الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

العمل في الإسلام

نجد القرآن الكريم قد قرن العمل بالإيمان والعبادات والذكر

العمل في الإسلام
أحمد مسعود الفقي
الخميس ٢٣ يوليو ٢٠١٥ - ١٣:٣٣ م
2907

العمل في الإسلام

كتبه/ أحمد مسعود الفقي

الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم

أما بعد:

فقد دعا الإسلام إلى العمل، وحث عليه لأنه من أهم وسائل الرزق، وأساس الاقتصاد، والدعامة الأساسية للإنتاج، وهو عبادة من أجل العبادات مع النية الخالصة، فكل قطرة عرق وكل جهد وتعب يبذله المسلم في عمله ،يجازى عليه وتكون في ميزان حسناته، مع صلاته وصيامه وزكاته.

والمسلم ينبغي عليه أن يعلم أنه لا يعمل من أجل الحرص على الحياة المادية فحسب، بل لأن العمل من وسائل التقرب إلى الله عز وجل.

لذلك نجد القرآن الكريم قد قرن العمل بالإيمان والعبادات والذكر قال ابن كثير في تفسيره  لقول الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}  (الجمعة 10)  أي في حال بيعكم وشرائكم وأخذكم وإعطائكم، اذكروا اللّه ذكراً كثيراً، ولا تشغلكم الدنيا عن الذي ينفعكم في الدار الآخرة، وقال مجاهد : لا يكون العبد من الذاكرين اللّه كثيراً حتى يذكر اللّه قائماً وقاعداً ومضطجعاً، أي : على كل حال.

وقال القرطبي رحمه الله في قوله تعالى:{ فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض} هذا أمر إباحة؛ كقوله تعالى :{ وإذا حللتم فاصطادوا} (المائدة 2)، يقول : إذا فرغتم من الصلاة فانتشروا في الأرض للتجارة والتصرف في حوائجكم. { وابتغوا من فضل الله} أي: من رزقه، وكان عراك بن مالك إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال : اللهم إني أجبت دعوتك، وصليت فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين.

 

 

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره  لقول الله تعالى : {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} الملك 15

أي: فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات، واعلموا أن سعيكم لا يجدي عليكم شيئاً إلا أن ييسره اللّه لكم، ولهذا قال تعالى: { وكلوا من رزقه} فالسعي في السبب لا ينافي التوكل، كما قال رسول اللّه: (لو أنكم تتوكلون على اللّه حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً)  فأثبت لها رواحاً وغدواً لطلب الرزق مع توكلها على اللّه عزَّ وجلَّ، وهو المسخر المسير المسبب { وإليه النشور} أي المرجع يوم القيامة، قال ابن عباس ومجاهد: مناكبها: أطرافها وفجاجها ونواحيها.

 

 

وقال الطبري في تفسير َقَوْله تعالى : { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْض ذَلُولًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : اللَّه الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْض ذَلُولًا سَهَّلَهَا لَكُمْ .

 

وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى:  { هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا} أي سهلة تستقرون عليها. والذلول المنقاد الذي يذل لك والمصدر الذل وهو اللين والانقياد. أي لم يجعل الأرض بحيث يمتنع المشي فيها بالحزونة والغلظة. وقيل: أشار إلى التمكن من الزرع ،والغرس وشق العيون والأنهار، وحفر الآبار.

ففي هذه الآية دعوة صريحة إلى الأخذ بكل سبب من أسباب العمل المشروع، وهي دعوة إلى الضرب في الأرض ، والسعي فيها لكسب المعاش، فالأرض مذللة للناس، وما عليهم إلا السير في أرجائها الواسعة، وفجاجها البعيدة، ليحصلوا على الخيرات الكثيرة التي بثها الله فوق هذه الأرض وفي باطنها، { فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور } والقرآن الحكيم يخاطب الناس أن : اعملوا لتأخذوا ثمرة عملكم، عليكم بالتعب والنصب لتجدوا لذة كسبكم، فالسعي إذن هو الوسيلة للكسب.

وقال  ابن كثير في قوله تعالى:{ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْض  يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْل اللَّه} المزمل 15

أي: ومسافرون يبتغون من فضل اللّه في المكاسب والمتاجر.

وقال الإمام الطبري رحمه الله:{ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْض } فِي سَفَر { يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْل اللَّه } فِي تِجَارَة قَدْ سَافَرُوا لِطَلَبِ الْمَعَاش فَأَعْجَزَهُمْ ، فَأَضْعَفَهُمْ أَيْضًا عَنْ قِيَام اللَّيْل .

والآيات الكريمة الداعية إلى العمل والسعي لكسب العيش تزيد علة المائة وستين آية، أما التي ذكرت مطلق العمل فبلغت ثلاثمائة وستين آية، ووردت بمعان أخرى في مائة وتسع آية.

أما الرسول صلى الله عليه وسلم ، فأحاديثه كثيرة في الترغيب في العمل، من ذلك قوله  صلى الله عليه وسلم:

وقوله: (ما أكل أحد طعامًا قط خبرًا من أن يأكل من عمل يده)

وقوله:(من أمسى كالًا من عمل يده أمسى مغفورًا له)

وقوله:(التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء)

ويسمو الإسلام بالعمل حتى يجعله بمنزلة الجهاد في سبيل الله فقد روى كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه فقالوا يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياءً أو مفاخرةً فهو في سبيل الشيطان)

أما أقوال السلف الصالح رضي الله عنهم في هذا المعنى فكثيرة : منها: قول سيدنا عمر رضي الله عن:))ما من موضع يأتيني الموت فيه أحب إلي من موطن أتسوق فيه لأهلي أبيع وأشتري))

وقوله أيضًا: ((إني لأرى الرجل فيعجبني، فأقول هل له حرفة؟ فإن قالوا: لا، سقط من عيني. ))

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((المغزل في يد المرأة مثل الرمح في يد الغازي))

وقال المؤرخ ابن خلكان  في تاريخه (حثًا على العمل):(( لو يعلم المسلمون وأبناء المسلمين ما أعد الله للمسلمين في إحياء الأرض ما ترك مسلم بقعة دون إحياء رجاء الثواب المدخر عند الله))

وإذا كان الإسلام قد حث المسلم على العمل ودعاه إليه فقد نهاه في الوقت نفسه عن الجلوس في بيته من غير عمل بحجة أن رزقه سيأتيه فهذا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدخل المسجد بعد الصلاة فيرى فيه قومًا قابعين بدعوى التوكل على الله فما كان من الفاروق إلا أن علاهم بدرته وقال كلمته المشهورة :

))لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول :اللهم ارزقني وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة وأن الله تعالى يقول: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الجمعة10)

وهذا الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله سئل عمن يجلس في بيته من غير عمل بحجة أن رزقه سيأتيه فأجاب السائل :هذا رجل جهل العلم أما سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم :جعل رزقي تحت ظل رمحي وقوله حين ذكر الطير : تغدو خماصًا وتروح بطانًا

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته.

وقال المناوي في فيض القدير: أي أحكم عمله بأن يعمل من كل شيء بحيث يدوم دوام أمثاله، وذلك محافظة على ما يحب ربه ويرضاه. انتهى.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله كتب الإحسان على كل شيء. وقال علي بن أبي طالب: قيمة المرء ما يحسن.  .

وروي عن عائشة رضي الله عنها: إن الله لا يقبل عمل امرئ حتى يتقنه، قالوا: يا رسول الله، وما إتقانه؟ قال: يخلصه من الرياء والبدعة.

وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (لاَ يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا وَلاَ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ وَلاَ دَابَّةٌ وَلاَ شَىْءٌ إِلاَّ كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ)

وصافح رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجلاً فوجد يد الرجل خشنة من آثار العمل اليدوي فقال عليه السلام: هذه يد يحبها الله ورسوله".  عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن قامت الساعة و في يد أحدكم فسيلة ، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها .

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً

لا يستوون عند الله (2)
34 ٠٧ أبريل ٢٠٢٤
لا يستوون عند الله (1)
38 ٢٧ مارس ٢٠٢٤
مَن هوى فقد هوى(2)!
219 ٠٢ فبراير ٢٠٢٢
من هوى فقد هوى (1)!
127 ٢٩ ديسمبر ٢٠٢١