الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

محاسن الرسالات دليل على وجود رب السماوات (موعظة الأسبوع) -3

مواصلة التحذير مِن الهجمة التي تقودها جهات "إعلامية وغيرها"؛ لدفع المجتمعات الإسلامية لنبذ الإسلام وتعاليمه، وتبني الإلحاد دينًا!

محاسن الرسالات دليل على وجود رب السماوات (موعظة الأسبوع) -3
سعيد محمود
الثلاثاء ٢١ أبريل ٢٠١٥ - ١٠:٥١ ص
1238

محاسن الرسالات دليل على وجود رب السماوات (موعظة الأسبوع) (3)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الغرض من الموعظة:

- مواصلة التحذير مِن الهجمة التي تقودها جهات "إعلامية وغيرها"؛ لدفع المجتمعات الإسلامية لنبذ الإسلام وتعاليمه، وتبني الإلحاد دينًا!

المقدمة:

- جاء الرسل بالرسالات التي هي غاية في الكمال، ولا تتعارض مع فطرة الإنسان وسنن الكون: قال الله -تعالى-: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) (النساء:82).

- الفضائل والقيم التي تحملها الرسالات مِن أعظم الأدلة على صدقها، وصدق مَن حملها، وصدق مَن أنزلها: قال الله -تعالى-: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) (الإسراء:9).

- كل عاقل إذا تأمل التعاليم التي جاءت بها الرسالات يوقن أنها ليست أفكار بشر: "سئل أعرابي: بمَ عرفت أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- رسول من الله؟ فقال: ما أمر بشيء فقال العقل: ليته نهي عنه! ولا نهى عن شيء فقال العقل: ليته أمر به!" (مفتاح دار السعادة، نقلاً عن الرسل والرسالات للأشقر).

- الخصوم إذا أنصفوا شهدوا بمحاسن ما جاءت به الرسل والرسالات: جاء في خبر "هرقل" ملك الروم أنه لما سأل أبا سفيان: "مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟" قال أبو سفيان: "قُلْتُ: يَقُولُ: اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، وَالصِّدْقِ وَالعَفَافِ وَالصِّلَةِ" (رواه البخاري).

نظرة على محاسن الرسالات مِن الجانبين: "العقدي والعملي":

أولاً: الجانب العقدي: "عقيدة التوحيد":

- جاء الرسل والرسالات بعقيدة واحدة منذ فجر التاريخ مِن أولهم إلى آخرهم: قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (النحل:36).

- كثرة عددهم مِن أدلة صدقهم وصدق ما جاءوا به: عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهو فِي الْمَسْجِدِ, فَجَلَسْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ, كَمْ وَفَاءُ عِدَّةِ الأَنْبِيَاءُ؟ قَالَ: (مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَمِ الرُّسُلُ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: (ثَلاثُ مِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ جَمًّا غَفِيرًا) (رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني).

- إنكار الرسل على مَن يحرِّف هذه العقيدة ولو كان مِن أتباعهم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ) (رواه البخاري)، وقال -تعالى- عن المسيح -عليه السلام-: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ . مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (المائدة:116-117).

ثانيًا: الجانب العملي: "منهج كامل شامل عام يتعلق بمصالح العباد في الآجل والعاجل":

1- كمال المنهج وخلوه مِن النقائص:

- عجزَ المعاندون والملحدون أن يأتوا بمثله: قال الله -تعالى-: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) (الإسراء:88)، وقال -تعالى-: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة:23)، وقال: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) (النساء:82).

- أثر المنهج الكامل على المؤمنين به: "أراق الصحابة -رضي الله عنهم- الخمور في الشوارع بمجرد نزول الأمر باجتنابها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة:90)".

- أثر المناهج البشرية على المؤمنين بها: "التجربة الأمريكية لمحاولة منع الخمر سنة 1930م، وكيف كان منهم الإنفاق والدعاية، والعقوبات والاعتداءات والضحايا، ثم مع ذلك فشلت الحملة وألغي القانون!".

2- الشمول لجميع شئون الحياة وسلوك الإنسان:

- أحكام تتعلق بالعبادة الصحيحة للإنسان: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ) (متفق عليه).

- أحكام تتعلق بالأخلاق وما يتحلى به الإنسان وما يتخلى عنه: قال الله -تعالى-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران:110)، وقال -تعالى-: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) (الإسراء:36). "الصدق - الأمانة - الصلة - البر - ترك الكذب والغش - و... ".

- أحكام لتنظيم حياه الناس: "أحكام الأسرة - المعاملات - القضاء - نظام الحكم واختيار الحاكم - الاقتصاد - الموارد ومصارفها - العقوبات - العلاقات الخارجية مع المسلمين وغيرهم - ... ". وقال -تعالى-: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) (الأنعام:38).

3- الصلاحية لجميع البشر ولكل زمان ومكان:

- منهج عام لكل الناس وكل الأوقات: قال الله -تعالى-: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) (الأعراف:158).

- منهج يراعي مصالح العباد وضروريات الحياة: "الدين - النفس - العقل - النسل - المال".

- فأما الدِّين: فشرع لإقامته العبادات، ولحفظه الجهاد، وحد الردة، وزجر وعقوبة مَن يفسد على الناس دينهم.

- وأما النفس: فشرع لحفظها القصاص ممن يعتدي عليها، وشرع تحريم إلقائها في التهلكة، ولزوم دفع الضرر عنها.

- وأما العقل: فشرع لحفظه تحريم كل ما يؤثِّر عليه، وشُرعت العقوبة للمعتدي عليه.

- وأما النسل: فشرع لإيجاده الزواج، وشرع لحفظه العقوبة للزاني والقاذف، وحرَّم الإجهاض وقتل الأجنة.

- وأما المال: فشرع لتحصيله أنواع المعاملات مِن بيع وشراء ونحوه، وشرع لحفظه تحريم أكل المال بالباطل، أو إتلافه بلا وجه سائغ مشروع، وتحريم الربا، وعقوبة السارق.

4- ترتيب الجزاء على الطاعة والعصيان في العاجل والآجل:

- الملاحدة لا يرون جزاءً في الآجل وينكرون الآخرة: قال الله -تعالى-: (كَلا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى . أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى . إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى) (العلق:6-8)، وقال: (قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ . لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) (الواقعة:49-50).

- المسلم يخضع لأحكام الدين خضوعًا اختياريًّا في السر والعلن؛ خوفًا مِن عقاب الله قبل عقاب الدنيا: قال الله -تعالى-: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) (آل عمران:30).

- وفي حديث توبة كعب بن مالك -رضي الله عنه- قال: فَجِئْتُهُ -يعني النبي صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ المُغْضَبِ، ثُمَّ قَالَ: (تَعَالَ) فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لِي: (مَا خَلَّفَكَ، أَلَمْ تَكُنْ قَدْ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ). فَقُلْتُ: بَلَى، إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا؛ لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ، وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلاً، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ، لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ اليَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي، لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ، تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ، إِنِّي لأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ، لاَ وَاللَّهِ، مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ، وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى، وَلاَ أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ) (متفق عليه).

خاتمة: أهمية الإيمان بالجزاء والحساب في الآخرة، وأثر ذلك على سعادة الإنسان والمجتمع:

- سعادة الجماعة مرهونة بسلوك الأفراد: لن يضبط سلوك الفرد أعظم مِن مراقبة الله، والخوف مِن عقاب يوم الحساب.

وإذا قيل: القانون وسلطة الحكم تضبطه!

فالجواب: ومَن يضبط القانون وسلطة الحكم عن الظلم والاستبداد؟! قال الله -تعالى-: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (الأنبياء:47).

وللحديث بقية -إن شاء الله- حول أدلة الفطرة والعقل والحس.

فاللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا هداه مهتدين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة