الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

مواعظ رمضان (23) أعمال القلوب... التوكل

تاريخ المتوكلين على الله -عز وجل- مليء بالصور المشرقة

مواعظ رمضان (23) أعمال القلوب... التوكل
سعيد محمود
الخميس ٠٩ يوليو ٢٠١٥ - ١٢:٥٠ م
1431

مواعظ رمضان (مِن أعمال القلوب... التوكل) (23)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد أمر الله -تعالى- عباده بالتوكل عليه، وحثَّ على ذلك في مواضع كثيرة، قال الله -تعالى-: (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) (النمل:79)، وقال -تعالى-: (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) (هود:123)، وقال -تعالى-: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا) (الفرقان:58).

وقال -تعالى-: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران:159)،

وقال -تعالى-: (وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (آل عمران:122)، وقال -تعالى-: (وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (المائدة:23).

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

تعريف التوكل: هو الاعتماد والتفويض، يُقال: وكل فلان فلانًا فيما عجز عنه هو ليقوم به.

قال ابن القيم -رحمه الله-: "التوكل نصف الدين والنصف الثاني إنابة، فإن الدين استعانة وعبادة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فالتوكل هو الاستعانة، والإنابة هي العبادة".

وقال: "ولو توكل العبد على الله حق توكله في إزالة جبل مِن مكانه وكان مأمورًا بإزالته؛ لأزاله!".

حقيقة التوكل: قال الزبيدي: "الثقة بما عند الله، واليأس مما في أيدي الناس".

أخي... -اعلم رحمني الله وإياك-: أن تاريخ المتوكلين على الله -عز وجل- مليء بالصور المشرقة، ومن ذلك:

- لما نزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه في وادٍ أثناء السفر علَّق سيفه في شجرة ونام تحتها، وتفرَّق الناس في الوادي يستظلون في الشجر، فلم يتنبهوا إلا والنبي -صلى الله عليه وسلم- يدعوهم، فأتوه، فإذا بشخص وسيف ساقط،

فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ رَجُلاً أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ، فَأَخَذَ السَّيْفَ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي، فَلَمْ أَشْعُرْ إِلا وَالسَّيْفُ صَلْتًا فِي يَدِهِ، فَقَالَ لِي: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ قُلْتُ: اللهُ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّانِيَةِ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ قُلْتُ: اللهُ، قَالَ: فَشَامَ السَّيْفَ فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ) ثُمَّ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (متفق عليه). (فَشَامَ السَّيْفَ): رده في غمده.

- ولما دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- الغار في الهجرة، وخاف أبو بكر على النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن جموع المشركين الباحثة عنه، قال له سيد المتوكلين: (يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا) (متفق عليه)، وقد سجَّل القرآن هذا المشهد العظيم في قوله -تعالى-: (إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:40).

- ولما ترك إبراهيم -عليه السلام- هاجر أم إسماعيل -عليهما السلام- عند البيت؛ امتثالاً لأمر ربه -تعالى-، قامت إليه تسأله: (يَا إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: إِذَنْ لاَ يُضَيِّعُنَا) (رواه البخاري). وفي بعض الروايات: "أن جبريل جاءها بعد انصراف إبراهيم -عليه السلام- فقال لها: لمن وكلكما؟ قالت: إلى الله. فقال: قد وكلكِ إلى كافٍ".

- فالله الله في أحوال المتوكلين الذين تعلقت قلوبهم بمولاهم، فكفاهم أمر دنياهم (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق:3).

واعلم -رحمني الله وإياك- أن للمتوكلين مقامات:

- أدناها: أن يكون كالطفل الصغير مع أمه، كلما أصابه مكروه صرخ: "أماه"؛ لأنه لا يعرف غيرها.

- وأعلاها: أن يكون بين يدي ربه مستسلمًا كما هو حال الميت مع مغسله.

فاللهم ارزقنا حسن التوكل عليك.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


تصنيفات المادة