الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

صفحات مطوية مِن القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل -35

نظرة على هزيمة 1948م

صفحات مطوية مِن القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل -35
علاء بكر
السبت ١٣ يونيو ٢٠١٥ - ١٢:٥٦ م
1521

صفحات مطوية مِن القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل (35)

(نظرة على هزيمة 1948م)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فعلى الرغم مِن أن القضية الفلسطينية مِن أوائل ما عرض على "جامعة الدول العربية" التي تبنت القضية الفلسطينية والدفاع عن أهلها، ورغم معرفة الجميع بأطماع اليهود وجهودهم في المنطقة، ووجود عصابات صهيونية مسلحة داخل فلسطين في مواجهة فلسطينيين عزل، ورغم ظهور قرار التقسيم مِن الأمم المتحدة، ومعرفة الجميع بقرب انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين - رغم ذلك لم تتخذ الجامعة العربية والحكومات العربية الاستعداد الواجب والمنتظر؛ لحماية فلسطين والفلسطينيين مِن الأطماع الصهيونية!

ففوجئت "الجامعة العربية" بانتهاء الانتداب البريطاني ليلة 15 مايو 1948م, واتخذت قرارها بدخول فلسطين بجيوش الدول العربية المحيطة بفلسطين، وهي غير مستعدة ومدربة بالقدر الكافي, ومفتقدة التخطيط والتنسيق الواجب فيما بينها، مع خضوعها لتوجهات الحكومات العربية التي استجابت لما تعرضت له مِن ضغوط دولية دون الرجوع إلى حقيقة الموقف للقوات المتحاربة على أرض فلسطين؛ فأضاعت ما تحقق مِن انتصارات مع بدء القتال، وأعطت الفرصة تلو الفرصة للعصابات الصهيونية لتصحيح أوضاعها وتحسين مواقفها وتعويض خسائرها، وتلقي ما تحتاجه مِن إمدادات.

وظهر أثر التناقضات السياسية العربية التي انعكست على تحركات وأوضاع القوات العربية في المعركة، بل تسبب القائد الإنجليزي للقوات الأردنية "جلوب باشا" في تشتيت القوات العربية؛ مما ساهم في تحول سير المعارك لصالح العصابات الصهيونية، وزاد الأمر سوءًا وصول أسلحة فاسدة للقوات المصرية أثناء هذه المعارك.

"ومِن معركة إلى معركة, ومن هدنة إلى هدنة، لم تؤدِّ حرب 1948م العربية الإسرائيلية إلا إلى توسيع رقعة الاحتلال الصهيوني في فلسطين؛ فبدلاً مِن 5 و56% مِن الأرض التي قررها مشروع التقسيم للدولة اليهودية مد الصهيونيون دولتهم فوق 80 % من أرض فلسطين!"، "ووصل عدد النازحين من فلسطين إلى 726 ألفًا بنهاية عام 1948م، ثم أصبح 925 ألف لاجئ فلسطيني على سجلات وكالة أونروا!" (انظر تاريخ المسألة الفلسطينية: 180-181).

كتب الفريق الركن "صالح صائب الجبوري" رئيس أركان الجيش العراق -بعد أربعة أيام مِن الهدنة الأولى- في تقرير له إلى حكومته يوضِّح حقيقة الموقف، ويكشف أبعاد المناورة التي وراء وقف الهدنة: "إن الموقف مِن الوجهة العسكرية كان في صالح القوات العربية عند إعلان الهدنة التي تمت -ولا شك- مِن جراء تأثيرات سياسية، وأعتقد بأنه لو بُذلتْ جهود أخرى على الحكومات العربية؛ لكان مِن الإمكان تضييق الخناق على الصهاينة ومراكزهم الحيوية، ولكان في الإمكان أيضًا إنهاء الحركات بعد فترة غير طويلة... وهنا لا بد مِن التنويه إلى ناحية مهمة وهي أن الصهيونيين إذا أكملوا استحضاراتهم خلال فترة الهدنة -وهذا أمر غير عسير عليهم-؛ فلا يستبعد أن يباغتوا الجيوش العربية كلها أو قسم منها على انفراد بحركة قوية قبْل انقضاء مدة الهدنة أو حال انتهائها مباشرة، خاصة ولدينا المعلومات التي تبين أنهم لم يحترموا شروط الهدنة، وقد عملوا خلافًا لتحديداتها".

وكتب أيضًا يقول: "إن كل يوم يمضي من أيام الهدنة دون أن ننجز عملاً ما أو ننهي ما يقتضي لاستئناف القتال أمر في غير صالح الحكومات العربية وقواتها المقاتلة في فلسطين، ولا أريد أن أتطرق إلى العواقب الوخيمة التي ستأتي من جراء خسارتنا القتال في الميدان؛ لأن ذلك أمر واضح لا يحتاج إلى دليل، ولا شك أنه سيجلب وبالاً على البلاد العربية بأكملها لا سمح الله".

ولما بدأ ميزان القتال يميل لصالح القوات الصهيونية في أرض المعركة اجتمع رؤساء أركان الجيوش العربية بالقاهرة، وتدارسوا الموقف العسكري العام، وحددوا أسباب سوء الموقف في توصيات في 11 أغسطس 1948م، وقُدِّمت هذه التوصيات إلى اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية التي كانت مجتمعة في ذلك الوقت.

وكان مِن أهم هذه التوصيات: "وجوب ترك حرية العمل للعسكريين، وجعل الاعتبارات العسكرية في القتال فوق جميع الاعتبارات، وحصر جهود الحكومات العربية ومساعيها في تأمين احتياجات الجيوش وتلبية مطالبها، وبعبارة أخرى: تعبئة جميع القوى وتسخيرها للمجهود الحربي".

جلوب باشا:

هو القائد العسكري البريطاني اللفتنانت جنرال "سيرجون باجوت جاوب" ولد عام 1897م، و تخرج في كلية "وولتش" العسكرية عام 1914م، واشترك في الحرب العالمية الأولى بالميدان الفرنسي، ثم خدم في جيش الاحتلال الإنجليزي في العراق عام 1920م، وفي عام 1926م التحق بقوات الصحراء المحاربة للقبائل البدوية، واختير في 1939م رئيسًا لأركان حرب الجيش الأردني "الفيلق العربي"، حيث أقام علاقات واسعة في الأردن مع البدو الذين كانوا عماد الفيلق العربي.

وأثناء قيادته للجيش الأردني في حرب 1948م قام بتشتيت وحدة الجيوش العربية بتسببه في كارثة تسليم "اللد" و"الرملة" إلى العصابات الصهيونية، وقد ظل "جلوب" في موقعه بالجيش الأردني إلى ما بعد العدوان الثلاثي على مصر أواخر 1956م، عندما اضطر "الملك حسين" ملك الأردن إلى الاستغناء عن خدماته عام 1957م تحت ضغط الحركة الوطنية العربية، وكما خدم "جلوب" إنجلترا عسكريًّا في العراق والأردن، فقد قام بجهود تخدم التوجهات الاستشراقية للغرب بتأليفه للعديد مِن الكتب التي تبرز العداء الشديد للإسلام، ومحاولة تشويهه بالطعن في التاريخ الإسلامي بكل شخصياته؛ بدءًا مِن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرورًا بالخلفاء الراشدين، وكل الصحابة الكرام -رضي الله عنهم-، والتهوين مِن شأن الفتوحات الإسلامية العظيمة مِن الناحية العسكرية!

ومِن مؤلفاته في ذلك: "الفتوحات العربية الكبرى - الإمبراطورية العربية - جندي مع العرب - بريطانيا والعرب - الحرب في الصحراء - قصة الفيلق العربي". وقد توفي عام 1986م (راجع: "الفتوحات العربية في ميزان الإسلام والتاريخ" تأليف لواء أ. ح. بهاء الدين حنفي - هدية مجلة الأزهر - ربيع الآخر - 1435هجريًّا).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة