الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الإيمان قيد الفتك

الإيمان يقيد ويمنع المؤمن من الاغتيال والفتك بإخوانه المسلمين

الإيمان قيد الفتك
ياسر برهامي
الأحد ٠٥ يوليو ٢٠١٥ - ١١:٠٥ ص
4224

الإيمان قيد الفتك

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فـ(إِنَّ الإِيمَانَ قَيْدُ الْفَتْكِ، لا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌهذا نص حديث رواه الإمام أحمد بسندٍ صحيح، معناه أن الإيمان يقيِّد ويمنع المؤمن مِن الاغتيال والفتك بإخوانه المسلمين؛ ذكره الشيخ "أحمد شاكر" -رحمه الله- بعد اغتيال "النقراشي باشا" رئيس وزراء مصر في عام 1948م، على أيدي عناصر مِن جماعة الإخوان المسلمين.

فما أشبه الليلة بالبارحة!

فأعيد نشر مقالي بعنوان: (الشيخ أحمد شاكر وبدعة التكفير والفتك) والذي سبق نشره في 25 يناير 2014م، وذلك لشدة الحاجة إليه في هذا الجو المفعم بالآلام عقب حادث اغتيال النائب العام، والهجوم على كمائن تابعة للقوات المسلحة بسيناء، وعددٍ كبير مِن التفجيرات العشوائية الإجرامية التي تتم الآن.

فإلى نص المقال...

الشيخ "أحمد شاكر" وبدعة التكفير والفتك

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالتكفير أخطر البدع التي واجهت المجتمع المسلم عبر العصور، وهي أول بدعة عقدية وفرقة نارية من الفرق التي أخبر بها النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (وَإِنَّ أُمَّتِي سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلا وَاحِدَةً، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني)؛ فظهرت في عصر الخلافة الراشدة في عصر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وكان شعار الخوارج كلمة حق أريد بها باطل، وهي: "إن الحكم إلا لله".

وكان علي وابن عباس -رضي الله عنهم- أول مَن ناظر الخوارج وردَّ كثيرًا منهم إلى السنة؛ ثم كان ثمرة هذا الفكر المنحرف عمليات القتل والاغتيال التي قام بها الخوارج وحققوا غرضهم الخبيث، فقُتل أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- أفضل أهل الأرض في زمنه، رجل مِن أهل الجنة كان يمشي على الأرض، قتلوه متقربين إلى الله!

وتطل هذه البدعة اليوم على المجتمعات المسلمة من خلال الاضطراب في فهم قضية "الحكم بما أنزل الله"، و"مسائل الولاء والبراء"، ويتبعها -كما تبعها عبر عصور- القتل والاغتيال، وإن كان في زماننا بصورة القتل العشوائي بالتفجيرات التي تصيب الآمنين الأبرياء المسلمين في مساكنهم وبيوتهم! وكان التطور الفكري لدى طائفة التكفيريين ينتقل مِن فكرة "الجماعة الأم" إلى "جماعة المسلمين" التي مَن خالفها من منظور سياسي وفهم فقهي أو موقف عملي؛ كان كافرًا مرتدًا يجب قتله!

وما الأخطار التي تهدد "سوريا - ومصر - وليبيا - والصومال" بخافية على كل متأمل مشفق على أمته، حريص على صيانة دماء أبنائها وأعراضهم وأموالهم.

ولما كان الشيخ "أحمد شاكر" محدث الديار المصرية مِن أهم مَن تكلم في "مسألة الحكم بغير ما أنزل الله"، وهو أحد العلماء الأجلاء الذين ننقل عنهم في توضيح هذه المسألة، وكان له موقف عظيم جهر فيه بالحق وصدع به في مسألة التكفير والاغتيال للمسلمين، وكان مقاله الشهير "الإيمـــانُ قَيْـــدُ الفَتْـــكِ"، الذي تكلم فيه عن حادثة قتل "النقراشي باشا" رئيس وزراء مصر، على يد بعض شباب الإخوان المسلمين إثر قرار حل الجماعة.

هذا المقال يحذر فيه الشيخ من الخوارج الجدد، وفكر التكفير الخبيث، والجميع يعلم ما كان عليه الحال التشريعي في مصر إبان الملكية السابقة؛ حيث كانت الشريعة الإسلامية هي المصدر الرابع بعد: الدستور، والقانون، والعرف! وعلى سبيل الجواز لا الإلزام، ومع ذلك كان الفرق بين تكفير النوع والأعيان في غاية الوضوح لدى هذا الجيل من العلماء المتمسكين بمنهج أهل السنة .

وفي خضم الأحداث المعاصرة أحببتُ أن أضع هذا المقال الذي نشرته جريدة "الأساس" في "2-1-1949م"؛ لعله أن يكون مانعًا لكثير من الشباب من الانزلاق إلى هذا المنزلق الخطير، مع بعض التعليقات والتحفظات على بعض العبارات .

قال الأستاذ أحمد شاكر -رحمه الله-:

"الإيمان قَيْدُ الفتك:

" روِّع العالم الإسلامي والعالم العربي، بل كثير من الأقطار غيرهما باغتيال الرجل, الرجل بمعنى الكلمة, النقراشي الشهيد -نحسبه غفر الله له وألحقه بالصديقين والشهداء والصالحين-.

وقد سبقتْ ذلك أحداث قدِّم بعدها للقضاء وقال فيه كلمته, وما أنا الآن بصدد نقد الأحكام, ولكني كنت أقرأ كما يقرأ غيري الكلام في الجرائم (السياسية) وأتساءل: أنحن في بلد فيه مسلمون؟ وقد رأيت أن واجبًا عليَّ هذا الأمر من الوجهة الإسلامية الصحيحة؛ حتى لا يكون هناك عذر لمعتذر, ولعل الله يهدي بعض هؤلاء الخوارج المجرمين؛ فيرجعوا إلى دينهم قبل ألا يكون سبيل إلى الرجوع.

وما ندري مَن ذا بعد "النقراشي" في قائمة هؤلاء الناس!

إن الله -سبحانه- توعد أشد الوعيد على قتل النفس الحرام في غير آية من كتابه: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (النساء:93)، هذا من بديهيات الإسلام التي يعرفها الجاهل قبل العالم, وإنما هذا في القتل العمد الذي يكون بين الناس في الحوادث والسرقات وغيرها؛ القاتل يَقتل وهو يعلم أنه يرتكب وزرًا كبيرًا.

أما القتل (السياسي) الذي قرأنا جدالاً طويلاً حوله؛ فذاك شأنه أعظم؛ وذلك شيء آخر.

القاتل (السياسي) يقتل مطمئن النفس، راضي القلب، يعتقد أنه يفعل خيرًا؛ فإنه يعتقد بما بث فيه من مغالطات أنه يفعل عملاً حلالاً جائزًا "إن لم يعتقد أنه يقوم بواجب إسلامي قصَّر فيه غيره"؛ فهذا مرتد خارج عن الإسلام, يجب أن يُعامل معاملة المرتدين، وأن تطبق عليه أحكامهم في الشرائع وفي القانون، هم الخوارج كالخوارج القدماء الذين كانوا يقتلون أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

ويدعون مَن اعترف على نفسه بالكفر, وكان ظاهرهم كظاهر هؤلاء الخوارج, بل خيرًا منه, وقد وصفهم رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بالوحي قبل أن يراهم, فقال لأصحابه: (يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاتَهُ مَعَ صَلاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ) (رواه البخاري ومسلم).

وقال أيضًا -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: (سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا، لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَ) (رواه البخاري ومسلم), والأحاديث في هذا المعنى كثيرة متواترة, وبديهيات الإسلام تقطع بأن مَن استحل الدم الحرام فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه.

فهذا حكم القتل (السياسي) وهو أشد من القتل العمد الذي يكون بيْن الناس, والقاتل قد يعفو الله عنه بفضله, وقد يجعل القصاص منه كفارة لذنبه بفضله ورحمته, وأما القاتل (السياسي) فهو مصر على ما فعل إلى آخر لحظة في حياته, يفخر به ويظن أنه فَعَل فِعل الأبطال!

وهذا حديث آخر نصّ في القتل (السياسي) لا يحتمل تأويلاً، فقد كان بين الزبير بن العوام وبين علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- ما كان من الخصومة (السياسية) التي انتهت بوقعة "الجمل"، فجاء رجل إلى الزبير بن العوام -رضي الله عنه- فقال: أَلا أَقْتُلُ لَكَ عَلِيًّا؟ قَالَ: لا، وَكَيْفَ تَقْتُلُهُ وَمَعَهُ الْجُنُودُ؟ قَالَ: أَلْحَقُ بِهِ فَأَفْتِكُ بِهِ. فَقَالَ: لا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ الإِيمَانَ قَيْدُ الْفَتْكِ، لا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ) (رواه أحمد بسند صحيح). أي أن الإيمان يقيد المؤمن على أن يتردى في هوة الردة؛ فإن فعل لم يكن مؤمنًا.

أما "النقراشي" فقد أكرمه الله بالشهادة -نحسبه فله فضل الشهداء عند الله وكرامتهم-, وقد مات ميتة كان يتمناها كثير من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, تمناها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حتى نالها, فكان له عند الله المقام العظيم والدرجات العلى، وإنما الإثم والخزي على هؤلاء الخوارج القتلة مستحلي الدماء, وعلى مَن يدافع عنهم، ويريد أن تتردى بلادنا في الهوة التي تردت فيها أوروبا بإباحة القتل (السياسي) أو تخفيف عقوبته, فإنهم لا يعلمون ما يفعلون, ولا أريد أن أتهمهم بأنهم يعرفون ويريدون، والهدى هدى الله" (جريدة الأساس 2-1-1949م).

قوله -رحمه الله-: "النقراشي الشهيد... ": الصحيح أن يُقال: ندعو الله أن يتقبله الله في الشهداء، ونحو ذلك... كما قال البخاري -رحمه الله-: "بَابُ لاَ يَقُولُ فُلاَنٌ شَهِيدٌ... قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ" (صحيح البخاري 4/ 37).

وقوله: "القاتل السياسي يقتل مطمئن النفس، رضي القلب... فهذا مرتد خارج عن الإسلام": هذا القول مِن فضيلة الشيخ فيه نظر، ولعله يأخذ بمذهب أهل الحديث في تكفير الخوارج بالعموم وإخراجهم من الثنتين وسبعين فرقة مِن فرق الأمة.

وقد قال ابن المنذر -رحمه الله-: "لا أعلم أحدًا وافق أهل الحديث على تكفير الخوارج".

وسيرة علي -رضي الله عنه- تدل على أنه كان لا يكفرهم رغم تكفيرهم له وللمسلمين، وقتلهم لهم متقربين إلى ربهم بذلك! كما بيَّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، والصواب أن كلامهم وأفعالهم كفر، لكن لا يُكفَّر المعيَّن منهم حتى تثبت عليه الحجة الرسالية، وتستوفى الشروط وتنتفي الموانع، ومِن الموانع: التأويل، وهو رغم أنه تأويل باطل، إلا أنه يمنع التكفير والتخليد في النار، وإن كان لا يمنع عقوبة الدنيا والآخرة.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة