراشي باشا، وأصبح الدكتور أحمد الملط هو المسئول الأول عن حماية الدعوة في هذه الظروف الشاذة باعتقال كل من يعلوه في قيادة الجماعة سواء في الدعوة العامة أو في النظام الخاص، وقد قتل الأعداء الخونة الإمام الشهيد على قارعة الطريق في أبشع حادث يمكن أن يقع من حكومة ضد أحد رعاياها، ومن ثم فقد كان له حق الاجتهاد.

وقد درس الإخوان المجاهدين خطة محاولة قتل إبراهيم عبد الهادي باشا لأنه كان قائدًا لحكومة تحارب الإسلام وقد خلف محمود فهمي النقراشي باشا، وتعهد بتنفيذ كل مخططاته الإجرامية للقضاء على الدعوة الإسلامية نهائيًا في مصر ، وقد اتخذ الدكتور أحمد الملط الشقة التي استأجرها الأخ علي صديق بمصر القديمة مقرًا للتخطيط لهذه العملية، وعين مصطفى كمال عبد المجيد قائدًا للسرية التي تقوم بها.

وكانت هذه الشقة تشرف تمامًا على طريق موكب إبراهيم عبد الهادي في ذهابه وعودته من المعادي إلى القاهرة كل يوم، ولم يكن إبراهيم عبد الهادي إلا امتدادًا أثيمًا لمحمود فهمي النقراشي ، فقررت السرية المرابطة في هذه الشقة قتله غدرًا، وتخليص الإسلام من شروره، بعد اعتماد الخطة من المسئول في ذلك الوقت وهو الدكتور أحمد الملط .

وكان التفكير المبدئي أن يصدم مصطفى كمال عبد المجيد سيارة إبراهيم عبد الهادي بسيارة مجهزة بعبوات ناسفة تندفع من الطريق الجانبي، لتصطدم فجأة بسيارة إبراهيم عبد الهادي وتنفجر السيارتان بمن فيهما.

ولكن الأخ مصطفى عبد المجيد خشي أن يعد منتحرًا بهذه الطريقة، فيدخل النار، وفضل أن يشترك في معركة مسلحة تهاجم الموكب وتقضي على من فيه، وقد راجع الأخ علي صديق الدكتور أحمد الملط في هذه الخطة واشترك معه كل من علي رياض والدكتور عز الدين إبراهيم في معارضتها لمنا ينشأ عنها من خسائر أكبر في الأرواح، فالمنطقة آهلة بالسكان، ويمر بالشارع ترام، مما يعرض الكثير من الأرواح للهلاك، ويمكن التفكير في طريقة لا يقتل فيها إلا إبراهيم عبد الهادي وحده كما قتل النقراشي وحده.

ولكن يبدو أن الدكتور أحمد الملط كان قد أصدر أوامره بتنفيذ خطة الهجوم، حيث وقع الحادث وتم ضرب الموكب أثناء المناقشة، وقد استعمل المهاجمون الأسلحة السريعة والقنابل، ورد عليهم حرس الموكب بالمثل، وتبين أن إبراهيم عبد الهادي لم يكن من ضمن الراكبين، بل حل محله حامد جودة رئيس مجلس النواب الأسبق.

وتمخض الهجوم عن جرح بعض المارة وموت سائق عربة كارو، أما حامد جودة فقد ارتمى من الرعب في دواسة السيارة، ولم يصب بسوء، وتمكن جميع من اشتركوا في الحادث من الفرار إلا مصطفى كمال عبد المجيد الذي ظل يدافع عن نفسه بإطلاق عيارات نارية على متعقبيه حتى انتهت ذخيرته وقبض عليه ومعه مدفعه، وعن طريق تعذيب مصطفى كمال عبد المجيد أمكن الاستدلال على عدد كبير من الإخوان المجاهدين داخل الأوكار.

ولقد أدانت محكمة السيارة الجيب في حكمها إبراهيم عبد الهادي باشتراكه في تعذيب مصطفى كمال شخصيًا كما سبق أن أوضحنا. "

6)      حادث محاولة مقتل أحمد ماهر باشا:-

لم يتورط الإخوان في تنفيذ هذا الحادث ولكنهم كانوا يفكرون في إغتياله بل بدأوا بالفعل في مراقبة مسكنه وتحركه وكان بطل هذه العملية المخابراتية هو الكاتب نفسه فيقول :-

 " ولم يمنع هذا الرأي الإخوان المسلمين أن يدرسوا خطة قتل أحمد ماهر باشا لو أنه انضم عمليا إلى أعداء الإسلام وأمر المسلمين بالقتال في صفوف أعدائهم بدلا من أن يؤدوا فريضة الإسلام بقتال أعدائهم، وكنت أنا شخصيًا القائم بهذه الدراسة.

ولقد لاحظ عسكري الحراسة على باب منزل أحمد ماهر باشا بشارع الملك، جلوسي في ود ظاهر مع بواب العمارة المقابلة لهذا المنزل على دكة البواب، بحيث أرى كيف يخرج الباشا من منزله بكل وضوح، وتعجب من هذا المشهد الذي يراه صباح كل يوم، حيث يرى واحد أفندي شاب يصاحب هذا البواب ويلاطفه ويجاذبه أطراف الحديث على هذه الصورة، فتقدم مني وعبر الشارع ليسألني عن سبب جلوسي مع البواب، فقلت له إنني أريد أن أرجو الباشا في نقل شقيقي أحمد الموظف بالبريد إلى الشرقية، لأنه أكبر مني وتحتاج الأسرة إلى قربه منها لرعايتها، فقال لي أذهب وقابل الباشا في المكتب ولا تحضر ثانية لمحاولة مقابلته أمام منزله فهذا ممنوع. "

وبعد ، فهذه بعض النماذج المختارة من قلب ما كتبته أيديهم وما سطرته أقلامهم ، ونحن بذلك قد فتحنا معا غطاء البئر ولم نصل بعد إلي قعره أو إلي نهايته ، وسوف نكرر التجربة مرات أخري – بإذن الله – مع كتب ومراجع أخري لنعرف عن قرب أسرار هذه الجماعة وما قامت عليه في أصل منشئها ومنبت فكرتها .

ويشهد الله أنني لم أتجن ولم أتعمد تشويه الصورة أو إختلاق تهم ولكن هذه كتبهم شاهدة عليهم لم يزد عملنا سوي أننا قرأناها سويا وتوقفنا مليا أمام كلماتها وألفاظها، قرأناها ليست بقراءه الناقد الهدام ولكنها أيضا ليست بقراءه مسلوب الإرادة مغلق الذهن، فأعملنا عقولنا في ما قرأنا ودققنا النظر فيما يُحكي لنا فكانت هذه الورقات التي قرأتم، ويبقي القرار في النهاية للقاريء وإن أراد البحث بنفسه فشغف به وأطاقه فلينهل مباشرة من هذه المصادر وسوف يكتشف الحقيقة بنفسه دونما عناء يذكر والله المستعان.

مراجع هامة لدراسة تاريخ الجماعة :-

1- ( ذكريات لا مذكرات ) – عمر التلمساني.

2- ( التنظيم الخاص ) – محمود الصباغ.

3- ( الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ ) – محمود عبدالحليم.

4- ( الإخوان المسلمون وسنوات الحصاد) - صلاح شادي.

5- ( الشهيدان حسن البنا ، وسيد قطب ) – صلاح شادي.

6- ( النقط فوق الحروف ) – أحمد عادل كمال.

7- ( التاريخ السري للإخوان المسلمين ) – علي العشماوي.

والله ولي التوفيق ،،،،،،

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

 

تصنيفات المادة