الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

كيف تعامل السلف مع الخوارج؟

لقد كانت طريقة عمر بن عبد العزيز هي نفس طريقة علي بن أبي طالب عندما أرسل ابن عباس لدعوة الخوارج

كيف تعامل السلف مع الخوارج؟
محمود قناوي
الأربعاء ٢٩ يوليو ٢٠١٥ - ١١:٠٤ ص
3703

كيف تعامل السلف مع الخوارج؟

كتبه/ محمود قناوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

في عهد أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، خرج عليه الخارجي بسطام مِن بني يشكر، فأرسل عمر بن عبد العزيز رسالة إلى أمير الخوارج بسطام قال فيها: «بلغني أنك خرجت غضبًا لله ورسوله، ولست أولى بذلك مني، فهلم إليَّ أناظرك، فإن كان الحق بأيدينا دخلت فيما دخل به الناس -يقصد البيعة- وإن كان في يدك نظرنا في أمرك» .

فرد بسطام قائلًا: قد أنصفت وبعثت إليك رجلين يدارسانك ويناظرانك، وأرسل الخرجي إلى عمر رجلان؛ رجل حبشي يسمى عاصم، ورجل مِن بني يشكر، فقدما على عمر ودخلا عليه، فقال لهما عمر: ما أخرجكما هذا المخرج وما الذي نقمتم علينا؟ فقال عاصم: مانقمنا سيرتك، إنك لتتحرى العدل والإحسان فأخبرنا عن قيامك بهذا الأمر أعن رضا مِن الناس ومشورة أم ابتززتم أمرهم؟

فقال عمر: ما سألتهم الولاية عليهم ولا غلبتهم عليها، وعهد إلى رجل مبتلى فقمت ولم ينكره على أحد ولم يكرهه غيركم وأنتم ترون الرضا مِن الناس، فإن خالفت الحق فلا طاعة لي عليكم. قال عاصم: بيننا وبينك أمر واحد. قال عمر: ما هو؟

قالا: رأيناك خالفت أعمال أهل بيتك وسميتها مظالم، فإن كنت على هدى وهم على ضلالة فالعنهم وأبرأ منهم .

قال عمر: قد علمت أنكم لم تخرجوا طلبًا للدنيا، ولكنكم أردتم الآخرة فأخطأتم طريقها، إن الله عز وجل لم يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لعانًا، وقال إبراهيم: ﴿فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، وقال عز وجل: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّه فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ﴾، وقد سميت أعمالهم ظلمًا وكفى بذلك ذمًّا ونقصًا، وليس لعن أهل الذنوب فريضة، فإن قلت أنها فريضة فأخبرني متى لعنت فرعون؟

فقال عاصم: لا أذكر متى لعنته.

فقال عمر: أيسعك ألا تلعن فرعون وهو أخبث الخلق وأشرهم، ولا يسعني ألا ألعن أهل بيتي وهم مصلون صائمون .

قال عاصم: أما هم كفار بظلمهم؟

قال عمر: لا؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى الإيمان، فكان من أقر به وبشرائعه قبل منه، فإن أحدث أقيم عليه الحد .

فقال الخارجي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى توحيد الله والإقرار بما نزل مِن عنده. قال عمر: فليس أحد منهم يقول: لا أعمل بسنة رسول الله، ولكن القوم أسرفوا على أنفسهم على علم منهم أنه محرم عليهم، ولكن غلب عليهم الشقاء .

فقال عاصم: فأبرأ مما خالف عملك ورد أحكامهم. فقال عمر: أخبرني عن أبي بكر وعمر، أليسا على الحق؟

قال عاصم: بلى .

فقال عمر: أتعلم أن أبا بكر حين قاتل أهل الردة سفك دماءهم وسبى الذراري وأخذ الأموال؟

فقال عاصم: بلى.

قال عمر: أتعلمان أن عمر رد السبايا بعده إلى عشائرهم بفدية .

قالا: نعم.

فقال عمر: فهل برئ عمر بن الخطاب من أبي بكر؟

قالا: لا.

قال عمر: أفتبرءون أنتم مِن أحدهما؟

قالا: لا.

قال عمر: فأخبراني عن أهل النهراوان وهم أسلافكم، هل تعلمون أن أهل الكوفة خرجوا فلم يسفكوا دماءكم ولم يأخذوا مالًا، وأن مَن خرج إليهم مِن أهل البصرة قتلوا عبد الله بن خباب وجارته وهي حامل؟

قالا: نعم .

قال عمر: فهل برئ مَن لم يقتل ممن قتل؟

قالا: لا.

قال عمر: أفتبرءون أنتم مِن أحد مِن الطرفين؟

قالا: لا .

قال عمر: «أفيسعكم أن تتولوا أبا بكر وعمر وأهل البصرة والكوفة وقد علمتم اختلاف أعمالهم ولا يسعني إلا البراءة من أهل بيتي والدين واحد، فاتقوا الله؛ فإنكم جهال تقبلون مِن الناس ما رد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتردون عليهم ما قبل، ويا من عندكم من خاف عنده ويخاف عندكم من آمن عنده فإنكم يخاف عندكم مَن شهد أن لا إله الا الله وأن محمدًا رسول الله، وكان مَن فعل ذلك عند رسول الله أمن وحقن دمه وماله وأنتم تقتلونه، ويا من عندكم سائر أهل الأديان فتحرمون دماءهم وأموالهم».

وبعد هذه المناظرة قال عاصم لعمر: «أشهد أنك على حق»، وتاب إلى الله .

وما هي إلا أيام قليلة ومات عمر بن عبد العزيز رحمه الله قبل أن يصل عاصم وصاحبه إلى قائد الخوارج بسطام، وتولى بعد عمر يزيد فلم يمهل بسطام حتى يراجع الرسل، بل أرسل إليه جيشًا ليقضي عليه، ففتك بسطام بجيش يزيد، فأرسل يزيد جيشًا ثانيًا، فقضى عليه بسطام وقتل قائده، فأرسل يزيد جيشًا ثالثًا، فهزم أيضًا، فأرسل يزيد جيشًا رابعًا فهزم، فأرسل جيشًا خامسًا فانتصر على بسطام وقتله وقضى على فتنته، ولكن بعد أن قتل الآلاف من المسلمين، وإنا لله وإنا إليه راجعون .

أخي في الله: شتان شتان بين أسلوب عمر في القضاء على الخوارج وأسلوب يزيد؛ فعمر بن عبد العزيز كان حريصًا على هدايتهم ودعوتهم للحق نصرة لدين الإسلام، لذلك أحبه الخوارج حتى أن قائدهم بسطام عندما مات عمر بن عبد العزيز حزن عليه وقال: مات الرجل الصالح، أما يزيد فلم يكن له هم إلا تقوية سلطانه بالقوة والعنف، فلعنه الخوارج، ولعنوا أصحابه، وقاتلوهم باستماته، وانتصروا عليهم أكثر مِن مرة.

لقد كانت طريقة عمر بن عبد العزيز هي نفس طريقة علي بن أبي طالب عندما أرسل ابن عباس لدعوة الخوارج وكان حريصًا على هدايتهم مع علمه أنهم سيقاتلوه.

فقد قيل لعلي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين؛ إن القوم خارجون عليك، قال: دعهم حتى يخرجوا، فإني لا أقاتلهم حتى يقاتلوني، وسوف يفـعلون. فماذا كانت نتيجة ذهاب ابن عباس لهم، لقد تاب منهم ألفان، وبقي أربعة آلاف على غيِّهم، فقاتلهم علي وانتصر عليهم، ومما سبق يتضح لنا أننا لا بد في تعاملنا مع مشكلة الخوارج أن لا نعتمد على الحل الأمني فقط؛ فالحل الأمني هو فقط كالمسكنات التي عندما يزول مفعولها يظهر الألم مِن جديد، ولكن ينبغي أن نقضي على المرض مِن جذوره، وذلك لا يكون إلا بالدعوة والحوار والمناظرة ورد شبهاتهم بالعلم.

نسأل الله عز وجل أن يحفظ مصر وبلاد المسلمين مِن كيد الخوارج والمارقين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

 

تصنيفات المادة