الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

مواعظ رمضان (12) رمضان شهر الصدقة

ذكر العلماء في حكمة زيادة جوده -صلى الله عليه وسلم- في رمضان فوائد وأسبابًا كثيرة

مواعظ رمضان (12) رمضان شهر الصدقة
سعيد محمود
الأحد ٢٨ يونيو ٢٠١٥ - ٠٩:٤٩ ص
1309

مواعظ رمضان... (رمضان شهر الصدقة) (12)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ" (متفق عليه).

وقد ذكر العلماء في حكمة زيادة جوده -صلى الله عليه وسلم- في رمضان فوائد وأسبابًا كثيرة، منها:

1- شرف الزمان ومضاعفة الأجر فيه.

2- إعانة الصائمين والقائمين على طاعتهم، فينال مِن أعانهم مثل أجرهم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

3- أن الجزاء مِن جنس العمل؛ فمن جاد على عباد الله، جاد الله عليه، وإنما يرحم الله مِن عباده الرحماء.

4- أن الصائم لا بد أن يقع منه خلل ونقص، والصدقة تجبر ما فيه مِن الخلل والنقص؛ ولذا شرعت صدقة الفطر.

5- أن الصائم يدع طعامه وشرابه لله، فإذا بذله لغيره عند الإفطار كان ممن أطعم الطعام على حبه، لينال بذلك ثواب الإيثار.

فيا أخي... هذا شهر الجود والكرم والمواساة، والجود مِن معالي الأخلاق، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنّ الله -تَعالى- كريمٌ يُحِبُّ الكَرَمَ ويُحِبُّ معَالِي الأَخْلاقَ ويَكْرَهُ سَفْسافَها) (رواه ابن عساكر، وصححه الألباني).

وكان السلف -رضي الله عنه- يواسون مِن إفطارهم أو يؤثرون به ويطوون:

- كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين، وكان يتصدق بالسكر ويقول: "سمعتُ الله يقول: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) (آل عمران:92)، والله يعلم أني أحب السكر!"

لقد تعلموا ذلك مِن نبيهم -صلى الله عليه وسلم- الذي كان أجود الناس، وأكثر الناس حضًّا لأتباعه على الجود والنفقة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أفْضَلُ الأَعْمالِ أنْ تُدْخِلَ على أخِيكَ المُؤمِنِ سُرُورًا أوْ تَقْضِيَ عنهُ دَيْنًا أوْ تُطْعِمَهُ خُبْزًا) (رواه البيهقي، وحسنه الألباني).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أحَبُّ النَّاسِ إِلَى الله أنْفَعُهُمْ وأحَبُّ الأعْمَالِ إِلَى الله -عَزَّ وجَلَّ- سُرُورٌ تُدْخِلُهُ على مُسْلِمٍ أوْ تَكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً أوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا ولأَنْ أمْشِيَ مَعَ أخِي المُسْلِمِ فِي حاجَةٍ أحَبُّ إلَيَّ مِنْ أنْ أعْتَكِفَ فِي هَذَا المَسْجِدِ شَهْرًا) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني).

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (صَنَائِعُ المَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَالصَّدَقَةُ خَفِيًّا تطفئ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ زِيَادَةٌ فِي العُمُر، وَكُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ) (رواه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني).

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا، فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ، فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ) (متفق عليه).

فيا أخي... انظر إلى عظيم كرم الله؛ إن هذه البغي سقت كلبًا مِن العطش فغفر لها! فما ظنك بكرمه إذا أطعمتَ وسقيتَ مسلمًا صائمًا؟!

أخي... للصدقة وجوه كثيرة تُغتنم منها الحسنات، وتُرفع بها الدرجات، منها:

- منها إطعام الطعام: قال الله -تعالى-: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) (الإنسان:8).

إن عبادة إطعام الطعام عبادة ولادة، ينشأ عنها فضائل كثيرة، منها: "الحب في الله ومجالسة الصالحين - وتوثيق التعارف - وإعانتهم بهذا الطعام على طاعة الله"، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ) (رواه مسلم).

- ومنها بذل المال: وهو الصورة المباشرة الواضحة التي تدفع فيها المال إلى يد الفقير، كانت عائشة -رضي الله عنها- تعطر الصدقة قبل إخراجها، فقيل لها في ذلك، فقالت: "إنها تقع في يد الله قبْل أن تقع في يد الفقير!".

- ومنها بذل المال في الدعوة إلى الله: وذلك بإقامة المساجد، وإقامة الجُمَع والأعياد، وشراء المراجع لطلبة العلم، والإنفاق على الفقراء منهم، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كَانَ أَخَوَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَانَ أَحَدُهُمَا يَأْتِي النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالآخَرُ يَحْتَرِفُ، فَشَكَا المُحْتَرِفُ أَخَاهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بِهِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

- ومنها الصدقة الجارية: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) (رواه مسلم).

فاجتهد في شهر الجود أن تكون مِن أجود الناس، كما كان سيد الناس -صلى الله عليه وسلم-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة