الثلاثاء، ١٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ١٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

مواعظ رمضان (25) أعمال القلوب... الخوف

للخوف ثمرات عظيمة في الدنيا والآخرة

مواعظ رمضان (25) أعمال القلوب... الخوف
سعيد محمود
السبت ١١ يوليو ٢٠١٥ - ١٣:٤٤ م
1880

مواعظ رمضان (أعمال القلوب... الخوف) (25)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

تعريف الخوف:

كلمة الخوف تدل على الذعر والفزع في اللغة العربية.

قال ابن قدامة -رحمه الله-: "اعلم أن الخوف عبارة عن تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه في المستقبل، مثال ذلك: مَن جنى على مَلِك جنايةٍ، ثم وقع في يده فهو يخاف القتل، ويجوز العفو، فالخوف: مطالعة القلوب لعظيم عقاب الله ونقمته ممن عصاه، فيتولد في القلب الخوف".

أخي... -اعلم رحمني الله وإياك-: أن الله قد أوجب على عباده الخوف منه، قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (آل عمران:175)، وقال -تعالى-: (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (البقرة:40).

- وامتدح الله أهل الخوف، فقال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ . وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ . وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ . وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ . أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) (المؤمنون:57-61).

- قال الحسن -رحمه الله-: "عمِلوا والله بالطاعات واجتهدوا فيها، وخافوا أن ترد عليهم".

- وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) (المؤمنون:60)، قَالَتْ عَائِشَةُ: أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: (لا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لا تُقْبَلَ مِنْهُمْ (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) (المؤمنون:61)" (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

- وجعل الله التخويف مِن عذابه أحد مهمات الرسل: قال الله -تعالى-: (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ) (الأنعام:48)، وجمع النبي -صلى الله عليه وسلم- قومه على الصفا وقال: (أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟) قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا، قَالَ: (فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) (متفق عليه).

واعلم -رحمني الله وإياك- أن للخوف ثمراتٍ عظيمة في الدنيا والآخرة، منها:

1- أنه مِن أسباب التمكين في الأرض، وزياد الإيمان والطمأنينة: قال الله -تعالى-: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ . وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) (إبراهيم:13-14).

2- يَبْعث على العمل الصالح والإخلاص فيه: قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا . إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) (الإنسان:9-10)، وقال -تعالى-: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ . رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ) (النور:36).

3- يجعل الإنسان في ظل عرش الرحمن: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ) (متفق عليه).

4- من أسباب المغفرة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ المَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اطْحَنُونِي، ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا، فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ، فَأَمَرَ اللَّهُ الأَرْضَ فَقَالَ: اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ، فَفَعَلَتْ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ خَشْيَتُكَ، فَغَفَرَ لَهُ) وفي رواية قال: (مَخَافَتُكَ يَا رَبِّ) (رواه البخاري ومسلم).

4- طريق إلى الجنة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وقال -تعالى-: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) (الرحمن:46).

5- أمان يوم القيامة: قال الله -تعالى- في الحديث القدسي: (وَعِزَّتِي لا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ وَأَمْنَيْنِ، إِذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (رواه ابن حبان، وقال الألباني: حسن صحيح).

6- يقمع الشهوات: قال الله -تعالى-: (يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (النحل:50).

7- يجلب الرضا من الله: قال -تعالى-: (رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) (البينة:8).

مِن أحوال الخائفين:

رُوي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "لما نزل قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم:6)، قرأها النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم على أصحابه؛ فخر فتى مغشيًا عليه، فوضع النبي -صلى الله عليه وسلم- يده على فؤاده، فإذا هو يتحرك، فقال: "يا فتى، قل: لا إله إلا الله، فقالها، فبشره بالجنة، فقالوا: أمن بيننا يا رسول الله؟ قال" أوَما سمعتم قوله -تعالى-: (ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ)" (رواه الحاكم، وضعفه الألباني).

منهج العبادة بيْن الخوف والرجاء:

أخي... اعلم كذلك أن العبادة الصحيحة لا بد فيها مِن اجتماع الخوف والرجاء، فكما أن العبادة لا تصلح بالرجاء وحده، كذلك لا تصلح بالخوف وحده، عن أنس -رضي الله عنه- قال: دخل النَّبِي عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ فَقَالَ: (كَيْفَ تجدك؟) قَالَ: أرْجُو اللهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو، وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ) (رواه الترمذي وابن ماجه، وحسنه الألباني).

فاللهم اجعل لنا مِن خشيتك ما يحول بيننا وبيْن معاصيك، ومِن طاعتك ما تبلغنا به جنتك.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة