الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

مِن شُبُهات أعداء السُّنَّة... السُّنَّة دُوَّنَتْ في قصور الخلفاء والأمراء!!‏

الهدف مِن هذه الشبهة هو تصوير السُّنَّة في صورة أكاذيب وافتراءات على صاحب الرسالة

مِن شُبُهات أعداء السُّنَّة... السُّنَّة دُوَّنَتْ في قصور الخلفاء والأمراء!!‏
شحاتة صقر
السبت ٢٠ يونيو ٢٠١٥ - ١٠:١٤ ص
1331

مِن شُبُهات أعداء السُّنَّة... السُّنَّة دُوَّنَتْ في قصور الخلفاء والأمراء!!‏

كتبه/ شحاتة صقر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

يقول أعداء السُّنَّة: إن الحديث النبوي دُوِّن في قصور الخلفاء والأمراء، وخضع مدوِّنوها إلى أهواء أولئك الخلفاء والأمراء، مُلاَّك الدنيا، الذين كانوا يملكون الرفع والخفض والجاه والسلطان، والدرهم والدينار!! وزعم هؤلاء الـمُغرضون أن حَمَلَةَ السُّنَّة مِن الصحابة والتابعين ومن بعدهم كانوا جنودًا للسلاطين والملوك في العصر الأموي والعباسي؛ فكانوا يضعون لهم مِن الأحاديث ما يوافق رغباتهم ويثبت ملكهم.

 

والهدف مِن هذه الشبهة هو تصوير السُّنَّة في صورة أكاذيب وافتراءات على صاحب الرسالة، وأن الأحاديث النبوية المتداولة الآن بين يدي الأمة في كتب الجوامع والمسانيد والصحاح وغيرها، لم يقُلْها النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنها مِن اختراع أناس لا خلاق لهم، وضعوها مِن أجل خدمة السلاطين والحكام، واشتروا بها ثمنًا قليلًا!!

 

تفنيد هذه الشبهة ونقضها

 

هذه الشبهة مِن أكذب الأكاذيب، ويُكتفَى في الرد عليها بما يأتي:

 

أولًا: أن مَن له إلمام بالحديث النبوي وأغراضه التي قيل مِن أجلها، لن يعثر على حديثٍ فيه محاباة للأمراء والحكام والسلاطين، بل سيجد فيها أحاديث تشدد النكير على تصرفات ولاة الأمور مهما علا سلطانهم في الأرض. فهل لو كانت السُّنَّة دُوِّنَتْ في قصور السلاطين تبعًا لأهوائهم كنا نجد فيها هذا الحديث: «أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، ، وصححه الألباني؟

 

فمَن هو السلطان الذي يسمح بتدوين هذا الحديث وأمثاله في قصره، ويمنح واضعه العطايا؟! أليس في هذا الحديث تحريض وترغيب في التصدى للسلاطين والإنكار عليهم بضوابط الشرع؟ وأنت ترى أن هذا الحديث يجعل مقاومة الظلمة مِن السلاطين أعلى مرتبة مِن مراتب الجهاد.

 

ثانيًا: إن علماء الحديث أنفسهم كانوا لا يقبلون حديثًا في سنده رجل عُرِف بالتردد على السلاطين أو قبول هدايا منهم، أو كانت له حظوظ عندهم، وهذا منهم احتياط عظيم لحماية السُّنَّة مِن الدخيل والعليل والمكذوب. فكيف يصح مع هذا اتهام علماء الحديث بأنهم كتبوها في قصور الأمراء والسلاطين، استجابة لأهوائهم وشهواتهم؟!

 

ثالثًا: أما عن موقف الصحابة والتابعين فمَن بَعدَهم من أئمة الإسلام مِن ملوكهم وأمرائهم فالنماذج المشرفة الدالة على ذلك كثيرة؛ فمنها على سبيل المثال لا الحصر موقف أبي سعيد الخدري مِن مروان والي المدينة، وموقف ابن عمر مِن الحجاج، وموقف الإمام الزهري مع هشام بن عبد الملك الأموي، وغيرهم الكثير والكثير.

 

ومَن يقرأ سيرة الأئمة الأربعة، أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل، يرى مواقفهم الناصعة أمام حكام عصورهم، وتشددهم في إقرار الحق ودفع الباطل، والاعتزاز بكرامة الإيمان والعلم.

 

إن علماء الأمة -بوجه عام- كانوا يترفعون عن التردد على قصور الحكام وبلاط الرياسات، سواء كانوا فقهاء أو محدثين، وما كانوا يتهاونون في نصيحتهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.

 

رابعًا: إن أعداء الإسلام مِن الشيعة والمستشرقين ودعاة الإلحاد لم يصلوا ولن يصلوا إلى مدى السُّمُوِّ الذي يتصف به رواة السُّنَّة مِن الترفع عن الكذب حتى في حياتهم العادية، بل ولن يصل أعداء الإسلام إلى مبلغ الخوف الذي استقر في نفوسهم بجنب الله خشية ورهبة، ولا مدى استنكارهم لجريمة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قال منهم مَن قال بكُفْر مَن يفعل ذلك وقتله وعدم قبول توبته.

 

إن أعداء الإسلام معذورون إذْ لم يفهموا عن علمائنا هذه الخصائص؛ لأنه لا يوجد لها ظِلٌّ في نفوسهم ولا فيمن حولهم، ومَن اعتاد الكذب ظن في الناس أنهم أكذب منه، واللص يظن الناس لصوصًا مثله، وإلا فما الذي يُقال في قوم جاهروا بالإنكار على بعض ولاتهم؛ لأنهم خالفوا بعض أحكام السُّنَّة وتعرض بعضهم للضرب والإهانة والتنكيل في سبيل الجهر بكلمة الحق؟ فهل يجرؤ إلا مُدَّعٍ كاذب مُغرِض على أن يقول: إن هؤلاء استباحوا لأنفسهم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضيفوا إلى سنته أحكامًا لم يقُلْها؟

 

إن قومًا لم يُحَابُوا في حكمهم على الرجال أحدًا لا أبًا ولا ابنًا ولا أخًا ولا صديقًا ولا شيخًا إن ذلك لَعُنوَانُ صدق ديانتهم ونزاهتهم وأمانتهم وعنوان إجلال الحفاظ للسُّنَّة النبوية الشريفة وأنها عندهم أغلى مِن الآباء والأجداد والأولاد والأحفاد؛ فكانوا مضرب المثل في الصدق والتقوى والأمانة.

 

وهناك أمثلة على نزاهتهم في حكمهم على الرجال:

 

1- الـمُجَرِّحُونَ لآبائهم:

 

الإمام علي بن المديني سُئل عن أبيه فقال: «هُوَ الدِّينُ، إِنَّهُ ضَعِيفٌ».

 

2- الـمُجَرِّحُونَ لأبنائهم:

 

الإمام أبو داود السجستاني "صاحب السنن" قال: «ابني عبد الله كذاب».

 

3- الـمُجَرِّحُونَ لإخوانهم:

 

زيد بن أبي أنيسة قال: «لا تأخذوا عن أخي يحيى المذكور بالكذب».

 

4- الـمُجَرِّحُونَ لأصهارهم وأختانهم:

 

شعبة بن الحجاج قال: «لو حابيت أحدًا لحابيت هشام بن حسان كان خَتَنِي، ولم يكن يحفظ». الخَتَن: زوج الابنة أو الأخت.

 

5- الـمُجَرِّحُونَ لبعض أقاربهم:

 

الْحُسَيْن بن أبي السّري الْعَسْقَلَانِي، ضعَّفه أَبُو دَاوُد وَقَالَ عنه أَبُو عروبه الْحَرَّانِي: «هُوَ خَال أُمِّي وَهُوَ كَذَّاب».

 

وللحديث بقية إن شاء الله؛ لاستكمال سلسلة «رد سهام اللئام عن سُنَّة خير الأنام عليه الصلاة والسلام».

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com