الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

مواعظ رمضان (17) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ

لقد امتن الله -تعالى- على الأمة في هذا الشهر بأحلى انتصاراتها وعظيم فتوحاتها

مواعظ رمضان (17) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ
سعيد محمود
السبت ٠٤ يوليو ٢٠١٥ - ١٠:٤٨ ص
1385

مواعظ رمضان... (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) (17)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الصف:10-11).

أخي... رمضان شهر الجهاد، ذروة سنام الإسلام، شهر التجارة الرابحة، ولقد امتن الله -تعالى- على الأمة في هذا الشهر بأحلى انتصاراتها وعظيم فتوحاتها، وعلى مدار التاريخ الإسلامي كان هذا الشهر رمزًا للعطاء والبذل والجهاد في سبيل الله، تلبية لأمر الله -تعالى- عباده المؤمنين بالقيام بنصرة دينه لما قال لهم: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (التوبة:41).

وها هم أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- يجيبون نبيهم -صلى الله عليه وسلم- لما استنفرهم لنصرة دين الله -تعالى- في أول معارك الإسلام الكبرى، وأم الانتصارات: "معركة بدر الكبرى".

فلما كان رمضان مِن السنة الثانية مِن الهجرة، بلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خبر العير المقبلة مِن الشام لقريش، صحبة أبي سفيان، وهي العير التي خرجوا في طلبها لما خرجت من مكة، وفيها أموال عظيمة لقريش، فندب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس للخروج إليها، وأمر مَن كان ظهره حاضرًا بالنهوض، ولم يحتفل لها احتفالاً بليغًا؛ لأنه خرج مسرعًا في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً.

فبلغ أبا سفيان مخرجُ النبي -صلى الله عليه وسلم- ومقصده إياه؛ ففر بالقافلة جهة البحر، وأرسل لقريش بالنفير إلى عيرهم، ليمنعوه من محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فخرجت قريش بحدها وحديدها فلم يتخلف مِن أشرافهم سوى أبي لهب؛ فجاءت قريش في جيش يفوق قوة المسلمين في العدة والعتاد والعدد والمؤنة أضعافًا مضاعفة؛ فتحرج النبي -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه وعلى الأنصار خاصة لشدة الموقف، فاستشار النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، وأخبرهم عن مسير قريش وحراجة الموقف.

فقام أبو بكر -رضي الله عنه- فقال وأحسن، ثم قام عمر -رضي الله عنه- فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو -رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله امضِ لما أمرك الله به، فنحن معك، والله لا نقول لكَ كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) (المائدة:24)، ولكن نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرتَ بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك مِن دونه حتى تبلغه، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيرًا ودعا له به، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أشيروا عليَّ أيها الناس. فوقف سعد بن معاذ -رضي الله عنه- وقال: والله لكأنك تعنينا يا رسول الله! قال -صلى الله عليه وسلم-: أجل.

فقال سعد: فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، فامضِ يا رسول الله لما أردتَ ونحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا أحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصبرٌ في الحرب، صدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله.

فسُرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لقول سعد، ونشَّطه، فقال: سيروا وأبشروا، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم.

فسار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى بدر، وجمع الله الفريقين على غير ميعاد، كما قال -تعالى-: (وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً) (الأنفال:42).

وقد وصف علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، كيف بات المسلمون ليلة السابع عشر مِن رمضان ببدر، وأمامهم مسعكر المشركين، فقال -رضي الله عنه-: لقد رأيتنا يوم بدر، وما منا إلا نائم، إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإنه كان يصلي إلى شجرة ويدعو حتى أصبح!

وأنزل الله في تلك الليلة مطرًا واحدًا، فكان على المشركين وبالاً شديدًا منعهم مِن التقدم، وكان على المسلمين طلاً طهَّرهم به وأذهب عنهم رجس الشيطان، ووطأ به الأرض، وصلب به الرمل، وثبت به الأقدام.

واستنصر المسلمون ربهم واستغاثوه: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ) (الأنفال:9)، فأوحى الله إلى ملائكته: (أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) (الأنفال:12).

ثم حمى الوطيس، واستدارت رحى المعركة واشتد القتال، وأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الدعاء والابتهال ومناشدة ربه -تعالى-، حتى جاء النصر وأنزل الله جنده، وأيد رسوله -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين -على قلتهم وشدة حاجتهم-، قال الله -تعالى-: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الأنفال:26).

أخي... لقد مضت غزوة "بدر" تحمل قصة نصر حاسم وفرقان بيْن الحق والباطل؛ قصة انتصار الحق على أعدائه المدججين بالسلاح، المزودين بكل زادٍ مادي، لقد كانت غزوة بدر قصة انتصار القلوب حين تتصل بربها، فينصرها الله مع قلتها وحاجتها.

أخي... لقد مضت غزوة "بدر" مثلاً في التاريخ تقرر دستور النصر والهزيمة؛ إلا أنها كتاب مفتوح تقرأه الأجيال في كل زمان وفي كل مكان؛ فهي آية مِن آيات الله ما دامت السموات والأرض تنطق بنصر الله للقلة المؤمنة على الكثرة الكافرة: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (آل عمران:123).

فاللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، ودمِّر أعداءك أعداء الدين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة