الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

انتبه! العمر يمر

إضاعة الوقت إضاعة للعمر خسارة لرأس المال الذي يتاجر به العبد مع ربه عز وجل

انتبه! العمر يمر
محمد سرحان
السبت ١١ أبريل ٢٠١٥ - ١١:٤٢ ص
1986
انتبه! العمر يمر

كتبه/ محمد سرحان

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

أيام تمضي وأعوام تمر ، ويمضي وينقضي عمر الإنسان سريعًا ، وأعمار هذه الأمة بين الستين والسبعين وقليل من يتجاوز ذلك ، قال صلى الله عليه وسلم :" أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ "، فلابد للعبد من استثمار هذه المنحة الربانية ( العمر) فيما يقربه إلى الله ويعود عليه بالنفع في الآخرة ، فإضاعة الوقت إضاعة للعمر خسارة لرأس المال الذي يتاجر به العبد مع ربه عز وجل ، فالعمر رأس مال المسلم الذي يتاجر به مع الله تعالى  ، قال بعض السلف : من علامة المقت إضاعة الوقت .

ونبهنا الله إلى مرور الأيام ليؤخذ منها العبرة والعظة : {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 190، 191] .

وكلما مر يوم ومضى ينقضي من عمر الإنسان يوم ، قال الحسن رحمه الله :" يا ابن آدم إنما أنت أيام مجموعة إذا مضى يومك مضى بعضك ".

فلإنسان من يوم ولد إلى يوم يموت يسير في اتجاه واحد إلى قبره وإلى لقاء ربه سبحانه ، سأل الفضيل بن عياض رجلًا فقال : كم أتت عليك ( أي : كم عمرك) ؟ قال : ستون عامًا ، قال الفضيل : وأنت منذ ستين عامًا تسير إلى ربك توشك أن تبلغ ، قال الرجل : إنا لله وإنا إليه راجعون ، قال الفضيل : هل تعلم تفسيرها ، من علم أنه لله عبد وأنه إليه راجع فليعلم أنه موقوف ، ومن علم أنه موقوف فليعلم أنه مسؤل ، ومن علم أنه مسؤل فليعد للسؤال جوابًا ، قال الرجل : فما الحيلة ، قال الفضيل : تحسن فيما بقي ، فإنك إن أحسنت فيما بقي غفر لك ما مضى وأثبت على ما بقي ، وإنك إن أسأت فيما بقي أخذت بما بقي وما مضى .

تمضي الأيام والأعوام لا ينتبه الإنسان لقيمة الوقت ، قال صلى الله عليه وسلم : « لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ »، وقال الحسن رحمه الله :: ما ندمت على شئ ندمي على يوم نقص فيه عمري ولم يزدد فيه عملي "، ولمعرفة قيمة اللحظات والدقائق والثواني : تامل في قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا ، ما بين التوبة والموت إلا لحظات .

تمضي الأيام والأعوام شاهدة لنا أو علينا ، بما عملنا فيها ، قال الحسن رحمه الله :" ليس يوم من أيام الدنيا إلا يتكلم يقول : يا ابن آدم إني يوم جديد وإني على ما يعمل فيّ شهيد ؛ وإني لو قد غربت الشمس لم أرجع إليكم إلى يوم القيامة "، " فتزود مني فإني إذا مضيت لا أعود "، وعنه قال :" يا ابن آدم اليوم ضيفك والضيف مرتحل يحمدك أو يذمك ، وكذا ليلتك "، وقال :" يا ابن آدم الأيام تعمل فيم فاعمل فيها "، وعن بكر بن عبد الله المزني رحمه الله :" ما من يوم أخرجه الله إلى أهل الدنيا إلا وينادي : ابن آدم اغتنمني لعله لا يوم لك بعدي ، ولا ليلة إلا تنادي : ابن آدم اغتنمني لعله لا ليلة لك بعدي "، وروي عن عيسى عليه السلام :" اليوم والليلة خزانتان فانظر ما تضع فيهما "، وعن عمر بن ذر رحمه الله قال :" اعملوا لأنفسكم رحمكم الله في هذا الليل وسواده ؛ فإن المغبون من غبن خير الليل والنهار ، والمحروم من حرم خيرهما ، وإنما جعلا سبيلًا للمؤمنين إلى طاعة ربهم ، ووبالًا على الآخرين للغفلة عن أنفسهم ، فأحيوا لله أنفسكم بذكره ، فإنما تحيا القلوب بذكر الله .

تمضي الأيام والأعوام نقترب من لقاء ربنا ، قال صلى الله عليه وسلم :" مَا مِنْكُمْ مِنْ رَجُلٍ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى شَيْئًا إِلاَّ شَيْئًا قَدَّمَهُ، ثُمَّ يَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى شَيْئًا إِلاَّ شَيْئًا قَدَّمَهُ، ثُمَّ يَنْظُرُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَقِيَ وَجْهَهُ حَرَّ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ "، سأل سليمان بن عبد الملك أبا حازم الأعرج : كيف القدوم على الله ؟ قال :" أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله فرحًا مسرورًا، وأما المسئ فكالآبق يقدم على مولاه خائفًا محزونًا ".

أيام تمضي وأعوام تمر ، يجني بعدها الإنسان ما زرع ، قال تعالى : {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر: 17] ، وقال تعالى : {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الجاثية: 22].

يا زارع الخير تحصد بعده ثمرًا               يا زارع الشر موقوف على الخطر 

أيام تمضي وأعوام تمر لابد فيها من الاستقامة على أمر الله ،  قال تعالى : {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [هود: 112]، وقال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت: 30 - 32]، وعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا غَيْرَكَ - قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: بَعْدَكَ - قَالَ: " قُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ " .

لذا لابد من وقفات للإنسان يحاسب فيها نفسه ، فيعرف عيوبها فيتخلص منها ، وذنوبها فيستغفر ربه منها ، ويلزمها كتاب ربها وسنة نبيها ، قال تعالى : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [الحشر: 18، 19] ، وقال تعالى : {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: 21] ، وقال عمر رضي الله عنه :" حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا ، وتهيأوا للعرض الأكبر {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة: 18] ، وقال الحسن رحمه الله :" إنما خف الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا ، وإنما شق الحساب على قوم أخذوا هذا الأمر بغير جد فلم يحاسبوا أنفسهم "، وحسب بعض السلف عمره فوجده واحدًا وعشرين ألف يوم ، فقال : ألقى الله بواحد وعشرين ألف ذنب ، كيف وفي اليوم آلاف الذنوب "، وكان الأحنف بن قيس يضع يده على المصباح ويقول : حس حس ، ما حملك على فعل كذا يوم كذا ".

ولما فقه سلفنا الصالح رحمهم الله هذا ، كان لهم اجتهاد عظيم في طاعة الله ، قال وهيب بن الورد : إن استطعت ألا يسبقك إلى الله أحد فافعل ، وقال محمد بن عثمان التركستاني : ما بلغني عن أحد من الناس أنه تعبد بعبادة إلا تعبدت مثله وزدت عليه ، وسئل نافع : ما كان ابن عمر يعمل في بيته ؟ قال : الوضوء لكل صلاة والمصحف فيما بينهما .

قيل لعلقمة بن قيس : لم تتعب نفسك ؟ قال : كرامتها أريد ، وروي عن هشيم بن منصور وحماد  : لو قيل له ملك الموت على الباب ما كان عنده زيادة في العمل ، وقال أحمد بن حرب : عجبًا لمن يعلم أن الجنة تزين فوقه والنار تسعر تحته كيف ينام بينهما .

                                        وصلي اللهم وسلم وبارك على عبدك ونبيك وخليلك محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم .

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 


تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً