الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

أساء سمعًا فأساء إجابةً

من أسباب سوء الفهم التي تحدث بين الناس عمومًا، أو بين كثير من الدعاة خصوصًا؛ قد تكون راجعة إما إلى قلة العلم، وإما إلى سوء الفهم

أساء سمعًا فأساء إجابةً
أحمد مسعود الفقي
الأربعاء ٠٣ يونيو ٢٠١٥ - ١٢:١٧ م
6444

أساء سمعًا فأساء إجابةً

كتبه/ أحمد مسعود الفقي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

هذا المثل له قصة، وهي أنه كان لسهيل بن عمرو ابن مضعوف، فرآه إنسان، فقال له: أين أَمُّك؟ «أي: أين قصدك؟»، فظن أنه يسأله عن أُمِّه، فقال: ذهبت تطحن، فقال سهيل: أساء سمعًا فأساء إجابة، وصارت مثلًا يُضرب لكل من أساء السمع والفهم وتعجل الرد والحكم.

إن القراءة الجادة هي قراءة التفهم والبصيرة والإدراك، ونعمة الفهم من أجلِّ النعم التي ينعم الله تعالى بها على العبد.

 

وإن من أسباب سوء الفهم التي تحدث بين الناس عمومًا، أو بين كثير من الدعاة خصوصًا؛ قد تكون راجعة إما إلى قلة العلم، وإما إلى سوء الفهم، كأن يأخذ جزءًا من الحديث ويترك أجزاءً، فتجده مثلًا أول ما يسمع أو يقرأ بداية كلام الآخر يكف عن السماع أو القراءة ثم ينهال عليه قبل أن يسمع أو يقرأ بقية كلامه، ثم يكون ما رد عليه موجود في كلام الآخر وليس هو موضوع النقاش أصلًا، ولو أنه تأنَّى وتريَّث وسمع الباقي لاكتفى وعرف الكثير، واستفاد وأفاد، وسبب ذلك أنه لا يفهم عن المتحدث مراده، وبالتالي لا يحمل كلامه على ما يحتمله، وقد حصل بسبب ذلك إساءات كثيرة للعلماء والدعاة، مع حسن القصد أو سوء القصد، وما ذاك إلا بسبب سوء الفهم، و«رُبَّ شخص متعجل أو سيء الفهم لا يفهم من النص إلا حكمًا أو حكمين، ويفهم منه آخر مائة أو مائتين من الأحكام»؛ فكم جرَّ سوء الفهم على صاحبه من الخلل والاضطراب، وما أحسن قول الإمام ابن القيم: «ما أكثر ما ينقل الناس المذاهب الباطلة عن العلماء بالأفهام القاصرة». مدارج السالكين 2/431.

ولله درُّ المتنبي إذ يقول:

 

وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا *** وَآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السَّقِيـمِ

وَلَكِنْ تَـأْخُذُ الأَذْهَـانُ مِنْهُ *** عَلَى قَدْرِ القَرَائِحِ وَالفُهُومِ

ومما يترتب على الإساءة إلى الناس فضلًا عن أهل العلم ما جاء عن السلف الصالح رضي الله عنهم، قال الحسن رحمه الله تعالى: «إن الرجل المؤمن جمع إحسانًا وخشيةً، وإن المنافق جمع إساءةً وأمنًا». رواه الطبري في تفسيره.

 

قال بعض السلف: «ما أحسنت إلى أحد وما أسأت إلى أحد، ولكن أحسنت إلى نفسي وأسأت إلى نفسي». مجموع فتاوى ابن تيمية.

قال الإمام أحمد رحمه الله: «ما رأيتُ أحدًا تكلَّم في الناس إلا سقط».

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «والكلامُ في الناس يجبُ أن يكون بعلمٍ وعدلٍ، لا بجهلٍ وظُلمٍ، والوقيعةُ في أعراضِهم أشدُّ من سرقة أموالِهم». منهاج السنة النبوية 4/337.

 

وقال ابن القيم رحمه الله: «والله يحب الإنصاف، بل هو أفضل حلية تحلى بها الرجل، خصوصًا من نصَّب نفسه حكمًا بين الأقوال والمذاهب، وقد قال تعالى: ?وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ? (الشورى 15)». إعلام الموقعين 3/94.

ومن الكلمات المأثورة المشهورة قول ابن عساكر رحمه الله: «اعلم يا أخي أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة».

فيا حسرة على العباد من سوء الفهم، وسوء الظن، وسوء الجهل، وسوء القصد.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

ربما يهمك أيضاً

لا يستوون عند الله (2)
34 ٠٧ أبريل ٢٠٢٤
لا يستوون عند الله (1)
38 ٢٧ مارس ٢٠٢٤
مَن هوى فقد هوى(2)!
219 ٠٢ فبراير ٢٠٢٢
من هوى فقد هوى (1)!
127 ٢٩ ديسمبر ٢٠٢١