الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

تناقضات د. محمد عبد المقصود

ناك أنواع أخرى من الظلم قد يتلبس بها الإنسان على حين غفلة من أمره

تناقضات د. محمد عبد المقصود
أحمد الشحات
الأحد ٠٦ سبتمبر ٢٠١٥ - ١١:٠٥ ص
3300

تناقضات د. محمد عبد المقصود

كتبه/ أحمد الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعد؛

مَن يتابع ما يُكتب وما يُقال عن الدعوة السلفية وعن رموزها يعرف أن التجاوز والأذى قد بلغا من البعض مبلغًا كبيرًا، والظلم الذي جاءت الشريعة بتحريمه، ليس ظلم الحكام لشعوبهم فقط -كما يحلو للبعض أن يحصرها في ذلك- فهناك أنواع أخرى من الظلم قد يتلبس بها الإنسان على حين غفلة من أمره، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أتدرون مَن المفلِسُ؟ قالوا: المفلِسُ فينا من لا درهم له ولا متاعَ. فقال: إنَّ المفلسَ مِن أمَّتي، يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مالَ هذا، وسفك دمَ هذا، وضرب هذا. فيُعطَى هذا مِن حسناتِه وهذا مِن حسناتِه، فإن فَنِيَتْ حسناتُه قبل أن يقضيَ ما عليه، أخذ مِن خطاياهم فطُرِحت عليه، ثمَّ طُرِح في النَّارِ». (رواه مسلم 2581)، ومن ذلك التعرض للمسلم بالسب، فعن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر». (متفق عليه)، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: «لعن المسلم كقتله»، وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يرمي رجل رجلًا بالفسق أو الكفر، إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك». (رواه البخاري)، وعن أبي هريرة رَضيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «المتسابان ما قالا، فعلى البادي منهما حتى يعتدي المظلوم». (رواه مسلم)، ومنه قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾.

وقد كنا نكره أن نتكلم عن الأشخاص، أو نذكر وقائع بعينها، وكنا نرى في طريقة النبي صلى الله عليه وسلم: «ما بال أقوام يفعلون كذا»، غُنية لنا عن ذكر الأعيان، ما دامت تحقق المقصود منها، ولكن للأسف لم يترك لنا هؤلاء الطاعنون فينا فسحة للاستمرار على هذه الطريقة.

فمن ذلك أن يتطاول شيخ كبير في السن على عرض إخوانه، فيرميهم بالتهم الباطلة، والصفات المنكرة، وهو الذي كان يعتبرهم في يوم من الأيام أساتذته وشيوخه، فذكر ردًّا على سؤال وُجه له بخصوص أحد الدعاة الذين كانوا يتهمون المشايخ بالحزبية والإرجاء وغيرها فقال: «يا بني هؤلاء أهل السنة، وهؤلاء من أوائل من أدخلوا السلفية إلى مصر ونصروها، أسأل الله أن يحفظهم جميعًا، وأن يسلمهم من كل سوء، وإني والله لأحبهم في الله، هؤلاء كانوا سلفيين مدة أن كنا جهالا لا نعرف شيئًا، هؤلاء قدامى ولهم قدم راسخة في العلم».

هذا الرجل عندما أثنى على شيوخ الدعوة بالاسم ذكر منهم نصًّا، الشيخ المهندس محمد عبد الفتاح (أبو إدريس) الذي اعتبره من المشايخ السلفيين الأوائل الذين نشروا السلفية في ربوع مصر، ثم تمر الأيام والليالي، فنجده يخرج على إحدى القنوات مع رجل على نفس شاكلته لم يدخر وسعًا هو الآخر في نهش لحوم العلماء، والولوغ في أعراضهم، ليطعن في عرض الشيخ أبي إدريس وينقل عن شاب أحمق موتور سَوَّدَ كلامًا قذرًا في صفحات نتنة، نقله بدوره عن مجهول أنه كان يرى الشيخ في الجامعة وهو يتحين الفرصة لدخول مصلى النساء ليطلع على وجوه الأخوات على حين غفلة من أمرهن!! فكان أحدهما حاكيًا والآخر ضاحكًا ملأ فيه سخرية واستهزاءً.

ومع أن هذه ليست أولى تجاوزاته؛ حيث اتهم الشيخ ياسر برهامي قبل ذلك بالعمالة لأمن الدولة، فقال على قناة الجزيرة في تعليقه على ترشيح حزب النور لعبد الفتاح السيسي في الانتخابات: «هذا الأمر ليس مستغربًا، لأن حزب النور لعب دور المحلل في كل المصائب التي مرت بنا، وأنا حذرت من ياسر برهامي مرارًا وتكرارًا؛ لأنه كان عميلًا لأمن الدولة قبل قيام الثورة، وعندما سأله المذيع عن الدليل، فقال معي عشرون واحدًا مِن الذين بلَّغ عنهم ياسر برهامى، وأي واحد لا يكون طوعًا لياسر برهامي يبلغ فيه الأمن بأنه قطبي، أو تكفيري».

ومع أنه وعد بإخراجهم، والإتيان بالأدلة الدامغة على هذه العمالة، فإنه حتى الآن لم يفعل، وهيهات له أن يفعل، وإلا أوقع نفسه في دائرة الاتهام، مع أننا لو جاز لنا أن نعامله بنفس طريقته، لاتهمناه كما اتهمه البعض بالعمالة للأمن أيضًا، أثناء فترة حكم الدكتور مرسي، حيث ذكر في تعليقه على المظاهرات أمام مبنى الأمن الوطني ردًّا على الاستدعاءات التي قام بها الجهاز لبعض السلفيين، فقد ذكر تفاصيل مكالمة تمت بينه وبين اللواء أحمد عبد الجواد نائب رئيس جهاز الأمن الوطني وأثنى عليه خيرًا، وأثنى على وزير الداخلية محمد ابراهيم، وأن جبهة الخراب تسعى لإقالته، رغم أدائه المتميز، وأن الاستدعاءات لم تتم من داخل الجهاز وإنما من بعض المفصولين والمأجورين من خارجه، لأن الجهاز سياسته تغيرت، وأن فكرة الحشد تؤدي إلى الفوضى.

وبعد أن نذكره هو وغيره من الخائضين في أعراض الناس بقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِن أربى الرِّبا الاستطالةَ في عرضِ المُسلم بغيرِ حق»، نأخذ من كلامه ونعيب على ذكائه أنه لم ينتبه إلى أن الفترة الزمنية التي كان الشيخ فيها بالجامعة لم يكن هناك ما يسمى بظاهرة النقاب في خارج الجامعة، فضلًا عن أن يكون بداخلها، وأن النقاب قد انتشر في هذه البلاد بفضل الله أولًا، ثم بفضل هؤلاء المشايخ الذين أظهروا هذه السنن ونشروها بين الناس، وقت أن كان هو وغيره في دنيا لا يعلمها إلا الله، وبالتالي لن نتحدث هنا عن التثبت، ولن نسأله عن السند، ولكن نطلب منه أن يحدثنا كيف استوثق من أن هؤلاء المشايخ هم أهل السنة في مصر، وهم حاملو لواء السلفية وناصروها؟ وما الذي تغير إذن ليصبحوا بهذا المستوى الوضيع من الأخلاق؟ والأهم من ذلك متى حدث هذا التغير؟ ومنذ متى وهو يعلم ذلك؟ وهل للموقف من أحداث 30/6 دور في وصف المشايخ بهذه الأوصاف القذرة؟

لا نظن أن لديه إجابة، ولكن نود أن نأخذ جولة مع آرائه المتناقضة، عسى أن تعطي لنا تصورًا عما يجري الآن، نسأل الله العفو والعافية:

هذا الرجل ظل على موقفه الداعم لمشايخ الدعوة قبل الثورة وبعدها، إلى الوقت الذي حدثت فيه مفاضلة بين الدعوة السلفية وجماعة الإخوان، برفض دعوة النزول إلى ميدان رابعة في حشود مضادة لحشود أخرى معارضة للإخوان، وباعتباره أحد مَن ارتموا في أحضان الإخوان الدافئة، فإنهم يستخدمونه خنجرًا يطعنون به الدعوة، ويشوهون به مسيرتها، والدليل على أن موقفه من المشايخ لم يتغير إلا بعد الأحداث أنه قال في درس بمسجد الخلفاء بمدينة الإسكندرية، وقد كان ذلك بعد الثورة بمدة «فما كنت أظن أني في يوم من الأيام، أجلس بجوار فضيلة الشيخ محمد إسماعيل، والشيخ ياسر برهامي، وعمالقة المدرسة السلفية، فنحن نعتقد أن هذه المدرسة قلعة القلاع الشامخة في نصرة السلفية ونشرها بين الناس، فبخ بخ لك يابن عبد المقصود، أكرمكم الله».

والعجيب أنه كان موجودًا أيضا في ملتقى العلماء والدعاة، وقد قام فضيلة الشيخ ياسر برهامي بشرح الدور الذي قامت به الدعوة السلفية في لجنة المائة لكتابة الدستور وقتها، وتحمَّل ما لا يتحمله بشر من حملة إعلامية شرسة بعد تسجيل اللقاء ونشره على الإنترنت، وكان هذا الشخص ضمن المستمعين، بل الشاكرين الممتنين لدور الدعوة، وذلك في حضور جمع من المشايخ والدعاة.

هذا العملاق -على حد وصفه- تحوَّل فجأة إلى منافق لمجرد رفضه للنزول في ميدان رابعة، بل لسعيه في حقن دماء المسلمين هناك، فإذ بهذا الشخص يخطب على منصة رابعة قائلًا: «نحن نعارض عبد الفتاح السيسي الذي وضع هذه الخريطة، ونسعى لإسقاطه، والمنافق الآخر ياسر برهامي، يجلس الآن ويدبرون مكيدة لا تنطلي على الأطفال، وهي أنكم تفضون اعتصام رابعة في مقابل أن يفض الآخرون اعتصام التحرير، وندخل في مصالحة وطنية، هذه نكتة، هل هكذا يتحدد مستقبل الإسلام، هذا الداعية الذي يقول لا ينبغي للخلافات السياسية أن تجرنا إلى الدماء؟ هل هذه خلافات سياسية؟ يا من ألفت كتابًا من عدة مجلدات في التوحيد، هو التوحيد كلام، تلبس الغترة، وترقع الخطبة وانتهت المسألة، هذه مكيدة ضد الإسلام، هؤلاء يريدون استئصال الإسلام والمسلمين».

ومن عجيب تناقضاته أنه كان له موقف معارض لترشح الأستاذ حازم صلاح أبو إسماعيل للرئاسة، وكان الاعتراض -على حد قوله- مُنصبًّا على مسألة تهاونه في أمر الدماء فقال في حوار مع الأستاذ خالد عبد الله: «هناك فارق بين المطلوب والممكن، والعاقل هو الذي يتحرك في دائرة الممكن وعينه على المطلوب حين يصير ممكنًا، لكن الإنسان لا يترك الممكن وعينه على المطلوب؛ لأن هذا ينافي قواعد الشرع، والله يقول: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾، ولو أنني بين خطتين، خطة على المدى الطويل أتابعها بحزم، هذه الخطة وإن لم تحقق لي جميع مطالبي حققت لي الكثير من المطلوب، لكن هذه الخطة لن تراق فيها دماء، وخطة أخرى متعجلة تراق فيها الدماء وقد نصل أو لا نصل، وأنتم تعرفون قصة الحديبية فهل أعطى النبي الدنية في دينه كما ظن عمر؟ لا بل ظل يعمل لذلك أعمالا»، ثم قال: «قال الدكتور ياسر برهامي -حفظه الله- للشيخ حازم: ماذا عن الدماء؟ قال له: الناس حتموت حتموت، منذ متى ونحن نعبأ بالدماء؟ وطبعًا مسألة الاهتمام بالدماء مسألة خطيرة جدًّا؛ فأول ما يقضي يوم القيامة بين الناس في الدماء، وأنا لا أدري ماذا أقول؟!».

ماذا فعل بعد ذلك في الدماء؟ حرَّض الشباب السلفي على النزول لينالوا القتل بلا ثمن، وارتكب من التهور والحماقة ما لم يقع فيه الأستاذ حازم نفسه الذي رفض النزول إلى رابعة، ثم يعود الرجل ليعترف بالقتلى الذين غرر بهم ودفعهم للنزول في ميدان رابعة فيقول: «نريد أن نسجل هنا أن الذين قتلوا في رابعة العدوية كان كثير منهم -إن لم يكن أكثرهم- مِن السلفيين، من شباب التيار السلفي، حيث كانت بوتقة اختلطت فيها الدماء».

أما فيما يتعلق بالعنف والتحريض عليه، فقد قال فيما يتعلق بالسلمية المزعومة: «ذكر حديث مراتب تغيير المنكر، وذكر أن المواجهة معهم بالسلاح غير متكافئة، لكن غاية أمرنا أننا نحاول إرهاب هؤلاء، بتهديدهم أو بحرق سياراتهم أو حرق بيوتهم، كل هذا من باب الردع، ثم سأله المذيع هل يدخل في إطار السلمية إحراق سيارات الشرطة، وسيارات بعض البلطجية، ومدى مشروعية إحراق هذه السيارات، فرد هذا في إطار السلمية، ولو كنا نتغلب عليهم من ناحية العدد والعدة لقاتلناهم، هؤلاء استحلوا من المسلمين كل حرام، الدماء، الأموال، الأعراض».

من عجيب تناقضاته أنه في إحدى الندوات التي كان يحاول فيها الدفع بأن الدكتور مرسي ولي أمر شرعي، فقال مستنكرًا على بعض مَن يرفضون تسميته ولي أمر شرعي: «يقولون هل تولى الرجل هذا الأمر بصورة شرعية حتى يطلق عليه أنه ولي أمر؟ أمر غريب يا أخي!! أنت لم تقرأ أن هذا الرجل لو تغلب بالسيف، وقاتل المسلمين حتى انتزع الأمر انتزاعًا أنه ينبغي عليك أن تسمع وتطيع في هذه الحالة، ما هو ده جهل فاضح، إنتوا عاملين تشغبوا، وعاملين دوشة حتحاسبوا عليها يوم القيامة؛ لأنكم تشقون الصف».

مع أنه كان يستنكر على الأستاذ حازم قبل ذلك سعيه لأخذ البيعة، وتحويل الأمر مِن رئاسة إلى إمارة، فقال: «لاحظ نقطة في منتهى الخطورة، أن الأساتذة المشايخ المحترمين، أخرجوا الانتخاب عن موضوعه إلى مبايعة، والمبايعة ينبغي أن تكون مِن أهل الحل والعقد، وهذه المبايعة تمنعك بعد ذلك مِن أن تفتح فاك بسبب السمع والطاعة، وحينها سموه أميرًا لا تسموه رئيسًا، وانتبه عندها للعواقب، لن يسمح لك بالكلام بعد ذلك، إن تكلمت أو انتقدت، يبقى خرجت على الإمام، وولي الأمر، وهنا ستكون العقوبة من إخوانك الذين يدعون الانتماء لنفس ما تنتمي إليه، وهذه مشكلة كبيرة جدًّا؛ لأن هذه تكون بيعة وإمارة ومن مات بدون أن يبايع مات ميتةً جاهلية».

أما عن فتاويه الشاذة وآرائه المنكرة فكثيرة جدًّا، منها فتوى ردًّا على سائل يسأل عن مدى جواز إجابته لدعوة أحد أقربائه على إفطار في رمضان وهو من مؤيدي السيسي، فقال: «لا تذهب إليهم ولا تأكل عندهم، حتى ولو كانوا أقاربك، فهؤلاء ليسوا من أهلك، إنه عمل غير صالح»، ومنها فتوى جاءت ردًّا على سؤال حول الصلاة خلف أئمة الأوقاف والأئمة من حزب النور قال: «اتخذوا بيوتكم قبلة، ولا تصلوا وراء هؤلاء المنافقين»، ومنها فتوى ردًّا على سؤال من زوجة تقول: إن زوجها انقلابي، ولا تستطيع أن تعيش معه، فقال: «تختلع منه، وتفتدي نفسها».

وبعد هذه الجولة السريعة في تناقضات هذا الرجل وتجاوزاته، فإننا نتوجه بالدعاء إلى الله أن يلهمه الهداية، ويرزقه التوبة والإنابة قبل الموت؛ لأن الطعن في الأعراض لا مناص للتخلص منه سوى التوبة النصوح، والعفو والمسامحة من صاحب المظلمة، وإلا فقد يلجأ المظلوم إلى الدعاء على من ظلمه والتعدي عليه، فتكون النهاية بعد تقدم العمر وقرب حلول الأجل، مثل نهاية مَن اتهم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بأنه «لَا يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ, وَلَا يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ, وَلَا يَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ»، ولم يجد سعد بُدًّا في مواجهة هذه التهم الباطلة إلا بالدعاء عليه فقال: «أَمَا وَاللَّهِ لَأَدْعُوَنَّ بِثَلَاثٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً, فَأَطِلْ عُمْرَهُ, وَأَطِلْ فَقْرَهُ, وَعَرِّضْهُ بِالْفِتَنِ».

وكان من سوء عاقبة هذا الرجل أن سعدًا كان مستجاب الدعوة، فتحققت فيه دعوة سعد، يقول راوي الحديث: «فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ, قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنْ الْكِبَرِ, وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ ، وَكَانَ بَعْدُ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ, أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ».

ومن المفترض أن يكون الحديث رادعًا لكل عاقل من أن يلغ في أعراض الناس، أو يتعرض لهم بالسب أو الطعن، أو أن يفتري عليهم بالبهتان والزور والكذب؛ لأن عاقبة هذه الأفعال انحطاط ووضاعة في الدنيا، وخسران وهلاك في الآخرة، ومن الفتنة أن يأمن الإنسان من العقوبة، وكما قالوا: إن مَن أَمِنَ العقوبة أساء الأدب، ولكن العقوبة ليست في الدنيا فقط؛ فهناك يوم تجتمع فيه الخصوم لدى ديان يوم الدين، وكما قال الشاعر (أبو العتاهية):

أما والله إن الظلم لؤم *** وما زال المسيء هو الظلــــومُ

إلى ديان يوم الدين نمضي *** وعند الله تجتمع الخصومُ

لأمر ما تصرَّفت الليالي *** وأمرٍ ما توليت النجـــــــومُ

ستعلم في الحساب إذا التقينا *** غدًا عند الإله مِن الملومُ

أمَّا بالنسبة لما قد يُقدِم عليه البعض مِن باب الحماسة والاندفاع، فيتورط في الرد بنفس الأسلوب المبتذل، فلا ينبغي أن يكون لنا مثل السوء، ولا ينبغي لنا أن نواجه السيئة بأختها، ولنجعل من هذه المواقف مواطن اختبار لأخلاقنا وقيمنا التي تربينا عليها.

نسأل الله عز وجل أن يتوب علينا ويغفر لنا، آمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة