الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

قراءة متأنية في الملف اليمني -2

عاصفة الحزم إلي أين ؟

قراءة متأنية في الملف اليمني -2
أحمد الشحات
الخميس ٢٣ أبريل ٢٠١٥ - ١١:٥٦ ص
2261

قراءة متأنية في الملف اليمني (2) : عاصفة الحزم إلي أين ؟

كتبه/ أحمد الشحات

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :-

1)   مقدمة :-

السياسة الخارجية لبلد ما هي مجموعة الأهداف السياسية التي تحدد كيفية تواصل هذا البلد مع البلدان الأخرى في العالم ، وبشكل عام تسعى الدول عبر سياساتها الخارجية إلى حماية مصالحها الوطنية وأمنها الداخلي وأهدافها الفكرية الأيديولوجية وازدهارها الاقتصادي، وقد تحقق الدولة هذا الهدف عبر التعاون السلمي مع الأمم الأخرى أو عبر الحرب والعدوان والاستغلال للشعوب الأخرى أو غير ذلك من الوسائل.

من هذا المنطلق تفاوتت مواقف الدول تجاه المشاركة في عاصفة الحزم من عدمه ، وعكفت كل دولة من الدول المعنية على دراسة المصالح والمفاسد المترتبة على موقفها المزمع اتخاذه وفق معايير السياسة الخارجية لديها ، وفيما يلي دراسة وتحليل لأشهر وأهم المواقف تجاه هذا الحدث الجديد.

2)   هل كانت سياسة الملك عبدالله سبباً في اختلال التوازن الداخلي باليمن؟

اعتقد أن السعودية – ومن خلفها الدول العربية – خسرت كثيراً بسبب السياسة الانكماشية للملك عبدالله ، والتي أورثت فراغاً كبيراً ساهم بقوة في تمدد النفوذ الإيراني في عدد من دول المنطقة ، أما التحرك إزاء الأزمة اليمنية في البداية فقد كان يهدف كما ذكرنا إلي تسكين الأوضاع والسماح بقدر من الاصلاحات التي تُرضي الشعب ولكن لا تغير شيء من الشكل السياسي للدولة ، وقد تصورت المملكة أن الأمور قد مرت بسلام ولكنها فوجئت بأن الحكومة قد وقعت من نصيب حزب الإصلاح ذو التوجه الإخواني ، وفي نفس الوقت هناك في الجنوب ، يتململ الحوثيون من الأوضاع ويتحينون الفرصة لانتزاع مكسب سياسي يقوم على فشل الآخرين ، وظنت السعودية – خطئاً - أن ترك الساحة لمواجهة مكشوفة بين الإصلاح والحوثيين سوف تنتهي لصالح اليمن ، وكان هذا هو الخطأ الذي أطاح باستقرار اليمن خصوصاً بعدما انتبه حزب الإصلاح إلي هذه الجزئية.

تقول  الكاتبة الصحفية منى صفوان في مقالها المنشور بموقع عربيات سبتمبر 2014 " لقد اعتقدت المملكة خطئاً أن الأمور في اليمن تسير إلى الأمام، وأن الضربة القاصمة التي وجهت للمشروع الشيعي الإيراني في العراق كفيلة بجعله يرفع يده عن بقية مناطق التماس مع المملكة، وأن المليارات التي ضختها لرعاية مؤتمر كبير كفيل بجعل الأمور تسير في اليمن وفقا للمصالح السعودية، بينما كان العكس هو ما يحدث، إذ يبدو من مجمل التطورات في المنطقة أن ايران والولايات المتحدة الأمريكية خدعتا المملكة، وأوهماها بتقلص النفوذ الإيراني في المنطقة بعد سيطرة الدولة الإسلامية "داعش" على المناطق السنية في العراق، بينما كان الترتيب يجري على قدم وساق لإسقاط اليمن في قبضة الحوثيين ".

وقد فوجئت السعودية أن الحوثيين انقلبوا على الاتفاقية التي تم توقيعها معهم، ووسعوا رقعة انتشارهم العسكري، وسيطروا على صنعاء، للسيطرة على السلطة كاملة ولإقصاء كافة اليمنيين ، وقد غفلت عن أن هناك تحالفًا خفيًا بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران يهدف لإعادة رسم منطقة الشرق الأوسط بالكامل، وخاصة السعودية المستهدف تقسيمها إلى 3 دول، شيعة في الشرق، حيث يوجد نحو 4 ملايين شيعي، ودولة في الغرب، يسكنها العرب السنة، وأخرى في الوسط، تحت رعاية دولية لوجود المقدسات الإسلامية بها.

غفلت السعودية – ممثلة في سياسة الملك عبدالله – عن الشهوة الايرانية في التهام المملكة وما حولها ، الأمر الذي جعلها في مرمي الخطر الايراني ، يقول "علي رضا زاكاني" مندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني والمقرب من المرشد الإيراني علي خامنئي "  أن ثلاث عواصم عربية أصبحت اليوم بيد إيران، وتابعة للثورة الإيرانية الإسلامية، مشيرا إلى أن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التي في طريقها للالتحاق بالثورة الإيرانية " ، ثم أضاف ما هو أخطر من ذلك فقال  " بالتأكيد فإن الثورة اليمنية لن تقتصر على اليمن وحدها، وسوف تمتد بعد نجاحها إلى داخل الأراضي السعودية، وإن الحدود اليمنية السعودية الواسعة سوف تساعد في تسريع وصولها إلى العمق السعودي".

3)   دوافع التحرك العربي نحو عاصفة الحزم :-

بدون مقدمات طويلة ، وتفريعات تحيد بنا عن القضية الأم ، فالحقيقة التي لا شك فيها أن ما يجري في اليمن ليس غرضه فقط إعاقة التقدم الحوثي عن السيطرة على اليمن ، أو هو نوع من فرض الوصاية الخليجية على اليمن ، أو هو رغبة في التدخل في الشئون الداخلية لبلد عربي شقيق ، ولكنه ساحة خلفية مفتوحة لمواجهة سنية شيعية ، عربية فارسية ، تسعي في المقام الأول إلي عرقلة التقدم الإيراني الساعي إلي ابتلاع الدول العربية بكل ما فيها.

ربما يكون للملكة السعودية نوع من التدخل والاشتباك مع الواقع الداخلي اليمني بسبب علاقات تاريخية ومصالح مشتركة قديمة ، وبسبب خطورة استراتيجية لموقع اليمن بالنسبة للسعودية حيث تعتبر اليمن هي البوابة الجنوبية لها ، ولكنها بوابة قلقة وكثيرة الاضطرابات ، مما دعي السعودية إلى مواجهة عسكرية مع الحوثيين في عام 2009 ، وقد ردّ مسلحو الحوثي على تلك الحملة باحتلال جبل الدخان داخل الأراضي السعودية وقتل عدد من الجنود السعوديين، حيث جاء رد المملكة حينها بحملة جوية وبرية استمرت لنحو شهرين متتاليين، خلفت المئات من القتلى على الجانبين، وانتهت بانسحاب الحوثيين تحت وطأة الضربات السعودية من النقاط الحدودية التي احتلتها داخل أراضي المملكة ، وقد ظهر جلياً خلال تلك الحملة ملامح الدعم الإيراني لجماعة الحوثي، ما بين تسليح وتدريب وإمدادات ، وقد شكل النزاع المسلح بين الحوثيين والقوات السعودية، نقطة تحول خطيرة في تاريخ الصراع بين المملكة العربية السعودية وإيران من خلال ذراعها الجديد في اليمن.

لذا فالتحرك العربي باختصار جاء لحماية الأمن القومي الخليجي بوجه عام ثم السعودي والمصري على وجه الخصوص ، وفيما يلي نرصد ملامح التحرك الايراني في المنطقة العربية منذ أن جاءت الثورة الايرانية وحتي الآن :-

من المؤكد أن إيران سعت منذ سنوات طويلة إلى زعزعة الأمن والاستقرار الداخلي للدول الخليجية بشكل عام، والسعودية بشكل خاص، وعملت على استغلال الثغرات داخل المملكة لإشاعة الفوضى واختلاق المشاكل الأمنية هنا وهناك، وذلك بسبب تصدي دول الخليج للمشروع الإيراني في تصدير ثورتهم، ودعم الخليج للعراق خلال حربه مع إيران.

وقد بدأت تلك المحاولات الإيرانية الخبيثة عام 1987 حينما حركت إيران الحجاج الإيرانيين للقيام بأعمال شغب، ورفع شعارات الثورة الإيرانية وصور الخميني في قلب مكة المكرمة، حيث اشتبكوا بشكل مباشر مع رجال الأمن السعودي بعد فشل محاولات تفريقهم، الأمر الذي أدى إلى سقوط المئات من القتلى في صفوف الحجاج ورجال الأمن السعودي، وهو ما دفع الرياض إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران حتى عام 1991.

لم يقتصر الخطر الإيراني على إثارة التوترات الطائفية، والتغول في الواقع السياسي والأمني في البلدان التي وقعت تحت تأثير نفوذها المباشر، كالعراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن، بل إن الخطر طال أيضاً وبشكل مباشر المصالح الحيوية والاقتصادية لدول الخليج ، فمن المعروف أن السعودية تعتمد على ميناء ينبع الواقع على شواطئ البحر الأحمر في تصدير نحو 65 بالمئة من صادرتها النفطية البالغة نحو 10 ملايين برميل يومياً، الأمر الذي دفع إيران إلى إيجاد نوع من السيطرة غير المباشرة على مضيق باب المندب عبر الحوثيين، وحرمان السعودية وبقية دول الخليج المصدرة للنفط والغاز نحو أوروبا وأفريقيا وآسيا، وهو ما استوجب تحرك المملكة عسكرياً لحماية مصالحها الحيوية.

السهم العلوي يشير لمضيق هرمز والسهم السفلي يشير لمضيق باب المندب

إضافة إلي ما سبق فإن إيران تهدد العمق السعودي عن طريق الحوثيين الذين هددوا بإعادة احتلال مدن جيزان وعسير ونجران على الجانب السعودي، والتي أصبحت جزءاً من أراضي المملكة عقب اتفاقية الطائف عام 1934، وهو ما اعتبرته السعودية تهديداً مباشراً لأمنها القومي ولسيادة أراضيها، حيث أتبع الحوثيون تهديداتهم بمناورات عسكرية وحشود قبلية على الحدود مع المملكة، ونشرت مليشيات علي عبد الله صالح الشعبية ومجموعات الحوثيين، مفارز عسكرية على طول الحدود.

ومع دخول علي عبد الله صالح في تحالف مع الحوثيين، وتسليمه اليمن ومفاصل الدولة وأسلحة الجيش ومقدراته لحلفائه الجدد، اتجه الحوثيون إلى خلق زعامات قبلية جديدة، استعرضت قوتها على الحدود مع السعودية، وهو ما يعني إشعال حرب قبلية بين البلدين بدوافع قبلية وطائفية، وهو ما دفع السعودية للتحرك العاجل للقضاء على هذا المخطط من خلال الحملة العسكرية باسم عاصفة الحزم.

أهمية مضيق باب المندب :-

وترجع أهمية مضيق باب المندب إلى كونه الممر الرئيسي للصادرات النفطية الخليجية والمنتجات الواردة من دول شرق آسيا، حيث تمر جميعها من قناة السويس، كما يعتبر المضيق هو مفتاح الملاحة البحرية في البحر الأحمر، فضلاً عن كونه يربط بين خليج عدن والبحر الأحمر.

بالإضافة أن مضيق باب المندب يعبر منه نحو 6.1 في المئة من بترول العالم، إذ عبر 3.4 مليون برميل يومياً عبر المضيق في عام 2013، وتعبره سنوياً نحو 21 ألف سفينة، مما يجعل دول العالم تسعى إلى عدم إغلاقه لتأثر تجارة النفط العالمية بالإغلاق، وقد يؤثر على زيادة أسعار النفط بنحو 5 دولارات تقريباً لكل برميل، وسيترتب على احتمالية إغلاق المضيق إعاقة وصول ناقلات النفط من الخليج إلى قناة السويس، وارتفاع في تكاليف الشحن، بإضافة 6 آلاف ميل بحري زيادة بالنسبة للنقالات التي ستعبره، وتوقعات بوصول التكاليف الإضافية للنقل إلى أكثر من 45 مليون دولار يومياً.

4)   ملامح جديدة لسياسة سعودية قوية وفعالة :-

ذكرنا فيما سبق أن السعودية دفعت ثمناً باهظاً للسياسة المرتعشة والمنكمشة التي كان ينتهجها الملك عبدالله والتي جعلت السعودية محاصرة من جميع الجهات ، ولعل هذا ما جعل إيران تبني حساباتها على أن المملكة العربية السعودية باتت عاجزة عن ضبط حدودها مع اليمن إثر سيطرة الحوثيين على مفاصل الدولة ومعسكرات الجيش، وظهر لها أنها باتت قادرة على وضع السعودية بين فكي كماشة بين حدودها الشمالية والجنوبية، إذ أنها أصبحت على تماس مباشر على حدود المملكة مع العراق بعد إتمام ميليشياتها الشيعية وحرسها الثوري السيطرة على المدن العراقية بحجة محاربة تنظيم "الدولة"، واحتفلت مبكراً بسقوط صنعاء العاصمة العربية الرابعة بعد بغداد ودمشق وبيروت في دائرة نفوذها المباشر.

إلا أن الملك سلمان بدأ سريعاً في محاولة قوية لمعالجة آثار السياسة الخاطئة لخلفه ،فعلى المستوى الدولي، أثبتت السعودية قدرتها على التحرك بشكل منفرد، وبالشكل الذي يحفظ لها مصالحها الحيوية وأمنها وسلامة أراضيها، ونفذ الملك سلمان بن عبد العزيز وعوده بإعادة هيكلة سياسية المملكة الخارجية ، ويبدو أن أمريكا فوجئت بهذا التحرك المباغت بنفس القدر الذي فوجئت به إيران.

تحرك الملك سلمان على عدة محاور بشكل متوازي جاءت غاية في الدقة والروعة ، حيث قام الملك سلمان بالتنسيق الكامل والتام مع القوات المسلحة المصرية فدخول حرب خليجية بهذا الحجم لا يمكن له أن ينجح بدون الدعم العسكري المصري ، خصوصاً لو كانت هناك حاجة ماسة إلي قوات برية أو بحرية مع الاحتياج إلي الكفاءة والخبرة القتالية.

ثم في ضربة موجعة لإيران في عمق مشروعها الشيعي لدول إفريقيا سعي الملك سلمان لتوطيد العلاقات مع السودان ، حيث زار الرئيس السوداني عمر البشير السعودية واجري محادثات مع الملك سلمان بن عبدالعزيز ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان ، قال فيها إن أمن المملكة العربية السعودية وأمن الحرمين الشريفين خطاً أحمر بالنسبة للسودان ، ثم جاء القرار بمشاركة السودان في العاصفة على لسان وزير الدفاع السوداني عبدالرحيم محمد حسين " إن بلاده ستشارك بقوات جوية وبرية في عمليات عاصفة الحزم ضد المقاتلين الحوثيين باليمن "

ثم جاء تصريح وزير الخارجية السوادني علي كرتي قائلاً " السودان بقربه من السعودية ومن منطلق العلاقات التاريخية الوثيقة والخطر الذي يهدد المنطقة جميعاً والسعودية على وجه التحديد اتخذ هذا القرار ، وأن بلاده تعلم تماماً أن مشاركتها في هذه الحرب هي مشاركة للدفاع عن أمن السعودية، والسودان، والمنطقة عموماً".

وكانت طهران تنتوي بناء ميناء جديد على شواطئ البحر الأحمر، لتهريب أسلحة إلى حزب الله وسوريا عبر الأراضي السودانية، مستغلة في ذلك المساعدات التي تقدمها للخرطوم ، وتشمل هذه الأسلحة دبابات وأنظمة صواريخ وأنظمة دفاعية ذاتية وغيرها من الأسلحة الثقيلة، وتحتل المنشأة الإيرانية جزءا كبيرا من ميناء بورت سودان ، وأكدت التقارير أن إيران استأجرت موقع المنشأة لفترة طويلة المدى، وأن مهندسين من الحرس الثوري الإيراني بزي مدني يشرفون على العمال السودانيين الذين يعملون على تشييد المنشأة والتي تعتبر ثاني أكبر قاعدة عسكرية في البحر الأحمر بعد قاعدة ميناء "عصب" العسكرية في أريتريا.

وبالتالي جاءت مشاركة السودان في العملية العسكرية التي تقودها السعودية لتؤكد على قرب انهيار التحالف العسكري بين الخرطوم وطهران ، وتبرز بدايات تخلي القيادة السودانية عن حليفها العسكري السابق ، وبذلك تكون ايران تلقت اول هزيمة بخسارتها حليف استراتيجي قوي مما ينذر ببداية تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة وتساقط أوراقه من حين الى اخر.

بالإضافة إلي التعاون مع مصر، وإعادة السودان إلى محيطها العربي ، ظهرت ملامح تلك السياسة كذلك من خلال التقارب السعودي مع تركيا، ونجاحها في كسب دعم إقليمي ودولي، كما تجلت تلك التغييرات بالحصول على دعم باكستاني للتحالف الذي تقوده المملكة في حملتها العسكرية، وسوف نتناول الموقف التركي والباكستاني فيما يلي بشيء من التفصيل.

5)   الموقف التركي من العاصفة الأسباب والدلالات :-

قام الملك سلمان بمقابلة أردوغان في الرياض ، وقد حاول سلمان فيما يبدو أن يعيد الدفء للعلاقات التركية المصرية ، ولكن الأهم من ذلك بالنسبة للسعودية هو ضمان تركيا كداعم سياسي للسعودية ، وكان من ضمانات هذا الدعم  زيادة التعاون الاقتصادي بين البلدين حيث كشف خبير اقتصادي سعودي أن بلاده وضعت خططها لتنفيذ مشاريع استثمارية بقيمة 600 مليار دولار في تركيا على مدى الـ20 سنة المقبلة، متوقعا تجاوز الناتج المحلي التركي تريليون دولار بحلول عام 2015، ليشغل المركز الـ17 عالميا، في حين أن الناتج المحلي السعودي سيحل في المركز الـ19 بحجم يقدر بـ656 مليار دولار.

وقد ظهرت نتائج هذا التقارب السعودي التركي فور الإعلان عن "عاصفة الحزم" حيث جاء بيان وزارة الخارجية التركية حاسماً لموقفها :-

 " نعرب عن دعمنا للعملية العسكرية التي أطلقتها قوات التحالف في مواجهة الحوثيين، والتي تمت بناء على طلب السيد هادي الرئيس المنتخب شرعيا، حيث قامت السعودية بإبلاغ تركيا مسبقا عن العملية العسكرية. ونعرب عن ثـقتنا بأن هذه العملية ستساهم في الحد من مخاطر الاقتتال الداخلي والفوضى في البلاد، وفي إعادة سيطرة السلطات الشرعية على زمام الأمور فيها ، كما ندعو الحركة الحوثية و(داعميها من الخارج) إلى الابتعاد عن التصرفات التي تهدد الأمن والسلام في اليمن والمنطقة ".

وأهم من ذلك رد أردوغان على سؤال حول موقف تركيا من (عاصفة الحزم) خلال مؤتمر صحفي مع رئيس ساحل العاج قال فيه :-

 " إن انقلاب الحوثيين مبني على بعد طائفي بدعم من إيران، مُشيراً إلى أن الصراع في اليمن قائم بين الشيعة والسنة. ومؤكداً وقوف تركيا في وجه جميع الصراعات الطائفية. وأضاف "إن التدخل الإيراني بات يقلق جميع دول المنطقة من تركيا إلى السعودية ودول الخليج العربي. مُعلناً أن تركيا مستعدة لتقديم كافة الدعم اللوجيستي والاستخباراتي في العملية العسكرية ضد الحوثيين في اليمن. كما حذر من خطورة التمدد الإيراني في العراق حيث قال "إن الميلشيات الشيعية الإيرانية تسيطر على الأماكن التي تخرج من سيطرة "داعش" في الموصل. لافتاً إلى مساهمة الميلشيات الشيعية في قتل أكثر من 300 ألف شخص في سوريا أيضاً من خلال دعم نظام الأسد. ومشيراً إلى أنه "لا يحق لأي أحد يقول أنا مسلم، أن يدافع عن المجرم". واختتم الرئيس أردوغان القول بان الانتشار الإيراني في دول المنطقة وصل لدرجة لا يمكن تحملها، داعياً إياها سحب جميع قواتها وعناصرها من اليمن وسوريا والعراق ".

ورغم ما سبق إلا أن أردوغان حرص على إتمام زيارته لطهران وكذلك لم تستجب طهران لمطالبات البعض بإلغاء الزيارة بسبب التصريحات العدائية تجاه إيران ، وذلك لعدة أسباب منها قوة العلاقات الاقتصادية بين البلدين خاصة وأنّ قيمة التبادل التجاري السنوي بين تركيا وإيران يُقدّر حالياً بنحو 18 مليار دولار أميركي، وهو مُرشّح للتصاعد بشكل كبير بمجرّد رفع العقوبات الغربية على إيران ،وتُعوّل تركيا كثيراً على الغاز الطبيعي الإيراني الذي يأتي بالدرجة الثانية بالنسبة إليها بعد الغاز الروسي.

وقد جاءت صور روحاني وأردوغان الضاحكة لتكشف عن أن نقاط الاتفاق أكبر من نقاط الخلاف ثم جاء التصريح بخصوص اليمن دبلوماسياً وغامضاً حيث أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني في ختام اجتماعه مع رجب طيب أردوغان أن طهران وأنقرة قد اتفقا على ضرورة وقف الحرب في اليمن وتشجيعهما التوصل إلى حل سياسي للأزمة هناك ، ومن جانبه قال أردوغان إن بلاده معنية بالمسلمين بغض النظر عن التقسيمات الطائفية، ودعا إلى وضع حد لسفك الدماء في المنطقة.

وفي هذا المقام  لا بُد من التذكير أن السياسة هي سيدة المشهد ، وأن المصالح هي من تتحكم في تحركات الدول وبالتالي تتضاءل في المقابل قيمة النواحي المبدئية والقيمية ، وهذا ما نهمس به في أذن إخواننا ممن يوالون ويعادون بناءً على تحركات الدول في الفناء الخارجي ، فتركيا لا تعادي مصر بسبب الانقلاب أو غيره وكذلك موقف قطر ، والقاعدة المعروفة في ذلك أن السياسة ليس لديها صداقة دائمة وليس هناك أيضاً عداء دائم ، والتبادل في المواقف من أسهل ما يكون.

أما بخصوص العلاقة بين إيران وتركيا فعلى مدى التاريخ، وتحديداً من أيّام الدولتين العثمانية والصفويّة وصولاً إلى اليوم، شهدت العلاقات الإيرانية – التركيّة، مراحل تباعد ومراحل تقارب عديدة ، واليوم ومع تراجع الدور العالمي في المنطقة، وتحديداً الدور الأميركي، تعمل الدول الإقليميّة الفاعلة، مثل تركيا وإيران وكذلك مصر والسعوديّة على سدّ هذا الفراغ وعلى توسيع نفوذها قدر المُستطاع ، وإذا كانت إيران تتحرّك من موقع قوّة، نتيجة بداية حلحلة مشاكلها مع الدول الغربيّة، وخصوصاً مع الولايات المتحدة الأمريكيّة، وبفعل نفوذها السياسي والعسكري المتزايد في أكثر من دولة عربيّة، فإنّ تركيا تسعى حالياً للتحرّك من موقع قوّة أيضاً، عبر التلويح بورقة تقاربها المتصاعد مع السعودية وغيرها من الدول العربيّة، والتلويح بإمكان اصطفافها إلى جانب كل من السعودية ومصر وغيرهما في حال لم يتمّ مراعاة مطالبها ومصالحها.

6)   الموقف الباكستاني من العاصفة الأسباب والدلالات :-

مع بداية انطلاق حملة عاصفة الحزم كانت هناك تصريحات نارية من جانب رئيس الوزراء الباكستاني حيث صرح مكتب رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف " إن باكستان تتمتع بروابط وثيقة وأخوية مع السعودية وبلدان مجلس التعاون الخليجي الأخرى ، وأن أي تهديد لسلامة أراضي السعودية سيثير ردا قويا من باكستان " ، إلا أن الطلب السعودي من باكستان جاء واضحاً وهو أن تقوم باكستان بإرسال قوات برية وطائرات وسفن حربية للمشاركة في عملية "عاصفة الحزم" ضد الحوثيين في اليمن.

وتم عرض الأمر على البرلمان فجاء التصويت النهائي لأعضاء مجلس البرلمان الوطني الباكستاني مخالفاً فيما يبدو لتوجه الحكومة متمثلاً في رفض الطلب السعودي بخصوص المشاركة العسكرية في العاصفة ، وأكد البرلمان على ضرورة تقديم الدعم الدبلوماسي والسياسي للسعودية، دون المشاركة عسكريا في “عاصفة الحزم”، مؤكدين على ضرورة الحفاظ على سيادة وسلامة المملكة، حال تعرضها لما يهدد أمنها ووحدة أراضيها.

وقد أثار قرار البرلمان حفيظة الدول الخليجية مما دعا أحمد الجروان رئيس البرلمان العربي للتعليق على هذا القرار بقوله " إن الشعب العربي استقبل خبر مشاركة باكستان ضمن تحالف "عاصفة الحزم" بالتفاؤل والحماس على أمل استمرار تشكيل قوة عربية وإسلامية تقف مع الحق ضد كل من تسول له نفسه العبث بمقدرات الشعوب العربية والإسلامية، وتعمل من أجل الأمن والسلام في العالم أجمع، إلا أن قرار البرلمان الباكستاني الأخير جاء صادمًا للشعب العربي والإسلامي ومخيبًا للآمال ، ودعا البرلمان الباكستاني إلى الاتساق مع إرادة الشعوب في ظل هذه الظروف المفصلية التي يمر بها العالم العربي والإسلامي، ودعم قرار الشعب والحكومة الباكستانية المؤيد لتحالف "عاصفة الحزم".

أما عن أسباب هذا التردد الواضح في قرار باكستان فيمكن فهمه في ضوء ما يلي :-

أشار السفير "حسين حقاني" سفير باكستان السابق لدى الولايات المتحدة إلى " أن باكستان تدين بالفضل كثيرا للسعودية، كما أن رئيس الوزراء الباكستاني "نواز شريف" لديه علاقات شخصية وثيقة مع المملكة، إلا أن إسلام أباد عليها أن توازن في علاقاتها مع السعودية وباقي دول الخليج من جهة وبين خوفها من إيران المتاخمة لحدودها والتي تمتلك القدرة على إثارة المذهبية داخل باكستان نفسها من جهة أخرى ، وكشف عن وجود عناصر مؤيدة دائما لإيران في المؤسسة الأمنية الباكستانية، مشيرا إلى أن باكستان سبق وأن ترددت في إرسال قوات للمساهمة في حرب تحرير الكويت عام 1991م، مضيفا أن العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان باع سرا لطهران تكنولوجيا حساسة خدمت البرنامج النووي الإيراني ".

إذن فالتواجد الشيعي داخل باكستان – حتي وإن كان صغيراً – إلا أنه يؤثر في قرار الحكومة بشكل مباشر ، لأن إيران بتواصلاتها القوية مع كل التجمعات الشيعية حول العالم تستطيع إثارة الاضطرابات والقلاقل داخل البلاد إذا هي رغبت في ذلك ، وباكستان تعاني من اضطرابات داخلية دائمة ، بالإضافة إلي توتر دائم في الحدود مع الهند ، وإيران ، ومع أفغانستان أيضاً بعد التواجد الإيراني بها.

 

ومن هنا نعلم الدور الحيوي الذي تقوم به الدعوة السلفية في مصر حيث تحذر دائما من خطورة التواجد الشيعي في مصر ، وأن الشيعة أينما وجدوا فإنهم يمثلوا في الغالب دور حصان طروادة الذي يعبر التشيع لداخل البلاد السنية من خلاله.

7)   موقف جماعة الاخوان اليمنية (حزب الاصلاح) من عاصفة الحزم :-

تريث حزب "التجمع اليمني للإصلاح " ثمانية أيام منذ انطلاق عاصفة الحزم، قبل أن يعلن، تأييده للعملية التي يشنها التحالف العربي ، وقد أصدر الحزب بيان قال فيه " إن تعنت الحوثيين وانقلابهم على الحوار وفرض الإقامة الجبرية على الرئيس الشرعي المنتخب وأعضاء حكومة الوفاق وتعطيل مؤسسات الدولة الرسمية واجتياح المناطق، دفع الرئيس هادي إلى البحث عن دعم ومساندة، تعيد الحياة إلى مسارها الصحيح" ، وعبر الحزب في بيانه عن شكره وتقديره وتأييده للأشقاء في دول التحالف وفي مقدمتهم السعودية " الذين استجابوا لطلب الرئيس الشرعي للبلاد، المسؤول عن حماية وأمن واستقرار وسلامة الوطن وأبنائه ومقدراته".

وتابع البيان قائلاً " يحدونا الأمل أن تعيد هذه العملية (عاصفة الحزم) الأمور إلى نصابها ومسارها الصحيح، وإخراج البلاد من الأزمة التي تسبب بها الحوثيون وحلفاؤهم، الذين يتحملون كامل المسؤولية عن كافة النتائج المترتبة على هذه العملية ".

8)   مستقبل عاصفة الحزم في ضوء الواقع الحالي :-

بعد الحملة الجوية المكثفة التي قادتها عاصفة الحزم على معاقل الحوثيين في اليمن ، تري ما هي الخطوة القادمة في مسار هذه الحرب خصوصاً وأن الأطراف الإقليمية والعالمية الكبرى لن تنتظر كثيراً دون محاولة التأثير على مجريات الأمور على الأرض خصوصاً بعدما صرح خبراء سياسيون وعسكريون بأن التدخل العسكري البري هو الخطوة التالية لـ”عاصفة الحزم” بعد مرور عدة أسابيع على انطلاقها.

ورغم الحياد الذي أعلنه البرلمان الباكستاني والذي كانت السعودية تعول عليه كثيراً في استخدام قواتها البرية ،إلا أن هناك تدريب على “إنزال” في بيئة جبلية خلال المناورات السعودية الباكستانية التي حملت مسمى “الصمصام” في نسخته الخامسة في ميدان “شمرخ” بمركز الملك سلمان للحرب الجبلية ، بالإضافة إلي تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد اجتماعه بقادة الجيش لبحث تطورات الأوضاع في اليمن حيث قال " لن تتخلى عن الأشقاء في الخليج، وستقوم بحمايتهم إذا تطلب الأمر".

ويبدو أن الأرض في اليمن لا تزال تحت سيطرة (الحوثيين) وأنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح، مما دفع بجميع الأطراف إلي الاهتمام بالجانب الدبلوماسي بشكل مواز لسير العمليات الجوية ، وفي أقل من أسبوع  تحولت فيها دول أطراف في الأزمة اليمنية إلى خلية نحل، تستقبل مسؤولين دوليين، بدأت بزيارة رئيس وزراء باكستان نواز شريف، إلى أنقرة، يليها بساعات زيارة وزير الدفاع المصري صدقي صبحي إلى باكستان، لتنضم بعدها السعودية إلى تلك الدبلوماسية المكوكية، حيث قام ولي ولي العهد السعودي محمد بن نايف بزيارة أنقرة أيضاً قبل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإيران.

9)   معوقات التدخل البري في اليمن :-

رغم الفارق الكبير – من حيث الأهداف – بين التدخل العسكري الناصري للقوات المسلحة المصرية في ثورة اليمن 1962 وبين التدخل البري المزمع تنفيذه من جانب قوات التحالف العربية ، إلا أن هناك أمور مشتركة لابد من استحضارها في هذا الصدد منها ،  أن اليمنيين لديهم حساسية شديدة من أي تدخل أجنبي وخاصة إن كان بريا في صورة مقاتلين، ولن يقبلوا أي قوة أو تجمع غريب عن اليمن خصوصاً في ظل وجود معارضة يمنية ، وآلة إعلامية قوية قد تصور الأمر على أنه احتلال عربي غير مقبول ، تأتي بعد ذلك الطبيعة القبلية التي تسيطر على اليمن بشكل قوي والتي ربما تتعامل مع التدخل العربي بشكل خاطئ بخلاف تعاملها مع الجيش اليمني حتي وإن عارضته ، تأتي بعد ذلك الطبيعة الجغرافية الصعبة لأرض اليمن وشراسة المقاتل اليمني مع تأقلمه مع البيئة الجبلية الوعرة بخلاف القوات العربية ، أضف إلي ذلك انعدام الأمن وانتشار السلاح ووجود العصابات المسلحة مما يجعل من القوات البرية الذاهبة إلي هناك في مواجهات مفتوحة مع أطراف كثيرة ، كذلك مما يزيد من صعوبة الأمر رفض باكستان المشاركة في ذلك التدخل؛ لأنه بدون مشاركة باكستان البرية فإن تكلفة الأمر ستتضاعف على الصعيد المادي والبشري؛ لأن مشاركتها كانت ستشد من أزر المقاومة وسيترتب عليها خسائر مادية وبشرية في صفوف الحوثيين، لما لها من خبرات طويلة مع الجماعات المسلحة مثل طالبان والقاعدة.

في المقابل لا يمكن حسم المعركة بدون تدخل بري حاسم ، لأن التشكيلات العسكرية لعبدالله صالح والحوثيين قوية وتأتيها إمدادات بشكل دائم ولديها من المعاقل والحصون ما يجعلها تستمر في المعركة لمدد زمنية طويلة ، خصوصاً إذ أخذنا في الاعتبار أن الحوثيين يقاتلون الجيش اليمني لما يزيد على عشر سنوات اكتسبوا من خلالها خبرات طويلة ونفساً صبوراً في القتال.

في ظل هذه المعضلة قد يكون البديل العسكري العملي والآمن – كما أشار كثير من المراقبين -  هو دعم ما تبقي من الجيش اليمني في مواجهة الحوثيين والرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح دعما لوجستيا كاملا متصلا، بالإضافة إلي إرسال قوات بحرية للسيطرة على باب المندب لحماية المضيق ولمواجهة السفن الإيرانية في جزيرة ميون أو لضرب ميلشيات الحوثيين في مدينة عدن بشكل مباشر إذا لزم الأمر.

والله ولي التوفيق

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة