الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

السلفية ومناهج الإصلاح - 2

مقدمة وتصور عام عن قضية البحث

السلفية ومناهج الإصلاح - 2
عبد المنعم الشحات
الخميس ٠٩ أبريل ٢٠١٥ - ١١:٠٧ ص
1389

السلفية ومناهج الإصلاح

الشريط الثاني

الشيخ/ عبد المنعم الشحات

إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .

شرعنا في المرة السابقة في تدارس قضية السلفية ومناهج التغيير ، وذكرنا أننا سوف نتدارسها بصفة أساسية من خلال بحث سبق نشره في مجلة الدعوة التي كانت تصدرها الدعوة السلفية في حينها .

ذكرنا في المرة السابقة تمهيد عام عن الموضوع ، ونشرع اليوم في قراءة البحث ، وأيضاً هذه المرة سيكون فيها قراءة مقدمة البحث مع إعطاء تصور عام عن قضية البحث بإذن الله تبارك وتعالى .

يقول البحث : " فرض الله سبحانه وتعالى على الأمة الإسلامية أن تعلي كلمته في الأرض وأن تسعى إلى أن يكون الدين الظاهر على الأرض هو دين الله سبحانه وتعالى  { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون } [التوبة/33] وأوجب على كل مسلم أن يكون مؤثراً في من حوله المجتمع الذي يعيش فيه آمراً بالخير ناهياً عن الشر ، قال صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) "

وهذه القضية يأتي لها تفصيل في ثنايا هذا البحث أيضاً في معنى هذا الحديث ومعنى تغيير المنكر ، ولكن نريد أن نشير إلى قضية مهم جدا :

وهي عندما يأتي الدعاء إلى الله تبارك وتعالى يغيرون منكرات ما موجودة في المجتمع ، ولنفترض الآن أننا حصرنا كلامنا على تغيير المنكر باللسان ، وسيأتي الكلام على تغير المنكر باليد وأن له ضوابط ، وأن بعض المنتسبين إلى الدعوة قد يسيء تطبيق هذه الضوابط .

فقضية تغيير المنكر باليهد قضية شائكة وهي بالفعل كذلك ، ولكن مع أنها شائكة لم نلغيها من القاموس الشرعي ، نحن لا نملك أن نغير شيء من الشرع ، إذا كان الحديث يقول : ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ) فلابد أن يكون هناك تغيير باليد .

دلت بقية النصوص على ضوبط ومحاذير وأساء البعض تطبيق هذه الضوابط ،فلن يدفعنا هذا إلى إنكار شيء موجود في الشرع .

ولكن غاية من نفعله أنه عندما يأتي الكلام على هذه القضية نحاول نقولها مقترنة بضوابطها ، رغم أن الأمر يسع أنك تقولها كما في الحديث ، وتقولها وتحيل على أن الضوابط موجودة في مكان آخر أو ستقال في سياق آخر ، ولكن طالما القضية فيها سوء فهم أو سوء تطبيق فيفضل دائماً أن تقولها مكتملة باحتراذاتها .

فلذلك نقول أن قضية تغيير المنكر باليد لها شروط ولها ضوابط سنتكلم عليها في حينها .

ولكننا الآن نتكلم عن إنكار المنكرات باللسان .

فلما تغير المنكر باللسان يخرج أحياناً المخالفين على اختلاف أنواعهم ويقولون أن هذه حرية شخصية ، وأنت الآن متعدي بإنكارك ، فلما تنكر التبرج يقولون أنها حرية شخصية ، ولما تنكر الغناء والموسيقى فضلاً عن المنكرات الأعظم من ذلك .

معنى ذلك أنه يقول لك لما ترى الخطأ اسكت ، ولما يتكلمون على أمور هي منكر في موازين من يتكلم تجده يرغب بشدة في إنكارها مثل الرشوة والسرقة ويتكلمون عن السلبية وكيف تحولت الناس إلى سلبيين .

أحد أسباب السلبية المتفشية في مجتمعات المسلمين اذدواج المعايير .

يعني يقولون أن الغرب عندهم إيجابية ، لماذا عنده إيجابية ؟ لأن الذي يتعلمه في الحضانة قبل المدرسة وأن هذا صحيح وهذا خطأ يجد القوانين تؤيده ويجد أن المجتمع يقول له اتخذ كل الإجراءات لمنع الخطأ ، ويوفر له المجتمع قنوات كثيرة جداً يستيطع من خلالها أن يمنع الشيء الخطأ الذي تربى على أنه خطأ ، بغض النظر ما هو الخطأ وما هو الصح .

فإذن تستطيع أن تقول أن الغرب فيه درجة من درجات الانسجام . والمنهج التربوي متوافق مع المنهج القضائي ومع المنهج التشريعي ومع ثقافة المجتمع ككل .

ومع الفساد الذي عندهم إلا أن هذا عامل درجة من درجات دوران حركة المجتمع .

وانظر إلى مجتمعات المسلمين :

الناس عندهم بفضل الله بقية من دين ، فعنده أشياء كثير حرام لكن يقال له اجعلها في سرك ولا تنكرها ولو حتى باللسان لأنك ستجرح شعور الناس .

حتى صارت المنقبة الآن كما قال بذلك شيخ أزهري عفا الله عنه : " أن المنقبة تشتم الغير منقبات " ، فتخيل وصلنا إلى أي درجة ، وصلنا أنه يمنع المنتقبة من انتقابها لأنها تشتم الأخريات وتقول لهم أنهم مستهترين .

رغم أنه في المقابل أن المحتجبات يشتمون المتبرجات بهذه الكلمة أيضاً فسيلزم أنه لا يوجد إنكار باليد ولا باللسان ولا بالقلب ، بل افعل المنكر حتى لا يكون فعلك للطاعة شتمة أو سبة لمن يفعل المعصية وبذلك تكون جرحت شعور من فعل المعصية .

هذا كلام قيل من رؤوس يشار إليهم بالبنان في العلم .

ويأتي في مواقف أخرى يقول أنه لابد من إنكار كذا وكذا .

فيكون النقاب منكر بحساباته هو .

ولما أصبح منكر أصبح مطلوب من كل واحد في نطاق سلطته أن يصدر قرارات بمنعه ، وأن كل واحد في نطاق أسرته يوعي الأسرة وكل واحد في نطاق جيرانه يوعي الجيران وكل واحد له عمود صحفي يكتب في ذلك .

فالفكرة أنه عند حصول توافق على أن شيء .

فطالما أن الشيء عندهم منكر فتجده يحثك على أن تفتح على كل قناة ممكنة لإنكار هذا المنكر .

فهنا المسلم يعيش إزدواجية ، عنده منكرات كثيرة جداً يطالب منه أن لا يتكلم ولا حتى يحاول أن يتحرك لينكرها .

ثم يكونون في أشياء أخرى مثل الرشوة مثلاً فهي حرام شرعاً وهي مستهجنة اجتماعياً وقانونياً ، فيقولون أنك عند رؤيتك للرشوة لابد أن تبلغ عن تلك الرشوة .

فالذي يتربى على السلبية ويرى الأولاد والبنات على الكورنيش ومطلوب منه ألا ينظر لهم نظرة جارحة بل ينظر الجهة الأخرى لأنه لو نظر لهم نظرة جارحة وثاروا عليه وحدثت مشكلة يلمومه كل الناس ويقولون لماذا تنظر إليهم هذه النظرة الجارحة ، ولماذا زجرتهم حتى بالنظرة .

 

بل هو من الممكن أن يطلب منه أن يتحرك في قضايا أخرى .

فالناس يشتكون من السلبية ، السلبية تجاه كسر قواعد المرور والسلبية تجاه تلوث البيئة وغير ذلك من السلبيات .

لو طلبت منه أن يتعايش مع المنكرات التي هي منكرات في الشرع فعلاً فلا تتوقع منه إلا أن يتعايش مع كل شيء آخر .

فالذي في الغرب يعتبر أن الحرية الشخصية بين الرجل والمرأة ، فإذن هو لا يستهجنها ، وقيل له منذ الصغر أن هذا شيء طبيعي ، ولما ترى من يكسر إشارة المرور فهذا منكر انكره . فهو بذلك منسجم .

لكنك هنا تريد منه أن يمرر كل هذه الموبقات ويقال له ليس لك دخل ، وتطلب منه أن ينكر  أشياء ربما لا تكون منكرات أصلاً أو أشياء فضلاً أن توضع في قائمة المنكرات أشياء شرعية .

فنقول أن قضية تغير المنكر قضية فطرية قبل أن تكون قضية شرعية

لكن نتجية أن البعض الذين يوجهون يكون عنده معايير المعروف والمنكر غير المعايير الشرعية .فيأتي في أمور منكرة شرعاً ولا يريد أن يقول أنها ليست منكرات فيقول ليس لك دخل . ولكن تأتي إلى الأشياء التي هي منكرات في اعتباره تجده يقول أين الإيجابية ؟

ولذلك نقول أن الأمة الإسلامية لا تتقدم إلا بالإسلام .

وقول عمر رضي الله عنه : " إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله "

هذا القول قول جامع عظيم من جوانبه أن هذه الأمة كانت أمة لم يجعل الله تبارك وتعالى لها مقومات من المقومات المادية التي كانت عند غيرها لتظل هذه الأمة مقومها الرئيس هو الإسلام ولو بحثت على غيره لا تصح .

بالإضافة إلى ذلك ، لو أن الأمة هجنت الإسلام بغيره أو دخل معها مكونات أخرى لا تكون منسجمة مع نفسها .

ممكن الأمم الأخرى نتيجة انسجامها مع نفسها نتدفع عجلتها كما ترى في أوروبا أو نحو ذلك بأن النظام يسير ومنسجم مع بعضه وهو نظام عظم الدنيا وقلل من شأن الآخرة ورضوا  في الآخرة بأي دين ، المهم أن يكون هناك دين يجمعهم وفقط ، وعظموا أمر الدنيا ، لكنهم نتيجة أنهم يربون الناس كلام يطبق وتساغ منه القوانين ويكون الشخص يعرف من هو ، فتسير الدنيا عندهم ، ولذلك من ضمن مشاكل الساسة الأوروبين وحربهم ضد الإسلام أنه لو تكاثر عدد المسلمين في أوروبا وزيادة التزامهم بالإسلام يهدد عندهم المجتمعات فعلاً ، لأنه يخرج عنده أناس تقول على أشياء حرام وتقول على أشياء حلال .

وذكرنا الأزمات المتتالية التي ينزعجون منها جداً وهو أنه بدأ يكون هناك أناس يمثلون قوة شرائية تجبر المطاعم أن تذبح لحوم حلال وفق الشريع الإسلامية .

والنظام هناك يجعل للفرد قيمة ، فلما يتكاثر عدد الأفراد الذين ينتمون إلى عدد معين سيصبغون المجتمع بصبغتهم ويجعلون الواقع يزداد رسوخاً ، ولذلك هم يخافون من هذا جداً .

فابتداءاً المسلم يستقي كل مناهجه من دين الله تبارك وتعالى ويعرف المعروف ويعرف المنكر ، يعرف المعروف أي يعلم المعروف من المنكر ثم يدعوا إلى أن يكون المعروف معروفاً متعارفاً عليه مقبولاً والمنكر يكون منكراً بين الناس .

هذه قضية في كل نظام عنده قائمة معروف وقائمة منكر ، ولما تأتي لقائمته هو يقول لابد أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر .

والعلمانيون المتطرفون عنده أن تترك الدين وتدعوا إلى العمل وتقديس العمل ، فلما تأتي لمثل هذه الأشياء يقول لا تسمع لأحد يقصر في عمله بل لابد أن تفعل كذا وكذا ، ففي النهاية هناك قائمة معروف وقائمة منكر في كل نظام

مشكلة بلاد المسلمين الرئيسية تداخل قائمة المعروف والمنكر الإسلامية مع المناهج الوافدة ، وصار الموجهون في المجتمع عندهم خليط ،فلما تأتي قضية منكرة في الشرع ولكنها وفق المبادئ العلمانية ليست منكر فيقولون طالما أنت تراها منكر اجعلها في سرك وهكذا .

لكن المسلم لا يستقي إلا من دين الله تبارك وتعالى ويرى أن من إحدى واجباته أن يأمر بالعروف وينهى عن المنكر .

هناك حيثية أخرى :

فهنا المتهيد يخاطب المسلم الذي يعرف حيثيات إسلامه ولماذا هو مطالب أن يغير كل واقع سيء حوله لأن الله تبارك وتعالى { أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله } وأتباع الرسل عليهم أن يحملوا رسالة الرسل . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( من رأى منكم منكراً فليغيره ).

ثم يقول : " ولا شك أن حياة المسلم بإسلامه لا تكون على الوجه الأكمل إلى في مجمتع مسلم "

وهذا أمر آخر ، فالذي يضع الآيات في غير موضعها  { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون } [المائدة/105] فهنا عليكم أنفسكم فقوموها وألزموها بالشرع ولن يضرك من ضل إذا كنت أنت مهتدي ، ومن ضمن الهدى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فمعنى الآية { ولا تزر وزارة وزر أخرى } أو { ليس عليك هداهم } ولا يوجد آية تقول ليس عليك دعوتهم ، بل النبي صلى الله عليه وسلم خوطب بأنه ليس عليك هداهم ولكن هو في واقع الأمر عليه البلاغ ،وأتباع الرسل كذلك ، فالمسلم لا يضره من ضل إذا اهتدى ، والهداية أن يعلم الحق ويعمل به ويدعوا إليه ،ولذلك كانت هذه السورة الوجيزة البليغة التي قال فيها الشافعي رحمها لله : " ولو لم ينزل الله على عباده إلا هذه السورة لكفت { والعصر إن الإنسان لفي خسر } فكل جنس بني الإنسان في خسر { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } فالإيمان والعمل الصالح ويدخل في هذا الدعوة ولكن كررها وأكد عليها حتى لا يتوهم أن المقصود بالعمل الصالح أنه العمل الصالح القاصر أو الخاص بالإنسان { وتواصوا بالحق وتواصر بالصبر  } فلا يكون الإنسان ناجياً إلا باجتماع هذه الأمور ، فلو فاتته كلها يكون هذا الخسران المبين، ولو فاته بعضها تكون هذه درجات من درجات الخسران .

فالإنسان لا يقدر أن يقول أنا أديت ما علي إلا أن يبذل وسعه في دعوة غيره .

فلو تغاضينا عن هذه الوسعية وقلنا أن مثلاً لو قال قائل أن المهم أن يصلح نفسه ولا شأن له بغيره ، نقول له كيف تصلح نفسك ؟ فلو كان التيار كله مصلح لكان ذلك أفضل في إصلاح نفسك .

انظر إلى كم المشقة التي يجدها الشاب الذي يريد أن يلتزم في مجتمع فيه تبرج ، بينما هو لو كان مجتمع يشيع فيه الحجاب يجد أن قضية غض البصر سهلة ، ولا يكون أحد مبتلى بالنظر ، بل وقتها لو بلغ منه البلاء مبلغاً يسرق النظر إلى النساء فيكون هنا إنسان مريض ، أما الآن لو مشيت في الشارع حتى في الذهاب إلى الصلاة تجد مشقة في غض البصر .

فهنا صارت مشكلة سببها وجود غير الملتزمين .

وأنظر إيضاً إلى من يشرب السجاير فالتدين السلبي ضرره يقارب التدخين الإيجابي

وانظر إلى الأفراح تجد الأغاني تدخل إلى بيتك وإلى مسجدك

فشيوع المنكرات يجعل التزام من يريد أن يلتزم في غاية المشقة .

فلو حتى من هذه الحيثية يقول أحاول أن أجعل من حولي ملتزمين حتى يكون الإلتزام سهل .

لذلك يقول " والحياة بالإسلام في مجتمع لا يلتزم بالإسلام في أنظمه ومنهجته قبض على الجمر  ، وما أقل من يقدر على أن يكون قابضاً على الجمر فإن نظرنا إلى واقع المسلمين اليوم نجد الانحراف عن دين الله إلى مناهج الباطل والضلال ظاهراً منتشراً في الأفراد والمجتمعات مما يستوجب على كل مسلم غيور على دينه يفهمه الفهم الصحيح الشامل ألا يقف موقف المتفرج السلبي الذي يتحصل على وجود الفساد دون أن يحرك ساكناً لإزالته ولإقامة الخير والمعروف مكانه ، وهذا الموقف السلبي من الكثيرين من الملتزمين يدل على نقص الإيمان ولابد ، لأن الجميع يخالط المجتمع ويعيش فيه هو وأهله وأبناؤه ويتأثر وهو يرى منكراته المختلفة في التعليم والقضاء والإعلام والتشريع والحكم والحرب والسلام والاقتصاد ووضع المرأة وسائر أنظمة المجتمع ، فمن لم يستشعر وجوب تغيير تلك المنكرات ويشارع في تغييرها بكل ما يقدر عليه من أنواع القدرة بنفسه أو مع غيره من إخوانه المسلمين أو بأمر القادرين وحثهم على التعاون على ذلك فهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة ... )

فهذه قضية مهمة جداً ، ولما نقول تغيير نقول تغيير واقع مخالف للإسلام ، فهو فيه ما يوافق ، ولكن نقول أن الواقع المخالف والمخالفات الكثيرة الموجودة في معظم مناحي الحياة ، هذه المخالفات نريد تغييرها إلى واقع موافق للإسلام ، فهنا ما نقول عليه التغيير ، وفي نفس الوقت قلنا أنهم يقولون الآن ـ الإصلاح ـ والإصلاح مصطلح شرعي ومصطلح حسن إلا أنهم يقولونها من باب تسمية الأشياء بغير اسمها يسمون إفساد العلمانيون وغيرهم إصلاح .

نقول أن الإصلاح معناه أن يكون عندك شيء فاسد ترد أن تعيده لوضعه السليم .

ففي الطب مثلاً أولاً يدرسون الوضع السليم لأجهزة الجسم ، فالإنسان السليم يكون حجم أعضاؤه كذا وحكم الكبد كذا وحجم الطحال كذا ويتنفس عدد مرات معينة في الدقيقة ويكون ضغطه بمقدار معين ، فيدرس أولاً الوضع السليم ثم يدرس الانحرافات ويدرس أشهر الانحرافات ، فيقولون أن هناك مرض جديد ، ومعنى مرض أن يكون الإنسان غير طبيعي كأن يكون درجه حرارته غير طبيعية لوجود التهاب مثلاً أو عضر تأخر أو عضو مات وتوقف عن العمل ، فكل مرض من هذه له أعراض وله طريقة إصلاح إذا كان الطب وصل إلى طريقة إصلاحه .

فما هو الإصلاح ؟ هو أن يعود الوضع إلى الوضع المثالي ، فلما يقوم بقياس ضغط المريض وهو يعلم أن الوضع المثالي مثلاً 120 / 80 فلو كان أي رقم آخر يريد أن يعود إلى الوضع المثالي فيبحث عن سبب تغيره ويعطي له العلاج على هذا .

فهذا هو الإصلاح ، وهو أن تعيد الشيء لصورة مثالية معروفة ، فلما يتكلم على إصلاح المجتمع نقول وهل لكل واحد أن يرى لنفسه صورة يراها إصلاحاً ويريد أن يعود الناس إليها ؟

بل عندنا شرع شرعه الله تبارك وتعالى لنا ، والإصلاح هو أن نجعل واقع الناس موافق لهذه الصورة ، يقول أن الشرع نزل من زمن وتطبق من وقت كبير.

نقول ونضرب مثلاً :

أن العاملين على الحي عندما يقيمون صلاحية المباني ويقيم الأعمدة والأساسات وليس له دخل بباقي المبنى ، فالشروط المطبقة على السكن الفاخر هي الشروط التي تطبق على السكن المتوسط وهي التي تطبق على الإسكان الشعبي ، لأن المعايير عنده لا تتغير بتغير نوع التشطيب ومعاييره لا تتغير تبغير الجغرافيا ، بل هي معايير أمان ثابتة وعالمية . 

نقول أن الشرع صالح التطبيق لكل زمان ومكان وهو يعطيك المعايير التي يحتاجها أهل كل زمان ومكان .

فما يحتاجه الناس في تعاملتهم ؟

يحتاجون إلى العدل والرحمة وتحقيق المصلحة ودفع المفسدة .

لكن على سبيل المثال أن الناس في وقت رأوا أن الذي يحقق المصلحة هو عدم تملك أحد لأي شيء ، وهي النظرة الشيوعية في المال وأحياناً يتواكب معها النظرة الشيوعية للجنس ، فالمال والجنس مشاع ، هذه كانت رؤية بعض الناس وأتت بمفاسد عبر التاريخ ، ولا يمنع هذا أن دعوة شيوعية المال تتكرر عدة مرات وآخرها الدعوة الشيوعية التي انهارت تقريباً .

وهناك أناس آخرين يقولون اجعل كل واحد يأخذ ماله ولا تسأله في شيء ويضيق جداً نطاق المساءلة .

نقول أن الشرع يريد العدل والمصلحة ، فالشرع وصف دواء ناجح لهذا الأمر أنت تثق به بمقتضى أنه من عند الله تبارك وتعالى .

وهذا إطار كإطار الأعمدة الخرسانية للبناء .

فالناس في هذا الزمان يكثر بينهم البيع بالنقود وتكثر المقايدة وهنا يكثر كل هذا النظام فالنظام الشرعي يستوعبه ويستوعب كل التغيرات التي ممكن توجد في حياة الناس من النظام الاقتصادي أو غيره من الأنظمة .

إذن نقول أن النظام الشرعي في كل مناحي الحياة وهذا النظام فيه من عوامل المرونة .

وطبعاً العلمانيون الذين يريدون استدراك الإسلاميين يقولون طبقوا هذه المرونة على كل شيء  .

ودائماً تجد المعايير الموجودة في الشرع في المعاملات تشابه الأعمدة في البناء ، ولا تجد وصف تفصلي للبيع والشراء ، فلا تجد في الشرع طريقة شراء الشقة ، لا تجد تلك الإجراءات التفصيلية ولكن تجد الحد الأدنى في عملية البيع حتى تكون عملية تحقق مصلحة الطرفين ولا تؤدي إلى وجود شجار ولانزاع ولا تباغض ولا تحاسد بين الطرفين .

فنحن عندما نقول التغيير أوالإصلاح ، نقول تغيير من المواقع للمخالف للشرع إلى الواقع الموافق للشرع

وهو هوالإصلاح ،لأن تعريف الصلاح عندنا هو ما وافق الشرع والفساد هو ما خالفه ، والمباحات هو مما وافق الشرع .

فالإصلاح هو أن نأتي على المخالف للشرع ونجعله موافق للشرع .

هذه هو الإصلاح عندنا . فهذا معنى التغيير وذلك معنى الإصلاح ,

فهو شاع في إوساط الصحوة الإسلامية مصطلح التغيير وكأن هذه المصطلح بمطن فيه معنى وهو أن التغيير هو تغيير الأنظمة الحاكمة ، مع رواج نظريات المواجهة المسلحة ونحو ذلك .

بل نحن نقول تغيير الواقع ، فأنت عندما تقول أنك لما تحقق درجة تغيير في المجتمع سواء على مستوى الإدراك أو على مستوى التطبيق .

فبلا شك الآن زاد الوعي في قضية البدع والسنن . والوعي بوجود الربا في المعاملات ويسأل عليه الناس في المعاملات المالية ، فمن الممكن أن يتأخر التطبيق ، والوعي بقضية الحجاب وقضية وضع المرأة في الإسلام زاد وإن كان التطبيق متأخر .

هذا الوعي قدر من التغيير والتطبيق به قدر مطلوب من التغيير ، ولكن البعض عندما ينظر لا يجد إلا صورة ضيقة ومعنى ضيق للتغيير ، فيقول أن التجربة التركية هي أنجح تجربة إسلامية في العصر الحديث .

ونحن سنتكلم عن التجربة التركية بمزيد من التفصيل .

نقول لماذا تكون التجربة التركية أنجح ؟ مع العلم أننا لا ننفي أنها حققت قدر من النجاح .

يقولون أنها أنجح لأنهم وصلوا للحكم ، فنسأل عن أنهم عندما وصلوا للحكم وفي ذات الوقت التي تكون فيها الحكومة إسلامية تصدر تصاريح الجرائم ، فهل هذا تغيير .

لماذا اعتبر أن هذه أنجح تجربة إسلامية معاصرة ؟

لا شك أن ذهنه محصور في صورة معينة من صور التغيير سواء صرح أو لم يصرح وهي الوصول إلى سدة الحكم .

وطبعاً المجتمع التركي له ظروفه واعتباراته .

ونحن سنسبق الأحداث ونقول أن التجربة التركية لم تحقق النجاح إلا لأنها في المقام الأول كانت تجربة تربية تخاطب عموم الشعب وكانت مضطهدة في غاية الاضطهاد وكانت محاصرة ، ومن ضمن الإنصاف في عرض الواقع أنها تجربة محسوبة على التيار الصوفي ، وهي تجربة صوفية ولكن الصوفية درجات ، فهذه التجربة التركية كانت في الأصل تجربة صوفية ولكن لم تكن صوفية مغرقة في الضلال ووحدة الوجود .

فحتى الآن الموقف الرسمي من ابن عربي داعية وحدة الوجود أن كلامه كفر ، وهذا الكلام مثبت في قرارات مجمع البحوث الإسلامية وفي جلسات مجلس الشعب المصري في سنة 1979 مما أصدر قرار مجمع بحوث الإسلامية وأيد من مجلس الشعب بمعنع تداول كتب ابن عربي ، وأعيد الكلام للمناقشة في عدة مرات بعد ذلك .

لكن الآن وكأن من شروط أن يصدر أحد أن يكون خريج مدرسة ابن عربي وتحديداً في فهم ابن عربي كما يراه الغرب ـ فرنسا وأسبانيا وغيرهم ـ لأنهم يرون ابن عربي من وجه نظر أن إلهه هو بوذا وهو عيسى وهو كل معبود على وجه الأرض ، وبالتالي دينه هو كل الأديان ، وكل الأديان عنده صور مختلفة لدين واحد وهو وحده الوجود والعياذ بالله .

التجربة التركية هي تجربة صوفية وفيها بعض البدع الصوفية ولكن في ذات الوقت فيها من الشريعة ، وإن كان ـ بديع الزمان النوراسي ـ له اطلاع على كتب العقيدة وله فيه كلام جيد وله معرفة بالشرع والجهاد وتغيير المنكر ، فلا يعد أنه مدرسة صوفية خالصة .

وكانت هذه المدرسة لها أعمالها التربوية التي ظهرت بعد ، وأن المجمتمع التركي بعد العلمنة بقوة الحديد والنار كان الجيل الجديد هو الجيل الذي يبحث عن الإسلام ، جيل يبحث عن الإسلام وسط دولة تحاول أن تطبق الديمقراطية بمفهوم غربي فبدأ جيل من الإسلاميين يستثمر المناخ الديمقراطي الموجود ويحاول يصل ، وبالفعل قدم نفسه للناس بطريقة جيدة فحقق نجاح في قضية الانتخابات وسيأتي الكلام عليها كما ذكرنا ، لكن في النهاية ما زال محكوم بسقف القانون العلماني وهو من ضمنه أنه لا يغير القانون ، فالوزير مفروض عليه أن يطبق القانون ، فالقانون مفروض فيه بغاء ، والبغاء يكون له تصاريح رسمية ، فالوزير الإسلامي لابد أن يخرج تصاريح بغاء رسمية .

وطبعاً الحكومة التركية الإسلامية تضطر أن توجه خطاب في الإعلام يحذر من البغاء ويدعوا البغايا إلى التوبة ويدعوا الزناة إلى التوبة ، وكل هذا جزء حسن ولكن يبقى الأخطر وهو أنه لا يزال تارك البغاء بل مطلوب منه حمايته لأنه السلطة التي تحمي القانون ، فالقانون يقول أن يصرح بذلك وهذا التصريح يساوي حماية قانونية بكل ما تعنيه الكلمة .

فإذن لماذا يقال أن التجربة التركية هي أنجح تجربة ؟

لأنها تغيير في الواقع المعاصر ، فمن يتكلم على التغيير لا يرى أن انتشار الحجاب في بلاد المسلمين تغيير يذكر ،ولا يرى أن انتشار دور تحفيظ القرآن تغيير يذكر ، ولا يرى أن أنتشار سماع الشريط الإسلامي ووجود القنوات الإسلامية تغيير يذكر ، هو لا يرى أن هذا كله تغيير يذكر ، بل كل ذهنه في النهاية من الموجود في سدة الحكم .

وطبعاً لو أن الإسلاميين الذين في الحكم استطاعوا أن يغيروا بعض المواقف التي نبعت من منبع إسلامية ، فبلا شك أن النظام التركي أظهر درجة اعتزاز بالنفس أمام الغرب بدرجة مبهرة ودرجة تأييد للفلسطينين . وهي دولة غير عربية ، والقضية سميت القضية العربية زوراً وبهتاناً ، إلا أن تركيا الآن تتكلم أكثر من كل الدول العربية الأخرى ، لكن في النهاية يقولون أن تركيا تفعل ذلك لأنها دولة عظيمة ، هي بالفعل نابعة من اعتزاز إسلامي ، ولكنه لابد أن يكتم الاعتزاز الإسلامي .

فهذه لا تسمى أنجح تجربة تغيير لو اعتبرنا أنها شرعية ، ولكن سنبين الحكم فيها ، ولكن من ينبهر بها جداً يغفل عن عمد لأنه انحصر ذهنه في التغيير الذي يقصده في قضية معينة وهو الوصول إلى سدة الحكم . فينكر أو يغفل كل مظاهر التدين وانتشار الدين الموجودة وهي لا تقطع بانتخابات سواء مزورة أو غير مزورة بل هو أمر يتكون في النفوس .

التربية الإسلامية التي وجدت في تركيا في عصر الديكتاورية لم تقتلع بالدكتاورية بل ظلت موجودة حتى جاءت التجربة البرلمانية واستثمرتها ، ولكن لو أن التجربة البرلمانية بمحظة وبانتخابات لا تنجح ، فالناس يتسخطون ، فليس من البد أن ينجح كل الإسلاميين في الإدراة ، فالقضية هو المنهج الإسلامي وفيه تطبيق والتطيبق على أمور كبيرة ومن الممكن أن يفشل في الإدارة أو يكون عليه ضغط خارجية أو نحو ذلك .

فالمهم أن هذه الفقرة نقف فيها أننا عندما نتكلم على التغيير أو الإصلاح ولكن نقول أن التغيير من المخالف للشرع إلى الموافق للشرع ،وهذا بعينه هو الإصلاح .

فعندنا وصف الصلاح والفساد نكتسبه من الشرع ، فما وصفه الشرع بأنه صالح وهو موجود فنريد تثبيته ، وما وصفه الشرع بأنه فاسد نريد تغييره .

الأمر الآخر وهو أننا لما نتكلم عن تغيير المنكر نقول أن عندنا مصطلحات في هذه القضية ـ الدعوة إلى الله ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الجهاد في سبيل الله ـ فتستطيع أن تقول أنهم قضية واحدة ولكن تنظر لها من زوايا مختلفة ، ومن الممكن أن تعتبر بعضها أعم والآخر أخص ولكن في النهاية هي إحدى فروض الكفايات .

فروض الكفايات تكلمنا عليها في الأصول وغيرها وهو أن الفروض ما هو منها فرض عين ومنها ما هو فرض كفاية .

فرض عين : وهو أن يكون مطلوب من كل مكلف بعينه أن يقوم به  وكل مكلف يحتاج إليه ، فكل مكلف مطلوب منه أن يصلي ، والشرع طلب الصلاة من كل مكلف لأنها لا صلاح للعبد إلا بهذه الصلة بينه وبين ربه ، فهذا يكون فرض عين ، مطلوب من كل مكلف بعينه أن يفعله .

فرض الكفاية : فهو أمر مطلوب من الأمة كأمة أن يوجد فيها أو من جماعة المسلمين أن يوجد فيهم هذا الأمر .

فنقول أن هذا النوع متى قامت به كفايته سقطت عن الجميع .

فلو أخذنا مثال بشيء بسيط مثلاً

فلو أن أحد الناس مات ، فيكون غسله وتكفينه والصلاة عليه فرض كفاية على من حوله ، فالغسل يقوم به رجل أو اثنان ، فلا يلزم أن يجتمع أهل القرية كلهم ويغسلونه ، لأن المطلوب هو الغسل ويكفي الغسل واحد أو اثنين ، فلو وجدوا يسقط الحكم لأنه قد قام من يكفي في أمر الغسل أو الكفن . لكن لو تراخى هذا والآخر أيضاً تراخى فلم يتم هذا الباب أثم الجميع على قول بعض العلماء والبعض الآخر يقول أنه أثم كل قادر ، وهو التعبير الأدق ، لأنه لو فرض عين لا يكون على الغير مستطيع بل كان يسقط بالعجز فكيف لو أنه أصلاً فرض كفاية ؟! ، فإذا لم تقم به كفايته أثم كل قادر .

ولكن نريد أن ننبه بالقدرة بنفسه أو مع غيره أو بحث غيره .

وهذا الذي جعل بعض العلماء يقول أثم الجميع لأنه يندر جداً أن يعجز أحد ولو بواحدة من هذه .

ولكنه وارد فلابد أن نقول التعبير الأدق .

فهنا يكون الإنسان مخاطب طالما وجد معروف غير مطبق ووجد منكر موجود فصار هنا فرض كفاية على الأمة ، وغالباً ما لا تقوم به كفايته يكون كل واحد له قدرة مفروض عليه أن يقوم بها إما بنفسه أو مع غيره أو بأمر غيره.

فهناك منكرات تستيطع أن تنكرها بنفسك مثل المنكرات التي تتم داخل بيت الإنسان والمنكرات التي تتم من صديقه وجاره ، وهناك منكرات لابد أن تتم مع غيره ولا يستطيع أن يفعلها وحده أو تكون صورة من صور الدعوة لا يستطيع أن يفعلها وحده

الآن صلاة الجمعة أو صلاة الجماعة أو الدرس لا يستطيع أن يفعلها أحد وحده وهذه صورة قريبةمن الصورة الفردية ، لأن الصلاة لابد منها من يفتح المسجد أو يأذن ونادر من يفعل كل هذا وحده . فهناك من يؤذن وهناك من يفتح المسجد وهناك من يصلي الجماعة وهكذا خطبة الجمعة وهكذا الدرس ، ناهيك عن الأمور التي تحتاج إلى تعاون أكثر من ذلك مثل كتابة الكتب ونشرها ،وإلقاء الدرس ثم نشره بعد ذلك بوسائل متعددة كنشره على الإنترنت ، فكل هذه وسائل تحتاج اجتماع .

فإن القضية ألا يكتفي الإنسان بالأمور التي قدر عليها بنفسه ويقول أن هذه آخر قدراتي ، بل من الممكن أن تستطيع مع غيرك ، فليس كل الناس تستطيع أن تلقي الدرس لكن هناك من يستطيع أن يهيئ المسجد أو يدعوا إخوانه معه أو نحو ذلك . فهو قادر مع غيره . فهو يمثل جزء من مجموع يقومون بهذا الواجب .

فهناك شبهات أو منكرات تريد بيان وتوضيح وهذا البيان لا يملكه كل الناس ولكن يملك أن يساعد كما ذكرنا في الإعداد أو يساهم في نشرها بعد ذلك كأن يفهمها وينقلها بلغته هو أو بأسلوبه الخاص ويقربها لإخوانه وزملائه أو نحو ذلك .

فلما يكون الإنسان عمل ما يقدر عليه في خاصة نفسه وما يمكن أن ساهم به مع المجموع ويأمر الآخرين ، ليس من البد ألا يجيد الإنسان بعض الأشياء .

ودائماً نذكر في هذا المقام هذه القصة الطريفة للإمام الشافعي رحمه الله لما كان في مرحلة الصبا واستهواه شعر البادية وذهب إلى البادية ليتعلم أشعار العرب ، وكان هناك رجل من عامة المسلمين كان عبد فمر به وهو يستعرض الأشعار ويجري فيها كالسهم وهذا ليس منكر ، ولكن انظر إلى هذا الرجل العبد وفقهه وحرصه على الخير فضربه بالسوط كالمداعب أو المنبه وقال : " لو كان عقلك هذا لغير هذا " ، يعني القعل المعدة خسارة أن يضيع في الشعر ، فهذا العقل توظيفه الأمثل أن يكون في الفقه ، وهذا الرجل لم يقل هذا وفقط بل ذهب إلى أمير مكة وحضه على أن يرغب الشافعي في طلب العلم فأرسله إلى الإمام مالك ومعه رسالة يوصي به خيراً .

انظر إلى العلم العظيم في الإمام الشافي ، فلعل كل علوم الشافعي وما يتعلمه الناس من الشافعي إلى يومنا يكون لهذا الرجل نصيب منه ، لأنه وجد كل هذه الطاقة المتوقدة وهي في أمر قد يكون نفعه قليل أو لا يكون منه نفع . فأخذه ووجه . فهذا الرجل العبد لا توجد عنده هذه القدرات ولكنه لاحظ هذا في الشافعي ، فكم من أطفال المسلمين الأذكياء ونتركه يحفظ الأغاني وغيرها .

وأنت كثيراً ما ترى أطفال تقرأ في أعينهم الذكاء ، وتجده يستخدم هذه الطاقة في الضياع ولا يوجد مثل هذا الرجل ليقول للطفل أن عندك طاقة توظفها في طاعة الله تبارك وتعالى .

فحث الآخرين باب كبير فينصح أو يوجه ونحو ذلك .

فهذا هو الذي نعنيه بالتغيير أو الإصلاح وهذا ما نقوله وما المطلوب من كل فرض أن يفعله ، بأن يفعل كل ما يقدر عليه بنفسه أو مع غيره أو بنصيحه غيره .

الفقرة الأخيرة في هذا التمهيد :

يؤكد هنا على أنه إذا كان المسلمون ككل مطالبون بهذا فأبناء الصحوة الإسلامية الذين أدركوا كثير من هذه القضايا فهناك مسلمون كثر مازالوا بعيدين عن فهم هذا الموضوع ، فمن الممكن أن تجد عنده كثير من الخير ويفعل أركان الإسلام ومن الممكن أن يقوم الليل ويصوم النوافل ، لكن هنا من أهم ما يميز أبناء الصحوة الإسلامية ـ فهم يسمون أبناء الصحوة الإسلامية لأنهم يفهمون هذه الجزئية إجمالاً ويدركونها ـ فيلزمهم أكثر ما يلزم غيرهم ، لأن غيرهم ما زال يحتاج أن يستوعبها حتى تخاطبه بها . وإذا كان أبناء الصحوة الإسلامية سيدركون ههذ الجزئية ويبدأون ي التحرك فإن أولى الناس بهذا الذين يتبعون للكتاب والسنة بفهم سلف الأمة لأن هذا هو الإصلاح التام ،أما من يشوب منهجهم بعض القضايا العقدية أو الفلسفية أو الصوفية أو غير ذلك فلا بلا شك أنهم يصلحون بعضاً ويفسدون بعضاً ، ومن الممكن أن يزيل فساد علماني بفساد عقلاني والاثنين صنوان ،وكل شيء قدر بقدره ، فيزيل فساد بمعاصي ويضع مكانها بدع ، فيوجد ممن لا يلتزم بمنهج أهل السنة والجماعة من لا شك أنه يفسد بمقدار انحرافه عن هذا المنهج . فإذا من الله تبارك وتعالى على الإنسان بالإسلام ثم من عليه بإدراكه بقضية العمل من أجل الإسلام ومن عليه بالتزامه منهج السلف فلا شك أنه لابد أن يقدر هذه المسئولية ، ولذلك يقول : " أنه يلزم أهل السنة والجماعة من هذا الواجب أكثر مما يلزم غيرهم لأنهم الطائفة الظاهرة على الحق التي تعلمه وتعمل به وتدعوا إليه وهم المأهلون لتغيير التحقق المنشود وإقامة الحق على صورته الكاملة ، بل لم تكون الخلافة على منهاج النبوة التي بشر بها النبي صلى الله عليه وسلم بقول : ( تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم تكون ملكاً عاضاً ثم تكون ملكاً جبرياً ثم خلافة على منهاج النبوة  ) فإذن فى الآخر خلافة على منهاج النبوية .

فالآن من كثرة الرعب الذي فعله العلمانيون للإسلاميين أصبح ذكر كلمة الخلافة كأنها جريمة ، ويقول البعض " نؤمن بأن هناك خلافة ولكن من المستحيل أن تأتي قبل مائة سنة " حتى يكون هناك تهمة حالية . لأنه لو قال عشرين سنة احتمال أن تكون هناك تهمة حالية .

في الواقع نحن لا نقول عشرين ولا  نقول مائة ، نحن نقول أن هذا خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم من البد أن نصدقه ، وواجب شرعي يجب أن نعمل له .

نحن الآن ماذا نفعل منه ؟ وهذا السئوال الآتي بعد ذلك

نفعل الآن من هذا الخير بأننا ندعوا الناس إلى الخير فقط .

كيف ستأتي الخلافة ؟

يأتي بها الله تبارك وتعالى .

فهل هذا تواكل ؟

لا ، لأنك تأخذ بالأسباب الشرعية والكونية ، فلا تحلم وتتمنى ثم تتخيل أن هذه الأحلام واقع ، أو يكون هناك وعد من الله تبارك وتعالى فتضع له تاريخ من اختراعك .

فالصحابة رضي الله عنهم الذي وعدوا أن يدخلوا المسجد الحرام وتحركوا وذهبوا إلى العمرة ، تلقائياً لابد أن تعتقد أن نذهب إلى المسجد الحرام فمنعوا منه وكانت المصلحة أن يرجعوا فأمروا بالرجوع ، وعمر رضي الله عنه يقول : " أم تقل لي أن آتي المسجد ومصل فيه ؟ " قال النبي صلى الله عليه وسلم ( هل قلت لك العام ؟ ) قال  : " لا " . قال :  ( فإنك آتيه ومصل فيه )

فحتى سبق الذهن الحاصل وهو الوعد الذي وعده النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأنهم سيصلون إلى المسجد الحرام وفعلاً أخذوا قرار بأنهم يذهبون إلى العمرة ففعلاً يأتي في ذهنك أن هذا هو الوعد ، بل لم يكن هو ، فمن الممكن أن يكون هو من الممكن أن لم كن هو الوعد . فما الوعد الذي بشر به المؤمنون نصاً ؟ وهو أنهم سيدخلون المسجد ويصلون .

فهم لم يذهبوا ولم يصلوا في المسجد الحرام ورجعوا رغم أن الأسباب المادية كانت في صالحهم ، ولو أحبوا أن يدخلوا المسجد بالقوة كانت الموازين في صالحهم ، ولكن منعهم الله تبارك وتعالى وبين لهم العلة بعد ذلك من وجود المؤمنين المستضعفين الذين لم يظهروا إيمانهم في مكة . وبالفعل جاء وعد الله وصدق الله رسوله الرؤيا بالحق وتحققت في العام الذي بعده .

فيوجد وعد بالخلافة ونوقن به ، هذا ليس معناه أن يقوم أحد الناس على جبل ويرفع راية ويعلن خلافة ، ولا معناها مصادمة السنن الكونية ، ولا معناها أننا لابد أن نضع جدول زمني ،ولا معناها أن نفرض على الله تبارك وتعالى أن هناك طريقة معينة ينفذ بها وعده .

فأنت مطالب بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والثقة بوعد الله .

فهل أحد كان يصدق أن تركيا بعد كل هذه العلمانية التي عاشتها تكون هذه صورتها الآن ؟!!

هل يصدق أحد أن قلب أوروبا الذي استعصى على الفتوح الإسلامية

الفتوح الإسلامية أخذت الأندلس ووقفت عند فرنسا ومع ذلك طرد الغرب المسلمين من الأندلس وفي نفس الوقت كان المسلمون يدخلون أوروبا من جهة الشرق ، ومع ذلك وقفوا عند النمسا وبولغاريا ثم انحصروا عند تركيا ، فقلب أوربا استعصى على الفتوح الإسلامية في كل تاريخها ، الآن يقولون أن قلب أوروبا في عام 2050 سيكون مسلماً بلا حرب ولا قتال غزو . فهناك بالفعل معدل نمو مضطرب للإسلام في أوروبا .

فهل نشترط على الله طريقة في إدخال الإسلام في أوروبا ؟

لكن لما كانت ساحة الجهاد مفتوحة وكانت معاييره وضوابطه قائمة فتح المسلمون الأندلس وكان هذا عز في وقتها.

فالآن هم عاجزون ، ولكن هل يرتكب العاجز حماقات ؟! ، ومع هذا العجز يقدر الله تبارك وتعالى أسباب من عنده . فهم يقولون أنهم بدون حرب وبدون جهاد رغم أنهم هم الذين يحاربون المسلمين في كل ساحات الأرض أنهم يخافون على قلب أوروبا أن تقلب إسلامية  .

نحن لا نتكلم إلى على الثقة بوعد الله والعمل على ما نملكه من أسباب وما يتاح أمامنا من وسائل الدعوة إلى الله تبارك وتعالى

يقول : " بل لم تكون الخلافة على منهاج النبوة التي بشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من خلال عمل أهل السنة والجماعة ومنهجهم ، وإلا فتقصير بعض من ينتسب إلى أهل السنة ومنهج السلف في هذا الباب يقدح في صدق انتمائه لهم وما أكثر ما تترد الأسئلة وتعدد المحاورات حول منهاج التغيير ووسائله بين الاتجاهات الإسلامية المعاصرة والتي يتبنى كل منهما جماعات مختلفة كل منها تؤيد ما تراه بالحجج وبيان الإيجابيات ،وربما جزم البعض أنه لا وسيلة ولا منهج إلا ما يرونه هم .

نقول البحث ونحن في هذا العدد نطرح بعض الاتجاهات الأساسية في التغيير دون بسط في الأدلة ونعرض سلبياتها وإيجابياتها ، ينتفع أبناء الصحوة الإسلامية الإيجابيات ويحذروا من السلبيات وليكون ذلك خطوة على طريق التكامل والتناصح المطلوب بين أبناء الصحوة الإسلامية .

نكتفي اليوم بعض هذا التمهيد ونشرع بإذن الله تبارك وتعالى المرة القادمة في ذكر هذه الآراء والاتجاهات .

سبحانك اللهم ربنا وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية