السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

المعادلة الصفرية : أوهام وكوارث

ما يحدث من شأنه أن يعرقل مسار الإصلاح ويجهض أي محاولة لرأب الصدع

المعادلة الصفرية : أوهام وكوارث
أحمد الشحات
الخميس ٠٩ يوليو ٢٠١٥ - ١٢:٠٨ م
2618

المعادلة الصفرية : أوهام وكوارث

كتبه/ أحمد الشحات

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وعلي آله وصحبه ومن والاه ، أما بعد؛

المعادلة الصفرية بوجه عام هي تلك  الحالة التي يكون فيها ربح طرف ما مرتبط بالضرورة بخسارة الآخرين ، بينما المعادلة غير الصفرية تتيح للطرفين أو للأطراف الربح معاً ، الحالة الأولي يمثلون لها بالسرقة فالذي يربحه السارق هو بالضبط ما يخسره المسروق منه ، والحالة الثانية يمثلون لها بالبيع ، فالإنسان لا يشتري شيئا لا يظن أنه يعادل قيمة المبلغ الذي يدفعه لأجله وكذلك البائع لا يبيع شيئا دون أن يعتقد أن المال الذي يحصل عليه هو أفضل من البضاعة التي يبيعها.

تُري هل يمكن لفصيل يريد أن يمارس السياسة ويحقق أهدافه بطرق سلمية أن يعمل وفق منطق المعادلات الصفرية ، أم أن قواعد العقل والمنطق والسياسة وقبلهم الشرع تحتم عليه مراعاة المصلحة والمفسدة ؟! بالقطع طبيعة السياسي الراغبة في الحصول علي الربح تحتم عليه دائما أن يُبقي علي ما يمكن أن يغنمه في يوم من الأيام ، وبالتالي فهو دائما ما يسعي للحفاظ علي الكيان المؤسسي الذي يعمل بداخله سواء كان متوافقاً مع طريقة إدارته أم معارضاً لها.

وبناءاً علي ما تقدم ، فإن أي مطلع علي خط سير الأحداث في مصر خصوصاً في منعطفها الأخير يدرك تماماً أننا أمام فصيل قرر أن يواجه الدولة حتي النهاية – نهايته هو أو نهايتها هي لا يهم المهم أن قرار كهذا يكون أشبه بالإنتحار الجماعي المنظم الذي يدفع صاحبه إلي الهلكة المحققة.

قد يكون من العبث الآن أن نتجاذب أطراف النقاش حول حسنات النظام الحالي أوسيئاته ، أو أن نتحدث عن النظام السابق هل كان ظالماً أم مظلوماً ، أو أن نتفق علي شخص بعينه ، أو نختلف علي شخص آخر ، فالزمن والأحداث قد تجاوزت بنا هذه المرحلة منذ زمن.....

ولكن واجب الوقت الآن أن نبصر أنفسنا وأبناء وطننا بمخاطر الولوغ في مسلسل دموي قميء يدفعنا جميعاً إلي الهاوية ، وفيما يلي عرض لبعض هذه المخاطر إذا استمر الحال علي ما هو عليه :-

1.    استمرار الصراع الداخلي بهذه الطريقة يتخذه بعض المغرضين – وقد كان - ذريعة لإستدعاء المجتمع الدولي من أجل التدخل في الشئون الداخلية للدولة ، وغني عن الذكر أن الدول الإستعمارية الكبري لها تاريخ طويل في هذه التدخلات ، وفي حالة مثل مصر فإن حساسية جوارها لإسرائيل يجعل التحرك الدولي سريعاً ومبرراً من جانبهم.

2.    استمرار الصراع ينهك حالة الإقتصاد ، ويضعف من قدرة الدولة علي تلبية احتياجات المواطنين مما يؤدي إلي حدوث كوارث إقتصادية وأزمات مالية في بلد أرهقتها أوضاع مضطربة علي مدار خمس سنوات متتالية ، ومع مواطنين يعانون من الجهل والفقر والمرض ، والعجيب أن بعض الحمقي والمغفلين لا يُخفي أن ضمن أهداف إستمرار الصراع هو سقوط الدولة من بوابة ثورة الجياع ، وأن سياسة إلهاء الدولة في أزمات يومية متتالية سوف يؤدي إلي سقوطها ولو بعد حين ، ونسي هذا المسكين أن هذا الخراب الذي ينشده سوف يلحق بأتباعه أيضاً داخل البلاد ، حتي لو كان هو قد فر هارباً ويعيش أرغد العيش ويقطن أفخم الأماكن ، ولكنه لن يقوي علي إستقدام آلاف الأفراد بأسرهم إلي خارج البلاد.

3.    من عجيب أمر من يتنازع علي السلطة الآن ، أنه تُرك ليجرب مآسيها وهمومها لمدة عام كامل ، وفشل في أن يسيطر علي مقاليد الحكم في هذه الدولة – سواء كان الفشل من عند نفسه أو جاء من عدم تعاون الآخرين معه – فعلي ماذا يحارب إذن والأمور علي ما هي عليه بل إزدادت سواءاً ، بأي وجه يطلب العودة لما كان عليه وقد امتنع عن إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة في آخر عامه الأول خشية عدم النجاح ، فكيف هو الحال الآن ؟ ، هذا مع العلم أن من يتولي إدارة البلاد الآن من داخل أروقة الدولة ومع ذلك يعاني الأمرين من هذه الإدارة ، فكيف لعاقل أن ينازع علي سلطة هذه سماتها.

4.    الحكام عبر التاريخ مهما كانت درجة صلاحهم لا يقبلوا أن يُمس ملكهم  أو أن ينازعهم أحد علي السلطة ، لذا فحالة الصراع علي الملك تجعل القائمين علي الدولة في حالة من التحفز تجاه من يريد هذا الحكم ، واستقر في وجدانهم أيضاً عبر التاريخ أنه عندما يتعرض أمن البلاد للخطر ، فيلزم عندها إستعمال الإجراءات الإستثنائية حتي وإن كانت ظالمة ، فينتج عن ذلك مزيد من الظلم للناس والإعتداء علي حرياتهم والتضييق عليهم في أمور حياتهم فضلاً عما هو أشد من ذلك ، ولا يرغب في ذلك ولا يستفيد منه إلا طالبي الفوضي والهياج ، أما رجل الدعوة ورجل السياسة فلا يمكن أن يعملا في ظل هذه الإجراءات الإستثنائية ولا يمكن أن يحققا أهدافهما في ظل تهارش بين فصيل ينتهج العنف ودولة تواجهه بالقمع.

5.    جو الصراع ينتج عنه – إذا طال – حالة من الاستقطاب الحاد ، مما يهدد السلم المجتمعي للدولة ، ومصر لا تحتمل أن ينمو فيها مثل هذا الاستقطاب ، خصوصاً إذا كان هناك طرف جاهل تشرب معاني التكفير وتربي علي معاني العزلة الشعورية والمخاصمة المجتمعية فيعطي لأتباعة فتاوي من جنس لا تصلي خلف هؤلاء ، ولا تفطر معهم في رمضان حتي لو كانوا أقاربك ، وإذا أردت أن تتزوج فإختبر ولائهم في الموقف من فلان وعلان ، ودعك من أن هذا يعد خطاباً تكفيرياً واضحاً ، ولكن يكفي أنه يبث الفرقة والكراهية في نفوس الشعب الواحد بل بين أفراد الأسرة الواحدة.

6.    تجذر حالة من العداء بين الإسلاميين وبين مؤسسات الدولة خصوصاً تلك المؤسسات التي يكون لها احتكاك سلبي معهم وقت الصراع مثل الشرطة والقضاء والاعلام وغيرها ، الأمر الذي يضع فئات الإسلاميين تحت طائلة الاتهام المسبق وداخل دائرة الاشتباه المتكرر، ولا يخفي ما لهذا الأمر من تأثير مدمر علي مسيرة الدعوة الإسلامية في البلاد.

7.    تشويه صورة الإسلاميين وإرتباط فترة حكمهم عند الناس بالأزمات والمشاكل والدماء التي ملأت الشوارع من أجل الكرسي ، مع إظهار الإسلاميين في مظهر العنف والتهور والعداء للمجتمع والوطن ، بدلاً من أن يكونوا أصحاب رسالة رحمة وحاملي مشعل نور وهداية لأهليهم ولمجتمعاتهم.

8.    ما يحدث من شأنه أن يعرقل مسار الإصلاح ويجهض أي محاولة لرأب الصدع ، وهذا يعني القضاء علي حلم هذا الفصيل في العودة إلي ممارسة أي أدوار مجتمعية دعوية كانت أو سياسية ، خصوصاً بعدما أسفر عن ملامح تكفيرية ظاهرة وبعد أن كشرت الدولة عن أنيابها في مواجهته.

 

والله ولي التوفيق
موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة