السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مِن أخلاق النصر في جيل الصحابة رضي الله عنهم... تحلِّيهم بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم

يا بنية؛ أحسني إلى أبي عبد الله؛ فإنه أشبه أصحابي بي خلقًا

مِن أخلاق النصر في جيل الصحابة رضي الله عنهم... تحلِّيهم بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
أحمد فريد
الثلاثاء ١٦ يونيو ٢٠١٥ - ١٣:١٢ م
1531

مِن أخلاق النصر في جيل الصحابة رضي الله عنهم... تحلِّيهم بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم  

كتبه/ أحمد فريد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

قال الله تعالى: ?وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ? (القلم: 4).

في الصحيحين أن هشام بن حكيم سأل عائشة رضي الله عنها عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: «كان خلقه القرآن»، قال: «لقد هممت أن أقوم ولا أسأل شيئًا».

قال النووي: معناه: العمل به والوقوف عند حدوده والتأدُّب بآدابه والاعتبار بأمثاله وقصصه وتدبره وحسن تلاوته.

 

 

وقال صاحب الظلال رحمه الله: ولقد رويت عن عظمة خُلُقِه في السيرة وعلى لسان أصحابه روايات متنوعة كثيرة، وكان واقع سيرته صلى الله عليه وسلم أعظم شهادة مِن كل ما رُوِي عنه، ولكن هذه الكلمة -يعني قوله تعالى: ?وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ?- أعظم بدلالتها مِن كل شيء آخر، أعظم بصدورها عن العلي الكبير، وأعظم بتلقي محمد صلى الله عليه وسلم لها، وهو يعلم مَن هو العلي الكبير، وبقائه بعدها ثابتًا راسخًا مطمئنًا لا يتكبر على العباد ولا ينتفخ ولا يتعاظم، وهو الذي سمع ما سمع مِن العلي الكبير.

 

 

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».

قال فضل الله الجيلاني: لا يكون دين مِن الأديان خاليًا مِن مكارم الأخلاق، لكن لم تكن الأخلاق الكريمة مجموعة كلها في دين مِن الأديان السماوية حتى جمع الله في دين الإسلام كل ما كان مِن أخلاق حسنة، فهذا معنى أتمم مكارم الأخلاق.

 

 

وأخرج الشيخان عن أنس رضي الله عنه قال: «خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أُفٍّ قط، ولا قال لي لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلته؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلقًا، وما مسست خزًّا ولا حريرًا ولا شيئًا كان ألين مِن كفِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت مسكًا ولا عطرًا أطيب مِن عَرَقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم».

 

 

ولقد استدلت خديجة رضي الله عنها بكريم أخلاقه أن الله عز وجل لا يخزيه أبدًا، فقالت رضي الله عنها لـمَّا أتاها خائفًا مِن غار حراء وقد نزل عليه الوحي: «كلا والله لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتُقري الضيف، وتعين على النوائب».

 

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادمًا قط، ولا امرأة، ولا ضرب بيده شيئًا إلا أن يُجاهد في سبيل الله، ولا خُيِّرَ بين شيئين إلا كان أحبهما إليه أيسرهما إلا أن تكون إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس مِن الإثم، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن تُنتَهك حرمة الله فينتقم لله».

 

وعن أنس رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبابًا ولا لعانًا ولا فاحشًا، كان يقول لأحدنا عن المعاتبة: ما له تربت جبينه ...».

فهذه أخلاق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ولقد أخذ الصحابة الكرام وتحلوا بهذه الأخلاق عملًا بقول الله عز وجل: ?لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا? (الأحزاب: 21).

 

1- أخرج أبو نعيم في (الحلية) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «ثلاثة مِن قريش أصبح الناس وجوهًا، وأحسنها أخلاقًا، وأثبتها حياءً، إن حدثوك لم يكذبوك، وإن حدثتهم لم يكذبوك: أبو بكر الصديق، وعثمان بن عفان، وأبو عبيدة بن الجراح».

 

2- وأخرج الطبراني عن عبد الرحمن بن عثمان القرشي رضي الله عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ابنته وهي تغسل رأس عثمان رضي الله عنه فقال: «يا بنية؛ أحسني إلى أبي عبد الله؛ فإنه أشبه أصحابي بي خلقًا».

 

3- وأخرج أحمد عن عبد الله بن أسلم رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجعفر رضي الله عنه: «أشبهت خلقي وخُلُقِي».

 

4- وأخرج ابن سعد عن بحرية قالت: استوهب عمي خداش رضي الله عنه مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصعة رآه يأكل فيها فكانت عنده فكان عمر رضي الله عنه يقول: أخرجوها إليَّ فنملؤها مِن ماء زمزم فنأتيه بها فيشرب منها ويصب على رأسه ووجهه، ثم إن سارقًا عدا علينا فسرقها مع متاع لنا فقال: لله أبوه!! سرق صحفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فوالله ما سبَّه ولا لعنه. وأخرجه أيضًا ابن بشران في (أماليه).

 

5- وأخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم  عيينة بن حصن (ابن حذيفة) بن بدر رضي الله عنه، فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس رضي الله عنه -وكان مِن النفر الذين يُدنيهم عمر رضي الله عنه، وكان القراء أصحاب مجلس عمر ومشورته كهولًا كانوا أو شبابًا- فقال عيينة لابن أخيه: يابن أخي؛ لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه، فأستأذن له فأذن له عمر فلما دخل عليه قال: هيه يابن الخطاب فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى همَّ أن يوقع به، فقال الحر: يا أمير المؤمنين؛ إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: ?خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ? (الأعراف: 99)، وإن هذا لمن الجاهلين، فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه وكان وقافًا عند كتاب الله عز وجل.

 

6- وأخرج ابن سعد (3/ 110) عن حيَّة بن جوين قال: كنا عند علي رضي الله عنه فذكرنا بعض قول ابن مسعود رضي الله عنه، وأثنى القوم عليه وقالوا: يا أمير المؤمنين؛ ما رأينا رجلًا كان أحسن خلقًا ولا أرفق تعليمًا ولا أحسن مجالسة ولا أشد ورعًا مِن عبد الله بن مسعود، فقال علي: أنشدتكم بالله إنه لصدق مِن قلوبكم؟ قالوا: نعم. فقال: اللهمَّ إني أشهدك، اللهم إني أقول فيه مثلما قالوا أو أفضل.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة