السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مواعظ رمضان... شهر التوبة والغفران -2

هذا شهر الغفران؛ فاحذر مِن أن تجعله شهر الخسران!

مواعظ رمضان... شهر التوبة والغفران -2
سعيد محمود
الخميس ١٨ يونيو ٢٠١٥ - ١٤:٢٣ م
2715

مواعظ رمضان... شهر التوبة والغفران (2)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

أخي الحبيب:

هذا شهر الغفران؛ فاحذر مِن أن تجعله شهر الخسران!

هذا شهر محو الذنوب؛ فاستغث بمولاك مِن العيوب.

هذه أيام الإنابة فيها تفتح أبواب الإجابة.

هذه أيام قال عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه).

- هذه أيام خاب وخسر مَن أدركها، ولم يخرج منها مغفور الذنب!

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكبر أَو أَحدهمَا فَلم يدْخلاهُ الْجنَّة) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

- هذه أيام نزل مِن أجلها سيد الملائكة جبريل -عليه السلام- إلى سيد الخلق محمد -صلى الله عليه وسلم-، ليشاركه الدعاء على مَن عاش هذه الأيام وخرج منها غير مغفور الذنب، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُغفر لَهُ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ. فَقُلْتُ: آمِينَ) (رواه الطبراني وابن حبان، وصححه الألباني).

- أخي... إذا جعلنا الكلام السابق نصب أعيننا وملء قلوبنا؛ استشعرنا الحاجة الشديدة للفوز برمضان، وأن أول ما يجب أن نقدمه لذلك هو "التوبة" نعم... فالتوبة هي بداية الطريق الصحيح للفوز برمضان.

- أخي... يحدِّثنا القرآن الكريم عن التوبة، فيقول ربنا -تبارك وتعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53).

وكم أسرفنا... وكم فرطنا... !

- ويحدِّثنا النبي العدنان -صلى الله عليه وسلم- عن التوبة فيقول: (إِنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا) (رواه مسلم).

- ويقول عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "إن المؤمن يرى ذنوبه كالجبل يوشك أن يسقط عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذبابة يهشها بيده هكذا!".

- وقال سفيان الثوري -رحمه الله-: "جلستُ يومًا أحصى ذنوبي؛ فإذا هي آلاف"، فجعل يقول: "يا سفيان، تقف بيْن يدي الله فيسألك عن آلاف الذنوب؟! ماذا ستقول؟! والله ليسقطن لحم وجهك خجلاً وأنت تعرض قبائحك على الله! يا سفيان، هذا ما تذكرته؛ فكيف بما أحصاه الله ونسيته أنتَ؟!".

- فيا أخي... هل حاولت أن تجلس إلى نفسك وتتذكر ذنوبك التي فعلتها؟!

هل حاولت أن تحدِث توبة مِن قبْل أن يأتي يوم قال ربك عنه: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا) (آل عمران:30).

- أخي... فلنسارع بالتوبة، وقد تأكدت في شهر التوبة.

- أخي.. هيا قُم إلى التوبة النصوح التي أمر الله بها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا) (التحريم:8).

- ثم اعلم -رحمني الله وإياك- أن للتوبة شروطـًا ثلاثة لا بد منها:

- أولها: الندم.

- ثانيها: الإقلاع على الذنب.

- ثالثها: العزم على عدم العودة.

أخي... أذكر لك شيئًا مِن قصص التائبين إلى الله، وكيف صدقوا في توبتهم، فيسَّر الله لهم أسباب الفلاح والنجاة.

- توبة عابد بني إسرائيل:

جاء في الأثر: "أن رجلاً مِن بني إسرائيل عبد الله عشرين سنة، ثم عصى الله عشرين سنة، فنظر يومًا إلى وجهه في المرآة، وقد رأى الشيب في رأسه، فقال: يا رب أطعتك عشرين سنة، ثم عصيتك عشرين سنة... أتراك تقبلني إذا عدت؟ فوجد أن جرمه شديد، فنام على تلك الحال، فرأى في المنام مَن يناديه: "عبدي أطعتنا فقربناك، ثم عصيتنا فأمهلناك، وإن عدت إلينا قبلناك".

- توبة في "مرقص!":

قصة ذكرها الشيخ "علي الطنطاوي" في بعض كتبه، فقال: "دخلتُ أحد مساجد مدينة (حلب) فوجدتُ شابًا يصلي، فقلتُ: سبحان الله! إن هذا الشاب مِن أكثر الناس فسادًا؛ يشرب الخمر، ويفعل الزنا، ويأكل الربا، وهو عاقٌّ لوالديه وقد طرداه مِن البيت؛ فما الذي جاء به إلى المسجد؟! فاقتربتُ منه وسألته: أنت فلان؟! قال: نعم. قلتُ: الحمد لله على هدايتك. أخبرني كيف هداك الله؟! قال: هدايتي كانت على يد شيخ وعظنا في مرقص! قلتُ -مستغربًا!: في مرقص؟! قال: نعم. في مَرقص! قلت: كيف ذلك؟!

قال: هذه هي القصة… فأخذ يرويها فقال: كان في حارتنا مسجد صغير، يؤم الناس فيه شيخ كبير السن، وذات يوم التَفَتَ الشيخ إلى المصلين وقال لهم: أين الناس؟! ما بال أكثر الناس وخاصة الشباب لا يقربون المسجد ولا يعرفونه؟! فأجابه المصلون: إنهم في المراقص والملاهي. قال الشيخ: وما هي المراقص والملاهي؟! ردَّ عليه أحد المصلين: المرقص صالة كبيرة فيها خشبة مرتفعة تصعد عليها الفتيات عاريات أو شبه عاريات يرقصنَ والناس حولهن ينظرون إليهن! فقال الشيخ: والذين ينظرون إليهن مِن المسلمين؟ قالوا: نعم. قال: لا حول وقوة إلا بالله! هيا بنا إلى تلك المراقص ننصح الناس. قالوا له: يا شيخ! أين أنت… تعظ الناس وتنصحهم في المرقص؟! قال: نعم!

حاولوا أن يثنوه عن عزمه وأخبروه أنهم سَيُواجَهون بالسخرية والاستهزاء وسينالهم الأذى فقال: وهل نحن خير من محمد -صلى الله عليه وسلم-؟!

وأمسك الشيخ بيد أحد المصلين ليدله على المرقص. وعندما وصلوا إليه سألهم صاحب المرقص: ماذا تريدون؟! قال الشيخ: نريد أن ننصح مَن في المرقص. تعجب صاحب المرقص وأخذ يمعن النظر فيهم ورفض السماح لهم، فأخذوا يساومونه ليأذن لهم حتى دفعوا له مبلغًا مِن المال يعادل دخله اليومي.

وافق صاحب المرقص، وطلب منهم أن يحضروا في الغد عند بدء العرض اليومي، قال الشاب: فلما كان الغد كنت موجودًا بالمرقص، بدأ الرقص مِن إحدى الفتيات، ولما انتهت أسدل الستار ثم فتح؛ فإذا بشيخ وقور يجلس على كرسي فبدأ بالبسملة، وحمد الله وأثنى عليه، وصلى على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم بدأ في وعظ الناس الذين أخذتهم الدهشة وتملكهم العجب وظنوا أن ما يرونه هو فقرة فكاهية، فلما عرفوا أنهم أمام شيخ يعظهم أخذوا يسخرون منه ويرفعون أصواتهم بالضحك والاستهزاء وهو لا يبالي بهم، واستمر في نصحه ووعظه حتى قام أحد الحضور وأمرهم بالسكوت والإنصات حتى يسمعوا ما يقوله الشيخ. قال: فبدأ السكون والهدوء يخيم على أنحاء المرقص حتى أصبحنا لا نسمع إلا صوت الشيخ، فقال كلامًا ما سمعناه مِن قبْل، تلا علينا آيات مِن القرآن الكريم وأحاديث نبوية وقصصًا لتوبة بعض الصالحين.

وكان مما قاله: أيها الناس، إنكم عشتم طويلاً وعصيتم الله كثيرًا، فأين ذهبت لذة المعصية؟! لقد ذهبت اللذة وبقيت الصحائف سوداء ستسألون عنها يوم القيامة، وسيأتي يوم يهلك فيه كل شيء إلا الله -سبحانه وتعالى-.

أيها الناس، هل نظرتم إلى أعمالكم إلى أين ستؤدي بكم، إنكم لا تتحملون نار الدنيا وهي جزء مِن سبعين جزءًا مِن نار جهنم؛ فكيف بنار جهنم؟! بادروا بالتوبة قبل فوات الأوان.

قال: فبكى الناس جميعًا، وخرج الشيخ مِن المرقص، وخرج الجميع وراءه، وكانت توبتهم على يده حتى صاحب المرقص تاب وندم على ما كان منه".

فاللهم اجعلنا من التوابين، والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة