الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

من أخلاق النصر في جيل الصحابة (24)

موقف إيماني في الخشوع من حياة رجل من الأنصار

من أخلاق النصر في جيل الصحابة (24)
أحمد فريد
الاثنين ٠٦ أبريل ٢٠١٥ - ١٢:٥٥ م
1661

من أخلاق النصر في جيل الصحابة (24)

كتبه/ أحمد فريد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

"موقف إيماني في الخشوع من حياة رجل من الأنصار"
عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فغشينا دارًا من دور المشركين، فأصبنا امرأة منهم، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعًا، وجاء صاحبها وكان غائبًا، فحلف أن لا يرجع حتى يريق في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دمًا، فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بعض الطريق، نزل شعب من الشعاب، وقال: "من رجلان يكلانا في ليلتنا هذه من عدونا؟" قال: فقال رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار نحن نكلؤك يا رسول الله.
 
قال: فخرجنا إلى فم الشعب دون العسكر، ثم قال الأنصاري للمهاجري: أتكفنيني أول الليل وأكفيك آخره؟ فقال له المهاجري: بل أكفني أوله، وأكفيك آخره، فنام المهاجري، وقام الأنصاري يُصلي، قال: فافتتح سورة من القرآن فبينما هو فيها يقرؤها، جاء زوج المرأة، فلما رأى الرجل قائمًا، عرف أنه ربيئة القوم، فينزع له بسهم فيضعه فيه.
 
قال: فينزعه وهو قائم يقرأ في السورة التي هو فيها ولم يتحرك، كراهية أن يقطعها.
 
قال: ثم عاد إليه زوج المرأة بسهم آخر فوضعه فيه.
 
قال: فانتزعه وهو قائم يُصلي في السورة التي هو فيها، ولم يتحرك كراهية أن يقطعها، ثم عاد له زوج المرأة للمرة الثالثة بسهم فوضعه فيه.
 
قال: فانتزعه فوضعه ثم ركع وسجد، ثم قال لصاحبه: أقعد فقد أتيت. قال: فجلس المهاجري فلما رآهما صاحب المرأة هرب وعرف أنه قد نذر به. قال: وإذ الأنصاري يفوح دمًا من رميات صاحب المرأة.
 
قال: فقال له أخوه المهاجري: يغفر الله لك ألا كنت أذنتني أول ما رماك.
 
قال: كنت في سورة من القرآن قد افتتحتها أصلي بها وكرهت أن أقطعها، وايم الله لولا أن أضيع ثغرًا أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها.
 
·       "
بطولة امرأة في حمل الفكرة"
لما انهزم المسلمون بعد أن خالف الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانقض أكثر الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبقَ حوله سوى القلائل من أصحابه، قامت صفية رضي الله عنها، وبيدها رمح تضرب به وجوه الناس الفارين المنهزمين، والأعداء المشاركين، وتقول لهم: انهزمتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أشفق عليها؛ فقال لابنها الزبير بن العوام: "القها فأرجعها لا ترى ما بشقيقها" أي: حمزة بن عبد المطلب أقطعها رضي الله عنه، فلقيها الزبير فقال: "يا أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي ...".
 
فقالت صفية: ولِمَ وقد بلغني أنه مثل بأخي؟ وذلك في الله قليل، فما أرضانا بما كان من ذلك، لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله تعالى.
 
وعاد الزبير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره بذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: "خلِّ سبيلها" وأتت صفية حمزة فنظرت إليه، وصلت عليه، واسترجعت، واستغفرت، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم به فدفن.
 
·       "
حين تدعم الأم المؤمنة ولدها"
أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، ومقتل ولدها عبد الله رضي الله عنهما: دخل عبد الله بن الزبير على أمه أسماء بنت أبي بكر رضى الله عنها، فقال: يا أماه، خذلني الناس حتى أهلي وولدي، ولم يبقَ معي إلا اليسير، ومن لا نفع له أكثر من صبر ساعة من النهار، وقد أعطاني القوم ما أردت من الدنيا، فما رأيك؟ فقالت: الله الله يا بني، إن كنت تعلم أنك على حق تدعو إليه فامضِ إليه، ولا تُمَكِّن من رقبتك غلمان بنى أمية فيلعبون بك، وإن كنت أردت الدنيا فبئس العبد أنت، أهلكت نفسك ومن معك، وإن قلت: إني كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت نيتي، فليس هذا فعل الأحرار، ولا من فيه خير، كم خلودك في الدنيا؟ القتل أحسن ما يقع بك يا ابن الزبير، والله لضربة بالسيف في عزٍّ، أحب إليَّ من ضربة بالسوط في ذُلٍّ، فقال: يا أماه، أخاف إن قتلني أهل الشام أن يمثلوا بي ويصلبوني، قالت: يا بني إن شاة لا يضرها السلخ بعد ذبحها، فامض على بصيرتك، واستعن بالله.
فقبَّل رأسها وقال: هذا والله رأيي، والذي قمت به داعيًا إلى الله، والله ما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله، أن تنتهك محارمه، ولكنني أحببت أن أطلع على رأيك فيزيدني قوة وبصيرة مع قوتي ويصبرني، والله ما تعمدت إتيان منكر، ولا عملًا بفاحشة، ولم أجر في حكم، ولم أغدر في أمان، ولم يبلغني عن عمالي حيف فرضيت به، بل أنكرت ذلك، ولم يكن عندي شيء أكثر من رضاء ربي، اللهم إني لا أقول ذلك تزكية لنفسي، ولكن أقول تعزية لأمي لتسلو عني.
 
فقالت: والله إني لأرجو أن يكون عزائي فيك جميلًا، إن تقدمتني أحسبك، وإن ظفرت سررت بظفرك، حتى أنظر إلامَ يصير أمرك.
 
ثم قالت: اللهم ارحم طول ذلك القيام بالليل الطويل، وذلك النحيب والظمأ في هواجر مكة والمدينة، وبره بأمه، اللهم إني قد سلمت فيه لأمرك، ورضيت فيه بقضائك، فأثبني في عبد الله ثواب الشاكرين.
 
قال: يا أمي لا تدعي الدعاء لي قبل قتلي ولا بعده.
 
فقالت: لن أدعه، فمن قُتِل على باطل فقد قتلت على حق، فتناول يدها ليقبلها،
 
فقالت: هذا وداع، فلا تبعد. فقال لها: جئت مُودِّعًا؛ لأني أرى هذا آخر أيامي من الدنيا.
 
قالت: امضِ على بصيرتك، وادن مني حتى أودِّعك، فدنا منها، فعانقته وقبلته، فوقعت يدها على الدرع، فقالت: ما هذا صنيع من يريد ما نريد. فقال: ما لبستها إلا لأشد مئنك.
 
قالت: إنها لا تشد مئني فنزعها ثم درج لمته وشد قميصه وجبته وخرج وهو يقول:
 
أبي لابن سلمي إنه غير خالد                  ملاقي المنايا أي صرف تيممًا
 
فلست بمبتاع الحياة بسبة                      ولا مرتقِ من رهبة الموت سُلمًا
 
وقال لأصحابه: احملوا على بركة الله، وليشغل كل منكم رجلًا، ولا يلهينكم السؤال عني، فأني على الرعيل الأول، ثم حمل عليهم حتى بلغ بهم الحجون، وهناك رماه هو ورجل من أهل الشام بحجر، فأصاب وجهه، فأخذته منه رعدة، فدخل شعبًا من شعب مكة يستدمي، فبصرت به مولاة له، فقالت: وا أمير المؤمنين!! فتكاثر عليه أعداؤه عند ذلك فقتلوه، وصلبه الحجاج، فأقام جثمانه على الجذع، حتى أمر عبد الملك بإنزاله، أخذته أمه فغسلته بعد أن ذهبوا برأسه، وذهب البلى بأوصاله، ثم كفنته، وصلت عليه ودفنته.
 
وعن يعلى التيمي قال: دخلت مكة بعد قتل ابن الزبير بثلاث وهو مصلوب، فجاءت امرأة عجوز طويلة عمياء.
 
فقالت للحجاج "أما آن للراكب أن ينزل؟ فقال: المنافق؟ قالت: والله ما كان منافقًا، كان صوَّامًا قوَّامًا برًّا. قال: انصرفي يا عجوز فقد خرفتِ، قالت: والله ما خرفت منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "في ثقيف كذاب ومبير...." الحديث.
 
 
 
أم سليم امرأة أبي طلحة رضي الله عنهما:
عن أنس أن صلى الله عليه وسلم قال: اشتكى ابن لأبي طلحة، قال: فمات وأبوه أبو طلحة خارج، فلما رأت امراته أنه مات، هيَّأت شيئًا، وجعلت ابنها في جانب البيت، فلما جاء أبو طلحة، قال: كيف الغلام؟ قالت: قد هدأت نفسه، وأرجو أن يكون قد استراح، وظن أبو طلحة أنها صادقة، قال: فبات، فلما أصبح اغتسل، فلما أراد أن يخرج، أعلمته أنه قد مات، فصلى مع النبي صلي الله عليه وسلم، ثم أخبره بما كان منها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعل الله أن يُبارك لكما في ليلتكما". فقال رجل من الأنصار: فرأيت لها تسعة أولاد كلهم قد حفظوا القرآن.
 
وفي بعض الروايات: أنها جاءت بغلام حنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسماه عبد الله، وهو الذي كان من سلالته الإخوة القراء:
 
فهذا موقف إيماني من أم سليم رضي الله عنها، مع أنَّ النساء في مثل هذه الظروف أكثر هلعًا وجزعًا، ولكنه الإيمان الذي يُغيِّر طبائع النفوس، ويعلو بهمم العباد، وعمَّت بركة هذا الموقف الإيماني ذرية أبي طلحة وأم سليم ببركة دعوة النبي صلي الله عليه وسلم، فكان في أولاد أولادهما تسعة، كلهم ختم القران؛ فليتأسَّ المسلمون بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم أجمعين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

 

تصنيفات المادة