الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه؟!

إلى الذين يصدون عن سبيل الله ويطعنون في شريعته، وسنة نبيه وأحاديثه بالليل والنهار... أفما آن لكم أن تتوبوا إلى الله وتستغفرونه؟!

أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه؟!
محمود عبد الحفيظ
الاثنين ٢٥ مايو ٢٠١٥ - ١٨:٤٦ م
2415

أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه؟!

كتبه/ محمود عبد الحفيظ

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد أظلنا شهر مبارك يغفل الناس عنه، وهو شهر "شعبان" الذي أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه ترفع فيه الأعمال إلى الله -تعالى-، وكان -صلى الله عليه وسلم- يخصه بمزيدٍ مِن الاجتهاد بالصيام، فلم يكن يصوم شهرًا من الشهور ما يصوم مِن شعبان؛ فعن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: (ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) (رواه النسائي، وحسنه الألباني).

- فتضمن هذا الحديث الشريف تحذيرَ النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن الغفلة في هذا الشهر وعدم الاستعداد لرمضان والتهيؤ لمواسم الطاعة والمغفرة، كما تضمن التنبيه على الاجتهاد في العبادة في شعبان "خصوصًا بالصيام"؛ تعرضًا لرحمة الله -تعالى-؛ لأنه شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين.

مما يذكِّر بالتوبة والرجوع إلى الله -تعالى-؛ عسى الله -عز وجل- أن يرحمنا ويتقبل أعمالنا، ويعيذنا مِن "الغفلة"؛ وما أكثر أسبابها وطرقها -خصوصًا في زمننا!-... (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا) (النساء:27).

ونحن نذنب كثيرًا، ونفرِّط في حق الله علينا، والأعمال بالخواتيم ولا يدري عبدٌ متى يحين أجله؛ ولذلك فإن التوبة لازمة على كل حال، والحاجة إليها حاجة ماسة؛ فـ(كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) (رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وحسنه الألباني).

- فهلم إلى التوبة... فإنها وظيفة العمر وواجب الوقت، وهي بداية العبد ونهايته، وهي أول منازل العبودية وأوسطها وآخرها، ولا غني لعبدٍ عنها طرفة عين: "فإن التوبة هي الرجوع مما يكرهه الله ظاهرًا وباطنًا إلى ما يحبه ظاهرًا وباطنًا، ويدخل في مسماها: الإسلام، والإيمان، والإحسان، وتتناول جميع المقامات؛ ولهذا كانت غاية كل مؤمن، وبداية الأمر وخاتمته، وهي الغاية التي وُجد لأجلها الخلق، والأمر والتوحيد جزء منها، بل هو جزؤها الأعظم الذي عليه بناؤها" (مدارج السالكين).

- وإذا كان أنبياء الله ورسله الكرام -عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين- يتضرعون إلى الله -عز وجل- بأن يتوب عليهم وأن يتقبل توبتهم "وهم مَن هم في طاعة الله والتزام شرعه"؛ فكيف بغيرهم؟!

فهذا الخليل إبراهيم ومعه ابنه الذبيح إسماعيل -عليهما السلام- يتقربان إلى الله ببناء بيته الحرام، ويتضرعان إلى الله -عز وجل- أن يتقبل منهما وأن يتوب عليهما "هذا وهما يتلبسان بهذا العمل الصالح، بل هو مِن أحب الأعمال إلى الله، وهو إقامة وبناء بيته الحرام"، فقال الله -تعالى- عنهما: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة:127-128).

وهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان مِن دعائه: (رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني). والحوب: الذنب، أي: امح ذنبي. وقال -صلى الله عليه وسلم-: (وَاللَّهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سبعينَ مرَّةً) (رواه البخاري).

وقال -صلى الله عليه وسلم- مخاطبًا صفوة الخلق بعد الأنبياء والمرسلين وهم الصحابة الكرام "ومَن بعدهم": (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ، فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ فِي كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ) (رواه أحمد وابن حبان، وصححه الألباني)، وهذا مع أن الله -عز وجل- أنزل على نبيه -صلى الله عليه وسلم-: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) (الفتح:2)؛ فهو -صلى الله عليه وسلم- مغفور له ما تقدم مِن ذنبه وما تأخر، ومع ذلك لا يكف عن الاستغفار والتوبة!

- ومعلوم عصمة الأنبياء مِن الذنوب -وإن جوَّز بعض العلماء عليهم الصغائر غير المزرية-، وأنهم لا يتعمدون فعل شيء منها؛ وما سُمِّي في حقهم ذنب فهو: إما أن يكون نسيانًا: كمعصية آدم -عليه السلام- كما قال -تعالى-: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا) (طه:115). أو خطأ غير مقصود: كفعل موسى -عليه السلام- في قتل الذي قتل خطأ. أو فتور عن الذكر: كقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ، فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ) (رواه مسلم)، والغين هو: الفتور والغفلة عن الذكر. أو خطأ في الاجتهاد: كعتاب الله -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (عَبَسَ وَتَوَلَّى . أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى) (عبس:1-2).

- وقد قامت بعثة الأنبياء والرسل على دعوة الخلق والأمم إلى التوبة والرجوع إلى الله -تعالى-: فهذا نبي الله هود -عليه السلام- قال لقومه يدعوهم إلى التوبة والرجوع إلى الله: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ... ) (هود:52)، وقال نبي الله صالح -عليه السلام- لقومه: (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) (هود:61)، وقال نبي الله شعيب -عليه السلام- لقومه: (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) (هود:90).

- ولأن الله -تعالى- رحيم ولطيف بعباده؛ فقد فتح لهم أبواب الرحمة والمغفرة على مصراعيها، ودعاهم إليها؛ ولأنه -سبحانه- ودود؛ فقد تودد إلى خلقه وعباده "مع ما عليه كثير منهم مِن الكفر والطغيان والإفساد في الأرض"؛ محبة منه -عز وجل- في أن يتوب عليهم؛ فقال -تعالى- في آية عظيمة "تُعد مِن أرجى الآيات في كتاب الله؛ لما اشتملتْ عليه مِن بُشريات جليلة": (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53).

فمن بُشرياتها:

- أن الله أضاف إلى نفسه -في جملة عباده- حتى الذين أسرفوا على أنفسهم.

- أن الله يغفر حتى لمَن أسرف في الإساءة إذا تاب ولم يَقنط مِن رحمة الله.

- أن الله يغفر الذنوب جميعًا "فدخل فيها حتى الشرك والكفر لمن تاب قبل معاينة الموت".

ثم علل ذلك -عز وجل- بأنه هو الغفور الرحيم؛ فهو يغفر لا عن عجز أو إكراه أو عطاء أو غيره -سبحانه هو القاهر فوق عباده-، بل يغفر -عز وجل-؛ لأنه هو الغفور الرحيم، ولأنه يحب أن يغفر وأن يرحم وأن يتوب على المسيئين.

- وقال -سبحانه وتعالى-: (وَهُوَ الَذِي يَقْبَلُ التَوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ السَيِئَاتِ) (الشورى:25)، وقال: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَ يَسْتَغْفِرْ اللَهَ يَجِدْ اللَهَ غَفُوراً رَحِيمًا) (النساء:110).

- بل دعا الله -عز وجل- حتى أعداءه مِن الكافرين والمنافقين والمجرمين إلى التوبة!

- فقال -تعالى- في حق المشركين: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) (الأنفال:38).

- ودعا -عز وجل- إلى التوبة أقوامًا بلغ مِن كفرهم وعدوانهم، ومِن شناعة قولهم؛ أن العالم بأسره قد يختل نظامه وينهار الكون غضبًا لله -عز وجل- مِن قولهم: "إن لله ولدًا!": (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا . لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا . تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا . أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا . وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا) (مريم:88-92).

فهذه المخلوقات الهائلة "السماوات والأرض والجبال" لو قدِّر لها أن تتخذ موقفًا لوقع ما أخبر الله به وتحقق؛ لولا حلم الله على الخلق، ولولا صبره -عز وجل- على أذاهم مع غناه -عز وجل- عنهم!

فقال -سبحانه- عن النصارى الذين سبَّوه ونسبوا إليه الصاحبة والولد -تعالى الله عن كفرهم وقولهم علوًّا كبيرًا-: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، ومع ذلك فتح لهم باب التوبة على مصراعيه، وقال محرضًا لهم عليها: (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة:73-74)؟!

وهذا استفهام إنكاري لما زعموه وتوهموه، وتوبيخ لهم على قولهم، وتعجبٌ مِن إصرارهم على هذه المقالات الفاسدة مع وضوح بطلانها! فكيف لا يتوبون من هذا الباطل، وهذا الضلال المبين؟!

وفي هذه الآية -أيضًا-: تطميع لأهل التوحيد في التوبة؛ لأنه إذا كان هؤلاء المشركون -مع كفرهم وسبهم لله وشتمهم له- يتوب الله -تعالى- عليهم إن تابوا إليه؛ فكيف بمَن دونهم مِن أهل التوحيد ممن وقع في الكبائر والذنوب؟! هم بلا شك أحق وأولى أن يغفر الله لهم.

- وقال -عز وجل- عن المنافقين "الذين خطرهم وإفسادهم في الأرض أعظم بكثير مِن الكفار والمشركين": (لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) (الأحزاب:24)؛ فلم يغلق -عز وجل- في وجوههم باب التوبة إن قدِموا إليه!

- وقال عمن قتل أولياءه مِن المؤمنين: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) (البروج:10)؛ فأخبر أن مَن تاب -ولو كان فعل ذلك- فإنه يغفر له -عز وجل-!

قال الحسن البصري -رحمه الله-: "انظروا إلى هذا الكرم والجود؛ قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة!".

ومع ذلك لم يكتفِ -عز وجل- بالعفو عن المسيء والظالم إذا تاب واعتذر...

فيا لله العجب!

ألم يكن يكفي الملك -عز وجل- أن يقول: مَن أساء ثم تاب وأناب واعتذر؛ فلن أعاقبه؟!

بلى والله كان كافيًا... ولكن الله -عز وجل- جعل لمَن أساء وتاب ورجع إليه -مع المغفرة- المكافآت والهبات والجنات... فقال -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُهَا الَذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُكُمْ أَنْ يُكَفِرَ عَنْكُمْ سَيِئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) (التحريم:8). والتوبة النصوح: يعني الصادقة التي لا غش فيها.

- ووعد الله -عز وجل- التائب بأن يبدل سيئاته له حسنات: فقال -تعالى-: (إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (الفرقان:70).

- وأخبر -عز وجل- بمحبته للتائبين: فقال -سبحانه-: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة:222)، ومن أحبه الله -تعالى- أحبه جبريل -عليه السلام- وأهل السماء، ثم يُوضع له القبول في الأرض، كما أخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-.

- ووعد -عز وجل- التائب بالفلاح في الدنيا والآخرة: فقال -تعالى-: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور:31).

- وجعل للتائبين المتاع الحسن في الدنيا إلى أجل مسمى، والرزق الواسع، والقوة في البدن، والذرية: فقال -سبحانه وتعالى-: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) (هود:3)، وقال -عز وجل- على لسان هود -عليه السلام-: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) (هود:52)، وقال على لسان نوح -عليه السلام-: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) (نوح:10-12).

- كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن توبة العبد تتسبب في حصول أمر عظيم لا يحصل بطاعة أخرى مِن الطاعات "مِن صلاة وصيام أو غير ذلك... "؛ ألا وهو "فرحة الرب -عز وجل- بمن تاب ورجع إليه": فعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ) (رواه مسلم).

- فهنيئًا لمَن تسبب في فرحة الله -تعالى-.

إلى غير ذلك مِن الخيرات والثمرات العظيمة التي تحصل للتائبين والراجعين إلى الله.

ومعلوم أن شروط التوبة هي:

الإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم العودة إليه؛ وإن تعلق الذنب بحقوق المخلوقين انضاف إلى ذلك: رد الحقوق إلى أصحابها أو استسماحهم فيها ما لم يكن في ذلك مفسدة تربو على مفسدة ما ارتكبه في حقهم.

ومما يعين على التوبة:

- أن يصبرَ الإنسان نفسه مع الرفقة الصالحة: قال الله -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ... ) (الكهف:28)، وأن يهجر أصحاب السوء ويفر منهم فراره مِن الأسد.

- أن يواظِب العبد على الطاعات والعبادات، وإذا أذنب بادر إلى التوبة والاستغفار: قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:135)، وقال: (لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (النمل:46).

- أن يديم النظر في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-: قال قتادة -رحمه الله-: "إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم؛ فأما داؤكم: فالذنوب، وأما دواؤكم: فالاستغفار". وقال الربيع بن خثيم -رحمه الله- لأصحابه: "تدرون ما الداء والدواء والشفاء؟ قالوا: لا. قال: الداء: الذنوب، والدواء: الاستغفار، والشفاء: أن تتوب فلا تعود".

- أن يقرأ في سيِّر الصالحين مِن الصحابة وتابعيهم بإحسان مِن أهل العلم والإيمان.

- قال الإمام القرطبي -رحمه الله-: "قال علماؤنا: الباعث على التوبة وحل الإصرار إدامة الفكر في كتاب الله العزيز الغفار، وما ذكره الله مِن تفاصيل الجنة وما وعد به المطيعين، وما وصفه مِن عذاب النار وتهدد به العاصين؛ فإن الإنسان لا يتفكر في وعد الله ووعيده إلا بتنبيهه... فإذا نظر العبد بتوفيق الله إلى نفسه فوجدها مشحونة بذنوب اكتسبها وسيئات اقترفها، وانبعث منه الندم على ما فرط، وترك مثل ما سبق مخافة عقوبة الله، صدق عليه أنه تائب؛ فإن لم يكن كذلك كان مصرًّا على المعصية وملازمًا لأسباب الهلكة" (تفسير القرطبي بتصرف يسير).

- فإلى كل مَن عصى الله وأعرض عن هداه... أفما آن لكم أن تتوبوا إلى الله وتستغفرونه؟!

- إلى الذين يصدون عن سبيل الله ويطعنون في شريعته، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وأحاديثه بالليل والنهار... أفما آن لكم أن تتوبوا إلى الله وتستغفرونه؟!

- إلى الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ويحاربون العفة "والحجاب"... أفما آن لكم أن تتوبوا إلى الله وتستغفرونه؟!

- إلى الذين ألهتهم الملاهي وغرَّهم الغرور، وانشغلوا بكل تافهٍ ورخيصٍ عما فيه نجاتهم ومرضاة ربهم وسعادتهم في الدارين... أفما آن لكم أن تتوبوا إلى الله وتستغفرونه؟!

نسأل الله -جلَّ في علاه- أن يبلغنا رمضان وأن يبارك لنا فيه، وأن يرزقنا قبله توبة نصوحًا، وأن يمن علينا بالإخلاص في القول والعمل.

وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com