الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مع القرآن .. هكذا ينبغي أن نكون -2

لقد ضرب الصحابة المثل في استجابتهم لكلام ربهم -بعد تدبرهم لكلامه وتفهمهم ‏لمراده-

مع القرآن .. هكذا ينبغي أن نكون -2
رضا الخطيب
الأربعاء ٠٩ سبتمبر ٢٠١٥ - ١١:٣١ ص
1380

مع القرآن .. هكذا ينبغي أن نكون (2)

كتبه/ رضا الخطيب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً ‏يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ . لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ (فاطر).
فالله تبارك وتعالى يشيد في هاتين الآيتين بالتالِينَ لكتابه، تلاوة مصحوبة بالتدبُّر الذي ينشأ ‏عنه الإدراك والتأثر، ومما لا شك فيه أن التأثر يفضي بالقارئ -لا محالة- إلى العمل ‏بمقتضى قراءته.
لا سيما وأن الله لفت نظر المسلم إلى التدبُّر لكلامه والتعقُّل لبيانه، وألا يتخذ المسلم قراءته ‏عملًا ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ ‏‏(النساء)، ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (ص).‏

ولقد ضرب الصحابة المثل في استجابتهم لكلام ربهم -بعد تدبرهم لكلامه وتفهمهم ‏لمراده-، ولما كان القرآن هو الكتاب الوحيد الذي كان بين أيديهم، فقد أولوه ‏اهتمامًا عظيمًا، وعقل الصحابة عن الله قوله، ولم يكن همُّ أحدهم «متى أختم ‏السورة؟»، أو «ختمت القرآن ختمتين أو ثلاث» دون أن يتدبَّر معانيه.
- يقول عبد الرحمن السلمي: «كان الذين يُقرِؤُننا القرآن كعثمان وعبد الله بن مسعود ‏أنهم كانوا إذا قرءوا عشر آيات لا يتجاوزوها حتى يعلموا ما فيها، ويعملوا بما فيها»، ‏فيقول: «فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا».
ويقول ابن مسعود: إذا سمعت الله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فارعها سمعك؛ فإن ‏بعدها أمر يأمرك الله به، أو نهي ينهاك الله عنه.
حرص الصحابة على تلقي القرآن الكريم مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظه ‏وفهمه، وكان ذلك شرفًا لهم.
عن أنس رضي الله عنه قال: «كان الرجل منا إذا قرأ البقرة وآل عمران جَدَّ فينا»؛ أي: ‏عَظُم.‏
وحرصوا كذلك على العمل به والوقوف عند أحكامه.

أضرب لكم أمثلة عملية مِن حياتهم، وكيف كانوا يقرءون كلامه ويعقلون مراده، ثم يمتثلون ‏أوامره ويجتنبون نواهيه:

- لما أنزل الله قوله: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ ‏تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾؛ أي: أن الله سيحاسبكم على ما بدر منكم وما يجول في خواطركم -فلما تدبروا الآية ‏وعلموا مراد الله منها شقَّ ذلك عليهم- مع أنهم رضوان الله عليهم لا يجول في خواطرهم إلا ‏الخير، فالمنضبط منا والملتزم فينا ما يبدر منه مِن الذنوب والمعاصي لا يصل أبدًا إلى عُشر ‏معشار ما يجول في خواطره مِن الذنوب والمعاصي، ورغم ذلك جثوا على الركب؛ روى الإمام أحمد، عن أبي هريرة قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿لِلَّهِ ‏مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ﴾ اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه ‏وسلم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جثوا على الركب، وقالوا: يا رسول الله؛ ‏كلفنا مِن الأعمال ما نُطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزل عليك هذه ‏الآية ولا نطيقها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم-مُعلِّمًا ومؤدِّبًا ومربيًا-: «أتريدون ‏أن تقولوا كما قال أهل الكتابين مِن قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا، ‏غفرانك ربنا وإليك المصير». فلما أقَر بها القوم وذلت بها ألسنتهم، أنزل الله في أثرها: ﴿‏آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ ‏بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾، فلما فعلوا ذلك ‏نسخها الله فأنزل: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا ‏لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾. (رواه مسلم).
- لمَّا أنزل الله قوله: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ ‏عَلِيمٌ﴾؛ أي: لن تنالوا مراضيه حتى تنفقوا أحب أموالكم إليكم –نظر كل رجل منهم ‏إلى أحب ماله إليه فجعله لله-، لم ينظر إلى الرديء مِن ماله؛ روى الإمام أحمد، عن أنس بن ‏مالك قال: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالًا، وكانَ أحبَّ أمواله إليه بيْرَحاءُ، ‏وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب مِن ماء فيها طيِّب، قال أنس: فلما ‏نزلت ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ قال أبو طلحة: يا رسول الله؛ إن الله يقول: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ وإن أحبَّ أموالي إلَيَّ بيْرَحاءُ، وإنها صدقة لله أرجو ‏بِرَّها وذُخْرَها عند الله تعالى، فَضَعْها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال النبي صلى الله عليه ‏وسلم: «بَخٍ، ذَاكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَاكَ مَالٌ رَابِح».
‏عن عبد الله بن عُمر قال: حضرتني هذه الآية: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ ‏فذكرتُ ما أعطاني الله، فلم أجد شيئًا أحبَّ إليَّ مِن جارية رُوميَّة، فقلتُ: هي حُرَّة لوجه ‏الله. فلو أنِّي أعود في شيء جعلته لله لنكَحْتُها، يعني تَزوَّجتُها.

وللحديث بقية إن شاء الله .. وأستغفر ‏الله لي ولكم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة