الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

دلالة الفطرة والعقل والحس على وجود خالق كل نفس -موعظة الأسبوع

مواصلة التحذير مِن الهجمة الإلحادية التي تتبناها جهات مختلفة

دلالة الفطرة والعقل والحس على وجود خالق كل نفس -موعظة الأسبوع
سعيد محمود
الثلاثاء ٢٨ أبريل ٢٠١٥ - ١٣:٣٥ م
2322

دلالة الفطرة والعقل والحس على وجود خالق كل نفس (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الغرض من الموعظة:

- مواصلة التحذير مِن الهجمة الإلحادية التي تتبناها جهات مختلفة "إعلامية وغيرها" لصد الناس عن تعاليم الإسلام ونبذه، وتبني الإلحاد دينًا!

المقدمة:

- التذكير بما سبق بإيجاز.

- تمهيد للكلام عن أن الوحي والرسالات أوردتْ على الملاحدة أدلة أخرى، مثل: "الفطرة - والعقل - والحس".

أولاً: دلالة الفطرة:

- كل إنسان مفطور على الإيمان بالله مِن غير سبق تفكير ولا تعليم: قال الله -تعالى-: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم:30)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ) (متفق عليه)، ولم يقل: "أو يُسلمانه"؛ لأنه يولد مسلمًا.

- وإذا قيل: لماذا عبد الناس آلهة شتى؟!

فالجواب: المؤثرات المحيطة تغير الفطرة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ).

- ومع ذلك تبقى الفطرة التي بُدلت وتغيرت كامنة ملحة على صاحبها: قال الله -تعالى-: (فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ).

- ويظهر ذلك حين تتعامل النفس على سجيتها من غير المؤثرات "ولا سيما عند الشدائد": قال الله -تعالى-: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) (العنكبوت:65)، وقال: (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ) (الأنعام:40-41). "ولعل قصة الطائرة التي تعرضت للسقوط، وكيف أن الجميع كان يجأر بالدعاء لله وحده مع اختلاف مللهم أعظم دليل على آثار الفطرة، وفي قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)، إشارة إلى ذلك.

- فالنفس البشرية في حاجة إلى إشباع الفطرة بالتآله والتعبد، ولو كابرت فإنها لا تستطيع منع ذلك: "الشيوعيون الملاحدة يمارسون التعبد -الباطل- وهم لا يشعرون، ويناقضون أنفسهم! فإنهم إذا مروا أمام الجثة المحنطة لمؤسس الشيوعية "ستالين" في الميدان الأحمر في ذكرى وفاته، لا بد من الانحناء وإظهار الخشوع والتذلل!".

ثانيًا: دلالة العقل:

- الملاحدة لا يؤمنون إلا بما تثبته العقول، والأدلة على الله أكثر مِن ذلك، ومع ذلك فإن العقول السليمة تثبت وجود الله -عز جل-، وأما عقولهم فشأنها شأن مَن طلب دليلاً على وجود النهار والشمس ساطعة!

قال الشاعر:

وليس يصح في الأذهان شيء            إذا احـتـاج الـنهـار إلـى دلـيـل

- احتج الوحي على الملاحدة بحجة لا بد للعقول مِن الإقرار بها، وهي: "أنه لا بد للمخلوق مِن خالق": قال الله -تعالى-: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ . أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ) (الطور:35-36).

- قال بعض الملاحدة: المصادفة هي الخالق!

والجواب: أن المخلوقات الصغيرة لا يمكن أن توجد صدفة؛ فكيف بهذا الكون الفسيح المتناسق؟!: "لو تناولت عشرة دراهم، وكتبتَ عليها الأعداد مِن واحد إلى عشرة ثم رميتها في جيبك، وخلطتها جيدًا، ثم حاولت أن تُخرِج من الواحد إلى العاشر بالترتيب العددي بحيث تلقى كل درهم في جيبك بعد تناوله مرة أخرى، فإمكان أن نتناول الدرهم المكتوب عليه واحد في المحاولة الأولى هو واحد في المائة، وإمكان أن تخرج الدراهم (4 ،3 ،2 ،1) بالترتيب هو واحد في عشرة آلاف، وإمكان أن تنجح في تناول الدراهم من (1-10) بالترتيب واحد في عشرة بلايين من المحاولات"؛ وعلى ذلك: فكم يستغرق بناء هذا الكون لو نشأ بالمصادفة؟! إن حساب ذلك بالطريقة نفسها يجعل هذا الاحتمال خياليًّا يصعب حسابه؛ فضلاً عن تصوره" (العلم يدعو للإيمان للعالم الأمريكي "كريسي موريسون" نقلاً عن العقيدة في الله للشيخ عمر الأشقر).

- قالوا: الطبيعة خالقة!

والجواب: أن يقال لهم: ما هي الطبيعة؟

- فإن قالوا: هي الكون ! فهذا معناه أن الكون خلق الكون، فالسماء خلقت السماء، والأرض خلقت الأرض!

- وإن قالوا: هي القوانين التي تحكم الكون! فمن خلق القوانين وأوجدها؟!

- وإن قالوا: هي قوة أوجدت الكون! فهذا صحيح، ولكن هذه القوة تسميتها الصحيحة هي "الله".

- هذه هي الحقيقة، ولكن الإنسان... قال الله -تعالى-: (قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ . مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ . مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ . ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ . ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ . ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ . كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ . فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ . أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا . ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا . فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا . وَعِنَبًا وَقَضْبًا . وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا . وَحَدَائِقَ غُلْبًا . وَفَاكِهَةً وَأَبًّا) (عبس:17-31).

ثالثًا: دلالة الحس:

- المقصود بذلك: النظر العقلي للمخلوقات وإدراكها بالحس، ثم الاستدلال بآثارها وبما فيها من اتفاق وتنوع على وجود الخالق -سبحانه-، قال الله -تعالى-: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) (فصلت:53)، وهذا يدركه راعي الإبل في الصحراء: "البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير؛ فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج ألا يدل ذلك على العليم الخبير".

- الملاحدة يطلبون دليل الحس المباشر في حق الله، ويقبلون دليل الآثار في حق العلوم التجريبية!: "المغناطيسية - والكهربائية - والجاذبية"، قال الله -تعالى-: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا) (النمل:14).

- مِن طريف ما وقع حول ذلك: "ما وقع في مدرسة ابتدائية، حيث قال المعلم الملحد للتلاميذ: أترونني؟ قالوا: نعم، قال فإذن أنا موجود. ثم قال: أترون اللوح؟ قالوا نعم. قال: فاللوح إذن موجود. ثم قال: أترون الله؟ قالوا: لا. قال: فالله إذن غير موجود! فوقف أحد التلاميذ الأذكياء، وقال: أترون عقل الأستاذ؟ قالوا لا. قال: فعقل الأستاذ إذن غير موجود" (ملحق الفتح 28 محرم 1435 - مقالة الشيخ شحاتة صقر).

- يأخذنا القرآن في جولات وجولات نرتاد آفاق السماء، ونجول في جنبات الأرض؛ ليرينا آثار قدرة الله وتقديره في المخلوقات: قال الله -تعالى-: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ . وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ . تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ . وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ) (ق:6-9).

تأمل بديع المخلوقات مِن حولك:

- حيوانات مختلفة: قال الله -تعالى-: (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (النور:45).

- البحر في أحشائه الدر: "كائنات لا تُحصى - لا تتملح أسماكه بالسنين مع ملوحة 35 جرام في اللتر".

- الشمس العملاقة: "مدفأة عملاقة - أكبر جهاز تعقيم - مسافة لا تختل؛ وإلا ... (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (يس:38)".

صور من هداية الله لخلقه:

- خلق كل مخلوق وركَّب فيه ما يناسبه، وهداه إلى ما يختص به ويتعامل مع غيره: (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) (طه:50).

- هداية النحل: تبارك الذي هداها إلى أن تبني بيوتها مِن أشكال موصوفة بصفتين "سعة الزوايا - استغلال كل المساحة"، ولا يتحقق هذا إلا في الشكل المسدس!

- هداية النمل: تبارك الذي هداها إلى عظيم حرصها على الرزق وتعاونها واجتماعها، وأعظم مثال على ذلك هو ما ذكره القرآن، قال الله -تعالى-: (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (النمل:18).

- هداية الديك: تبارك الذي هدى الديك الشاب إلى أنه لا يأكل الحبة إذا وجدها وإنما يفرقها، وإذا شاخ أكلها من غير تفريق، وذلك أن الشاب يفعله ليجتمع عليه الدجاج فتعرف الإناث قوته، وأما الشيخ فقد فنيت رغبته.

- هداية الثعلب: تبارك الذي هداه إلى انه إذا اشتد به الجوع انتفخ ورمى بنفسه بالصحراء كأنه جيفة فتتداوله الطير فلا يظهر حركة ولا نفس فلا تشك أنه ميت، حتى إذا نقر الطير بمنقاره وثب عليها فضمها ضمة الموت.

(وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ):

- مكونات جسدك آيات أنت تجهلها: قال -تعالى-: (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) (النجم:32).

- قلبك: "مضخة دم للجسد كله لم تتوقف منذ ولادتك - 100 ألف نبضة في اليوم".

- سمعك: "يحتوي على جهاز التوازن للجسد - اختلاله يمنع الثبوت على القدمين ويفقدك تحديد الاتجاهات".

- بصرك: "حرارة عينيك - مادة في العين تحفظها من التجمد - حدة البصر تضرك".

- لسانك: "الأصغر حجمًا والأقوى عضلات - 17 عضلة - 100 حلمة تذوق".

- أنفك: "بغيره تأكل النتن - شعيرات تمنع الغبار - مدفأة للهواء قبل دخوله الرئة".

- الإسلام أعظم النعم: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) (المائدة:3).

فاللهم اجعلنا لكَ ذكارين، ولنعمتك شاكرين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

 

تصنيفات المادة